أيّ انتظارات اقتصادية مرتقبة لسويسرا في عام 2021؟
إغلاق كامل، عمل من المنزل، منع من السفر. لقد زلزلت الجائحة التي نجمت عن انتشار فيروس كورونا الاقتصاد كلياً، إلا أن قدراتها الهدامة تعمل بصورة انتقائية: فبينما تواصل الصناعات الدوائية مسيرتها بلا أضرار خلال هذه الأزمة، فإن صناعة الساعات قد تضررت بصورة لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية. فما هي التطورات المتوقعة لسويسرا كموقع اقتصادي وعملي وبحثي؟
نزوح القرية الكونية
كان العام الاقتصادي في سويسرا يُستهل عادةً ببداية جريئة في شهر يناير، تتمثل في عقد المؤتمر السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس. ففي العام الماضي فقط، كانت أنظار العالم متجهة إلى المنتدى الملتئم في دافوس لعدة أسباب من بينها زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إلا أن عام 2021 لن يكون كذلك. فقد قرر المنتدى ـ الذي يحتفل هذا العام بمرور خمسين عاماً على تأسيسه ـ عقد مؤتمره السنوي في سنغافورة.
بهذا يخسر الاقتصاد السويسري ملايين الفرنكات، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فالتأثير الرمزي لنقل هذا الحدث العالمي إلى سنغافورة، يعكس منافسة النمور الآسيوية لسويسرا كموقع اقتصادي بصورة متزايدة. حيث أصبحت سنغافورة غريماً اقتصادياً يزداد قوة يوماً بعد يوم، خاصة للمصارف السويسرية. فمنذ إلغاء السرية المصرفية في سويسرا، بدأت الأموال في التدفق على سنغافورة بوضوح.
بصفة عامة، تبدو آسيا التي تستعرض عضلاتها الأكثر قوة. إذ أسّس إطلاق “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” لأكبر اتفاقية تجارية في العالم على مر التاريخ، حيث تضم عمالقة اقتصاديين كالصين واليابان وكوريا الجنوبية إضافة إلى أستراليا وإندونيسيا. وسيكون من المثير للاهتمام، معرفة كيف ستؤثر هذه الاتفاقية على قطاع تجارة المواد الخام المتجذر بقوة في سويسرا.
الأمل معقود على اللقاح
لقد وضعت بالفعل التوقعات الخاصة بالاقتصاد السويسري للعام القادم، حيث لا تتكهن المعاهد المتخصصة في استشراف التطورات الاقتصادية حصول أي ازدهار قبل حلول النصف الثاني من العام. وجدير بالذكر، أن سويسرا أصبحت معتمدة أكثر من أي وقت مضى على شركات صنع الأدوية المتعددة الجنسيات. وهذا القطاع الآخذ في النمو بسرعة – الذي يشكل بحسب قيمته في الأثناء حوالي نصف الصادرات السويسرية – لم ينجح فقط في اجتياز اختبار فيروس كورونا، بل خرج منه أكثر قوة. ويتوقع أن يكتسب هذا القطاع المزيد من الأهمية، وأن تزيد حصته من إجمالي الناتج القومي للكنفدرالية عن 10%.
كما أن مجالات التصدير السويسرية الأخرى تعتمد على صناعة الدواء، لإحياء أنشطتها مرة أخرى ولتأمين ديمومة أنشطتها الاقتصادية وما يرتبط بها من وظائف في سويسرا. لذلك فالجميع يتطلع بنفاذ صبرٍ إلى حملات التطعيم التي استثمر فيها الكثير، والتي خططت معظم الدول في النصف الشمالي من الكرة الأرضية لها لطي صفحة سنة 2020 الكارثية.
وينطبق هذا بصفة خاصة على صناعة الساعات، وهي واحدة من أكثر المجالات الصناعية تضرراً من الجائحة. حيث انخفضت صادرات سويسرا من الساعات في عام 2020 إلى حوالي الربع، وهو أكبر تراجع خلال عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية. وبرغم ابتهاج منتجو الساعات بالازدهار الذي شهدته الصين في الأشهر الماضية، فإنهم يأملون في العودة السريعة للسياح وفي إعادة فتح المحال الخاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية.
المزيد
الملفات السياسية في سويسرا خلال عام 2021.. صعُوبات في الأفق!
أما المجال الأقل شهرة ووضوحاً للعيان من صناعة الساعات، برغم كونه أهمّ فيما يتعلق بالتصدير والوظائف في سويسرا (320000 وظيفة)، فهو صناعة الآلات والأجهزة والمعادن، التي تواجه مستقبلاً مجهولاً. فقد تضرر منتجو الآلات الصناعية المستخدمة في صناعة الساعات والطيران والفضاء وكذلك السيارات من الجائحة بصفة خاصة. وسيكون هؤلاء هم آخر من يمكنه رؤية أية بوادر للتعافي المستدام.
التحول الرقمي يتقدم
ختاماً، وإذا نظرنا إلى المدى البعيد، فقد يكون للجائحة أثر إيجابي على الاقتصاد السويسري كذلك. فقد اعتبرت سويسرا بالمقارنة العالمية، أكثر تخلفاً فيما يتعلق بالعمل الرقمي وغير المركزي. إلا أن الكثير من الشركات في قطاع الخدمات الهام، اضطرت عام 2020 إلى المضي قدماً في اتجاه مزيد الرقمنة، وهو ما من شأنه جعلها أكثر قدرة على المنافسة عالميا ًعلى المدى البعيد. لكن لا تزال هناك العديد من الأسئلة حول العمل غير المركزي من البيت التي لم يُعثر على إجابات لها بعدُ، مثلاً فيما يخص الإطار القانوني أو سرية البيانات.
لقد قلبت جائحة فيروس كورونا كل مجالات الحياة رأساً على عقب، حتى الطريقة التي نشتري بها الطعام، ونقوم بإعداده ونأكله. حيث ورد في تقرير شركة نستله السويسرية للأغذية أن الطلب على المواد الغذائية النباتية ـ كبديل عن اللحوم والألبان ـ قد ازداد بقوة، ذلك لأن الكثيرين يحاولون الالتزام بقواعد التغذية الصحيحة أثناء مكوثهم في البيت، خاصة بعدما تصدرت أخبار تفشي وباء كوفيد – 19 في مواقع إنتاج اللحوم، عناوين الصحف.
في الأثناء، أصبح هناك في سويسرا العديد من الشركات والشركات الناشئة، التي تنتج المواد الغذائية النباتية والتي تُعيد حسابات مستقبل الزراعة. وسوف نستمر في متابعة هذه الاتجاهات في عام 2021، وما تعنيه بالنسبة لغذائنا وللمناخ. كما تحاول الشركات السويسرية الناشئة، وعمالقة صناعة المواد الغذائية مثل نستله، إيجاد بدائل عن التغليف بالبلاستيك، والتي ينتهي بها المطاف بصورة مقلقة في أجسامنا وفي البيئة كذلك. كما أننا سوف نضع نصب أعيننا في العام القادم أحدث التطورات في علوم المواد ونقوم بالبحث في الكيفية التي قد تتيح بها ما يعرف بالمواد المستوحاة من الطبيعة ـ أو المواد الموجودة بالفعل في الطبيعة ـ حلولاً لعمليات التغليف والتسميد، وللفضلات الغذائية ومجالات أخرى كذلك.
وبما أن الآلات لا تمرض ولا تنشر أمراضاً، فإن جائحة كوفيد – 19 قد ساهمت في الإسراع بعملية التحول الآلي لبعض المهام من خلال استخدام الإنسان الآلي (الروبوتات) والذكاء الاصطناعي. ولكن كيف يُمكن بناء الثقة في هذه التقنيات، وكيف نستطيع التعامل مع إمكاناتها، وكذلك كيف يُمكن تغيير مكان العمل كما نعرفه؟ وكيف يمكن أيضاً التأكد من عدم وقوعها في أيادي عابثين؟ وبصفتها مركزاً عالمياً لصناعة الروبوتات والذكاء الاصطناعي، فإن سويسرا تحاول إيجاد إجابات على هذه الأسئلة، وسوف نعدّ تقارير حول هذه النقاشات.
فحينما فرضت الجائحة في عام 2020 قيوداً على الترحال وقللت من فرص اللقاء، تدفق الناس في سويسرا إلى الجبال والمواقع الطبيعية، طلباً للتباعد الاجتماعي. كما أن المشروعات الكبرى لتطوير البنية التحتية الجبلية ـ مثل التلفريك الجديد السريع إلى واحدة من أكثر المناطق ارتياداً في جبال الألب، وهي قمة يونغفراو يوخ ـ قد استمرت برغم الجائحة. ولكن ما هو أثر هذه الأنشطة البشرية على تنوع الأجناس الهش والهام في هذه الجبال التي تعد الأضخم في أوروبا؟ وهل ستظل الأنهار الجليدية الكثيرة التي تتميز بها سويسرا، والتي تعرف بـ “أبراج المياه” في هذه القارة، قائمة بعد خمسين عاماً، بل بالأحرى بعد عشرين فقط؟ إن تغطيتنا المستمرة لهذه الموضوعات، سوف تتناول حقيقة الوضع، وكذلك السياسات والابتكارات التي تحاول التعامل معه.
هناك في أعالي جبال الألب، بعيداً كل البعد عن هموم هذا العالم، توجد عوالم أخرى، تنتظر من يبحثها. ففي عام 2021، سوف تنتهي المهمة التي تترأسها سويسرا لمشروع القمر الاصطناعي “خوفو” CHEOPS، تلك المهمة التي استمرت لمدة ثلاث سنوات، والتي سنقوم بمتابعة نتائجها، كما هو الحال بالنسبة للعلامات الفارقة الأخرى في مجال أبحاث الفضاء، التي سبق أن شارك فيها قطاع البحث العلمي والتكنولوجيا السويسرية. لقد كانت مهمة القمر الاصطناعي هذا هي دراسة مائة كوكب من الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية، تلك التي يربُو عددها على 4000 كوكب، والتي اكتشفت منذ أن عثر السويسريّان ميشيل مايور وديديه كِلو الحاصلان على جائزة نوبل للفيزياء، على أول هذه الكواكب، والذي يدور حول نجم آخر غير شمسنا. فهل توجد أرض أخرى هناك بالخارج؟ ربما يُخبرنا العام القادم بالمزيد.
المزيد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.