البحث عن المختفين، مهما طال الزمن
مهمة البحث عن المفقودين والمفقودات في حالة اندلاع حرب أو أزمة قد تضيع في طي النسيان، لكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ملتزمة بهذه المهمة.
قبل أسابيع قليلة، تم لم شمل 83 طفلاً بعائلاتهم في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وكان هذا تتويجًا للعمل المضني الذي قامت به اللجنة الدولية للصليب الأحمر بين عامي 2019 و2021. الأطفال، الذين لم يتجاوز عمر بعضهم خمس سنوات، كانوا قد تم فصلهم عن آبائهم وأجدادهم بسبب العنف المستمر في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
كانت “فلورنس أنسيلمو”، مديرة الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، هناك وكانت شاهدة على لم شمل أخ وأخت – جيسون وإستير – مع جدتهما. تقول فلورنس إن الجميع كانوا يبكون بفرح. لكنها تضيف أن الجدة أخبرتها أن اللحظة كانت “حلوة ومرة”، لأنها على الرغم من أنها تستطيع الاحتفال بعودة أحفادها، إلا أنها لا تزال حزينة على والديهما المفقوديْن.
>> استمع إلى الحلقة التي خصصها بودكاست “من داخل جنيف” لليوم العالمي للمختفين (بالانجليزية)
تسلط هذه اللحظة الضوء على آلام العائلات التي فقدت أحد أفرادها. تخبرنا أنسيلمو في الحلقة الأخيرة “من داخل جنيف” أنه “الجرح الوحيد الذي يزداد عمقًا”. إن عدم معرفة ما حدث لزوجك أو زوجتك أو والدك أو والدتك أو ابنك أو ابنتك، وعدم معرفة ما إذا كانوا أحياء أو أمواتًا أو معافين أو مرضى أو سعداء أو تعساء، هو عذاب دائم.
وتدرك اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هذه قضية يمكن إغفالها بسهولة في حالة اندلاع حرب أو أزمة إنسانية، عندما تكون الأولوية في كثير من الأحيان هي الغذاء والمأوى والحماية.
لهذا السبب تذكرنا اللجنة الدولية في 30 أغسطس من كل عام، في اليوم العالمي للمختفين، بالتفكير في هذا الألم، وتذكرنا بالعمل الذي تقوم به للمساعدة في العثور على المفقودين والمفقودات وجلب الأخبار إلى العائلات التي تتوق إليهم. ويقول الصليب الأحمر إن 25 ألف طفل في إفريقيا ما زالوا في عداد المفقودين هذا العام.
تاريخ طويل
بدأ البحث عن المفقودين والمفقودات، كما تخبرنا أنسيلمو، منذ أكثر من 150 عامًا، عندما التقى مؤسس اللجنة الدولية، هنري دونان، بالجنود الجرحى في ساحة معركة سولفرينو في إيطاليا. أحدهم كان عريفاً شاباً يعلم أنه يحتضر، ناشد دونان لإعلام والدته بما حدث له.
منذ ذلك الحين، عمل الصليب الأحمر في حربين عالميتين للعثور على المفقودين، ولم شمل أحبائهم، وتبادل الأخبار بين أسرى الحرب وعائلاتهم. وتم إنشاء الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين وبحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، سجلت الوكالة عددًا مذهلاً من الأسماء يبلغ 36 مليونًا.
في عام 1949، تم تكريس حقوق أسرى الحرب في اتفاقية جنيف الثالثة. الأطراف المتحاربة ملزمة بمشاركة أسماء السجناء لديها، ومعاملتهم معاملة إنسانية بل والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بالوصول إلى أماكن الاحتجاز.
أوكرانيا وروسيا جنبا إلى جنب
اليوم، في أعالي التلال فوق جنيف، أصبحت الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين أكثر انشغالًا من أي وقت مضى – ومن أكثر اللغات التي تسمعها في مركز الاتصال المزدحم هي الأوكرانية والروسية. منذ أن هاجمت روسيا أوكرانيا، تلقت اللجنة الدولية أكثر من 27 ألف طلب للحصول على معلومات وزودت 3 آلاف أسرة بالأخبار.
لا تعرف المنظمة بالضبط عدد أسرى الحرب الموجودين لدى كلا الجانبين وأوضحت أنها لا تستطيع الوصول إليهم جميعًا بعد. لكن رؤية الروس والأوكرانيين – بعضهم لاجئون في سويسرا – يعملون جنبًا إلى جنب لإيصال الأخبار إلى العائلات اليائسة هو شهادة على حقيقة أنه، هنا على الأقل، لا تزال بعض الإنسانية في الحرب.
وتتراوح الرسائل من البسيطة إلى مفطرة القلب. طمأن شاب والدته بأنه بخير، لكنه طلب منها أن ترسل له الجوارب والشاي والشوكولاتة. شابة تطلب نقل آخر الأخبار إلى زوجها السجين الآن. “قولي له إنني أنجبت طفلنا هذا الصباح.” وتقول أم تبكي إنها لم تسمع أي أخبار عن ابنها البالغ من العمر 19 عامًا منذ نهاية فبراير.
تقول يلينا ميلوسيفيتش ليبوتيك، من الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين، لـ Swissinfo SWI “لم يتم الرد على أي استفسار”. حتى لو لم يكن لدى الصليب الأحمر أي أخبار، فيجيب وسيبقي الملف مفتوحًا. في الواقع، يتم الاحتفاظ بجميع طلبات الحصول على المعلومات والعمل المنجز إلى الأبد.
“إذا كنت حفيد شخص حارب خلال الحرب العالمية الثانية، فستتمكن من العثور على معلومات عن جدك ـ حول تاريخ أسره وكيفية أسره ومكان احتجازه وما حدث له ،” توضح يلينا ميلوسيفيتش ليبوتيك. “وهذا ما يفعله هذا القسم للأجيال القادمة حتى نتمكن من الاحتفاظ بهذه الذكرى أيضًا للسنوات والعقود والقرون القادمة.”
مشكلة عدم اليقين
ربما يكون عملها مع الأشخاص المفقودين في الحرب ومع أسرى الحرب هو أشهر ما تفعله اللجنة الدولية للبحث عن الأشخاص. لكن المنظمة تساعد، جنبًا إلى جنب مع جمعيات الصليب الأحمر الوطنية، أيضًا في العثور على المفقودين والمفقودات بعد الكوارث الطبيعية والمهاجرين المفقودين.
وتشير أنسيلمو إلى إن فقدان شخص عزيز ليس مجرد مصدر للشكوى وعدم اليقين، بل يمكن أن يتسبب أيضًا في مشاكل اجتماعية واقتصادية ضخمة. قد تجد النساء اللواتي فقدن أزواجهن صعوبة في إثبات ملكية منازلهن. ويمكن حظر الوصول إلى الممتلكات والحسابات المصرفية والمعاشات دون شهادة وفاة.
“ولا يمكن للأهالي الحصول على شهادة وفاة، إذا لم يكن هناك معلومات حول مصير المفقودين”.
في كثير من الأحيان، تجد العائلات نفسها متورطة لسنوات في عمليات بيروقراطية طويلة. وعندما تكون هذه العائلات في حاجة ماسة إلى الأخبار، فإنه يتم استغلالها في بعض الأحيان من قبل المحتالين الذين يعدون بالمعلومات مقابل المال.
كما أن ألم عدم اليقين بمصير الأحباء تشهد عليه حقيقة أن الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين ما تزال تتلقى طلبات للحصول على معلومات من أقارب الأشخاص، الذين فُقدوا منذ عقود، في الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال. هذه شهادة على حاجة العائلات إلى حل.
تقول أنسيلمو: “العائلات لا تتوقف عن البحث عن إجابة عبر الأجيال، حيث لا يمكنهم التعايش مع هذا اللغز. هذه الحاجة للمعرفة قوية جدا”.
تحرير: فيرجيني مانجين
ترجمة: مي المهدي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.