الأصول الصناعية السويسرية متماسكة على الرغم من قوة الفرنك
شهدت الساحة السويسرية مؤخّـرا، قيام بعض الشركات بنقل تصنيع مُـنتجاتها إلى خارج البلاد، إما مُـضطرّة، نظرا لغلاء أسعار الصادرات السويسرية بفعل ارتفاع سعر صرف الفرنك السويسري، وإما رغبةً منها في اقتحام أسواق جديدة ناشئة.
وعلى رغم ما حصل مؤخّرا من الاستغناء عن آلاف الوظائف ونقل عديد من المصانع إنتاجها إلى خارج البلاد، قلّـلت الشركات المصنّعة ومعها نقابات العمال، من مخاوف تجريد سويسرا من قاعدتها الإقتصادية، بفعل قوة الفرنك.
ومع أن المصرف الوطني السويسري فرض أرضية لسِعر الصرف مقابل اليورو، إلا أن ما حصل مؤخّرا من نقلٍ لعمليات الإنتاج والتصنيع إلى بلدان أعلى كفاءة وتكلفة، أثار حنق الدوائر السياسية وبعض وسائل الإعلام.
وفي يونيو 2012، أقرّ أصحاب شركة سيرونو، الألمانية العاملة في مجال التكنولوجيا الحيوية، خطة لإغلاق مقر الشركة في جنيف، وهو ما سيؤدّي إلى الاستغناء عن 500 وظيفة ونقل 750 وظيفة أخرى إلى فروع خارج سويسرا.
وفي أبريل 2012، افتتحت مجموعة “رايكلي آند دي مسّاريReickle & De-Massari “، المتخصِّصة في صناعة كابلات الألياف الضوئية، مصنعها الجديد في بلغاريا، بهدف نقل بعض إنتاجها إلى الخارج، وهو ما من شأنه أن يتسبّب في فقدان حوالي 50 وظيفة في سويسرا.
الشركات الصغيرة والإنتاج الخارجي
واللاّفت، أن نقل الإنتاج إلى الخارج أو التعاقد مع مصانع مملوكة لجهات أجنبية من أجل إنتاج السِّلع، أتاح كفاءة تكلُفة أمام الشركات الصغيرة والمتوسِّطة الحجم، التي توظِّـف في المجموع، ثلثي العاملين في سويسرا، لكنها تفتقِـر إلى القوة المالية لبناء وحدات إنتاج خاصة بها.
ولاحظت شركة ماتيغ مانيغمينت بارتنرز الاستشارية، بأن عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي قامت بنقل إنتاج سلعها إلى خارج البلاد، تضاعف خلال السنوات الأخيرة إلى ثلاثة أضعاف، تحت تأثير ارتفاع سِعر صرف الفرنك، الذي يمس هامش الرِّبح، في حين أن العديد من هذا النوع من الشركات لم يقدم على هذه الخطوة، مُـعتبِرا أن وجود نقصٍ في العمالة الماهِـرة المحلية، من شأنه أن يُبقي تكاليف اليد العاملة مرتفِعة نِسبيا.
وقال رئيس الشركة اندرياس ماتيغ لـ swissinfo.ch: “ربما فوجئَـت بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة برفض شركائها المُـحتمَلين لطلبات نقل الإنتاج إلى الخارج، نظرا لقلّة حجم الطلبيات أو لأن التكاليف المحلية أعلى مما كان متوقعا”.
وقبل ثلاث سنوات، أعلنت مجموعة جورج فيشر، المتعدِّدة الجنسيات والمتخصِّصة في مجال الصناعات الميكانيكية، عن عزمها تخفيض حجم الإنتاج في شركة AgieCharmilles التابعة لها، والتركيز على تصنيع القوالب وأجزاء المكنيات في الصين.
وتنتج الشركة في الوقت الحاضِر نحو 80٪ من السلع في الخارج، ولكن الرئيس التنفيذي لايف سيرا قال بأن المقر السويسري للشركة يبقى عنصرا أساسيا لتحقيق النجاح.
وأضاف سيرا قائلا لـ swissinfo.ch:”نُصَنّع في الخارج، لأن الزبائن يريدون منّا أن نكون قريبين منهم. بينما نُصنّع المنتجات التي تتطلّب درجة عالية من الجودة في سويسرا، حيث تتوفر إمكانية الإنتاج الآلي”.
وأفاد قائلا: “نريد الحفاظ على صورتنا كشركة مصنّعة لمنتجات ذات جودة عالية، وقدر كبير من سمعتنا استمددناه من وجودنا في سويسرا”.
وظائف في خطر
وعلى صعيد متّصل، تُظهِر الإحصائيات ما يمكن اعتباره مؤشِّرا على أن قاعدة سويسرا الصناعية تتآكل، حيث انخفضت حصّة الصناعات التحويلية في القيمة الاقتصادية المُضافة إلى النصف، أي من 40٪ في عام 1960 إلى 20٪ اليوم، في حين تدنّت حصة الوظائف من 50٪ إلى 22٪.
هذا الاتجاه على المدى الطويل، يتماشى إلى حدٍّ كبير مع العديد من الاقتصادات المتقدِّمة الأخرى، غير أن بيات كابيلر، الصحفي الاقتصادي السويسري، يعترض على ذلك، إذ باستثناء صناعة المنسوجات، استطاعت سويسرا تجنّب مصير بريطانيا والولايات المتحدة، اللّتين فقدتا مساحات شاسعة من الإنتاج.
ويتوجّه كابيلر بالحديث إلى swissinfo.ch موضِّحا بأن: “العالم الانغلوساكسون فقد الصناعات التقليدية، مثل المنسوجات والآلات الثقيلة والسلع البيضاء (كأجهزة التلفزيون)”، وأشار بدوره، إلى أن سويسرا حوّلت اهتِـمامها من التّـركيز على سلع الإنتاج الكمّي إلى المُـنتجات عالية الجودة.
وأردف كابيلر يقول: “لقد أصبحنا أكثر قوة في المنتجات الميكانيكية الدقيقة والساعات والسلع الفاخرة والمواد الصيدلانية، كما أن سويسرا هي تاسع أكبر منتِج للتكنولوجيا الحيوية في العالم، وأحسب بأننا رسّخنا البنية التحتية وعزّزنا أهمية القطاع الصناعي في هذا البلد”.
قاعدة صناعية متماسكة
ومن جهة أخرى، أقلقت أعداد الوظائف المفقودة في السنوات القليلة الماضية، النقابات العمالية. فوفقا للإحصائيات الرسمية، وصل في عام 2008 عدد العاملين في مجال الصناعات التحويلية التقليدية، نحو 660 ألف شخص، ولكن هذا العدد تراجع بشكل حادّ، ليصل خلال السنوات الأربع الماضية، إلى نحو 30 ألف عامل، على الرغم من حركة الصعود المتسارِع التي شهِدتها الأشهر القليلة الماضية.
وعلى كل حال، كان لقُدرة الشركات على التوجّه نحو التخصّصات ذات المستوى العالي، بالإضافة إلى قوة الاقتصاد المحلي، دورا ناجِحا في إبعاد شبَح تقلّص التصنيع، وِفقا لجوزي كورباتو، الخبير الاقتصادي في اتحاد النقابات السويسرية.
ولفت كورباتو إلى أنه: “لا يزال لدى سويسرا قاعدة صناعية جيدة، بالمقارنة مع دول أخرى، مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا”، وتابع القول لـ swissinfo.ch بأن “مشكلة تقلّص التصنيع عن سويسرا، أقل منه في أي مكان آخر”.
ونَبّه في الوقت ذاته، إلى أن: “الفرنك القوي، يجعل المنافسة صعبة على جميع الصناعات، وباستمرار ذلك الوضع، يمكن أن نرى مشكلة تقلّص التصنيع. أما إذا كانت ظروف الاقتصاد الكلّي لدينا جيدة، فبإمكان الشركات أن تستمِر في التحسين”.
وجدير بالذكر، أن الشركات السويسرية استطاعت، في السنوات الأربع التي سبقت الأزمة المالية عام 2008، استغلال الظروف الاقتصادية المواتية والاستفادة من فترة الازدهار، لتوفير الآلاف من فُـرص العمل الجديدة.
وفي سياق متصل، يرى دانييل كالت، كبير الاقتصاديين في مصرف اتحاد البنوك السويسرية “يو بي اس”، بأن مسألة ترحيل الإنتاج ،لا تعدو أن تكون علامة على المحطّة الأخيرة للدّورة التجارية (نهاية مرحلة من نشاط الشركة)، ومن الأجدر أن يُنظر إليها كمؤشِّر إيجابي، أكثر من كونها نذير تقلّص في قطاع التصنيع، بحسب ما أورده في الكُتيِّب الذي صدر مؤخّرا عن مصرف يو بي إس.
ومن خلال الكتاب، علّق أيضا كالت قائلا: “رغم أن قوة سِعر صرف الفرنك السويسري عجّلت من عملية نقل التصنيع إلى الخارج، إلا أن من شأن هذا أن يُدلّل على الحقيقة التي مفادُها أن الشركات تعمل على تطوير قُدراتها التنافسية وعلى تحسين كفاءة تكاليف بنيتها التحتية”.
طفحت على السطح في سويسرا مؤخّرا، قضية نقل عدد من شركات التصنيع مُنتجاتها إلى خارج البلاد، إما هربا من غلاء سِعر صرف الفرنك السويسري، وإما رغبة منها في الاقتراب من الأسواق الجديدة الناشئة، وهذه بعض الأمثلة الحديثة:
في 2 يوليو 2012، أعلنت مجموعة “غريتباتش Greatbatch” الأمريكية للتكنولوجيا الطبية، عن عزمها إغلاق مقرّيْها في سويسرا، في “اورفين Orvin” وفي “كورجيمون Corgémont” (كلاهما في كانتون برن)، ونقل تصنيع أجهزة تقويم العظام إلى الولايات المتحدة والمكسيك، الأمر الذي سيؤدّي إلى تسريح 90٪ من أصل 196 موظفا من العاملين في سويسرا.
في عام 2009، أعلنت شركة “جورج فيشر” Georg Fischer عن تسريح 340 وظيفة في قسم تصنيع الأجهزة الدقيقة، ونقل جزء كبير من إنتاجها من القوالب وأجزاء الماكينات إلى الصين.
بعد ذلك بعام، أغلقت مجموعة “جيفودان Givaudan”، للنّكهات والروائح العطرية، مقرها في “كيمبتهال Kemptthal”في كانتون زيورخ، مما أدّى إلى فِقدان 120 وظيفة. وفي المقابل، افتتحت الشركة مصنعا جديدا لها في المجر.
في عام 2011، صرّح مصنع “هوبر آند سوهنر Huber & Suhner”، لصناعة القِطع والأجزاء الكهربائية، بأنه سيقوم بنقل 80 وظيفة من سويسرا إلى تونس وبولندا.
أعلنت شركة “هنتسمانHuntsman”، للصناعات الكيماوية، بأنها ستقوم بنقل 100 وظيفة من مقرها مدينة بازل إلى مقرات أخرى في “الأسواق الرئيسية”.
في مارس 2012، أعلنت شركة “سويستيكس Swisstex”، لماكينات صناعة النسيج، عن إغلاق منشآتها في مدينة فينترتور، مما سيتسبّب في خسارة مُحتملة لنحو 80 وظيفة. يأتي هذا الإغلاق بعد 18 شهرا من توسيع نِطاق الشركة لعملياتها في الولايات المتحدة.
شكّل فقدان شركة “سيرونو Serono” ضربة قوية لصناعة الأدوية والتكنولوجيا الحيوية في سويسرا، لكن كان يمكن أن يكون الحال أسوأ، لولا تدخل سلطات كانتون فو في اللحظة الأخيرة، الذي حال دون خسارة 1000 وظيفة لدى شركة نوفارتيس في سويسرا هذا العام.
الإنتاج / البناء: عام 1991: 1,2 مليون، عام 2000 : 932 ألف، عام 2012: 977 ألف.
الصناعة: عام 1991: 786 ألف، عام 2000: 625 ألف، عام 2012: 633 ألف.
صناعة الساعات: عام 1991: 90,5 ألف، عام 2000: 81 ألف، عام 2012: 106 ألف.
الأدوية: عام 1991: 24 ألف، عام 2000: 24 ألف، عام 2012: 38 ألف.
بناء الآلات: عام 1991: 124 ألف، عام 2000: 94 ألف، عام 2012: 82 ألف.
قطاع الخدمات: عام 1991: 2,1 مليون، عام 2000: 2,16 مليون، عام 2012: 2,46 مليون.
المالية: عام 1991: 194 ألف، عام 2000: 189 ألف، عام 2012: 210 ألف.
التجزئة: عام 1991: 304ألف، عام 2000: 263 ألف، عام 2012: 252 ألف.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.