أزمات عالم اليوم متداخلة.. والحلول يجب أن تكون مراعية للبيئة
اختتم المنتدى العالمي الاجتماعي في "بيليم" أشغاله يوم الأحد 1 فبراير. الوفد السويسري المشارك اعتبر أن الحصيلة إيجابية، رغم الاختلاف في التقييم.
من المحتمل جدا أن تاريخ المدينة الواقعة عند بوابة غابات الأمازون لم يشهد توافد مثل هذا العدد من الزوار (حوالي 100 ألف شخص)، القادمين من شتى أنحاء العالم. وعلى مدى أسبوع كامل، عاشت “بيليم” على وقع المعارضين للعولمة وتردّدت في أرجائها رؤاهم وأحلامهم، وحتى بعض أوهامهم.
المشاركون في المنتدى تمكّـنوا من الحضور في عدد هائل من النقاشات والندوات والأنشطة الثقافية والمساهمة فيها. ويقول سيرجيو فيراري، العضو في الوفد السويسري وفي منظمة E-Changer غير الحكومية، “لقد كانت هذه الدورة ثرية بشكل غير مسبوق، فلم يُـنظَّـم المنتدى قبل هذه المرة بمثل هذه الطريقة الأفقية وبمثل هذه القاعدة الديمقراطية العريضة. تسعة أعشار الأنشطة كانت تُـدار بشكل ذاتي”.
هذا البُـعد “الأفقي” مثّـل بدوره سلاحا ذا حدّين، ويقول كثيرون، إن الاختلالات التي سبق أن ميّـزت الدورات السابقة، قد اتّـخذت هذه المرة أبعادا أكبر، خصوصا وأن أنشطة المنتدى كانت تدور في موقعين مختلفين، وهو ما أدّى إلى إلغاء أنشطة أو تأخير أخرى، وتغيير البرمجة ونُـدرة المعلومات.
وعندما حان وقت الحديث عن الحصيلة، كان الشعور بالضِّـيق واضحا لدى بعض أعضاء الوفد السويسري، الذي تحوّل إلى “بيليم”.
انغماس في الواقع
بعيدا عن هذه المشاكل التنظيمية، التي يجب العثور على حلٍّ لها في المستقبل كي لا تتحوّل إلى عائق يحول دون مشاركة العديد من الجهات، يُـمكن القول أن ميزة المنتدى تمثّـلت في التعريف بالواقع القائم في منطقة الأمازون بشكل أفضل.
وبالنسبة للسويسريين، فإن هذا الأمر كان ممكنا، بفضل اللقاءات والرحلة التي تمّ القيام بها إلى المنطقة قبل بدء أشغال المنتدى. ويلاحظ لوك روكوردون، النائب البرلماني عن الخُـضر، أن “إمكانية مشاهدة الواقع الميداني عن قُـرب، مسألة ذات أولوية”، منوِّها إلى أنه عندما تتمّ ملامسة مشاكل منطقة ما مباشرة، فإن الانخراط في البحث عن حلول لها بعد ذلك، يكون أيسَـر.
الحماسة والحيوية والقُـدرة على التعاون القائمة بين الحركات الاجتماعية في أمريكا الجنوبية، وفي البرازيل بوجه خاص، أثارت اهتمام الوفد السويسري، ويُـشدد برنارد فرانيار، الأمين المركزي للنقابة السويسرية للخدمات العمومية على أنه “بالنظر إلى الصعوبات التي نواجهها في سويسرا لانتداب أعضاء جُـدد في النقابات ومتطوِّعين في المنظمات غير الحكومية، قد يتوجّـب علينا أن نتعلّـم من زملائنا البرازيليين وأن نساعد أنفسنا نحن أيضا بالرقص والموسيقى والاحتفال”.
من جهته، يشير تييري سافاري، العضو في منظمة E- Changer إلى أن “المنتدى واللقاءات، تمثل حافزا ثمينا لتطوير الحركات الاجتماعية، ويقول “إنني أشارك فيها منذ سنوات، وفي كل مرة، أعود إلى بيتي بشيء من الحُـلم الإضافي وبرغبة في تغيير العالم”.
وصفات كلاسيكية
فيما يتعلّـق بمضمون النقاشات والحوارات، التي شهدها المنتدى، يُـمكن القول أن الرغبة في “عدم الاكتفاء بالنقاش الأيديولوجي والسعي إلى تقديم مقترحات ملموسة”، مثلما صرح أنطونيو مارتينس، أحد مؤسسي المنتدى الاجتماعي العالمي، قد تحقّـقت جزئيا.
ويوضِّـح أندرياس ميسباخ، العضو في منظمة إعلان برن، غير الحكومية، “عشية المنتدى، كُـنّـا نريد بلورة برنامج الحد الأدنى بين العديد من المنظمات غير الحكومية لتقديم إجابة عن الأزمة وإصلاح القطاع المصرفي. وبفضل ثلاث منتديات، نجحنا في تركيز هذا البرنامج المشترك على صفحة واحدة”.
مع ذلك، يُـمكن القول أن الوصفات التي استُـمع إليها في “بيليم”، لم تخرُج عموما عن تلك الحلول التقليدية والمعروفة سلفا المقترحة من طرف المعارضين للعولمة، مثل فرض رسوم على حركة رؤوس الأموال وفرض رقابة أكثر صرامة على المؤسسات المالية وتوجيه المزيد من الاستثمارات العمومية، لفائدة الطاقات المتجدِّدة…
في المقابل، يبدو أن ملامح توجُّـه بدأت ترتسِـم وتتلخّـص في أن الأزمات المختلفة (المالية والاقتصادية والمناخية والغذائية) مرتبطة ببعضها البعض، وللخروج منها، فإن الإجابة لا يُـمكن أن تكون إلا مدافعة عن البيئة.
غياب رسالة “رسمية” في شكل إعلان ختامي على سبيل المثال، لم يُـعجِـب الجميع، نظرا لأن وثيقة من هذا القبيل، قد تساهم في إعطاء صدى أكبر للمنتدى وللمطالب الصادرة عنه.
من جهة أخرى، يرى البعض أن هذا الغياب يساهم في الحفاظ على خصوصية المنتدى، أو بكلمة أخرى على “أفقيته”، لأنه إذا ما خسِـرها، فمن المحتمل أن لا ينجح في اجتذاب مثل هذا العدد الضخم من الأشخاص القادمين من آفاق شديدة الاختلاف وقد ينتهي به الأمر إلى الفشل والانهيار، في ظرف وجيز.
ويرى المشاركون في المنتدى، أن التحدّي يتمثل الآن في القُـدرة على التأثير على السياسات العمومية في بلدانهم وفي الابتعاد عن إعلانات الانتصار السهلة والمتحمِّـسة.
يقول برونو ريزن، من الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية “خلال المنتدى، استمعت أكثر من مرة إلى هذه المقولة: “الواقع أعطانا الحق”، أما الآن، فيجب الانتباه لتجنّـب ترجمة الأجوبة (أو الحلول المقترحة) للخروج من الأزمة، إلى مقاومة أيديولوجية وراديكالية.
سويس انفو – دانييلي مارياني – بيليم
الحضور المكثّـف لأمريكا اللاتينية، أعطى الانطباع بالمشاركة في منتدىً إقليمي أكثر من اللازم، حيث عبّـر بعض أعضاء الوفد السويسري عن خيبة أملهم للمشاركة الضعيفة لإفريقيا وآسيا.
فالتر سوتر، السفير السويسري السابق في فينزويلا، اعتبر من جهته أن هذا المنتدى قد جاء في وقت مهمٍّ، بالنسبة لأمريكا اللاتينية، وأوضح أنه “لا يوجد في العديد من البلدان تعارض بين المجتمع المدني والحكومة، نظرا لأن هذه الأخيرة تُـطبِّـق جزئيا أفكار الحركات الاجتماعية”.
في هذا الصدد، تحوّلت بعض البلدان إلى “مختبرات أفكار” حقيقية، حيث تحاول على سبيل المثال، وضع مطالب متأتِّـية من السكان موضع التطبيق.
بهذا المعنى، اتّـخذ حضور خمس رؤساء دول (تشافيز ولولا وكورييا وموراليس ولوغو) ينتمون إلى اليسار في “بيليم”، بُـعدا رمزيا كبيرا، “فللمرة الأولى كُـنّـا شهودا على جُـهد حقيقي للاندماج بين البلدان التي تُـطبِّـق هذه السياسات”، على حد تعبير فالتر سوتر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.