«الديمقراطية المباشرة ليست ديمقراطية استطلاع رأي»
ابتداءً من أول يناير ولمدة عام واحد سيتحمل آلان بيرسيه مسؤوليات رئاسة الكنفدرالية. هذا الإشتراكي، البالغ من العمر 45 عاماً، والذي تعود أصوله إلى مدينة فريبورغ هو أصغر رئيس عرفته سويسرا منذ عام 1934. وفي مقابلة له مع swissinfo.ch، يتحدث ـ من بين أمور أخرى ـ عن دوره كرئيس، وعن رؤيته للديمقراطية المباشرة بالإضافة إلى الملف الأوروبي الشائك.
swissinfo.ch: بعد بضعة أيام من انتخابك رئيساً للكنفدرالية، كتبت إلى المرشح البائس الذي تقدم بطلب للحصول على الجنسية في مدينة نيون، التابعة لكانتون فو، لتُعبِّرَ له عن دعمك. لماذا قمت بهذه الخُطوة؟
آلان بيرسيه: لا أستطيع أن أتخيّل ممارسة السياسة بعيداً عن العواطف. فالعيش المشترك، والإحترام المُتبادل، والإحتكاك بالناس والتواصل الإنساني هي جزء لا يتجزأ من العمل السياسي الذي أعيشه منذ خمسة عشر عاماً.
لمحة مُوجزة عن حياة آلان بيرسيه
تمَّ انتخاب آلان بيرسيه في الحكومة الفدرالية في عام 2011. وصار ابن فريبورغ، الذي كان عمره في ذلك الحين 39 عاماً، أحد أصغر المستشارين الفدراليين في تاريخ سويسرا. ومنذ ذلك الوقت، ترأس وزارة الشؤون الداخلية في الحكومة، حيث كان مسؤولاً عن التأمينات الإجتماعية والثقافة.
وُلِدَ في فريبورغ عام 1972، متزوج وأب لثلاثة أولاد، درس العلوم السياسية والاقتصادية في جامعة نيوشاتيل. وبعد أن كان باحثاً علمياً ومستشاراً سياسياً، انضمَّ في عام 2003 إلى مجلس النواب (الغرفة العليا للبرلمان الفدرالي)، حيث تسلم منصب الرئيس في عام 2009.
في 6 ديسمبر 2017، تمَّ انتخابه من قبل الجمعية البرلمانية (التي تضم أعضاء غرفتي البرلمان الفدرالي) لرئاسة الكنفدرالية السويسرية حيث حصل على 190 صوتاً من أصل 210 ورقة اقتراع صالحة، وهي النسبة التي وصفها مراقبون لسير الحياة السياسية الفدرالية بالـ «ممتازة».
عندما اطلعت على المقال الذي يتحدث عن هذه القضية، شعرت بأن الأسرة ضحية لمحنة ولشيء من الإحباط. ولا يُمكنني أن أحكم على القضية بأي حال من الأحوال. فأنا لا أعرف ما الذي حدث وبالأحرى ليس الأمر من اختصاصي. بالمقابل، وبطريقة شديدة العفوية، راودتني رغبة لكتابة بعض الكلمات وإيصال رسالة دعم لهذا الشخص.
كنت أتمنى ببساطة، ألا يُضعف قرار سلطات بلدية نيون اندفاع هذا الشخص لمواصلة مَساعيه من أجل الحصول على الجنسية.
swissinfo.ch: يسعى معظم من يشغلون هذا المنصب لوضع فترتهم الرئاسية تحت شعار معيَّن. وأنت لم تفعل ذلك. لماذا؟
آلان بيرسيه: لا أؤمن بالسياسة التي نُسيِّرُها بالشعارات. وعندما نلتزم، يكون التزامنا للمجتمع بأسره، ولمصلحة البلد بأكمله، وليس من أجل قضايا معيَّنة. في سويسرا، الرئاسة هي وظيفة نتشارك فيها مع الآخرين. نتحمل أعباءها لمدة سنة واحدة ثم نُسلِّمها إلى عضو آخر من أعضاء الحكومة الفدرالية. ولذلك فإنَّ الشعور بالإستمرارية قوي جداً. هناك بالتأكيد تعديلات طفيفة، وطريقة مختلفة لقول الأشياء، ولكنك لا تصبح رئيساً للكنفدرالية لقولك بأن لديك عاماً كاملاً لتطبيق أفكارك.
swissinfo.ch: في خطاب تنصيبك، قلت إنَّ القدرة على تنفيذ الإصلاحات، والتطور، والحفاظ على الحركة، كانت مفتاح النجاح السويسري. ولكن هذه السنة، فشل مشروع إصلاح المعاشات التقاعدية الكبير، الذي دعمته بنفسك لمدة ست سنوات، في صناديق الإقتراع. هل يعني هذا أن سويسرا في طريقها لتصبح بلداً غير قابل للإصلاح؟
آلان بيرسيه: آمل أن لا يكون الأمر كذلك، حتى ولو شهدنا العام الماضي فشلاً في إصلاحيْن بالغيْ الأهمية، هما للعلم: جباية الشركات ومعاشات الشيخوخة. على المدى القصير، يُمكننا القول إذن أنَّ الإصلاحات الكبيرة لم تعد صالحة للعمل. ولكن ينبغي مراقبة ذلك على مدى فترة أطول. وعلينا نحن أن ننمي هذه القدرة على التحرك وإصلاح البلد.
في سويسرا، في كل مرة حدثت فيها تطورات كبيرة، كنا نتمكن من توقعها. في القرن التاسع عشر، على سبيل المثال، كانت سويسرا ثاني بلد أوروبي مُصنِّع، بعد المملكة المتحدة. وبعد ذلك بقرنين، ما زلنا نقطف ثمار الشجاعة التي تفوقت في ذلك الوقت. واليوم، في مواجهة الرقمنة والعولمة، لا شيء أكثر ضرراً من المراوحة في مكاننا في الوقت الذي يتطور فيه العالم من حولنا بسرعة.
swissinfo.ch: أليست أدوات الديمقراطية المباشرة، حتى ولو كانت في أساس النظام السياسي السويسري، عائقاً في هذا العالم الذي يتطور بسرعة كبيرة؟
آلان بيرسيه: الديمقراطية المباشرة تُخلّف بالفعل تحديات مهمة جداً فيما يتعلق بالسرعة التي تتطور بها الأمور. في بعض الأحيان، نتقدم ببطء أكثر من الدول الأخرى. ولكن تطور العالم السريع لا يعني أنَّ علينا أن نشكِّكَ بالديمقراطية كما نعرفها. وعلى مدى العشرين إلى الثلاثين سنة الماضية، استطعنا أن نتأقلم بشكل جيد.
غير أنَّ خصوصية النظام السياسي السويسري تفرض شروطاً معيّنة. في البداية، مشهد إعلامي متنوع ونوعي، بحيث يتمكن المواطنون من الحصول على معلومات وتشكيل رأي مستنير من أجل التصويت. بالإضافة إلى مسؤولية الأحزاب السياسية في استخدامها لأدوات الديمقراطية المباشرة.
لا نستطيع ببساطة إرسال إشارة أو الإعتقاد بأننا نرد على استطلاع عندما نضع ورقة الإقتراع في الصندوق، فالتصويت عمل جدي.
swissinfo.ch: مع فشل مشروعين كبيرين قادتهما الحكومة في عام 2017، هل نشهد في سويسرا أيضاً ظهور ديمقراطية احتجاجية، مثلما حدث من خلال انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة أو تصويت بريكزيت في المملكة المتحدة؟
آلان بيرسيه: يُوجد فعلاً بعض أوجه التشابه. اليوم، ننسى أحياناً أنَّ الديمقراطية المباشرة ليست ديمقراطية اقتراع بل هي ديمقراطية قرار. فلا نستطيع ببساطة إرسال إشارة أو الإعتقاد بأننا نُجيب على استطلاع رأي عندما نضع ورقة الإقتراع في الصندوق. فالتصويت عمل جدي.
وحدث في الماضي القريب أن ندم مواطنون على تصويتهم، بعد قبول بعض المبادرات الشعبية، معترفين بأنهم لم يكونوا يتوقعون جميع عواقب قرارهم. ويمكن أن يكون التصويت الإحتجاجي مشروعاً حينما نُعارض قراراً سياسياً. بالمقابل، إذا مسَّ التصويت الإحتجاجي المؤسسات أو طريقة سير البلد، فهذا يسبّب مشكلة.
swissinfo.ch: في هذه الظروف، هل يجب خشية مبادرة «لا بيلاغ» (No Billag)، التي ستخضع للتصويت في الرابع من مارس المقبل؟
آلان بيرسيه: بنظري، لا تندرج هذه المبادرة في سياق حركة احتجاجية ضد المؤسسات. وإنما هي بالأحرى نتيجة للإضطرابات التي طالت قطاع الإعلام منذ عشر سنوات.
فمن ناحية، أحدث ظهور الإنترنت وشبكات التواصل الإجتماعي، ثورة في طريقة إنتاج ونشر المعلومة. ومن ناحية أخرى، أوهم ظهور الصحف المجانية، جيل الشباب بشكل خاص، أنه يُمكن إنتاج المعلومة دون تكلفة.
يبقى أنَّ «لا بيلاغ» هي مبادرة جذرية لأنها تطالب بالإلغاء الكلي للرسوم الهادفة لتمويل الخدمة السمعية والبصرية العامة في بلد يجب فيه تأمين المعلومة بأربع لغات وطنية. والرسوم هي الثمن الذي يجب دفعه من أجل التنوع الإعلامي في سويسرا.
swissinfo.ch: على الأرجح، سيصوت الشعب السويسري في العام المقبل أيضاً على مبادرة حزب الشعب السويسري التي تطالب بمنح الأولوية للدستور الفدرالي على القانون الدولي. هل يُقلقك هذا المشروع؟
آلان بيرسيه: يُمكن لهذه المبادرة أن تعزل البلد. من جانبي، أنا مقتنع بأن تاريخ وهوية ونجاح سويسرا مرتبطون ارتباطاً قوياً بانفتاحها. فقد كان بلدنا على الدوام مكاناً للمرور والتبادل واللقاء. في جنيف، على سبيل المثال، أكثر من 30% من السكان ليس عندهم جواز السفر السويسري، وهذا منذ القرن الخامس عش! ومن جهة ثانية، تعتمد ثلث الوظائف عندنا على التبادلات الإقتصادية مع البلدان الأخرى.
swissinfo.ch: كانت سويسرا تُعتبر دائماً رافعة لواء شعارات الحرية، والكرامة الإنسانية، وسيادة القانون. فهل بإمكانها مواصلة الدفاع عن هذه القيم في عالم تتزايد فيه أهمية المصالح الإقتصادية شيئا فشيئاً؟
آلان بيرسيه: لقد كنا دائماً ملتزمين جداً بهذه القيم وسنواصل فعل ذلك. إنَّ تطور المؤسسات الدولية في بلدنا، وفي جنيف على وجه التحديد، مهم للغاية في هذا الصدد. وفضلاً عن ذلك، كنا دائماً متواجدين لتقديم المساعدة، والوساطة والمساعي الحميدة. ويتطور هذا الدور بالطبع وفقاً لتطور العالم المحيط بنا ولكنه يبقى بالغ الأهمية بالنسبة لسويسرا.
swissinfo.ch: تستضيف سويسرا العديد من الشركات متعددة الجنسيات وأصبحت في الآونة الأخيرة مركزا رئيسيا لتجارة المواد الأولية. وتهدف المبادرة الموجهة للشركات متعددة الجنسيات المسؤولة إلى إجبار الشركات السويسرية على احترام حقوق الإنسان والبيئة أينما كانت، إلا أنَّ الحكومة الفدرالية ترفض هذه المبادرة. أليست هذه إشارة سيئة تُرسَل إلى باقي العالم؟
آلان بيرسيه: تُدرك الحكومة الفدرالية أهمية هذا الأمر/النقاش وأخذت بعين الإعتبار مخاوف أصحاب المبادرة. ومع أنها تشاركهم هدفهم، إلا أنها تعتبر أن المبادرة المطروحة ليست الأداة المناسبة لتحقيقه. وهذه إحدى النقاط الإيجابية للديمقراطية المباشرة: فهي تسمح بطرح مشكلة على الطاولة، ومناقشتها وتوعية السكان بهذا الموضوع.
swissinfo.ch: بعد الربيع العربي، جمَّدت سويسرا حوالي مليار فرنك كانت أرصدةً للديكتاتوريين وللمقربين منهم الذين سقطوا في مصر وليبيا وتونس. إلا أنه وبعد سبع سنوات، لم تتم إعادة فرنك واحد في الإتجاه المعاكس. كيف تفسر لنا هذا التباطؤ تجاه الشعوب المنهوبة من قبل قادتها؟
آلان بيرسيه: كانت سويسرا تتمنى أن تسير بسرعة أكبر. ولكن يجب أن يتمَّ ذلك في إطار احترام الإجراءات القانونية ومع ضمان أن تصل هذه الأموال للمكان المناسب. إلا أنه ليس من السهل دائماً أن نعرف لِمَن وفي أية ظروف يمكن إعادة هذه الأموال. لأنه، حتى وإن كانت مُجمّدة في سويسرا، لا يمكن نقل هذه الأرصدة لحساب غير مالكيها طالما أننا لم نتمكن من إثبات أصولها غير القانونية.
swissinfo.ch: بصفتك رئيساً للكنفدرالية، سوف تُكلَّف بقيادة الملف الأوروبي الشائك هذه السنة. البحث عن حل مع الإتحاد الأوروبي يمر عبر التفاوض على “اتفاقية ـ إطار” مؤسساتي يُؤطر العلاقات الثنائية. هل سيتم إبرام اتفاقية من هذا النوع في عام 2018، كما يتمنى ذلك رئيس المفوضية الأوروبية جان ـ كلود يونكر؟
آلان بيرسيه: ليس من الممكن قول ذلك في الوقت الراهن. ففي البداية، يجب أن نذكّر بأن الملف توقَّف لمدة ثلاث سنوات لأنه كان يجب إيجاد حل داخلي لتنفيذ المبادرة ضد الهجرة الجماعية، التي وافقت عليها أغلبية الشعب والكانتونات بتاريخ 9 فبراير 2014.
كان عام 2017 مثيراً للإهتمام لأنه شهد استئناف التبادلات مع بروكسل في سلسلة كبيرة من المجالات. ولكن منذ زيارة جان ـ كلود يونكر إلى برن في شهر نوفمبر الماضي، والتي تركت لدينا شعوراً إيجابياً جداً، حصلت عدة تطورات مفاجئة وسلبية.
ففي البداية، وجدت سويسرا نفسها على القائمة الرمادية للإتحاد الأوروبي الخاصة بالملاذات الضريبية، ومن ثم تمَّ تحديد حق دخول البورصة السويسرية إلى الأسواق المالية الأوروبية بعام واحد. نحن مستعدون لمواصلة التبادلات إلا أنَّ اجتماع شهر ديسمبر لم يكن مؤاتياً ولا يُسهل الأمور. وعلينا من الآن أن نجري تبادلات وثيقة لنرى على أي أساس من الثقة والتعاون يمكننا أن نواصلها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.