مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أين يقف العالم بعد مرور 75 عاماً على اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

إيموجين فولكس

في ديسمبر من هذا العام، تكون قد مرت خمسة وسبعون عامًا منذ أن قدمت إليانور روزفلت إلى منظمة الأمم المتحدة الوليدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فقد كانت الأمم المتحدة والإعلان نفسه نتاج تصميم عالمي على عدم تكرار أهوال الحرب العالمية الثانية.

في العاشر من ديسمبر من عام 1948، اُعتُمد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بعد أن قرأته إليانور روزفلت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كانت آنذاك حديثة النشأة. وكان إنشاء الأمم المتحدة واعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد جاءا تجسيداً للإرادة العالمية بعدم تكرار فظائع الحرب العالمية الثانية.

وكان تأسيس الأمم المتحدة واعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد جاءا أيضاً ليُجسّدا الإدراك بأن الطبيعة البشرية تستوجب قطع وعود والالتزام بقواعد كي يتسنّى تحقيق هذه الغاية.

وكانت السيدة روزفلت تدرك، كلَّ الإدراك، أهمية المهمة التي أوكلت إليها. فقد خاطبت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وقالت: “إنَّنا نقف اليوم أمام عتبة حدث جلل في حياة الأمم المتّحدة وحياة البشريّة جمعاء. وسيُصبح هذا الإعلان الميثاق الدوليّ الأعظم لبني البشر في كل مكان”.

خمسة وسبعون عاماً مضت على ذلك الحدث الجلل، فأين نحن اليوم منه؟ والواقع، أنَّ لمحة خاطفة على عناوين الأخبار لا تبعث على التفاؤل: فروسيا تشنُّ حرباً على أوكرانيا؛ والصين تضطهد المسلمين الأويغور في مقاطعة شينجيانغ، وأيادي أفراد الشرطة في أمريكا لا تزال تهدر دماء الشباب السود في حوادث قتل متكررة، ولا تزال فرص النساء المعيشية والمهنية أقل بكثير من الفرص المتاحة للرجال.

ضياع جوهر الإعلان

على ضفة بحيرة ليمان في جنيف يقع مبنى قصر ويلسون، مقرُّ مفوضيَّة الأمم المتَّحدة السامية لحقوق الإنسان، وهناك تجري تحرُّكات لتذكيرنا جميعاً بالسبب الذي دفعنا في عام 1948، للإيمان بأهمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولماذا يبقى هذا الإعلان غاية في الأهمية حتَّى يومنا هذا.

ويعتزم فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أن يجعل عام 2023 محطة يُجدِّد فيها الجميع التزامهم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتفهم فيها الأجيال الشابة، التي لا تعرف سوى القليل عن الحرب العالمية الثانية، سبب الحاجة الدائمة إليه.

ففي مقابلة مستفيضة أجريتها معه، قال فولكر تورك “إنَّنا ننسى الجوهر الذي قام عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد كانت غايته التصدِّي للأحداث الكارثية التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية وقبلها. عندما كنا نشهد إبادة جماعية، وحرباً حصدت أرواح الملايين. وكان هناك ملايين اللاجئين والنازحين، وشهدنا تصدُّعات كبيرة في الاقتصاد وفي النظم الاجتماعية؛ لقد كانت [حقبة] دمار شامل”.

يُمكن الاستماع إلى المقابلة الكاملة (بالانجليزية) مع فولكر تورك في هذه الحلقة من بودكاست “من داخل جنيف”: 

محتويات خارجية

ويدرك فولكر، الذي يشغل حاليًّا منصباً يُشار إليه أحياناً بأنه المهمة الأصعب في منظمة الأمم المتحدة، بأنَّ أمامه تحدِّيات هائلة، ولكنه يظلُّ متحمساً. فقد أخبرني أنَّه “ملتزم ما دام حيًّا بقضية حقوق الإنسان”. وهو يؤمن أنَّ السنوات الثلاثين التي أمضاها في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد هيأته لتقلُّد منصب مفوَّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان؛ إذ يقول: “لقد عملتُ مع الفئات الضعيفة للغاية واللاجئة والنازحة داخليًّا وعديمة الجنسية. وهذا نموذج مُصغَّر لعالم حقوق الإنسان”.

التحدِّيات الكبرى المقبلة

وبينما عقد فولكر تورك العزم على إحياء الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تلوح في الأفق تحدِّيات مباشرة وخاصة ومعقَّدة. ويكمن أول هذه التحدِّيات، وأهمها، في تقرير الأمم المتحدة الذي طال انتظاره حول ممارسات السلطات الصينية في مقاطعة شينجيانغ، إذ تدَّعي جماعات حقوق الإنسان منذ فترة طويلة بحدوث انتهاكات جسيمة.

وكان التقرير قد نُشر في 31 أغسطس 2022، بعد أشهر من التأخير وقبل دقائق من انتهاء ولاية ميشيل باشيليت، المفوضية السامية السابقة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وجاء التقرير ضربةً قاسيةً للصين، على نحو قد يكون مُفاجئاً للبعض، فقد أوحى التأجيل الطويل لموعد نشره بإشاعات عن رضوخ الأمم المتحدة لضغوطات الصين. وتضمن التقرير تفاصيل عن الممارسات القمعية الواسعة النطاق التي تستهدف مجتمع الأويغور المسلم في الصين، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والعمل القسري والعنف الجنسي، وخلُص إلى أن كل ممارسة من هذه المُمارسات  يمكن اعتبارها جريمة ضد الإنسانية.

واليوم وبعد مرور خمسة أشهر ونيف على نشر التقرير، لم يُتخذ بعدُ أي إجراء بشأنه. والأسوأ من ذلك أنَّ الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظومة الأمم المتحدة قد صوتت ضدَّ مجرد مناقشة التقرير. ويبدو أن هذا هو أفضل إجراء لتجنّب المواجهة في ظلِّ عزوف المجلس عن اتخاذ أي إجراء.

ومع اقتراب موعد الدورة السنوية لمجلس حقوق الإنسان، المزمع عقدها ابتداء من 27 فبراير الجاري، تترقب جماعات حقوق الإنسان لرؤية ما الذي سيفعله المفوَّض الجديد.

في هذا الصدد، يقول ترك إنَّ “هذا التقرير مهم للغاية. وقد أثار بواعث قلق جديَّة وملحَّة بشأن حقوق الإنسان، ومن واجبي المتابعة بشأنه مع السلطات الصينية”.

ويبرز السؤال؛ ما السبيل إلى المتابعة بشأن التقرير؟ أيكون برفض مجرد طرحه للنقاش؟ فهذا الفعل في الواقع يدل على عزوف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن تقديم الدعم لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وكاّنَّ فيه رسالة إلى فولكر تورك، المفوض السامي، مضمونها أنه يعمل وحيداً عندما يتعلق الأمر بتذكير الصين بالتزاماتها التي تعهّدت بها بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ويُعلِّق تورك بأنَّ “الصين بلد هام للغاية، وعضو في مجلس الأمن الدولي، ويتمتع بنفوذ كبير في المنطقة. وعندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، فسيكون من المهم أن أحظى بالصين كبلد يُمكنني التعامل معه”. ويبدو أن الإستراتيجية التي سينتهجها تورك مع بكين ستقوم على محاولة “الانخراط في الحوار”.

احترام حقوق الإنسان لا يعرف الحدود

في المثال الصيني، المباشر والصريح، يتجلى السبب الذي يدفع فولكر تورك إلى تذكيرنا بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فقد كان، ولا يزال، وثيقة تاريخية وقَّعت عليها حتى اليوم 193 دولة عضواً في المنتظم الأممي – أي جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ويحدِّد الإعلان الحقوق والحريات الأساسية التي يتمتع بها جميع بنو البشر بغضِّ النظر عن الوضع الاجتماعي أو مكان الميلاد وهي: الكرامة والحرية والمساواة والحق في الحياة والتحرر من العبودية وحرية التعبير، وغيرها الكثير من الحقوق والحريات.

وتُكلَّف الدول الأعضاء برعاية وتعزيز هذه الحقوق، ليس فقط داخل أراضيها بل في جميع أرجاء العالم. وبالتالي، فإن التصدِّي لاضطهاد المسلمين الأويغور في الصين، وقتل الشباب السود في أمريكا، وجرائم الحرب التي يرتكبها الجنود الروس في أوكرانيا، وحتَّى الفقر الذي يعيشه عدد متزايد من الأطفال في بريطانيا، ليس شأناً تختصُّ به بكين أو واشنطن أو موسكو أو لندن فحسب، بل هو شأننا جميعاً.

ويبدو أنَّ مفهوم “العالمية” أو “الكونية” هو بالتحديد ما يثير انزعاج الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، وهو ما يسبب غالباً الانقسام بين صفوفه. فمعظم الحكومات الوطنية ترغب عما تعتبره تدخلاً من الغير في شؤونها الخاصة. ويُمكن عند الاستماع إلى الحلقة الكاملة من بودكاست “من داخل جنيف” معرفة المزيد عما في جعبة فولكر تورك من خطط لتذكير هذه البلدان بالتزاماتها بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويظهر أن فولكر تورك مقتنع تماماً أنَّ إحياء الالتزام بالإعلان العالمي، وكل ما تضمنه من وعود، بدءاً من الحريات الفردية وانتهاءً بالحقوق الاقتصادية، من قبيل الحق في الغذاء والمأوى، لن يُفضي إلا لما فيه الفائدة للجميع.

“في أوضاع كثيرة منتشرة في أرجاء العالم، نرى مُجدداً ذلك الازدراء للآخر. امتهان للإنسان، واحتقار لكرامته. الحقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا يُمكن تقسيمها إلى خانات مختلفة. فهي وحدة واحدة، وكيان واحد متماسك”.

تحرير: فيرجيني مانجين 

ترجمة: ريم حسونة 

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية