سويسرا سوف “ترد بقوة” على ثورة الروبوتات
"من المُرجّح أن تزداد الحركة الإرتجاعية ضد تأثير العولمة، والذكاء الإصطناعي والتشغيل الآلي في الوظائف والمجتمعات، مع ازدياد الأثر المُربِك للتقنيات الحديثة. وبدورها، سوف "تقاوم" سويسرا التي تتميز بمجتمعها المستقر والمنظم جداً، هذه المظاهر بقوة".
هذا التَوَقُّع صَدَرَ عن ريتشارد بالدوينرابط خارجي ، أستاذ الإقتصاد الدولى فى المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية بجنيف، فى مؤتمر عُقِدَ مؤخرا تحت شعار “مستقبل العمل”رابط خارجي، شارك المعهد ومجلة “ذي أكونوميست” اللندنية بتنظيمه فى المدينة السويسرية الواقعة على ضفاف بحيرة ليمان يوم 2 نوفمبر الجاري.
وكما قال بالدوين لجمهور الحاضرين “أشعر بقلق شديد من حدوث ردود أفعال شعبوية مُعاكسة خلال السنوات القليلة القادمة”.
لقد بات من الواضح أن الآلات باتت تتَعلم وتُنَفذ مهام تزداد تعقيداً باستمرار في مواقع العمل، مثل ترجمة النصوص، أو تشخيص الأمراض. كما أصبحت الروبوتات قادرة على إنجاز أعمال يدوية كانت تنفذ من قبل البشر حصراً في السابق. وعلى حَدّ قول بالدوين، أصبحت وتيرة التشغيل الآلي “لا تُصَدَّق”، ولكن معظم الناس “في حالة إنكار أو غير مُدركين لتأثيره”.
“في غضون ثلاثة إلى خمسة أعوام، سوف نلاحظ إلغاء ما لا يقل عن 10% من الوظائف دون أن تكون هناك بدائل واضحة. هذا سيكون مُدَمرا إلى حدٍ كبير، وقد نجد أنفسنا في مُواجهة ما يشبه الإعصار السياسي”.
مستقبل مجهول
بالدوين يتوقع حدوث ردود أفعال لا تقل شدة عن تلك التي صدرت ضد خدمة مشاركة الركوب “أوبر” Uber، وخدمة تأجير واستئجار الشقق والغرف “إير بي إن بي” [بالإنجليزية: Airbnb]، مع محاولة بعض الأطراف حَظر هذه التقنيات الجديدة.
“لكن عندما يُدرك عددٌ كافٍ من الناس أن مَنْ يستولي على وظائفهم إنما هي التكنولوجيا وليس الأجانب، فسوف نرى ردود أفعال أكثر منهجية ضد ذلك”، كما يتنبأ أستاذ الإقتصاد الدولي.
في ذات السياق، أعربت دراسات صادرة مؤخراً عن إنشغالها المُتزايد بشأن ما يُسمى بـ “صعود الروبوتات”. وفي بحثٍ إستُشهد به على نطاق واسع في عام 2013رابط خارجي، قَدَّرَ كارل فراي ومايكل أوزبورن، خبيرا الإقتصاد في جامعة أكسفورد، بأن 47% من الوظائف في الولايات المتحدة تواجه خطر الفقدان والإندثار لصالح أجهزة الكمبيوتر.
لكن تقريراً مُناقضاً نشرته منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية في عام 2016، وجد أن مُعدَّل الوظائف التي يمكن أن تتخلى عن العمالة البشرية لصالح الآلة يبلغ نحو 9% في 21 دولة عضوة في المنظمة، ليست سويسرا من ضمنها.
بدورهم، يجادل خُبراء اقتصاديون آخرون بأن تأثير الأتمتة لن يكون بتلك الشدّة. ويرى البعض منهم أن انتشار النُظُم الآلية سوف يُوَلِّد وظائف جديدة مُرتبطة بها، مما سيعوض بعض الوظائف التي يتم الإستغناء عنها.
من جانبه، يتوقَّع معهد ماكينزي العالميرابط خارجي للدراسات والإستشارات الإقتصادية أن قرابة 5% من المهن فقط يمكن أن تكون مؤتمتة بالكامل باستخدام التكنولوجيا القائمة. وعِوَضاً عن القضاء على الوظائف القائمة وخلق مهن جديدة كلّية، يعتقد المعهد أن الذكاء الإصطناعي والأتمتة المتنامية سيُغيّران – بكل بساطة – نوع الأنشطة التي يركز عليها الناس في العمل.
المزيد
الذكاء الإصطناعي يثير آمالا عريضة ومخاوف شتى
التأثير على النموذج السويسري
لكن بالدوين يتوقع حدوث اضطرابات كبيرة في سوق العمل بسبب الأتمتة. وكما قال، فإن التقديرات الحالية لتأثير التشغيل الآلي على الوظائف تتراوح بين الـ “كبيرة جداً والمُخيفة للغاية”.
في هذا الصدد، يعتقد أستاذ الإقتصاد الدولى بأن حوالي نصف المهام الوظيفية الحالية سوف تُنجَز مستقبلاً من خلال الخوارزميات. ومع أن هذا “قد لا يؤدي بالضرورة إلى خفض عدد الوظائف بنسبة النصف، لكن عواقبه ستكون خطيرة”.
إذن، كيف يمكن أن تؤثر هذه التحولات التكنولوجية وردود الأفعال العنيفة تجاهها على سويسرا؟
يجيب بالدوين بأن تركيبة البلاد الفريدة المُكَوَّنة من حفنة من الشركات ذات القدرة على المُنافسة الدولية، والعديد من القطاعات الصناعية المَحمية مَحلياً، تجعلها “مُنَظَمة ومُستَقِرّة جداً”.
“عندما تبدأ هذه الوظائف المَحمية بفقدان توازنها من خلال دخول القوى العاملة عن بُعد، أو عن طريق الذكاء الإصطناعي، فسوف يشعر [السويسريون] بالضيق”، كما يتكهن. “أعتقد ان بعض الكانتونات والبلديات سوف تحاول منع ذلك. وسوف يكون النجاح حليفهم في بعض الحالات، لكنهم سيخفقون في حالات أخرى”.
في نهاية المطاف، يعتقد أستاذ الإقتصاد الدولي أن البلاد سوف “ترد هذه التغيرات التكنولوجية بقوة”.
على الجانب الآخر، يُمكن أن يبقى القطاع المصرفي السويسري بمأمن من هذه العاصفة التكنولوجية. ووفقاً لـ بالدوين، فإن السبب في ذلك يعود إلى أن متطلبات البيانات في القطاع المصرفي صارمة إلى درجة تُصَعِّب الإستعانة بمصادر خارجية، أو إرسال وظائف تتعامل مع بيانات حساسة عبر الحدود السويسرية.
كيفية التكيف؟
في خضم هذه الفوضى التكنولوجية المُستمرة، يتعيّن على الأفراد التفكير ملياً بالمهارات التي لا تستطيع أجهزة الكمبيوتر أن تتعلمها للتَكَيف مع التحديات التي تفرضها التكنولوجيا والأتمتة في موقع العمل.
متوجّها إلى جمهور الحاضرين، قال بالدوين متسائلا: “ما الذي لا تستطيع الروبوتات التي يُتَحَكَّم بها عن بُعد أو العاملون عن بعد القيام به”؟ وكما جاء في إجابته، فإن الناس بحاجة إلى النَظَر في تنمية بعض المهارات مثل “التعامل مع المجهول، والتعاطف ووَصل الناس بعضهم ببعض”. ومن أجل تجنب التنافس مع الموظفين عن بُعد، فسيكون “من المهم تعزيز أهمية الإتصالات وجها لوجه، والتواصل غير الشفوي وبناء الأفرقة والثقة”، كما أضاف.
“في المستقبل، سوف تكون لدينا مجموعات مُختلفة من العاملين عن بُعد، والذكاء الإصطناعي، وأشخاص في الموقع يقومون بإدارة الفِرَق بسرعة وتحريكها باستمرار. وسيكون تواجد هؤلاء الناس في موقع العمل مهما للغاية بالنسبة لهؤلاء”، كما أكَّد بالدوين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.