مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اتفاقٌ ضريبي مع أمريكا قد “يقتل” المصارف الصغرى في سويسرا

المطالب الأمريكية "هي مقبولة بالكاد من الناحيتين الإقتصادية والقانونية" وفقا لباتريك أوديي، رئيس جمعية المصرفيين السويسرية Keystone

أصبح "فاليانت" و"بنك كانتون برن" و"فانتوبيل" أولى المصارف السويسرية التي قبلت بالتوقيع على برنامج الإقرار الضريبي الأمريكي. في الأثناء، حذر خبراء من أن التكاليف القانونية المرتبطة بالإمتثال لهذا الإتفاق مع الولايات المتحدة قد "تقتل" بعض البنوك الصغرى في الكنفدرالية.

تتمتّع المصارف الكبيرة التي تسببت في الحملة الأمريكية الصارمة ضد المتهربين من الضرائب (بعد إيواءها بشكل متعمد أو جراء تصرف مُتهور، لأصول لم تخضع للضرائب) بنفوذ مالي يُسهل عليها تحمّل التكاليف وتسديد الغرامات. في المقابل، قد تخضع المؤسسات الإقليمية، التي تمثّل رُبع المصارف السويسرية، لعقوبات مالية أقسى في نهاية المطاف، رغم أنها قد تكون أذنبت بقدر أقل بكثير، بالمقارنة مع كبار منافسيها.

وكانت سويسرا قد وافقت في شهر أغسطس 2013 على مطالب الولايات المتحدة التي تُجبر المصارف على الإقرار بالحقيقة والإلتزام بالشفافية فيما يتعلق بأصحاب الحسابات الأمريكيين لديها. وبموجب شروط الإتفاق، إذا ما عُثر على مُتهرب واحد من الضرائب ضمن قائمة العملاء في أيّ بنك، مهما كان حجمه، فإنه سيُدرج تلقائيا في فئة كبار المتحملين للمسؤولية.

وقد طلبت الهيئة الفدرالية لمراقبة الأسواق المالية “فينما” من المصارف أن تعلن عن استعدادها للتوقيع على الإتفاق الضريبي مع الولايات المتحدة، إلى يوم الإثنين 9 ديسمبر 2013. وبحلول نهاية هذا العام، يُفترض أن تكون البنوك قد أبلغت السلطات الأمريكية بقرارها.

وقد تكون الغرامات التي ستُفرض على المصارف الصغرى أقل من تلك التي ستخضع لها المؤسسات المالية الكبرى التي تتحمل قدرا أهم من المسؤولية، ولكن التكاليف الإدارية والقانونية المُترتبة عن مجرد التعامل مع سلطات الولايات المتحدة في هذا الإطار قد تُحتسب بملايين الفرنكات.

وأوضح كريستيان فيشر، الشريك في إدارة مكتب الإستشارات في مجال الإندماج والإستحواذ “CFM وشركاؤه” بزيورخ أن “بعض البنوك ستضطر للمُشاركة في البرنامج بناء على علاقة وحيدة مع عميل أمريكي لم تكن تعرف حتى أنه مواطن من الولايات المتحدة لأنه ربما كان يحمل جنسيتين، والمصرف لم يعلم شيئا عن ذلك”. وأضاف في تصريحاته لـ swissinfo.ch: “هذه مُمارسة مُكلفة قد تقتل بعض المصارف الصغرى التي تشعر بأنها لم تفعل أي شيء خاطئ. والعديد من البنوك تكافح، حتى أنها تتكبد خسائر في الوقت الراهن، وهذه تكلفة إضافية ضخمة لن تستطيع تحملها”.

بموجب شروط الإتفاق الضريبي المُبرم بين سويسرا والولايات المتحدة في شهر أغسطس 2013، سيتم تصنيف المصارف التي يناهز عددها 300 في الكنفدرالية ضمن أربع فئات من قبل وزارة العدل الأمريكية.

المجموعة الأولى: تضم 14 مصرفا يجري التحقيق بشأنها لاشتباهها بارتكاب مخالفات في مجال التهرب الضريبي، ومن بينها اتحاد المصارف السويسرية “يو بي إس”، و”كريدي سويس”، و”جوليوس بير”، و”بيكتيت”، ومصرفا كانتوني زيورخ وبازل.

تشمل القائمة بعض الفروع السويسرية لمصارف أجنبية، مثل HSBC وبنك ليئومي الإسرائيلي. وكان أقدم البنوك الخاصة في سويسرا، “راهن وبودمر” آخر مؤسسة أضيفت للمجموعة الأولى في شهر سبتمبر الماضي.

المجموعة الثانية: تضم البنوك التي تعرف أو تَشتبه أن موظفيها قد ارتكبوا مخالفات في مجال التهرب الضريبي في الولايات المتحدة. وإذا ما نجحت هذه المصارف في تنظيف سمعتها قبل نهاية العام، فهي قد تتجنّب الملاحقة الجنائية ولكنها ستخضع لغرامات مالية كبيرة (أنظر المادة المرافقة الثانية).

المجموعة الثالثة: تضم المصارف التي لديها عملاء أمريكيون ولكنها تعتقد أن هؤلاء امتثلوا بشكل كامل للأنظمة الضريبية في الولايات المتحدة.

المجموعة الرابعة: تضم المصارف التي تتعامل بشكل محدود جدا مع العملاء الأجانب – بحيث أن عددهم لا يزيد عن 2% من إجمالي حرفائها.

تُفاح فاســد بسعر غالٍ

والحقيقة المُرة هي أن كافة المصارف، بغض النظر عن حجمها، تقف أمام خيار غير مستساغ لاتخاذ قرار حاسم قبل انتهاء المهلة المُحددة للمشاركة في البرنامج الأمريكي، بحلول نهاية هذا العام: فإما أن تخصص موارد مالية مهولة لتغطية التكاليف القانونية لتوقيع الإتفاق، أو تُجازف بالتعرّض لتدمير كامل على يد المحاكم الجنائية الأمريكية.

وعقوبة اتخاذ القرار الخاطئ واضحة وضوح الشمس للجميع: فقد كان مصير مصرفي “فيغيلين” و”فراي” السويسريين الزوال ببساطة بعدما تكبّدا غضب وزارة العدل الأمريكية. وقد أكدت هذه الأخيرة بلهجة صريحة لا تترك مجالا لسوء الفهم أنها ستواصل إحالة أيّ بنك يحاول التملّص من التزاماته إلى المحاكم الجنائية.

غير أن الخيار البديل لتجنّب الإجراءات الجنائية هو مكلف أيضا بالنسبة للمصارف، لأن قيمة الرسوم القانونية للتوقيع على معاهدة عدم الملاحقة قد تصل إلى ملايين الفرنكات، وقد يتسبب في عقوبات مدنية أمريكية تصل إلى 50% من قيمة الأصول غير الخاضعة للضريبة المودعة في المصارف المعنية.

ومؤخرا، صرح رئيس جمعية المصرفيين السويسرية، باتريك أوديي، أن “البرنامج مقبول بالكاد من الناحيتين الإقتصادية والقانونية”. وقد شعرت البنوك الصغيرة بالفزع عندما علِمت أن الاتفاق مع الولايات المتحدة يستهدف أيضا المواطنين الحاملين لجنسية مزدوجة، سويسرية – أمريكية. بالإضافة إلى ذلك، تلقي المعاهدة ذاتها اللائمة على المصارف لمجرد فشلها في عدم الإنتباه إلى العملاء الذين يحجبون أصولهم عن السلطات الضريبية الأمريكية، فما بالك إن كانت البنوك قد تحركت بنشاط لتشجيع الحرفاء على التهرب من دفع مستحقاتهم الضربية.

وفي تصريحات أدلى بها لصحيفة “تاغس أنتسايغر” (التي تصدر بالألمانية في زيورخ)، قال رولف زاوغ، الرئيس التنفيذي للبنك الإقليمي لكانتون زيورخ، ورئيس مصرف “كليانتيس” الإقليمي: “لا يمكن لبعض المصارف الجزم إن كان لديها عملاء أمريكيون قصّروا في دفع الضرائب على أصولهم، أو في الإعلان طوعا عنها في الولايات المتحدة”.

وأشار زاوغ إلى أن الكشف عن المستور في هذا الإطار قد يكلف ما لا يقل عن 100 ألف فرنك، ثم يرتفع المبلغ إلى مليون فرنك لتسديد الرسوم القانونية مقابل الإنضمام إلى برنامج عدم الملاحقة الجنائية إذا ما تم العثور على ما وصفه بـ “تفاح فاسد” أثناء عملية التمحيص، قبل أن يضيف في حديثه مع اليومية نفسها: “أنا منزعج بالخصوص من بعض المصارف الكبرى التي تركت لنا هذه الفوضى”.

يمكن للبنوك السويسرية التي لا تخضع حاليا لتحقيقات وزارة العدل الأمريكية تجنّب الملاحقة الجنائية من خلال التقدم بما يسمى بـرسالة “غير محددة المقصد” Non-Target letter بحلول نهاية العام بموجب بنود الإتفاق السويسري الأمريكي.

ومع ذلك، يمكن أن تظل هذه المصارف عرضة لعقوبات مدنية كبيرة اعتمادا على التاريخ الذي فَتحت فيه حسابات لعملاء أمريكيين تشتمل على أصول غير مُعلنة.

الحسابات المتواجدة بالفعل قبل 1 أغسطس 2008 قد تخضع لغرامة تعادل 20% من قيمة الأصول المتراكمة.

يمكن أن تبلغ الغرامة 30% من قيمة الأصول بالنسبة للحسابات التي تم فتحها ما بين 1 أغسطس 2008 و28 فبراير 2009.

قد ترتفع الضريبة إلى 50% من الأصول المتراكمة بالنسبة لأي حساب غير مُعلن عنه تم فتحه بعد 28 فبراير 2009.

مذنبون.. بدرجات متفاوتة الخطورة

وقد وُجِّهتْ انتقاداتٌ لوزيرة المالية السويسرية إيفلين فيدمر-شلومبف بسبب توقيعها لاتفاق يترك هامشا واسعا للتأويلات. وكانت وزارة العدل الأمريكية قد أوضحت بصورة لا تدعو إلى الشّك أنها تستحوذ بمفردها على مهمة تفسير التفاصيل. وهذا يشمل تحديد درجة المخالفات التي ارتكبها كل بنك على حدة، والمنصوص عليها في أربع فئات مختلفة (أنظر المادة المرافقة).

وتُعرف بعد المصارف المدرجة ضمن الفئة الأولى، والتي تخضع حاليا للتحقيق الجنائي، في حين يتراوح مستوى الخرقات المُرتكبة ضمن المجموعات الثلاث المتبقية من خطيرة (الفئة الثانية) إلى منعدمة (الفئة الرابعة). وقد حذّرت وزارة العدل الأمريكية من البنوك التي تحاول التقليل من شأن مسؤوليتها، أو خداع السلطات الأمريكية.

كاثرين كينيالي، مساعدة المدعي العام في قسم الضرائب بوزارة العدل الأمريكية قالت لصحيفة “سونتاغس تسايتونغ” (التي تصدر بالألمانية في زيورخ): “تقول بعض المصارف: “لم نرتكب سوى القليل من الأخطاء، لذلك فنحن ننتمي للمجموعة الثالثة”، ولكن سيكون من الصّواب أن تختار هذه البنوك المجموعة الثانية”.

الرسالة الضمنية التي تود كينيالي إبلاغها واضحة: طالما لم يتأكد المصرف من أن نشاطاته نظيفة 100%، فيجب أن يعتبر نفسَه مُذنبا. ولكن الإنضمام إلى الإتفاق الأمريكي السويسري يمكن أن يُقلل من مسؤوليته الجنائية بحيث تتحول مخالفته إلى جريمة مَدنية تستدعي دفع غرامة مالية.

توبياس لوكس، المتحدث باسم الهيئة الفدرالية لمراقبة الأسواق المالية “فينما”، قال في تصريحات لـ swissinfo.ch: “يمكن اعتبار التعرض لقضايا التهرب الضريبي في الولايات المتحدة خطرا على المؤسسة، ونحن نريد معرفة ما إذا كان لديها برنامج وقاية من الأخطار يتيح لها التعامل مع هذا الخطر”.

ونظرا لمستوى عدم اليقين، اختارت بنوك عديدة تجاهل مهلة 9 ديسمبر التي حددتها “فينما”، بما فيها “رافايزن”، ثالث أكبر مجموعة مصرفية في سويسرا، بحيث تريد هذه الأخيرة المزيد من الوقت لإتخاذ قرارها.

التزام المصارف الصغرى

ومع ذلك، أعلنت مجموعة “فاليانت” يوم 9 ديسمبر 2013 اعتزامها التوقيع على الإتفاق مع الولايات المتحدة كمؤسسة ضمن المجموعة الثانية، رغم أن 0,1% فقط من عملائها – الـبالغ عددهم 400000 – يحملون الجنسية الأمريكية.

ونَفى البنكُ في بيان المزاعم التي مفادُها أنه شجّع عمدا عملاء أمريكيين على التهرب من دفع الضرائب، أو أنه قام بزيارات لحرفاء في الولايات المتحدة. وأضاف المصرف أنه “مع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال عدم إعلان بعض العملاء (الأفراد) عن أصولهم دون خرق القانون الضريبي”. 

من جانبها، أعلنت مجموعة “كورنر” المصرفية الإقليمية – التي تتخذ من كانتون تيتشينو مقرا لها – أمام وسائل الإعلام أنها تدرس إمكانية التوقيع على البرنامج الأمريكي ضمن المجموعة الثانية.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته: إصلاح بخات)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية