أطول نفق للسكك الحديدية في العالم .. تحديات ونجاحات
بإستغراقه عشر سنوات من أعمال الحفر، وتوظيفه لمئات العاملين في مواقع الأشغال فضلا عن درجات الحرارة الاستوائية والصخور ذات الرطوبة العالية، لا يمكن اعتبار نفق غوتهارد الجديد، الذي سيفتتح في عام 2016، مجرد ثقب داخل جبل.
من خلال هذا التقرير يشرح بعض المهندسين العاملين في المشروع، كيف تمكنوا من تشييد أطول نفق للسكك الحديدية في العالم. مع أن القطار يسير بسرعة 250 كلم في الساعة، إلا أنك لا تكاد تحسّ بسرعته، والنفق الذي يبلغ طوله 57 كلم لن يُخصص، بحال من الأحوال، لنقل الركاب، لكنه مزوّد من داخله بأبواب للطوارئ، أقرب ما تكون إلى المعجزة الهندسية.
يقول بيتر شوستر، من المكتب الهندسي “ارنست بازلر وشركاؤه”رابط خارجي: “اضطررنا إلى تصميم أبواب يسهل على أي طفل فتحها، وفي نفس الوقت، تمنع انتشار الحريق والدخان، ويمكن أن تعمل بدون كهرباء وأن تقاوم موجات الضغط الناجمة عن مرور القطارات والبالغة حوالي 10 أطنان”.
وتتوزع الأبواب الخضراء المنزلقة على منافذ يبعد الواحد منها عن الآخر مسافة 325 مترا، وقد استغرق تصميمها الكثير من الجهد والوقت، وكان من اللازم تصميم خمسة نماذج قبل الوصول إلى الشكل النهائي: “قبيح المنظر، باهظ التكلفة”، لكنه، كما يقول المهندس، فريد من نوعه.
ويمكن القول، بأن كل شيء في أطول نفق للسكة الحديدية في العالمرابط خارجي: “حتى أصغر عنصر فيه، وضع مهارة المهندسين على المحك”، كما يلاحظ بيتر شوستر، الذي تحدّث، كغيره من الخبراء، عن دوره في المشروع، ضمن فعاليات المؤتمر الذي نظمته الجمعية السويسرية للاستشارات الهندسيةرابط خارجي في بداية سبتمبر 2014.
الأولوية للسلامة والأمان
أولى التحديات التي واجهت المهندسين القائمين على المشروع، تمثلت في تحديد مسار منبسط للسكة الحديدية، ولم يكن مجرد رسم خط بين نقطتين، كما لفتت الانتباه فابيانا هينكي من مكتب “ارنست بازلر وشركاؤه”.
وتقول هذه الأخيرة: “تطلب الأمر أن نأخذ في الاعتبار عدة أمور: الوضع الجيولوجي والمعايير الجغرافية، كارتفاع الغطاء الصخري الذي يصل سمكه إلى 2300م، والحاجة إلى بناء المنافذ التي من خلالها يمكن الوصول إلى مواقع الأشغال”.
ومن جهة أخرى، اقتضى الأمر أيضا القيام بتشييد مباني، قد لا تبدو للوهلة الأولى بأن لها علاقة بالمشروع، إقامة السدود مثلا، حيث: “كان من اللازم عدم السماح بتكوّن أحواض مائية فوق جبل غوتهارد، للحد من رشح الماء”، كما قالت فابيانا هينكي.
بعد ذلك، بدأ التفكير في أي الأنظمة سيتم اعتمادها: نفق ثنائي الاتجاه ومع نفق جانبي للخدمات، كما هو الحال في نفق غوتهارد، الواقع ضمن الطريق السيار، أو ثلاثة أنفاق متوازية، كما هو الحال في نفق تحت بحر المانش؟ ثم وقع الاختيار على حل وسط، يتمثل في شعبة مزدوجة بسكة واحدة: “للسلامة والأمان أولا وقبل كل شيء، ثم للصيانة، ثم لأجل التكاليف بطبيعة الحال، وفق قول بيتر شوستر.
مظلّة للنفق
نفق بكلفة 12 مليارا
يبلغ طول نفق غوتهارد السفح 57 كلم، وهو بذلك أطول نفق للسكة الحديدية في العالم، ويربط بين كانتوني أوريرابط خارجي في ايرستفيلد وتيتشينورابط خارجي في بوديو.
شارك في تشييده نحو 2600 خبير وعامل، وتمّ إنجاز 80٪ من الحفريات بواسطة ماكينة الحفر و 20٪ منها بواسطة التفجير، وقد بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع 12,4 مليار فرنك سويسري.
بعد أن يتم افتتاحه في شهر يونيو 2016، سيكون بإمكان قطارات الركّاب أن تبلغ سرعتها 250 كلم / ساعة (160 كلم / ساعة لقطارات الشحن).
وعندما تنتهي الأشغال في نفق مونتي تشينيري، الإنجاز العظيم الثاني ضمن مشروع “آلب ترانزيت”، سيكون بالإمكان قطع المسافة بين زيورخ وميلانو في أقل من ثلاث ساعات.
حينما حصل التفجير الأول في عام 1999، لم يكن باستطاعة أحد توقّع ما الذي سيحصل داخل الجبل، وإن كان الجميع يعرف بأن ارتفاع درجة الحرارة سيصعّب مهمة المهندسين والعمال، فقد بلغت أعلى درجة حرارة تم تسجيلها داخل النفق 45 درجة مئوية، أي أعلى بكثير من هامش 28 درجة مئوية المحدد من قبل الصندوق السويسري للتأمين ضد الحوادث.
“اضطررنا إلى تشييد أبنية مُكيَّفة وتركيب أنظمة تهوية لمصلحة العمال”، حسب بيتر شوستر، وأنه عندما يتم تشغيل النفق، سيكون بالإمكان تخفيض درجة الحرارة بالاستفادة أيضا من الهواء البارد الذي تدفع به القطارات إلى داخل النفق.
وتحدّ آخر: وجود الماء في الصخور. فقد كان من بين المراحل الأكثر إشكالية، توقع وجود ما يُعرف باسم “جيب بيورا”، وهي منطقة غنية بصخور الدولميت (الرسوبية)، حيث أخشى ما كان يخشاه الجيولوجيون، أن يجدوا أنفسهم وجها لوجه مع طبقة من الصخور المشبعة بالماء والواقعة تحت ضغط كبير، وهو السيناريو الذي بإمكانه أن يُفشل المشروع برُمّته، لكن ارتفعت معنويات الخبراء، حينما أظهرت لهم الدراسات والأبحاث وجود طبقة أكثر عُمقا، على مستوى الحفر، تتمتع بصخور جافة نسبيا.
وللتغلب على الرشح وعزل النفق بالكامل، تم استخدام نظام “المظلة”، كما أوضحت فابيانا هينكي، وتمّ كسْو النفق بطبقة من الخرسانة وغلاف عازل، بحيث يسيل الماء داخل الجدران ويُفرّغ عبر أنابيب تمر من تحت السكة الحديدية.
التحدي الزمني والتقني
“يمكن القول بأن النفق يبقى دوما نفق، بغضّ النظر عن طوله، الأمر الذي يجعل النتيجة النهائية للعمل، متشابه إلى حد بعيد”، من وجهة نظر ديفيد ميرليني، رئيس قسم الأعمال تحت سطح الأرض في شركة “بيني سويس انجينيرز”. غير أن الأنفاق الطويلة كنفق غوتهارد، حسب قوله، تحتاج إلى نظام نقل وإمداد عالي المستوى، وهو “مشروع داخل المشروع”، ولقد بلغ عدد العاملين في أكبر مراحل مشروع النفق، نحو 700 شخص.
ومما عقّد الأمور، يقول المهندس، التأخّر في الأشغال: “فمنذ بدء التخطيط للمشروع وحتى الانتهاء من البناء، مرت أكثر من عشر سنوات”، وفق ما ذكر ديفيد ميرليني. وخلال هذا الوقت الطويل، من الممكن لكثير من المعطيات أن تتغير، أولها التكنولوجيا.
فلأجل مواكبة أحدث المعايير التقنية، تمّ استبدال عناصر قبل أن تدخل الخدمة، كما أشار روجر فييدركيهر، مهندس شركة “بويري”، وعلى مدى عقد من الزمان، كما نبّه مسؤول إمدادات الطاقة للنفق، هناك نظم وقوانين تغيرت.
فعلى سبيل المثال، دخل حيّز التطبيق قانون ينص على قطع إمدادات الطاقة كل خمسة كيلومترات: “إنها مسألة تتعلق بالأمن، حتى إذا ما حدث حريق، لا يؤثر على الخط بكامله، ولكي يمكن للقطار السابق أو اللاحق أن يتابع السّير”، وفقا لقول روجر فييدركيهر.
تصدير التكنولوجيا
يوم 2 يونيو 2016، التاريخ المحدد لافتتاح النفق، لم يحن بعدُ، لكن المهندسين تمكّنوا من تصدير بعض الخِبرات التي استفادوها من مشروع نفق غوتهارد. فمثلا تمّ اعتماد نظام الشعبة المزدوجة نفسه لنفق برينيرو، بين النمسا وإيطاليا، وبحسب ديفيد ميرليني: “هدف هذه المشاريع الكبرى، أيضا بيع التكنولوجيا الهندسية السويسرية للخارج”.
وقبل ذلك وبعده، يبقى للقائمين على مشروع نفق غوتهارد، من مهندسين وعمال، الفخر لإنجازهم عملا غير مسبوق، وبالنسبة لديفيد ميرليني: “ما من مشروع إلا وله نجاحاته وتحدياته، وأكِنّ كامل التقدير والاحترام لكل واحد منهم، ومن المؤكّد، بأن إنجاز هذا العمل الضخم، سيشجع على القيام بمشاريع أخرى، وبثقة أكبر”.
نقص المهندسين في سويسرا
“بدون مهندسين، ما كان للسكة الحديدية الجديدة، العابِرة لجبال الألب – ألب ترانزيت – أن ترى النور”، كما يقول هاينز مارتي، رئيس الجمعية السويسرية للاستشارات الهندسية.
هذا التصريح، من حيث أنه إشادة، هو أيضا تحذير، ذلك أن هذا القطاع، بحسب هاينز مارتي، يعاني من نقص الأيدي العاملة المؤهّلة، ومن شغور العديد من وظائف المهندسين.
ويرى مارتي، أن السبب في هذا النقص هو أن مهنة الهندسة غير معروفة للطلاّب بشكل كاف، وأن آفاق المرتّبات لا توازي مشقّة الدراسة.
وفي مقابلة معه أجرتها محطة الإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية، أعرب هاينز مارتي عن تقديره لعدد الوظائف التي تشغر كل عام بـ 4 آلاف وظيفة، حيث يتم تأمين 800 وظيفة منها من الخارج، على الرغم من مبادرة الحد من الهجرة الجماعية التي وافق عليها الناخبون السويسريون في فبراير عام 2014.
ويُذكّر هاينز مارتي بأن هناك جيل من ذوي الخبرة الطويلة في طريقه إلى التقاعد، كما أن البدء في تشغيل النفق، سيجعله في حاجة ماسّة إلى عدد من المهندسين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.