“وثائق بنما” ترصُـد أموالا لبوتين في زيورخ
في أضخم تسريب للمعلومات في تاريخ المالية، كشفت معطيات يبلغ حجمها 2.6 تيرابايت تم تسريبها من مكتب محاماة يتخذ من بنما مقرا له عن كمية مُذهلة من الأنشطة المصرفية المثيرة للتساؤل في شتى أنحاء العالم بما في ذلك سويسرا.
فقد كشفت التحليلات الإستقصائية التي أجريت على 11 مليون ونصف المليون من الملفات عن وجود نظام عملاق للتهرب الضريبي عبر عشرات الآلاف من الشركات العابرة للبحار (أوف شور). ومن خلال التحقيق، وُجّهت أصابع الإتهام أيضا إلى مصرف يو بي اس وكريدي سويس وإلى الفرع السويسري لمصرف اتش اس بي سي. كما اتضح مما ورد فيها أن أربع مؤسسات مالية سويسرية كانت من بين أهم عشر مؤسسات مالية أنشأت أكبر عدد من شركات ما وراء البحار لفائدة حرفائها.
التسريب انطلق من مكتب محاماة “موساك فونيسكا” في بنما. وتكشف الوثائق التي تم التحصل عليها وعدده 11.5 مليون (معظمها رسائل إليكترونية ونسخ في صيغة “بي دي أف” لعقود – عن الأصول المودعة في الخارج لنحو 140 سياسي وموظفين كبار وشخصيات عامة من شتى أنحاء العالم، من بينهم رؤساء وزراء إيسلندا وباكستان ورئيس أوكرانيا وملك السعودية. كما ناهز عدد الشركات العابرة للبحار المعنية بهذه التسريبات 215 ألف شركة.
في عمل مشترك استغرق إنجازه زهاء العام ونُشر مساء الأحد 3 أبريل 2016 من طرف الإتحاد الدولي للمحققين الصحفيينرابط خارجي، قام المئات من الصحافيين من حوالي 80 دولة بالتدقيق في المعاملات المالية التي أنجزت من خلال شركات وهمية في بنما وعدد من الجنان الضريبية الأخرى. التقرير وجه أصابع الإتهام إلى شخصيات تنتمي إلى عالم السياسة والأعمال والرياضة.
وطبقا لما جاء في التحقيق الذي أنجزه الإتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، فقد احتلت سويسرا مراتب متقدمة فيما يتعلق بعدد ومستوى أنشطة الوسطاء على حد السواء.
صديق بوتين
أحد الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في التحقيق هو سيرغاي رولدوغين، الصديق المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحسبما أوردت صحيفة تاغس أنتسايغر السويسرية (تصدر بالألمانية في زيورخ)، قام رولدوغين بإيداع الملايين في فرع مؤسسة “غازبروم بانك” الروسية بزيورخ، وهي أموال لا يُمكن له أن يجنيها من عمله كعازف محترف لآلة التشيلو وقائد أوركسترا.
وطبقا للإتحاد الدولي للمحققين الصحفيين وليومية “سوددويتش تسايتونغ” الألمانية ولوسائل إعلام أخرى شريكة في التحقيق المثير، فقد “أظهرت البيانات أن رولدوغين كان لاعبا من وراء الستار في شبكة خفية تُدار من طرف شركاء بوتين قامت بتسريب ما لا يقل عن ملياريْ دولار عبر مصارف وشركات غير مقيمة (أو خارجية)”.
فقد جاء ذكر رولدوغين (في الوثائق المسربة) بوصفه صاحب شركات غير مقيمة (أوف شور) تحصلت على مدفوعات من شركات أخرى تقدر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات.
إضافة إلى ذلك “حازت شركة مرتبطة بعازف التشيلو على تأثير سري لأكبر مصنع للشاحنات في روسيا، فيما تمكنت أخرى من الظفر بحصة كبيرة من صناعة الإعلانات التلفزيونية الروسية. ومن الممكن أن لا يكون رولدوغين – الذي ادعى علنا أنه ليس رجل أعمال – المستفيد الحقيقي من هذه الثروات. في مقابل ذلك، تشير الأدلة الواردة في الملفات أن رولدوغين بصدد التصرف كواجهة لشبكة من الموالين لبوتين، وربما لبوتين نفسه”.
في ردّ على سؤال وجّهته إليها swissinfo.ch، أكدت رابطة الصيارفة السويسريينرابط خارجي أن المؤسسات السويسرية “تتبنى جميع المعايير لدولية، وأنها وافقت منذ فترة على التبادل التلقائي للمعلومات، باعتباره معيارا عالميا جديدا”. وأضافت السيدة دانييلا فلوكيغر، المتحدثة باسم الرابطة لمنطقة أمريكا اللاتينية في جواب كتابي أن “سويسرا تتوفر على قاعدة قانونية صارمة جدا فيما يتعلق بتبييض الأموال وبتحديد هوية مالكي الحسابات المصرفية والمستفيدين الفعليين منها”. وشددت أخيرا على أنه “يتعيّن على المؤسسات المالية احترام هذه الإجراءات والقوانين في سويسرا وفي البلدان الأخرى التي تنشط فيها. كما أنه من واجب السلطات النقدية التثبت من أن تلك الإجراءات والقوانين يتم احترامها”.
مزيد من المشاكل للفيفا
على صعيد آخر، أفاد الإتحاد الدولي للمحققين الصحفيين يوم الأحد 3 أبريل أن عضوا في لجنة الأخلاقيات المكلفة باجتثاث الفساد من الإتحاد الدولي لكرة القدم (مقره زيورخ) قد أخضع بدوره إلى تحقيق أولي.
وفي الوقت الحاضر، يتم التحقيق مع خوان بيدرو دامياني بشأن علاقة أعمال محتملة مع مواطنه من الأوروغواي أوجينيو فيغويريدو، أحد المسؤولين في الفيفا الذين تم إيقافهم في زيورخ السنة الماضية، حسبما ورد في بيان أصدرته اللجنة.
وجاء البيان بعد نشر تقارير إعلامية أفادت بأن معطيات وردت ضمن ما أصبح يُعرف بـ “وثائق بنما” كشفت عن وجود علاقات محتملة بين الرجلين.
وفي مونتيفيديو، صرح دامياني لوكالة رويترز للأنباء بأنه قطع علاقاته مع فيغويريدو إثر اتهامه بالضلوع في الفساد.
وكما هو معلوم، تحاول الفيفا إعادة بناء نفسها بعد أن تعرضت لأزمة غير مسبوقة أدين خلالها العشرات من كبار المسؤولين الكرويين (من بينهم مسؤولون سابقون في الإتحاد الدولي لكرة القدم) في الولايات المتحدة.
وكانت لجنة الأخلاقيات نفسها قد أجرت تحقيقات واتخذت قرارات بحظر عدد من كبار المسؤولين في الفيفا عن النشاط بسبب تصرفات غير أخلاقية، ومن بينهم رئيس الفيفا السابق سيب بلاتر وميشال بلاتيني، المسؤول الأول بالإتحاد الأوروبي لكرة القدم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.