ماذا تعرف عن الحياة والعمل والجنس في سويسرا؟
أكثر الأمور بديهية في سويسرا، قد تكون الأكثر غرابة وشذوذا في بلدان أخرى كسوريا أو أفغانستان أو ارتيريا. لذا تقدم العديد من المؤسسات والمنظمات دورات تدريبية خاصة لتعريف طالبي اللجوء بأسلوب الحياة في سويسرا من الألف حتى الياء أو من نقطة البحث عن شقة أو وظيفة حتى التربية الجنسية.
قرر كانتون فالي فرض دورة تدريبية عن التربية الجنسية على طالبي اللجوء كجزء من التعريف بالحقوق الأساسية المختلفة لجميع الأشخاص المقيمين في سويسرا، بما في ذلك الحصول على الرعاية الصحية الجنسية. وفي تصريح لـ swissinfo.ch أوضح داميان موتييه، السكرتير العام في وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية والثقافية في الكانتون أن “الحكومة الفدرالية أصدرت في عام 1986 قانونا يطلب من الكانتونات إنشاء مراكز للعناية بالصحة الجنسية للسكان والتي تقدم الاستشارة حول الثقافة الجنسية والتربية وأساليب الوقاية. وبالنسبة لطالبي اللجوء فإن الدورة الجنسية جزء لا يتجزأ من عملية دمج طالبي اللجوء”. ورغم غرابة الفكرة تماما، فإن السيد موتييه يؤكد أن طالبي اللجوء لا يفهمون في البداية ضرورة زيارتهم لهذه الدورة، لكنهم سرعان ما يعبّرون عن امتنانهم لمشاركتهم فيها، حيث يحصلون على معلومات حول القوانين السويسرية في هذا الشأن مثل سن البلوغ وتشويه الأعضاء التناسلية والحقوق والصحة الجنسية.
من جهة أخرى يشير موتييه إلى أن هناك بالفعل اختلافات ثقافية كبيرة وفجوات في المعرفة الجنسية، حيث يوجد لدى البعض اعتقاد بأن حبوب منع الحمل تصيب بالعقم وأن تشويه الأعضاء التناسلية أمر مفيد للمرأة ويجعلها أكثر خصوبة وأنوثة وأن المرأة يتعين عليها ارتداء ملابس غير كاشفة وألا تخرج من المنزل إلا مع رجل وأن مكانها المنزل. أما اختيار وسائل منع الحمل فمتروكة للزوج فقط.
المزيد
هل اللاجئون بحاجة إلى دورة تدريبية في الجنس؟
“هل السويسريون منغلقون؟”
إلى جانب غياب المعرفة هناك أيضا الأحكام المُسبقة، التي يأتي بها اللاجئ وتبقي راسخة في ذهنه لأنه لا يحتك بالناس والمجتمع. معهد الثقافة التابع للكنيسة الإنجيلية وضع لنفسه هدف إيصال هذه المعرفة الثقافية للمهاجرين. يقول داني مشو، المدرب في معهد الثقافةرابط خارجي، إن أكثر الأحكام المسبقة شيوعا بين اللاجئين عموما والعرب خصوصا أن السويسريين منغلقون ولا يحبذون الاختلاط بثقافات أخرى وأن المجتمع متحفظ ودور المعهد هو التعامل مع هذه الأحكام المسبقة. ويوضح داني أنه “عندما يتعرض شخص لرفض طلبه في وظيفة، فإنه قد يسرع في اتهام جهة العمل بالعنصرية، رغم أنه قد لا يملك المؤهلات الكافية للتقدم لهذه الوظيفة”.
بعض اللاجئين يبقون لأشهر وفي بعض الأحيان لسنوات في محيطهم الثقافي واللغوي دون الاحتكاك الحقيقي مع المجتمع السويسري. من هذا المنطلق ولدت فكرة إنشاء “معهد الثقافة” “Kulturschule”، كما تقول كاترين مشو، مديرة المعهد “الفكرة بدأت مع زيارتنا لمركز لجوء في تون، حيث اكتشفنا أن اللاجئين يقبعون هناك وليس لديهم مجال للخروج والحركة. لذا قررنا إطلاق فعالية رياضية لممارسة كرة السلة. ومن خلال تعاملنا مع مركز اللجوء سمعنا الشكوى المتكررة للأخصائيين الاجتماعيين من انعدام الوقت لمرافقة اللاجئين بعد انتقالهم إلى سكنهم الخاص لتوضيح طريقة العيش في سويسرا مثل نظام الكهرباء وفصل القمامة أو كيفية استعمال الغسالة الكهربائية أو ما تعنيه يافطات المنع في سويسرا. كلها أمور عملية ومهمة ولكن لا يوجد الوقت لدى المختصين لشرحها للاجئين”، كما توضح كاترين مشو، التي تعرفت على زوجها العراقي داني مشو خلال عملها التطوعي.
هناك أيضا القوانين غير المكتوبة أو ما يسمى بالعادات مثل النظر في العين مباشرة عند التحدث مع الشخص، كما توضح كاترين مشو. في بعض الثقافات يعتبر من الحياء والأدب عدم النظر في الأعين ولا سيما عند التعامل بين الرجل والمرأة. وهو أمر يُعدّ في غاية قلة الاحترام في سويسرا.
يعمل معهد الثقافة على “تزويد طالبي اللجوء بالمعرفة الثقافية اللازمة من يوم وصولهم إلى سويسرا وحتى دمجهم في سوق العمل”، وفق المنظمة. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يقدم المعهد دورات تدريبية حول الثقافة والمجتمع في مناطق مختلفة من سويسرا.
يعتبر كل معهد ثقافة مستقلا من الناحية التنظيمية والقانونية. كما تحظى المعاهد الثقافية بالدعم التقني والمالي من الأفراد والمؤسسات الخاصة الملتزمة بدمج المهاجرين في المجتمع السويسري.
أسس المعهد في مدينة تون Thun من طرف منظمة (GPMCرابط خارجي) العضوة في “الرابطة الإنجيلية السويسريةرابط خارجي“. وتعمل المنظمة على أساس خيري وفقا للمبادئ المسيحية. ومع ذلك، فإن هذه الدورات لا تهدف إلى التبشير أو التعريف بالقيم المسيحية، كما يقول مؤسّسوها.
ممارسة الديمقراطية كلاجئ
يقدم معهد الثقافة ثلاث دورات تدريبية “الحياة في سويسرا” و”العيش في سويسرا” و”العمل في سويسرا”. هنا يتعلم اللاجئون كل شيء بدءا من كيفية البحث عن الوظيفة أو الدراسة أو مجرد التدريب المهني وكيفية التقدم لوظيفة أو تأجير سكن ونظام فصل القمامة وحتى آداب التعايش والجيرة. خلال زيارتي لدورة “الحياة في سويسرا” في شهر مارس الماضي، لفت المدربون إلى العديد من السلوكيات التي تبدو بديهية في المجتمع السويسري، لكنها غريبة على الأجانب وذلك كالسؤال عن شغور المقعد في وسائل المواصلات العامة أو إلقاء التحية على المارة في شوارع القرى.
إلى جانب المعلومات العملية التي تقدم للاجئين فهناك تغير يحدث في طريقة التفكير مع التلاقي بأشخاص من ثقافات أخرى. وفي مثال بسيط على ذلك توضح كاترين أنها حاولت معرفة رأي المشاركين في الدورة ولكنهم امتنعوا عن الإدلاء بأي ملاحظة سلبية أو أي نقد. لذا بدأ المترجم في شرح أهمية النقد والتعبير عن الرأي في سويسرا وأن هذا السلوك مقبول اجتماعيا. وعليه بدأ اللاجئون في التعبير بصراحة مباشرة عن نقاط ضعف وقوة الدورة وما يمكن تحسينه.
ينحدر غالبية اللاجئين من دول تعاني من تراجع حاد في الديمقراطية وحقوق الإنسان. فقد ظل السوريون والأفغان والعراقيون المُطالبون الرئيسيون بالحصول على الحماية الدولية في عام 2015 و2016، حيث يُمثل القادمون من هذه البلدان الثلاث التي تنخرها الحروب والنزاعات لوحدهم أكثر من نصف الأشخاص الذين تقدموا بطلبات لجوء للمرة الأولى في عام 2016. أما في سويسرا فشكل الارتيريون أغلبية طلبات اللجوء في السنوات الأخيرة، بـواقع 3375 طلبا في عام 2017.
لذا ليس من الغرابة أن نظام الحكم في سويسرا من أكثر ما يثير اهتمام المشاركين في دورة “الحياة في سويسرا” على سبيل المثال. يؤكد أحمد من اليمن: “تعلمت الكثير من الدورة عن كيفية التعامل مع المجتمع. ما أثار دهشتي هو نظام الحكم. حقوق المرأة ووضعها مثير أيضا للاهتمام ويختلف عما أعرفه في المجتمع اليمني”.
لكن الفجوة بين الحياة العملية والدورات النظرية تبقى واسعة، فالكثير من اللاجئين يمكثون سنوات دون الحصول على فرصة عمل أو السماح لهم بالعمل. ففي عام 2017 كانت 31.7% هي نسبة العاملين من حاملي الإقامة المؤقتة (permit F) وغالبيتهم لاجئون قدموا من سوريا وإريتريا وأفغانستان. وتشكل الإقامة المؤقتة والفشل في الاندماج في سوق العمل بسبب نقص المؤهلات المعترف بها أكبر التحديات الحائلة دون الحصول على وظيفة.
يقدم داني مشو دورة “العمل في سويسرا”، حيث يوضح أبسط الأمور من كيفية البحث عن عمل وحتى تعلم اللغة والدراسة وأيضا أهمية العمل في سويسرا وعدم الاعتماد على المساعدات الاجتماعية والمساواة بين الرجل والمرأة في مكان العمل وكيفية التعامل مع مواقف محددة في محيط العمل مثل تقبل امرأة كمديرة وهي أمور ليست بالبديهية في عدد من المجتمعات”.
المزيد
ما الذي يُريد القادمون الجدد إلى سويسرا معرفته؟
لكن إلى أي مدى يستطيع اللاجئون الاستفادة من هذه النصائح على أرض الواقع بالنظر إلى التحديات التي تواجههم في سوق العمل. يجيب داني مشو “ليس الهدف هو تجميل الواقع ورسمه بالألوان الوردية، بل تحضير اللاجئين لمواجهة الحياة في سويسرا ومنحهم الأمل في ذات الوقت عبر إبراز الأمثلة الإيجابية لأشخاص استطاعوا النجاح رغم العقبات والعراقيل”.
ويوضح مشو أن نسبة البطالة تبقى منخفضة جدا في سويسرا: “ما يحتاجه المرء هو مؤهلات تلبي احتياجات سوق العمل ولا سيما اللغة والخبرة أو التدريب والدراسة اللازمة. دوري هو تعليم اللاجئين كيفية اصطياد السمكة وليس إهدائهم إياها. أنا نفسي قدمت كلاجئ عراقي إلى سويسرا، ثم قمت بتدريب مهني وحصلت في النهاية على وظيفة”.
تلتقط كاترين خيط الحديث وتضيف “نحرص على الاستعانة بمدربين أجانب في الدورات، لأنهم يتناولون المواضيع من منظور آخر ويتحدثون من خلال تجربتهم. كما أنهم يتطرقون إلى قضايا وظواهر اجتماعية لا تلفت انتباهنا لأننا نمارسها ببساطة وأصبحت جزءا من ثقافتنا. من الجميل أيضا معرفة كيف ينظر لنا الآخرون، وأحيانا ننطلق في الضحك، عندما يتحدث الأجانب عن غرائب عاداتنا السويسرية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.