يو بي إس: إستمرار النـَّزيف.. والعمال أولى الضحايا
أعلن اتحاد المصارف السويسرية "يو بي إس"، أكبر بنوك البلاد، عن تسريح 8.700 عامل، من بينهم 2.500 موظف داخل سويسرا، بحلول عام 2010. وتزامن الإعلان مع انعقاد الجمعية العامة لـ "يو بي إس" يوم الأربعاء 15 أبريل الجاري في زيورخ.
وتأتي هذه الخطوة في إطار مساعي إيقاف النزيف المتواصل الذي يعاني منه المصرف منذ اندلاع أزمة الائتمان العقاري بالولايات المتحدة الأمريكية. فخلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة فقط، سجل المصرف خسارة قدرها ملياريْ فرنك سويسري.
ويؤدي مخطط التسريح االجديد إلى تقليص عدد عمال المصرف من 76.200 نهاية شهر مارس الماضي إلى ما دون 67.500 عامل، وذلك تكيـُّفا مع التحولات التي عرفتها أخيرا الأسواق المالية، وفي ظل تراجع حاد لقطاع النشاطات الاستثمارية للمصرف.
ومن خلال فصل هذا العدد الكبير من العمال، يسعى المصرف إلى ادخار 3.5 مليار فرنك بنهاية 2010، بعد فترة عصيبة مرّ بها خلال سنة 2008، خسر خلالها ما يقارب 21 مليار فرنك.
لكن هذا الإجراء يلحق أضرارا بالغة بسوق العمل في سويسرا، بحيث يمس 10% من جملة موظفي المصرف في البلاد. ومن المنتظر أن يتراوح عدد المحالين على البطالة بشكل كامل ما بين 1200 و1500 عامل في مرحلة أولى. وفي محاولة لتخفيف وطأة القرار، وعد المصرف يوم الأربعاء باعتماد خطة لمساعدة المتضررين، ووصف قرار الطرد بأنه “قرار مؤلم، لكن لا انفكاك عنه”.
أسف وريبة
الإعلان قوبل بأسف كبير من الجمعية السويسرية لعمال القطاع التجاري التي نقلت عنها وكالة الأنباء السويسرية (ATS) قولها إن العمال “يدفعون ضريبة الأخطاء التي ارتكبتها إدارة المصرف”. لكنها رحبت مع ذلك، في بيانها الصادر بالمناسبة، بالإجراءات المرافقة التي اتخذها المصرف للتخفيف من وقع الطرد، وأشادت بالجهود التي بذلها المصرف من أجل أن يظل عدد المستغنى عن خدماتهم مـحدودا، وطالبت بخفض ساعات العمل بدل الاستغناء عن العمال إستغناءً كاملا. وتضيف الجمعية بأنها “ستتابع عن كثب تنفيذ الوعود التي أعرب عنها المصرف وتنفيذ الخطة المرفقة بقرار الطرد”.
أما دومنيك بيدرمان، مدير المؤسسة السويسرية للتنمية المستدامة “إيتوس”، فقد بدا حذرا في تعليقه على الخسائر الجديدة التي أعلن عنها مصرف يو بي إس، والقرار القاضي بطرد 8.700 عامل، وصرح في هذا السياق: “يقول البعض أن المصرف على أبواب انطلاقة جديدة، لكن الأمر بالنسبة لي لا يزيد عن كونه استمرارا لجهود إعادة الهيكلة، وأن وضع المصرف لا يبدو أنه قد استقر حتى الآن”.
وأضاف بيدرمان، في برنامج تحليلي لإذاعة سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية): “اعتقد أننا على وشك الخروج من دائرة الاضطراب، لكن الطريق لا يزال طويلا نسبيا”، وهو يشير في ذلك على ما يبدو إلى قضية استمرار سحب الودائع من حسابات المصرف.
العمال يدفعون ضريبة أخطاء غيرهم
الأحزاب السياسية بدورها أجمعت على اعتبار “الاستغناء عن خدمات 2500 مصرفي في سويسرا مرة واحدة، قرارا مؤلما ذي عواقب وخيمة”. وبالنسبة للحزب الراديكالي الليبرالي (يمين)يشكل “قرار اليوم نتيجة حتمية لأخطاء الأمس”. ويضيف هذا الحزب أن “الإجراءات المعلنة مؤلمة جدا لبلادنا، وإرث سنوات أوسبيل أصبح مع الوقت غير محتمل”. وبناء عليه، يدعو البيان الصادر عن الحزب الراديكالي بنك يو إس إلى ” إحداث تغيير جذري في منهجية عمله”.
أما حزب الشعب (يمين متشدد)، فقد عبّر بدوره عن أسفه للقرار السابق، لكنه لا يرى “بديلا عنه”. فهو يعتقد أن “المسؤولية عما يحدث مشتركة بنفس القدر بين إدارة يو بي إس والحكومة الفدرالية”.
وفي تصريحات لوكالة الأنباء السويسرية، قال كيفين غرانجيه، رئيس المنظمة الشبابية التابعة للحزب، والناطق الثاني بإسم الحزب: “ما يحصل الآن هو نتيجة مباشرة للخيارات الخاطئة للطرفيْن على السواء”. فالحكومة بحسب غرانجيه “مسؤولة عن ضياع الآلاف من فرص العمل، لأنها لم تدافع بقوة عن السر المصرفي، بل ساهمت في إضعافه من خلال استجابتها لضغوط القوى الأجنبية”.
أما أحزاب اليسار، فقد تميّز رد فعلها على الإجراء الذي اتخذته إدارة المصرف بالقوة والعنف، بحيث اعتبر حزب الخضر طرد الموظّفين “فضيحة يُحمّل فيها العمال تبعات سياسة خرقاء، اتبعتها إدارة المصرف طيلة العشر سنوات الأخيرة”. لكن غضب الخضر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يطال الحكومة أيضا، بحيث أضاف الحزب المدافع عن البيئة: “لقد قدمت الدولة الدعم للمصرف من دون أن تضع شروطا لهذا الدعم، خاصة بشأن الموظفين”.
وعلى المستوى الحكومي، صدر رد فعل عن وزيرة الاقتصاد السويسرية دوريس لويتارد التي أكدت في حديث مع إذاعة سويسرا الروماندية عدم استغرابها للخطوة التي أقدم عليها المصرف والتي سيتم بمقتضاها فصل 2500 عامل في سويسرا لوحدها. وقالت الوزيرة: “لم يكن الأمر مفاجأً لنا، أتفهم سعي المصرف للحد من النفقات”. لكنها دعت إلى تجنب فصل العمال ما وُجد إلى ذلك سبيل.
استمرار النزيف
رغم المؤشرات الإيجابية نوعا ما التي تمثلت في ارتفاع طفيف على مستوى أسعار أسهم مصرف يو بي إس، خلال شهر يناير الفارط، استمر سحب الودائع من المصرف، والتي بلغت قيمتها 23 مليار فرنك خلال الأشهر الثلاثة الماضية فقط. وتسارعت عمليات السحب أكثر فأكثر مباشرة عقب إعلان المصرف توصله لتسوية مع إدارة الضرائب الأمريكية التي تتهمه بتشجيع مواطنيها على ممارسة التهرب الضريبي.
وكان يو بي إس قد أقر في شهر فبراير 2009 بمساعدة عملاء أمريكيين على إخفاء أموالهم بعيدا عن أعين حكومة بلادهم لتجنب دفع الضرائب. وللتعويض عن ذلك، قبل اتحاد المصارف السويسرية دفع غرامة قدرها 780 مليون دولار، وسلم السلطات الأمريكية قائمة بأسماء حوالي 300 مواطنا أمريكيا تشتبه سلطات بلادهم في تورطهم في عمليات التهرب الضريبي، لكنه قاوم بشدة الضغوط الهادفة إلى إجباره عن كشف أسماء جميع المتعاملين معه في الولايات المتحدة والذين يفوق عددهم 52.000 مودعا.
وتعرض روبيرت موران، أحد الأمريكيين الذين كشف المصرف عن أسمائهم في اللائحة التي سلمها إلى إدارة الضرائب، إلى المحاكمة أخيرا بفلوريدا، ويواجه اليوم عقوبة بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات، وغرامة قدرها 250.000 دولار، ويعمل موران مديرا تنفيذيا بإحدى شركات السفن بالولايات المتحدة. وينتظر مواطن أمريكي آخر دوره ليُحاكم في قضايا التهرب الضريبي الأسبوع القادم أيضا.
سويس إنفو والوكالات
تقدر خسائر الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2009 بحوالي ملياريْ فرنك سويسري.
رغم المؤشرات الإيجابية التي سُجلت في شهر يناير الماضي، بلغ حجم الودائع التي انسحبت من حسابات المصرف 23 مليار فرنك.
يسعى المصرف إلى توفير ادخارات تتراوح بين 3.5 و4 مليارات فرنك بحلول 2010 مقارنة بسنة 2008.
يخطط المصرف إلى مغادرة القطاعات التي بها نسبة أخطار كبرى أو غير المربحة.
حتى نهاية 2008، كان العدد الإجمالي لعمال مصرف يو بي إس 77.783 في العالم (أقل 7% مقارنة بالسنة الماضية)، يوجد منهم 26.406 موظفا على التراب السويسري (أقل 5% مقارنة بالسنة الماضية).
بعد إعلان المصرف فصل 8.700 موظّف جديد، ينتقل عدد موظفي هذا المصرف من 76.200 نهاية مارس 2009، إلى 67.500 موظف من الآن وحتى نهاية 2010.
تخلى يو بي إس منذ اندلاع أزمة قروض الإئتمان العقارية بالولايات المتحدة، على 11.000 عامل، أغلبهم كان يعمل بقطاع إدارة الاموال بالولايات المتحدة الأمريكية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.