“اتفاقية الهجرة بين تونس والاتحاد الأوروبي لن تحل أي مشكلة”
وقع الاتحاد الأوروبي وتونس مذكرة تفاهم يوم الأحد من أجل «شراكة استراتيجية شاملة». ويُقدّم الاتحاد الأوروبي بمقتضى هذه الاتفاقية مساعدة مالية لتونس، التي ستعزز في المقابل كفاحها ضد الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط. وبالنسبة لعالم الاجتماع والوزير التونسي السابق مهدي مبروك، الذي أجرينا حوارا معه في نهاية الشهر الماضي، فإن اتفاقية من هذا القبيل هي تعالج الأعراض ولا تقدّم حلا لأي مشكلة.
وبينما كان الاتحاد الأوروبي يتفاوض على اتفاقية هجرة مع تونس، شدّدت السلطات التونسية سياستها تجاه المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء: فقد تم التخلي عن مئات الأشخاص في الصحراء، ووقعت اشتباكات عنيفة في مدينة صفاقس الساحلية.
في هذه المقابلة (التي أجريت قبل توقيع الاتفاقية)، يعبر عالم الاجتماع التونسي ووزير الثقافة السابق مهدي مبروك عن آرائه بشكل حاسم – سواء فيما يتعلق بالوضع السياسي في تونس التي تعاني من صعوبات اقتصادية ومن انسداد سياسي أو بشأن سياسة الهجرة الأوروبية.
SWI swissinfo.ch: ما رأيك في شراكة الهجرة بين الاتحاد الأوروبي وتونس مقابل 900 مليون يورو؟
مهدي مبروك: أود أن أوضّح أولا أننا لسنا بصدد اقتراح لشراكة حقيقية تهدف إلى التنقّل أو إدارة متضافرة للهجرة مع تونس، بل هي شراكة تركّز على “مكافحة” الهجرة غير النظامية. لسوء الحظ، يعتمد هذا الاقتراح نهجا اختزاليا وأمنيا، يهدف فقط إلى كبح تدفقات الهجرةـ بطريقة صارمة ويمكن وصفها بالعنيفة.
هل تمتلك تونس الموارد اللازمة لمراقبة سواحلها، وحراسة حدودها، كما يرى الاتحاد الأوروبي؟
تمتد السواحل البحرية التونسية حوالي 1500 كيلومتر، لذا فإن السلطات التونسية تجد نفسها أمام مهمة صعبة للغاية، في سياق يتميّز بأوضاع اقتصادية بالغة الشدة. وقد منحت إيطاليا لتونس 82 سفينة للسيطرة بشكل أفضل على سواحلها – وبالتالي تقديم المساعدة اللوجستية والتقنية لجعل حرس الحدود التونسيين أكثر كفاءة. لكن هذه السفن والـ 900 مليون يورو، أمر سخيف. 900 مليون يورو لمكافحة الهجرة غير الشرعي: هذا مبلغ تافه ومثير للضحك!
كان الرئيس التونسي قد أعلن في البداية أن تونس لن تقوم بدور الشرطي لصالح أوروبا، وأنها لا تريد القيام بالدور القذر بدلا عنها. هل تشاركه هذا الرأي؟
قال قيس سعيد إن الاتحاد الأوروبي يمارس ضغوطا على تونس لتولي دور الدرك الذي يضمن إبقاء حدود أوروبا حصنا منيعا. وأضاف إنه غير مستعد لتولي هذه المهمة أو، كما قلتِ أنتِ، «العمل القذر». لكن من المفارقات أن الرئيس نفسه يستخدم خطابًا مناهضًا للهجرة، بشكل أساسي تجاه مهاجري جنوب الصحراء الكبرى. وأعرب عن آرائه بشأن الهجرة في خطابه الشهير في 21 فبراير 2023 – وهو خطاب تم إدانته باعتباره بغيضًا وعنصريًا ويغذّي الكراهية ضد الأجانب. في إطار هذه السياسة الشعبوية، يشارك الرئيس هذه الرؤية المعادية للأجانب والهجرة مع رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني ورؤساء دول أوروبية أخرى.
في 16 يوليو، وقع الاتحاد الأوروبي وتونس مذكرة تفاهم لتقييد الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط. يريد الاتحاد الأوروبي أيضًا التعاون اقتصاديًا مع تونس.
كانت دول الاتحاد الأوروبي قد وافقت سابقًا على إصلاح سياسة الهجرة الخاصة بها، والتي تنص أيضًا على التعاون مع دول ثالثة مثل تونس حتى تتمكن من مكافحة الهجرة غير النظامية وإعادة طالبي اللجوء المرفوضين إلى بلدانهم. في المقابل، وعد الاتحاد الأوروبي بأكثر من 900 مليون يورو كمساعدة مالية للبلد المغاربي الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة.
تنتقد منظمات الإغاثة الدولية العاملة في هذا البلد الشمال الإفريقي أنه في ظل حكم قيس سعيد الاستبدادي تُعد تونس مكانًا غير آمن لإعادة اللاجئين. في يوليو، وقعت اشتباكات عنيفة بين المهاجرين الأفارقة وسكان تونسيين، وبعد ذلك نقلت قوات الأمن التونسية مئات اللاجئين إلى الصحراء، بالقرب من الحدود الليبية أو الجزائرية، وتخلت عنهم هناك في ظل نقص حاد للماء والغذاء.
في خطابه، اتهم قيس سعيد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى بنشر العنف والجريمة في البلاد. ما هو تأثير هذا الخطاب على وضع اللاجئين والمهاجرين هناك؟
بعد هذا الخطاب المثير للخوف، حاولت السلطات التونسية التحرك من أجل «السيطرة» على الوضع بشكل أفضل ومنع ما يسمى بالدخول «الجماعي» لأفارقة جنوب الصحراء الكبرى إلى تونس. في الأنظمة الاستبدادية إلى حد ما، تتحرّك السلطات مثل الشرطة والدرك على الفور وبقسوة متزايدة، وغالبًا ما يتم تنفيذ الأوامر بطريقة وحشية وعنيفة إلى حد ما.
على مستوى السكان عموما، هل كانت هناك تداعيات لهذا الخطاب أيضًا؟
نعم. بالطبع هذا النوع من الخطاب المناهض للهجرة يجعل الناس للأسف أكثر كراهية للأجانب – ويرتكبون أحيانًا أفعالا عنصرية. ويصبح المهاجرون أكثر فأكثر عُرضة للعنف، وغالبًا ما يكون وضعهم محفوفًا بالمخاطر، ويتم استهدافهم بشكل متزايد. هذا عامل من ِشأنه أن يثني سكان جنوب الصحراء عن المرور عبر تونس.
هل يمكن لهذا القمع أن يقلل من أعداد المهاجرين غير النظاميين؟
في قاموس الهجرة، لا يوجد وقف مفاجئ لتدفقات المهاجرين. عندما يتم إغلاق «باب الهجرة» في مكان ما، تُفتح أبواب أخرى، ويتم اختراع طرق جديدة، على سبيل المثال عبر القرن الأفريقي أو عبر حتى دول الخليج.
من الناحية الأخلاقية، ما رأيك في صفقة الهجرة هذه التي اقترحها الاتحاد الأوروبي على تونس؟
من وجهة نظر أخلاقية بحتة، ليس من المقبول استخدام الأزمة الاقتصادية في تونس والتلاعب بها واستغلالها لفرض تعاقد من الباطن عليها. كل هذا أمر يخص الاتحاد الأوروبي الذي يجب عليه استقبال المهاجرين وانتقاء أولئك الذين يستحقون وضع اللاجئ. إنها سياسة غير منتجة، سيرى الجميع آثارها الضارة.
سياسة غير منتجة، لأن الاسباب الرئيسية للهجرة لا تزال قائمة؟
تحوّل أوروبا إلى قلعة محروسة لا يجعل من البحر الأبيض المتوسط مساحة للتبادل، وفضاءً للمساعدة المتبادلة بين الحكومات والشعوب، بل يحوّله إلى مقبرة.
ولن تُحل مشكلة الهجرة باعتماد نهج أمني بحت ما دامت الأسباب الموضوعية البحتة للهجرة قائمة. هل تستهدف هذه الشراكة الأسباب الحقيقية للهجرة، سواء من تونس أو من جنوب الصحراء الكبرى؟ البطالة والحروب الأهلية وتغير المناخ، مثل الجفاف الحالي في الصومال – كل هذه العوامل حقيقة واقعية. بدل هذه الرؤية الاختزالية، يجب أن نحاول تغيير واقع الأفارقة الذين يركزون على تونس كدولة عبور. وفي حين أن هذه المسؤولية أفريقية في المقام الأول، يمكن أيضا أن يُساهم المجتمع الدولي في معالجتها.
مهدي مبروك سياسي تونسي وعالم اجتماع حاصل على الدكتوراه، ومحاضر جامعي. من 2012 إلى 2014 – بعد الإطاحة بالرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن على في سياق ثورات الربيع العربي – شغل مبروك منصب وزير الثقافة التونسي. بصفته عالم اجتماع، يقوم مبروك بالتدريس والبحث والنشر حول مواضيع مثل الهجرة الدولية والشباب والتعليم والتغيير الديمقراطي. وهو مدير «المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية» (CAREP) في تونس.
ما هي العناصر التي يجب أن تتضمنها هذه الشراكة لجعلها مثيرة للاهتمام بالنسبة لتونس؟
تعدّ تونس حاليًا ما بين ثماني مئة ألف و مليون عاطل عن العمل، وهو معدل بطالة مرتفع للغاية يصل أحيانًا إلى 18 أو 19٪ من السكان العاملين. والثلث من بين هؤلاء مؤهلون تأهيلا عاليا، ومع ذلك لا يمكنهم الحصول على تأشيرات سفر. لذلك ينبغي أن نشجع نظاما للتبادل والتنقل يسمح للشباب التونسي، من العمال الموهوبين أو اليد العاملة غير الكفأة، بالسفر والحق في الإقامة في أوروبا والتمكن من العمل هناك.
توجد بالفعل شراكات ثنائية بين تونس وعدد من البلدان الأوروبية – بما في ذلك سويسرا. هل هذه الاتفاقيات غير مجدية؟
نعم، لكنها ليست كافية. سويسرا، على سبيل المثال، ليست وجهة مميزة للمهاجرين التونسيين. ما يحفز التونسيين على الهجرة إلى إيطاليا وفرنسا، ليس فقط مسألة القرب الجغرافي، ولكن أيضًا وجود المهاجرين التونسيين الذي تعود هجرتهم إلى الستينيات. العلاقات وشبكات هجرة التونسيين توجههم بدلاً من ذلك نحو هذه الوجهات وفي كثير من الأحيان نحو بلدان أخرى.
في الأثناء، يواصل مئات وآلاف التونسيين، معظمهم من الشباب، الهجرة إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط.
نعم. الهجرة من تونس مهمة للغاية. عندما شهدت تونس اندلاع انتفاضتها الشعبية في عامي 2010 و2011، بعد أربعة أسابيع كانت هناك موجة هجرة كبيرة للغاية، ووصل حوالي 25000 مهاجر تونسي إلى جزيرة لامبيدوزا الصغيرة. وظلت هذه الحالة ثابتة إلى حد ما، ولم تحدث تغييرات كبيرة. في الوقت نفسه، إذا نظرت إلى تقارير «يوروستات»، فهناك حاجة حقيقية لتوظيف العمالة من أوروبا. لذلك يجب ألا نكون أنانيين. حتى لو كنت تريد استغلال الأزمة الاقتصادية: كن كريمًا بعض الشيء! ندعو الاتحاد الأوروبي إلى الترحيب بالمهاجرين التونسيين، وانتداب اليد العاملة من بينهم، سواء أكانت مؤهلة أم غير مؤهلة.
بعد 12 عامًا من الربيع العربي، كيف يتطور الوضع السياسي في تونس؟ هل سيكون الرئيس قادرًا على الحفاظ على حكمه الفردي الاستبدادي؟
استغل قيس سعيد غضبًا اجتماعيًا متزايدًا، لأنه بعد عقد من الانتقال الديمقراطي، لم يشهد التونسيون أي تغيير حقيقي في وضعهم الاقتصادي والاجتماعي. لسوء الحظ، نحن في الأساس نفقد حرياتنا الفردية من يوم إلى آخر. لم تمول أوروبا بسخاء التحول الديمقراطي في تونس لمعالجة مشاكلها العديدة. فقد الاتحاد الأوروبي دولة كان من الممكن أن تكون ديمقراطية، وتشكل استثناءً بين الدول العربية والإسلامية. الآن، تم إغلاق القوسين من التحول الديمقراطي. بالمعنى الدقيق للكلمة، لم يتغير شيء. لذلك أعتقد أن الرئيس يمكن أن يقاوم كل هذه القيود خاصة مع سيطرة الدولة على الفضاء العام والمجتمع المدني والصحفيين والمدونين. اليوم، كما قال عالم الاجتماع العظيم فينسينت جيسر، نشهد “عودة إلى ثقافة الخوف”.
توجد شراكة هجرة بين سويسرا وتونس منذ عام 2012: تدعم سويسرا تونس مالياً، في شكل تسهيل منح التأشيرات لرجال الأعمال والأكاديميين والفنانين التونسيين ومع توفير التدريب الداخلي في سويسرا.
في المقابل، تستعيد تونس طالبي اللجوء المرفوضين. بالإضافة إلى ذلك، هناك برنامج تعاون بين البلدين يركز على تعزيز التنمية الاقتصادية وتعزيز الديمقراطية وتحسين الظروف المعيشية في تونس. منذ الربيع العربي، قامت سويسرا (بالاشتراك) بتمويل العديد من مشاريع التحول الديمقراطي.
وبصفتها عضوا منتسبا في نظام شنغن ودبلن، تشارك سويسرا أيضا في السياسة الأوروبية للهجرة واللجوء.
* تم إجراء هذه المقابلة في نهاية شهر يونيو 2023.
تحرير: دافيد أوغستير
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.