مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مصاعب جمة تحف برحلة اللاجئين الأوكرانيين الباحثين عن وظيفة

Ukraine
وفقاً لتقديرات حكومية، تحصل حوالي 3% من اللاجئين الأوكرانيين في سن العمل الحائزين على إقامة من فئة "اس" على تصريح عمل في سويسرا. © Keystone / Anthony Anex

يبحث العديد من اللاجئين الأوكرانيين من ذوي المهارات العالية عن عمل في سويسرا. ورغم حاجة الاقتصاد السويسري الكبيرة لذوي الاختصاص، لم يكن من السهل الحصول على وظائف تتناسب مع ما يبحثون عنه. ويعتبر الخبراء المعنيون بهذا الشأن، أن هؤلاء اللاجئين بحاجة إلى التحلي بالصبر وبالقدرة على الإبداع لتحسين آفاقهم.

عندما وصلت الاستشارية في مجال الصحة أولغا فاريما، البالغة من العمر 41 عاماً، بأمان إلى بولندا بعد عدة أسابيع من رحيلها من كييف مع بناتها، كان العثور على وظيفة بالنسبة لها من الأولويات. وتقول أولغا لـ SWI swissinfo.ch: ” الوظيفة هي ضرورة أساسية عندما تتحرك على الدوام وتجد نفسك وحيداً مع أطفالك”.

لقد بحثت أولغا عن وظائف في جميع أنحاء أوروبا، ثم أرسل لها أحد معارفها رابط جامعة برن للعلوم التطبيقية التي تقدم الدعم للباحثين الأوكرانيين.

لم تكن أولغا تعمل في مجال البحث، ولكنها كانت أسست منظمة غير حكومية تسمى” أن نكون بصحة جيّدة” BeHealthy لمساعدة الأطفال في أوكرانيا على التعرف على طرق التغذية السليمة. تصفحت أولغا موقع الجامعة ووجدت أستاذاً كان يُجري بحثاً حول موضوع مشابه، وتواصلت معه عبر البريد الإلكتروني. وفي غضون ساعات، تلقت الرد. وبعد أسبوع، كانت أولغا في طريقها إلى سويسرا مع عرض عمل لبلورة برنامج لتلبية الاحتياجات الصحية للأطفال اللاجئين.

ولكن قصة أولغا تبقى قصة نجاح وظيفية نادرة للاجئين الأوكرانيين في سويسرا.

بعد ثلاثة أشهر من اندلاع الحرب في أوكرانيا، أفادت السلطات السويسرية في 16 يونيو أن ما لا يقل عن 57000 لاجئ من أوكرانيا تقدموا بطلبات للحصول على إقامة من فئة “اس” S. هذه الاقامة تسمح للحاصلين عليها بالعمل مباشرة، بينما لا يُسمح لطالبي اللجوء الذين يحصلون على تصريح بالإقامة من فئة “نون” N ممارسة أي وظيفة قبل انقضاء مدة ثلاثة أشهر على الأقل على إقامتهم في البلاد.

منذ حصولها على الماجستير في إدارة الأعمال من مدينة لندن، عملت هانا في إدارة شركتها الخاصة في مجال تسويق الفعاليات والتظاهرات، بالتعاون مع عملاء في جميع أنحاء أوروبا. وكان نشاطها التجاري قد بدأ عملياً في النمو، في نفس الوقت الذي اندلعت فيه الحرب في أوكرانيا.

بعد أسبوعين من اندلاع الحرب، كانت في طريقها إلى سويسرا مع ابنها البالغ من العمر 14 عاماً الذي تلقى دعوة للعب البولو المائي ضمن فريق سويسري، لذا أتى الاثنان وأقاما في البداية في مُجمّع رياضي في غرب سويسرا، ثم انتقلا بعد ذلك إلى مدينة جنيف حيث يقطنان حالياً في شقة هناك.

بعد شهرين من وصولهما، حصلت هانا وابنها على إقامة من فئة “اس” S، وبدأت هانا في البحث عن عمل وقامت بتعديل سيرتها الذاتية، بما يتناسب مع السوق المحلي، ونشطت في استخدام شبكة التواصل الخاصة بها على منصة “لينكد إن” Linkedin. لقد أرسلت هانا أكثر من عشر طلبات ولم تتلقَ سوى بعض الردود التي بدت ردوداً آلية لإعلامها بأن مؤهلاتها لا تتناسب مع المعايير المطلوبة للوظيفة. في إحدى المرات، جاء في الإعلان أن هناك فرصة مفتوحة لـاثني عشر أوكرانياً، فقامت بإرسال سيرتها الذاتية على الفور، ولكنها مع ذلك لم تتلق أي رد على طلبها.

تقول هانا: “نحن نعمل بجد ونتعلم بسرعة. وأي صاحب عمل سيمنحنا فرصة العمل لن نخذله، وسيدرك بنفسه أننا موظفون جيدون”. قامت هانا بإدارة العديد من المشاريع الأوروبية، لكنها كانت تديرها جميعاً تحت راية شركتها الخاصة، وليس لحساب شركة عالمية، وهو ما يشكل في رأيها، عاملاً سلبياً بالنسبة للقائمين على فحص السير الذاتية.

وتقول هانا إنها تدرك أن الإقبال على هذه الوظائف كبير، نظراً لأن العمل في سويسرا مسموح لكل المواطنين الذين يعيشون في جميع أنحاء أوروبا. وتعلق على وضعها قائلة: “في هذه الفترة المضطربة، لا شك أن حصولي على وظيفة سيمنحني بعض الاستقرار في حياتي.”

وتحرص هانا على حضور الفعاليات المحلية كما تستخدم منصة “فيسبوك”، وتقوم كذلك بالعمل على مراجعة ما تعلمته منذ سنوات عديدة، من مهارات اللغة الفرنسية. “من المهم بالنسبة لي أن أكون جزءاً من المجتمع، وأن أكون ذات منفعة له، وأن أساهم فيه بشيء ما. مازلت في عمر أستطيع أن أقدم فيه الكثير. قد لا أكون في مقتبل العمر، ولكني في الوقت ذاته لست كبيرة جداً”.

ووفقاً للبيانات الرسمية، استطاع 1500 شخص فقط، من بين أعداد اللاجئين الأوكرانيين، إيجاد عمل، أي بزيادة 500 شخص عما كانت عليه الأمور قبل أسبوعين. وتقدر الأمانة السويسرية للهجرة أن هناك حوالي 3% من سكان أوكرانيا ممن هم في سن العمل قدموا إلى سويسرا بسبب الحرب.

وفي مؤتمر صحفي عُقد في الأول من شهر يونيو المنصرم، صرّحت وزيرة العدل كارين كيلر-سوتر قائلة: ” بالنظر إلى أن هذه الأرقام تم تسجيلها بعد ثلاثة أشهر على بدء الحرب، فإن الأمر يبدو مشجعاً”.

وبالرغم من ذلك، أصيب العديد من الأوكرانيين الذين لجأوا إلى البلاد بالإحباط بسبب الفترة الزمنية التي يستغرقها تأمين وظيفة في سويسرا. وعلى الرغم من الطلب على الأيادي العاملة من ذوي المهارات العالية، فإن أرباب العمل في سويسرا لا يقومون بتوظيف الأوكرانيين بهذه السرعة، التي توقّعها الكثيرون، بمن فيهم الأوكرانيون أنفسهم، عند وصولهم إلى البلاد.

حرب من نوع آخر 

يعود أحد الأسباب في صعوبة إيجاد عمل، إلى أن سويسرا تُعتبَر سوقاً شديدة التنافس، كما تقول ليديا ناديش بيترينكو، التي ولدت في أوكرانيا وتعمل كمدربة في مجال المواهب وأمضت حوالي 15 عاماً في العمل في الموارد البشرية في شركة متعددة الجنسيات في سويسرا.

“عندما تكون هناك وظيفة في سويسرا، يتقدم الكثير من الأشخاص المؤهلين تأهيلاً عالياً، ويتقنون الكثير من اللغات الأجنبية ويتمتّعون بخبرة كبيرة في العمل في مختلف الأسواق الأوروبية ” كما تقول بيترينكو، التي تقدم نصائح مجانية للباحثين عن عمل من أوكرانيا ، وتضيف قائلةً: “حتى ولو كان اللاجئون من أوكرانيا هم من ذوي المهارات العالية، فمن المرجح أن يلمّوا بلغات أقل من المرشحين الآخرين”.

لقد كشفت دراسة استقصائيةرابط خارجي أجريت في شهر أبريل المنصرم، على حوالي 2000 أوكراني مقيم في سويسرا من قِبَل موقع “جوب كلاود” Jobcloud على الإنترنت أن 75% منهم حاصلين على شهادة جامعية، وحوالي 63% ممن يتقنون اللغة الإنجليزية. ولكن، كان هناك حوالي 10% منهم فقط ممن لديهم فهم جيد للغة الألمانية، وهناك حتى نسبة تقل عن ذلك في فهم كل من اللغتين الفرنسية والإيطالية.

كانت إينا تعمل لحسابها الخاص؛ فبعد حصولها على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، بدأت في التجارة الإلكترونية مع زوجها حيث أسسا معاً واحداً من المواقع الإلكترونية الشهيرة في أوكرانيا لشراء السلع الفاخرة.

عندما اندلعت الحرب، كانت إينا وزوجها بصدد تركيب النوافذ في منزلهما الجديد الذي اشترياه في ضواحي كييف. تقول إينا: “لم أكن مستعدة لهذه الحرب. لقد أنفقنا كل مدخراتنا لبناء منزل، ثم تركنا كل شيء خلفنا بسبب هذه الحرب”.

وتضيف: “كنت أظنّ أنني لن أجد صعوبة في العثور على وظيفة في سويسرا لأن لديّ الكثير من الخبرات والمهارات”. وتضيف: “في أوكرانيا ليست لدينا الامكانيات المادية المتاحة في بلد مثل سويسرا، لذا كان لزاماً علينا العمل من خلال تنمية مهاراتنا في استخدام التكنولوجيا. كنت أعتقد أن مهاراتي في استخدام التكنولوجيا ستكون عاملاً في نجاحي عند البحث عن وظيفة “. لا تتكلم إينا اللغة الألمانية لكنها كانت تأمل أن تكون معرفتها باللغة الإنجليزية كافية لدخول سوق العمل.

قامت إينا بإنشاء صفحة خاصة بها على منصة “لينكد إن ” Linkedin وبدأت في وضع سيرتها الذاتية على استمارات طلبات التوظيف وإرسالها لأرباب العمل المعنيين. وبعد ثلاثة أسابيع من الانتظار، لم تتلق إلا دعوة واحدة فقط لإجراء مقابلة. أخبرها بعض العاملين هناك أن مؤهلاتها تفوق المؤهلات اللازمة للوظيفة وأن أصحاب العمل أعربوا عن قلقهم من إمكانية استقالتها من العمل بعد فترة وجيزة”. وتعلق قائلة” البعض نصحني بأن أبدأ عملي الخاص هنا، ولكنني لا أجيد اللغة ولا أمتلك أية خبرة بآليات السوق هنا”.

حصلت إينا على إقامة من فئة “أس” S والتي تسمح لها بالعمل الحر. ولكن لكي تبدأ مشروعها الخاص، سيتوجب عليها أن تُثبت للسلطات أن مواردها المالية كافية لتحمّل نفقاتها؛ فالأشخاص الذين يحملون إقامة من هذه الفئة لا يمكنهم الحصول على أي قرض ولذلك، فهي تحاول الحصول على بعض الموارد المالية أو القروض المتاحة من قِبَل المؤسسات المصرفية في أوكرانيا. أما التحدي الآخر الذي تواجهه فهو العثور على روضة أطفال لابنها البالغ من العمر 4 سنوات.

تقول إينا إن مصدر إلهامها الأساسي يكمن في الدعم الذي تقدمه النساء الأخريات لها في سويسرا، ومنهن امرأة لا تعرفها، قامت بمنحها شقة ونصحتها بالانتساب إلى موقع Women Rock Switzerland الموجود على “فيسبوك” حيث تقدم النساء من ذوات الكفاءة والخبرة في سويسرا الدعم لبعضهن البعض، كما يتواصلن عبر هذا الموقع مع الصديقات للبحث في كيفية المساعدة في إيجاد الحلول لمشاكلهن. “إنهن يجعلنني أشعر بأني قادرة أن أفعل شيئاً؛ وبأني أمتلك القوة الكافية لجعل كل تحقيق الأمور التي أصبو إليها ممكناً “.

توشك شركة إينا على الإفلاس. وتعلق إينا على هذا الوضع قائلة: “لا أحد يحتاج إلى شراء أحذية إيطالية أثناء الحرب”. وتضيف: “لقد فقدت نمط الحياة الذي كنت أتمتع به قبل نشوب الحرب. كنت أحلم ببيع الشركة. إنّ ما يحدث أشبه بالسقوط في هاوية لا نهاية لها. وبالنسبة لي فإن حصولي على وظيفة يعني إمكانية الوقوف مرة أخرى على أرض صلبة والدفاع عن مستقبل أسرتي”.

أحد العوامل التي يجب أن تبدّد من بعض المخاوف في هذا الشأن يكمن في أن الأوكرانيين لا يتنافسون للحصول على تصاريح العمل التي تُعتبر أعدادها محدودة- الأمر الذي جعل من الصعب على الشركات توظيف أشخاص من دول ثالثة خارج منطقة التجارة الحرة الأوروبية. وأكدت أمانة الدولة للهجرة لـ SWI أن اللاجئين الأوكرانيين الحاصلين على إقامة من فئة “اس” S، كما هو الحال مع الأشخاص الآخرين المقبولين مؤقتاً والذين يحتاجون إلى الحماية، لا يحتسبون في الحصة المخصصة للعمال الأجانب من بلدان ثالثة.

ولكن حتى ذلك الحين، غالباً ما تختار الشركات المرشحين الجيدين. وقد صرّح القيّمون على شركة “سويس كوم” Swisscom ، وهي أكبر شركة اتصالات في سويسرا ، لـ SWI عبر البريد الإلكتروني، أنه لم يتم توظيف أي من الأوكرانيين في الشركة لعدم تناسب الملف الشخصي لأي مرشح مع متطلبات الوظيفة حتى الآن.

كما أن الحصول على وظيفة في بعض المهن يُعتبر أصعب من الحصول على وظيفة في مهن أخرى. وحتى اليوم، فإن معظم تصاريح العمل التي مُنحت للأوكرانيين تتعلّق بقطاع الضيافة يليه قطاع الاستشارات وتكنولوجيا المعلومات وقطاع الزراعة؛ حيث تخضع هذه المجالات لعدد أقل من شروط المهن المنظمة، ومتطلبات أقل لمؤهلات معيّنة أو حيازة تدريب محدد.

في حين أن هناك اعترافاً متبادلاً مع دول الاتحاد الأوروبي بتوافق المؤهلات المطلوبة في العديد من المهن، إلا أن الحال ليس كذلك بالنسبة للأوكرانيين.

يقول أورس هيغي، المحامي في شركة فيشر للمحاماة التي تقدم خدمات قانونية مجانية للاجئين الأوكرانيين: “بالنسبة للمهنيين الخاضعين لقوانين تنظيم المهنة في سويسرا، مثل المحامين والأطباء، لا يحق لهم العمل في الاتحاد الأوروبي إذا كانوا من خارجه”. ويستطرد: “هذا بالتأكيد يخلق عقبات أمام الأوكرانيين”. وكانت الشركة قد وظفت اثنْين من المحامين المدرّبين من أوكرانيا، ولكن نظراً للمؤهلات والمتطلبات السويسرية، لم يتمكنا من العمل كمحامين معتمدين في البلاد.

ونشير هنا إلى أن شروط التوظيف لدى الشركات العالمية تُعتَبَر أسهل من غيرها من الشركات، خاصة في مجال الاستشارات أو المهن التي يمكن القيام بها عبر الحاسوب عن بعد. وكانت المجموعة العالمية لشركة الاستشارات KPMG  قد أنشأت منصة مخصصة، لمساعدة الزملاء الأوكرانيين في التقدم للوظائف في الشركات الأعضاء في جميع أنحاء العالم. وقام المكتب السويسري للشركة بتعيين خمسة زملاء من أوكرانيا في أروقة المكتب المحلي في سويسرا. ومع ذلك، لا تزال بعض هذه الوظائف تحصل على راتب أوكراني لا يمكن الاعتماد عليه في تحمل أعباء الحياة في سويسرا.

عدم اليقين في أوقات استثنائية

وبحسب ناديش بيترينكو، قد تتجاوز التحديات الكبرى التي يواجهها أصحاب العمل، مسألة المؤهلات المدوّنة في السيرة الذاتية. فأصحاب العمل يعربون عن قلقهم بشأن توظيف اللاجئين. كما أنهم يطرحون تساؤلات بشأن الفترة الزمنية التي سيبقى فيها اللاجئون في وظائفهم في حال توقفت الحرب، وما إذا كان هؤلاء مستعدين نفسياً لممارسة وظائفهم. “ما يحدث في أوكرانيا لا يزال يتكشّف يوماً بعد يوم، ومن الطبيعي أن يقلق هؤلاء اللاجئون على مصائر عائلاتهم في الوطن الأم… هذا يثير بعض المخاوف لدى أصحاب العمل”، على حد قول ناديش بيترينكو.

وقد تم تأكيد هذه المخاوف من خلال النتائج الأولية لاستطلاع المتابعة الذي أجراه موقع “جوب كلاود”  Jobcloud مع أرباب العمل. وأخبرت كريستيل بيريت هويلر مديرة العلاقات العامة لموقع “جوب كلاود” ، SWI  أن المشاركين في الاستطلاع عبروا عن قلقهم “من رغبة هؤلاء الأفراد في العودة إلى ديارهم، وأثر الصدمة التي تلقوها بسبب الحرب، أو حاجتهم إلى الكثير من الدعم من الشركة خارج إطار العمل”.

لا يزال هناك أيضاً الكثير من الشكوك حول القوانين التي تنظم الإقامة من فئة “اس” ؛ فالسلطات تحاول توزيع اللاجئين في كانتونات مختلفة، لكن العديد من الوظائف موجودة في المدن الكبيرة مثل زيورخ وجنيف. يقول أحد أرباب العمل إنه سيكون من المفيد معرفة ما إذا كان المرشحون إلى وظيفة ما موجودين فعلياً في سويسرا عندما قاموا بتقديم سيرهم الذاتية والترشح للحصول على الوظيفة.

أمضت أوكسانا أكثر من 12 عاماً في العمل في شركات الأدوية، منها تسع سنوات في أحد فروع شركة سويسرية للأدوية في أوكرانيا. وتمت ترقية أوكسانا عدة مرات، حيث وصلت مؤخراً إلى منصب رئيسة لقسم المبيعات.

قبل بدء الحرب بعشرة أيام، أرسلت الشركة لموظفيها خطاباً تخبرهم فيه بضرورة شراء مخزون من الوقود الإضافي في حالة احتياجهم للفرار. إلا أن صاحب العمل أخبر الموظفين قبل اندلاع الحرب بيوم واحد، أن الموظفين الأوكرانيين لا يمكنهم مغادرة البلاد أو العمل عن بُعد لأسباب ضريبية. وتبلّغت أوكسانا، وفقاً لرواية القيّمين على الشركة عبر المراسلات، بأنه لن يكون من العدل السماح لبعض الأشخاص دون غيرهم بالعمل من خارج البلاد.

ثم بدأت الحرب. تتذكر أوكسانا ذلك الخميس المشؤوم. “كنت ممنونة جداً لأن الشركة طلبت منا شراء الوقود مقدماً؛ فقد كان الناس في هذا اليوم يقفون لشرائه في طوابير طويلة جداً”. عبرت أوكسانا مع ابنها إلى مولدوفا ومنها إلى إيطاليا ثم إلى سويسرا التي لا تبعد كثيراً عن هذه الأخيرة. وعرض أحد الأشخاص الذين تواصلت معهم عبر الإنترنت استضافتها في البلاد.

تراسلت أوكسانا مع المسؤولين في مقر الشركة في سويسرا بخصوص فرص العمل المتاحة في الشركة، فجاء ردّهم بأنهم سينظرون في قضيتها. بعد مرور ثلاثة أشهر، لا تزال أوكسانا، رسميّاً، تعمل لدى فرع الشركة في أوكرانيا، وتتقاضى نفس المرتب الذي كانت تتقاضاه هناك، وهو مرتّب لا يفي بتكاليف المعيشة الباهظة في سويسرا. وبما أن تركيزها في العمل كان منصباً على السوق الأوكرانية، فمع الوضع الحالي، تغيرت مهامها الوظيفية. وتمت دعوتها للمشاركة في اجتماعات المكتب السويسري للشركة، لكن معظم زملائها مازالوا يعملون في الخارج. وترجّح أوكسانا أن تكون الشركة حذرة بشأن تقديم عقد محلي لها لأن ذلك يمكن أن يشكل سابقة تشجع موظفين آخرين للمضي قدماً في هذا المسار.

لقد أوشك عقد عمل أوكسانا على الانتهاء. ورغم أن الشركة قد التزمت بدفع راتبها حتى نهاية شهر أغسطس، إلا أنه لا توجد أي ضمانة بتجديد عقدها بعد هذا التاريخ. من جهتها، تقدمت أوكسانا لوظيفتين في مقر الشركة، كما أرسلت سيرتها الذاتية إلى المعنيين الذين يبحثون عن موظفين لملء 15 فرصة عمل شاغرة أخرى على الأقل في سويسرا. وقد تم استدعاؤها لإجراء مقابلتيْ عمل، إلا أنها لم تحصل على أثرهما على أي عقد عمل حتى الآن. وتعتقد أوكسانا أن رب عملها يحاول كسب الوقت على أمل أن يتحسن الوضع في أوكرانيا، لكن الافتقار إلى إجابات واضحة حول آفاق عملها يؤدي إلى تفاقم حالة عدم اليقين بشأن مستقبلها.

لقد حصلت على إقامة من فئة “اس” وهي ممتنة لكل الدعم الذي تلقته. ولكنها تخشى من عدم قدرتها على إعالة ابنها إذا ما بقيت بدون عمل. وتقول أوكسانا: “أنا معتادة على الاعتماد على نفسي، ولكن وضعي الآن متعلق بظروف لا سيطرة لي عليها”.  

* تم تغيير الاسم احتراماً للخصوصية.

وعلى الرغم من أن القيّمين على الشركات يشعرون بالتضامن مع الأوكرانيين والرغبة في دعمهم، إلا أن لديهم أيضاً تحفظات بشأن التوظيف على أساس الجنسية، ولا سيّما وأنهم على دراية بأن اللاجئين الآخرين لم يتم منحهم نفس الفرص.

ولا تتطابق الآمال المرجوّة للاجئين مع الواقع دائماً؛ فكما ورد في صحيفة “تاغس أنتسايغَر” Tages-Anzeiger  منذ أسبوعين، يرغب العديد من اللاجئين في العمل بدوام كاملرابط خارجي، ولكن العديد من عروض العمل الموجودة هي بدوام جزئي. الجدير بالذكر أن سويسرا تسجّل بعد هولندا، ثاني أكبر نسبة على صعيد أوروبا، من النساء العاملات بدوام جزئي.

إيجاد الطريق الصحيح

بالرغم من كل هذه الظروف غير المناسبة، تعرب ناديش-بيترينكو عن ثقتها بأن آفاق العمل ستتحسن بمرور الوقت، وأن تحفظات أصحاب العمل يجب ألا تمنع الأوكرانيين من القيام بالمحاولة من أجل إيجاد عمل. لكنها تعتبر، على غرار أولغا، أنه يتوجّب على اللاجئين الاستفادة من القنوات غير التقليدية لتأمين العمل.

“إذا اكتفى اللاجئون الأوكرانيون بإرسال سيرَهم الذاتية إلى أرباب العمل، فإنهم لن ينجحوا على الأرجح؛ فهناك الكثير من المرشحين الجيّدين. الأمر الذي يجب أن يُحدِث الفرق بالنسبة لهم، هو شبكة معارفهم… هذه الشبكة هي قوتهم”. كما تقول ناديش بيترينكو، وتضيف قائلةً: “إن الأشخاص المحيطين بهم، بمن فيهم أولئك الذين يعرضون استضافة اللاجئين، هم “باب الدخول إلى سوق العمل”.

وأعرب العديد من الأوكرانيين الذين اتصلت بهم SWI عن إعجابهم في كيفية ورغبة الناس هنا في إجراء الاتصالات من أجل ربطهم بالوسائل التي من شأنها مساعدتهم، خاصة على صعيد شبكات المعارف النسائية. وتقول إينا التي تدير أعمالها التجارية الإلكترونية الخاصة في أوكرانيا: “هذا النوع من العلاقات موجود أيضاً في أوكرانيا، لكننا غالباً ما نرى بعضنا البعض كمنافسين في سوق العمل”. وتستطرد: “هنا في سويسرا، يتبادل الناس خبراتهم وأفكارهم، وقد يكونوا في تنافس فيما بينهم، لكن ذلك لا يمنعهم من البقاء كزملاء قبل كل شيء. هذا هو الفرق الكبير مع ما يحصل عندنا “.

وتضيف ناديش-بيترينكو أنه من المهم التحلي بالمرونة والأخذ بعين الاعتبار الفوائد على المدى الطويل التي يمكن الحصول عليها من خلال ممارسة عمل ما أو تحقيق خبرة تدريبية في مجال ما في سويسرا. وهي تنصح أطباء الأسنان، على سبيل المثال، بقضاء بعض الوقت في العمل كأطباء مساعدين في عيادات طب الأسنان من أجل بناء مهاراتهم وإغنائها والاستفادة منها بعد ذلك من خلال ممارستهم في عيادات أوكرانيا.

بدأت إيرينا حياتها المهنية كمتدربة في شركة أغذية عالمية منذ أربع سنوات. وكانت تخطط للانتقال من منزلها في لفيف إلى كييف بعد أن تمت ترقيتها إلى منصب مديرة للعلامة التجارية، إذ كانت الشركة على وشك افتتاح مبنى جديد لمكاتبها في كييف.

ثم اندلعت الحرب، وكانت أختها في ذلك الحين، بصدد التقدم إلى إحدى الجامعات الألمانية، وسُمح لها أن تخضع لامتحانات التقييم في برلين بدلاً من كييف. بعد ثلاثة أسابيع من بداية الحرب، نجحت إيرينا واختها ووالدتهما التي تعمل أيضاً في شركة أخرى للأغذية متعددة الجنسيات، في مغادرة أوكرانيا. وتمكنّ من العثور على مكان للإقامة من خلال مساعدة زملاء عمل الأم، أولاً في برلين، ثم في سويسرا.

ومن سويسرا تواصل كل من إيرينا ووالدتها العمل في شركتيهما عن بعد، ولا تزال تقع على عاتقيهما مسؤوليات عمل منتظمة بالإضافة إلى تقديم الدعم الإنساني. كما أنهما ما زالتا تتلقيان رواتبهما الأوكرانية، ولكنهما تنجحان في تدبير أمورهما لأنهما لا تدفعان إيجار السكن الذي تقيمان فيه. تقول إيرينا لـ SWI : “نحن ثلاث نساء بالغات ومتطلبات حياتنا محدودة. لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن للنساء اللواتي لديهن أطفال صغار العيش هنا”. 

وتمنح الشركة بعض الأموال الإضافية لأي موظف ينتقل من مدينة إلى أخرى داخل أوكرانيا أو خارجها. من جهتها، تمضي إيرينا بعض الوقت في المكتب السويسري للشركة لإجراء الاتصالات المتعلقة بالعمل، وتعلق إيرينا: “لقد كنت دائماً أحلم بالذهاب إلى مقر الشركة”. من المتوقع أيضاً أن يقدم زملاؤها من أوكرانيا تقارير يومية إلى الشركة عن أماكن تواجدهم.

تقول إيرينا: ” أنا محظوظة بالعمل في شركة عالمية لها صلات دولية؛ فعملي مستمر أينما كنت”

ويرى العديد من الأوكرانيين أيضاً أن هناك فرصة يمكن انتهازها من أجل الشروع في أعمالهم التجارية الخاصة. ويعتبر الأشخاص الذين تواصلت معهم SWI أن العديد من المحادثات التي تتم عن طريق تطبيق “تليغرام” Telegram chatsرابط خارجي  تساعد رواد الأعمال على تبادل الأفكار حول كيفية تقديم خدماتهم في مجالات مختلفة مثل تكنولوجيا المعلومات، والتجميل، والتصميم، والتنظيف.

وتقول بيريت هويلر إن أرباب العمل في سويسرا بحاجة أيضاً إلى التحلي ببعض المرونة إزاء المرشحين للوظائف.

وقد قامت منصة “جوب كلاود|” JobCloud بإنشاء وسم  # Jobs4Ukrainians on jobs.ch لتمكين الشركات من تحديد الوظائف التي قد تكون مناسبة لمؤهلات الأوكرانيين. وبحسب بيريت هويلر،”يتوجب على القيّمين على الشركات تحديد ما إذا كانت مهارات اللغة الألمانية مطلوبة وضرورية ولا يمكن الاستغناء عنها، أو إذا كان بالإمكان الاكتفاء بمهارات جيدة في اللغة الإنجليزية، من أجل عدم ثني المرشحين عن التقدم إلى الوظائف المعروضة.”

من جهة أخرى، أعلن القيّمون عن شركة التكنولوجيا “سكانديت” Scandit أنهم لا يتلكؤون عن تعقّب المرشحين الأوكرانيين المناسبينرابط خارجي، الموجودين حالياً في سويسرا، من بين جنسيات أوروبية أخرى. كما أنهم يقدمون الدعم المالي والقانوني بما في ذلك الحصول على تأشيرة الدخول إلى البلاد وتقديم المساعدة في إيجاد السكن. وحتى تاريخ اليوم، تلقت الشركة من قِبَل النازحين نتيجة الحرب الدائرة في أوكرانيا، 272 طلب وظيفة، تعلقت الغالبية العظمى من هذه الطلبات بالوظائف الهندسية.

عندما كانت أولغا في بولندا، أعدّت قائمة بكل الأعمال التي يمكن أن تقوم بها. وفي هذا الصدد تقول: “لا أجيد قطف الفراولة، ولكني أعرف كيف أعتني بالناس”…” عندما تتغير حياتك فجأة، تصبح منفتحاً أكثر على التعايش مع العديد من الاحتمالات”، على حد قولها.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية