مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

احتفالات الشباب الريفي.. “كوكتيل” من الجدية والرياضة والكحول

المصارعة السويسرية، التي تعتبر رياضة ذكورية وقروية بامتياز، لا تغيب عن مهرجانات كانتون فو. swissinfo.ch

منذ إنشائها في أوائل القرن العشرين، تُعتَبَر نوادي الشباب الريفية في كانتوني فو وفريبورغ تجمعات مؤسساتية بكل معنى العبارة. ورغم أنها أنشأت أساساً بهدف الدفاع عن مصالح القطاع الزراعي، لكنها نجحت مع مضي الوقت في تجديد نفسها والحفاظ على جاذبيتها إلى يومنا هذا، من خلال نشاطها المستمر في تنظيم المهرجانات والفعاليات الرياضية، وتوفير الفرصة لشباب الريف لإظهار تمسكهم بحياة القرية وتقاليدها العريقة.

بمفردها، تضرب إيلودي ميلاندو بجميع الكليشيهات عرض الحائط. ففي وسط جمعية شباب الريف (وهم فئة تتراوح أعمارهم بين 18 – 35 عاماً)، وما يتسمون به من سلوك رجولي ظاهري محافظ، ووطنية نادرة الانفتاح على الخارج، تترأس السيدة الشابة ذات الأصول الإيطالية المهرجان الشعبي “لو جيرون دو لا بروارابط خارجي، الذي يمثل واحداً من أربعة مهرجانات لا غنى عنها، تضفي الحياة والبهجة على ريف كانتون فو طوال فصل الصيف.

إيلودي ميلاندو، سيدة شابة تمسك بزمام الأمور في مهرجان “لو جيرون دو لابروا”. swissinfo.ch

“انطلق كلّ شيء بفكرة جنونية بعض الشيء”، كما تتذكر السيدة الشابة قائلة: “مع أن نادينا الشبابي لا يتألف سوى من 15 عضواً، لكننا كنا متأكدين من قدرتنا على إقامة مثل هذا المهرجان أيضاً، مادامت هناك أندية أخرى نجحت في ذلك. بَيد أن أحداً لم يرغب بتولي رئاسة اللجنة المنظمة …”.

وهكذا اخذت ميلاندو على عاتقها تولّي مسؤولية هذه المهمة الصعبة. ومع تخصيص ميزانية قدرها 250,000 فرنك لأيام المهرجان الخمسة، وقيادة نحو1400 متطوع، واستقبال أكثر من 30,000 زائر متوقع، كان حجم التحدي كافياً لترويع حتى أكثر الأشخاص جرأة. “كان بإمكاننا لحسن الحظ الإعتماد على مساعدة الجمعيات الشبابية الأخرى”، كما قالت ميلاندو.

تنظيم بدقة متناهية

أما النتيجة فكانت مذهلة: ففي مركز موقع المهرجانات الواقع على أرض زراعية تابعة لبلدية “كريمين”Cremin ، يمكن مشاهدة حانة دائرية، مزودة بآلاف اللترات من الجعّة (البيرة) مباشرة عن طريق خط [أنبوبي] تحت الأرض موصول بشاحنة صهريج مخصصة لنقل المشروبات الكحولية تقف خارج أرض المهرجان.

وابتداءاً من موقف السيارات، وعبوراً بموقع التخييم، ووصولا إلى الخيمة الضخمة المخصصة لتقديم الطعام، كان التنظيم يتميز بذلك الكمال والدقة المتناهية، اللذين من شأنهما أن يُثيرا حَسَد أي منظم حفلات موسيقية في الهواء الطلق.

وبنفس العناية الكبيرة، أحيطَت أرض المهرجان أيضاً بساحات مُخصصة للعب كرة القدم، والكرة الطائرة، وألعاب القوى، ولعبة الكرة الحديدية، والمصارعة وشد الحبال.

المزيد

المزيد

نهاية أسبوع صيفية رفقة الشبيبة الريفية

تم نشر هذا المحتوى على لا تشكو جمعيات الشباب الريفية من الأزمة في كانتون فو، بحيث تجتذب التظاهرات التي تنظمها المزيد من المشاركين عاما تلو الآخر. swissinfo.ch قضت نهاية أسبوع طويلة خلال شهر يوليو 2015 في كريمين، أصغر بلدة في كانتون فو، حيث التقطت عدستها مشاهد من فعاليات المهرجان التقليدي “لو جيرون دو لابروا” الذي استضاف أكثر من 30000 شخص.

طالع المزيدنهاية أسبوع صيفية رفقة الشبيبة الريفية

صداقة وروح احتفالية

وكان العمل، والدعم المتبادل، والتضامن، والصداقة، وحُسن المعاشرة هي القيم التي ساعدت إيلودي ميلاندو ورفاقها على خوض هذه المغامرة بكل ما تحمله من مخاطر عالية وفي غياب أي ضمانات. وهذه هي وصفة نجاح جمعية شباب ريف كانتون فورابط خارجي (FVJC) أيضاً. وفي حين تشتكي شبكة النوادي السويسرية غالبا من عَدَم الإلتزام ونَقص الشباب، لا تعرف جمعيات شباب ريف كانتون فو أيّ أزمة من هذا النوع.

واليوم، يبلغ عدد أعضاء جمعية شباب ريف كانتون فو أكثر من 8100 عضو موزعين على 270 جمعية. وبالمقارنة، لم يكن عدد هؤلاء في عام 1999 يزيد عن 5300 عضواً. ووفقاً للمؤرخ أوليفَر مويفلي من كانتون فو، “أدّى تطور المجتمع إلى إحياء الحاجة إلى أسلوب إنساني آخر من حُسن المعاشرة”، وكما يضيف “حدث ذلك في سياق العودة إلى الإقليمية”.

وكانت جمعية شباب الريف قد أنشأت في عام 1919 للتصدّي لظاهرة الهجرة من الريف، والدفاع عن مصالح القطاع الزراعي بشكل أساسي. بيد أن أحد أهدافها كان منع انتشار البلشفية أيضا. وبمرور الوقت، ابتعدت الجمعية عن القضايا السياسية، وكرست نفسها لتعزيز حبّ الإختلاط بالآخرين، والأنشطة الرياضية.

إلّا أنّ الجمعية نجحت أيضاً في التكيف مع التغييرات السريعة التي شهدها ريف كانتون فو، والمتمثلة بالانحسار المستمر للعمل الزراعي، وتسجيل القرى لنمو سكاني كبير مع ظاهرة الهجرة من المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية، أو تدفق “الريفيون الجُدُد” كما يطلق عليها علماء الإجتماع، والتي بدأت في الأعوام الممتدة بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

الشباب العامل

وفي السياق نفسه، يقول سيدريك ديستراتس، نائب رئيس جمعية شباب ريف كانتون فو، والذي يعمل ككهربائي: “لا تزال جمعية شباب الريف في الأجزاء الناطقة بالألمانية رابط خارجيمن سويسرا مخصصة للمزارعين الشباب بشكل حصري تقريبا. أما جمعيتنا فتتضمن جميع الفئات المهنية، وبنسبة تعكس النظام الإجتماعي والاقتصادي الجديد لمناطقنا الريفية.”

وفي كتابه الذي صدر في عام 2014 بعنوان “Il faut bien que jeunesse se fasseرابط خارجي” (الشباب فترة لا بُد أن تُقضى)، يرى عالم الاجتماع ألكسندر دافلون في هذا الانفتاح أحد عوامل النجاح المستمر للجمعية. لكنه يؤكد بحزم، بأن اجتذاب هذه الإحتفالات لجمهور أوسع باستمرار، لا يعني رغبة الجميع في الإنخراط في جمعية شبابية واحدة.
“معظم الأعضاء ينحدرون من أسر كان فيها الأب أو الأم عضوا في النادي بالفعل. فضلاً عن ذلك، تلقى المهن اليدوية تقديراً كبيراً، ولاسيما بين الرجال. وتهدف هذه الجمعيات الشبابية إلى عكس صورة عن الشباب العامل، وهذا العمل يجب أن يكون مفيداً وملموساً ومرئياً قبل كلّ شيء. وهذه الرؤية أبعد ما تكون عن النظام الجامعي.

احترام التسلسل الهرمي

من جهتها، تجسد إيلودي ميلاندو الدليل الحي على عثور المرأة على مكانها بين شباب الريفرابط خارجي. بيد أن ما خاضته من تجارب منحها الفرصة أيضاً لمواجهة بعض الأفكار المُسبقة المُتحيزة. “لقد وجدت خلال عمليات الاستعداد لهذا الحدث أن لكل شخص دور واضح المعالم: فالشباب اضطلع ببناء البنية التحتية، بينما اهتمت الفتيات بعملية التزيين. ولكن حذار من محاولة إعطاء أداة للحفر لإحدى الفتيات، أو فرشاة التلوين لأحد الشباب…”

وتُعتَبَر الأعراف، والإحترام، والتقاليد، والتسلسل الهرمي أيضاً القيَم الأساسية والطابع الذي يشكل الحياة اليومية لهذا المجتمع من الشباب والشابات. “في جمعيتنا، يتعين دائما، وبدون استثناء، قيام الأصغر سناً بتقديم المشروب الفاتح للشهية”، كما يؤكد سيدريك ديستراتس.

وحتى لو صادف مرة وكانت الفرصة مواتية للخروج عن سيطرة الكبار وممارسة بعض الإستقلالية، لن يعني ذلك تعرُّض مراعاة العلاقة بين الأجيال للتقصير، بل أن العكس هو الصحيح. ففي بلدية “كريمين، وكما هو الحال في كل المهرجانات المقامة في كانتون فو، أنشأ “الشيوخ” قبو النبيذ الخاص بهم على أطراف الموقع.

وكما يقول نائب رئيس جمعية شباب ريف كانتون فو، تُعتَبَر أندية الشباب مرحلة عبور آمنة بين سن المراهقة والبلوغ. “في بعض الأحيان يجد عضو شاب بعمر الخامسة عشر نفسه محاطاً بمجموعة أكبر منه سناً قد تتعدى أعمارهم الثلاثين عاماً. وبإمكان المرء اكتساب مهارات كبيرة [في هذه الجمعيات]، لاسيّما من خلال العمل الذي يمكن الإستفادة منه في الحياة اليومية أيضاً”.

سمعة سيئة

أما البيرة والنبيذ، فهما متوفرَان بكثرة في كل مكان، ويُعتبران رابطاً اجتماعياً قوياً. “إن تبادل الشراب مع أحد الجيران أو مع شخص مُتقدم في السّن، هو وسيلة لتأكيد وضمان العلاقة تجاه المجتمع الذي ينتمي إليه الشخص”، بحسب ألكسندر دافّلون. وتناول الشراب لا يكون كيفما كان: إذ تخضع هذه الممارسة لسيطرة شديدة. وعلى سبيل المثال، فإن رؤية شخص يستهلك الكحول بمفرده أمر غير مُحَبَّب على الإطلاق”.

وما يبقى الآن، هو أن تتخلص مهرجانات “جيرون” في كانتونات فو وفريبورغ مع كل ما أثمرت عنه من إبداع لا محدود، ومع ما واجهته من صعوبات جمة، من سُمعة كونها مَرتعاً كبيراً للشراب. وهذا على الرغم من الجهود الوقائية المبذولة من قِبَل الجمعية، التي ترغب في نقل صورة لشباب أصحاء يقفون بأقدامهم على أرض الواقع، على عكس بعض الشباب الحضري المستقل المزعوم الذي أضاع هذه القيم.

وفي هذا السياق، يفضل ديستراتس تسليط الضوء على أهمية هذه الأندية الشبابية في الحياة القروية لكانتون فو، “من خلال تنظيم المناسبات على مدار العام، فإننا نمنع تحول قرانا إلى عنابر للنوم. فضلاً عن ذلك، فإن لِشبابنا الحق في الاحتفال، كما يفعل غيرهم في ملاهى لوزان الليلية، أو إحدى المهرجانات الموسيقية. وعندما يكد هؤلاء الشباب طوال أشهر عديدة لتنظيم البُنية التحتية لمهرجان مثل ’لو جيرون دو لابروا‘، ألا يحق لهم التمتع ببعض لحظات الإسترخاء؟”

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية