البلدان العربية والافريقية وملف “الإيغور”.. المصالح فوق المبادئ!!
في سابقة نادرا ما تحدث، صوّتت أغلبية أعضاء مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة في جنيف يوم الخميس 6 أكتوبر الجاري لعدم مناقشة تقرير نشرته المفوّضية السامية لحقوق الانسان نهاية شهر أغسطس الماضي، يدين الصين ويتهمها بارتكاب انتهاكات في حق أقلية الإيغور المسلمة قد تصل لما يشبه جرائم ضد الإنسانية. واللافت أيضا هو أن كل البلدان العربية والإفريقية قد صوّتت لتأييد التخلي عن مناقشة هذا التقرير في دورة المجلس القادمة.
فلماذا تقدم البلدان الاسلامية والافريقية، كل مرة، طوق النجاة، لمنع إدانة الصين، بسبب انتهاكها لحقوق أقلية الإيغور المسلمة؟ مفارقة يحتاج فهمها إلى تمحيص وتحليل.
لقد طفا هذا الموضوع مجددا على السطح بعد قيام مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، بزيارة الصين مؤخرا، وإشارة تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية في شهر يونيو الماضي، إلى اخضاع الإيغور إلى أعمال شاقة، وإدانته الشديدة للأوضاع الاجتماعية لهذه الأقلية، مع تعالي أصوات المنظمات الدولية غير الحكومية المنددة بحجب المفوّضة السامية لحقوق الانسان لتقرير طال انتظاره حول أوضاع حقوق الانسان في هذا الإقليم.
فكيف يمكن تفسير مواقف الدول الإسلامية والافريقية الداعمة للصين إزاء الانتهاكات المسجلة بحق أقلية الإيغور المسلمة؟ وهل تؤسس هذه المواقف لتحالفات مرشحة للاستمرارية؟ أو تنبئ بتغيّرات جيو – استراتيجية على المستوى الدولي؟
أشكال دعم متعددة
تتنوع أشكال الدعم التي تقدمها العديد من البلدان الاسلامية والافريقية إلى الصين فيما يتعلق بملف حقوق الإيغور. ويظهر الخط الفاصل بين المدافعين عن السياسة التي تقودها الصين في إقليم شينجيانغ ومنتقديها بالأساس خلال اجتماعات الهيئات التابعة للأمم المتحدة كمجلس حقوق الانسان في جنيف، والجمعية العامة في نيويورك.
ويحصل هذا الدعم أيضا على حد قول ريم عبدالمجيد، الباحثة المصرية في شؤون الأمن الإنساني والسلام البيئي، ومؤلفة دراسة علمية حول الصين ومسلمي الإيغور، في تصريحات خاصة لـ SWI swissinfo.ch: “من خلال الامتناع عن تأييد العرائض التي تُدين الصين، أو تأييد هذه الأخيرة عبر بيانات صحفية فردية أو جماعية، يُلقيها رؤساء تلك الدول أو ممثلوها، في محافل دولية، او أثناء لقاءاتهم المتبادلة مع الصين”. وبالفعل، تتعدد الأمثلة على أشكال هذا الدعم.
ففي 14 يناير 2022، ونقلا عن وكالة أسوشايتد برسرابط خارجي، “أعرب وزراء خارجية بلدان الخليج والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عن دعمهم القوي للمواقف المشروعة للصين بشأن القضايا المتعلقة بتايوان وشينجيانغ”. وكشف متحدث صيني، بحسب نفس المصدر، أن “مجلس التعاون الخليجي يُعارض التدخل في الشؤون الداخلية للصين، وتسييس قضايا حقوق الإنسان”.
وفي 22 أكتوبر 2021، دافعت 62 دولة معظمها بلدان إسلامية وافريقية عن ممارسات الصين تجاه أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ الواقع شمال غرب البلادرابط خارجي. وجاء في بيان وقعته البلدان الاثنان والستون (ردّا على بيان أصدرته 43 بلدا أغلبها من أوروبا وأمريكا الشمالية) أنها “تعارض المزاعم التي لا أساس لها ضد الصين بدوافع سياسية قائمة على التضليل الإعلامي والتدخل في الشؤون الداخلية للصين بحجة حقوق الإنسان”. وشددت في هذا البيان – الذي كان من بين أبرز الموقعين عليه مصر والمملكة العربية السعودية وباكستان والمغرب – على “وجوب التزام كل الدول بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والحياد والموضوعية”.
وفي يونيو 2020، صوّتت 25 دولة افريقية داخل مجلس حقوق الانسان بجنيف تأييدا لإقدام الصين على سن قانون الأمن القومي في إقليم هونغ-كونغ، الذي وضع حدا للحكم الذاتي لهذا الإقليم، وفرض عقوبات صارمة على المعارضة السياسية هناك.
وفي جولة سابقة أيضا من هذه المعركة المستمرة على مستوى مؤسسات الأمم المتحدة، وبالتحديد في أغسطس 2019، وردا على توجيه 22 دولة رسالة إلى الأمم المتحدة تندد فيها بمعاملة السلطات الصينية لأفراد من أقليات عرقية في منطقة شينجيانغ وتدعوها إلى وضع حد للاعتقال التعسفي فيها، هبت 37 دولة لدعم بكين من بينها 14 دولة عضوا في منظمة التعاون الإسلامي. حيث قامت بدورها بتوجيه رسالة إلى الأمم المتحدة هنأت فيها “الصين بإنجازاتها اللافتة على صعيد حقوق الإنسان”، كما أشارت إلى أنها “أخذت علما بالأضرار الهائلة التي تسبّب بها الإرهاب والتوجه الانفصالي والتطرف الديني لكل المجموعات الإثنية في شينجيانغ”. وتابعت هذه الدول “في مواجهة التحدي الخطير للإرهاب والتطرف، اتخذت الصين سلسلة إجراءات لمكافحة الإرهاب والتطرف في شينجيانغ وخصوصا عبر إنشاء مراكز تعليم وتدريب مهنية”، مشددة على أن “الأمن عاد” إلى المنطقة بفضل تلك التدابير.
هذا الموقف يُترجم صمت منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 دولة تقطنها أغلبيات مسلمة، إزاء التقارير التي تتهم الصين بالانتهاكات بحق الأويغور. يحصل هذا على الرغم أن هذه المنظمة وحدت مواقفها من قبل مرارا عند وقوع انتهاكات بحق المسلمين، كأزمة الروهينغا حيث احتشدت الدول الأعضاء فيها دفاعا عن هذه الأقلية ضد السياسة التي يتبعها جيش ميانمار بحقها.
مُفارقة تحتاج إلى تفسير
تعكس هذه المواقف الإفريقية والإسلامية الداعمة للصين وفق الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أحمد الأحمدي، حالة من التشابه والتضامن، العابر للحدود، بين الحكومات المستبدة، إزاء القضايا الحقوقية والإنسانية. ويُمكن النظر إليها أيضًا من خلال التوظيف السياسي لهذه القضية، كأوراق للمقايضة مع الصين، والمناكفة مع الغرب.
والمؤسف، يضيف الأحمدي “أن يصل الأمر ببعض الحكومات لتسليم ناشطين من الإيغور للسلطات الصينية، رغم مخاطر تعرضهم للتعذيب، ووجود خطر حقيقي يهدد حياتهم وسلامتهم الجسدية والمعنوية”، مثلما حدث في المغرب مؤخرا، حيث أعلنت السلطات هناك أنها بصدد دراسة احتمال ترحيل الناشط الإيغوري إيشان، إلى الصين لمواجهة اتهامات بارتكاب أعمال إرهابية.
في تصريحات خاصة لـ SWI swissinfo.ch، عزت الدكتورة حنان كمال أبو سكين، وهي أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة، صمت الدول الاسلامية تجاه قضية الإيغور، إلى ما تسميه “الحساسية العربية المفرطة تجاه قضايا الانفصال، لأن غالبية الدول العربية، تعاني من نفس المشكلة، والأمثلة هنا كثيرة ومتعددة. فالطائفة الشيعية في شرق البلاد وجنوبها، تمثّل تهديدا استراتيجيا لاستقرار المملكة العربية السعودية وأيضا لوحدة مملكة البحريْن، ومن شأن مطالبة الأكراد بدولة قومية هزّ الاستقرار في أربعة بلدان هي العراق وسوريا وإيران وتركيا، فيما يُطالب سكان الصحراء الغربية بدولة مستقلة في جنوب المغرب الأقصى”.
من ناحية أخرى، تبرر هذه البلدان مواقفها الداعمة للصين باعتبارها حقوق الإنسان “شأنا داخليا لا ينبغي التدخّل فيه، لأن ذلك سيجعلها عُرضة لتدخل مماثل في شؤونها؛ وتعلل دعمها بأن الصين تحافظ على أمنها القومي، في مواجهة الإرهاب والتطرف والمساعي الانفصالية، وتضيف أن الدول الغربية، تسيّس قضايا حقوق الإنسان، وتكيل بمكيالين، وهو ما يدفعها لدعم الصين”، على حد قول ريم عبد المجيد.
وتؤكد الباحثة المصرية في شؤون الأمن الإنساني والسلام البيئي أن كثيرًا من دول تلك الكتلة، إما أنها تواجه جماعات إرهابية، تتخذ من الإسلام غطاءً لها كنيجيريا، أو تُعاني من وجود توترات عرقية ومحاولات انفصال، ومن ثمّ فإنها إذا أدانت الصين، فإن هذا سيُحفّز الجماعات الإرهابية والحركات الانفصالية على مناهضتها. وبعبارة أخرى، فإن دعم الصين يُضفي شرعية على طريقة تعامل الحكومات مع ظواهر العنف والتطرف والإرهاب الذي تشهده”.
تعزيز الشراكات الاقتصادية
لعل العامل الأهم في رسم هذه التحالفات، هو تحوّل الصين إلى شريك تجاري استراتيجي، ومستثمر له مشروعات كبرى بالغة الأهمية، في المنطقتين؛ العربية والإفريقية.
فقد أظهر التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا الصادر في سبتمبر 2021رابط خارجي، أن قيمة التجارة الثنائية بين الصين وافريقيا بلغت 187 مليار دولار في عام 2020، على الرغم من الصعوبات التي فرضتها جائحة كوفيد – 19، لتحافظ بالتالي الصين على ريادتها كأفضل شريك تجاري للقارة السمراء، وذلك للعام الثاني عشر على التوالي.
وكشف ذات التقرير أن حجم التجارة البينية، بين الصين وأفريقيا سجّل نمواً قوياً في الأشهر السبعة الأولى من عام 2021 بنسبة بلغت 40.5 % ليصل إلى 139 مليار دولار. كما عرف الاستثمار الصيني في أفريقيا توسعاً مهماً، على الرغم من المنحى التنازلي في التجارة والاقتصاد العالميين، الناتج عن آثار الجائحة التي نجمت عن انتشار فيروس كورونا بحسب ذات التقرير.
في الأساس، تركزت الاستثمارات الصينية في القارة الإفريقية على قطاعات الخدمات، مع تسجيل ارتفاع في الاستثمار في مجالات جديدة على غرار البحث العلمي والتكنولوجيا والنقل والتخزين بواقع الضعفين خاصة في جنوب إفريقيا وأثيوبيا.
لقد بلغ الاستثمار الصيني المباشر خلال المنتصف الأول من السنة الماضية، ما قيمته ملياران من الدولارات، أي أفضل من المستوى المسجّل في عام 2019 قُبيل اندلاع الجائحة. وفي هذا السياق، تم إنشاء 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية وجذبت هذه المناطق 623 شركة باستثمارات إجمالية بقيمة 7.3 مليار دولار، ووفرت أكثر من 46 ألف فرصة عمل للدول الأفريقية المعنية.
بالنسبة للبلدان العربية، وفي إطار مبادرة “الحزام والطريق”، تم توقيع مذكّرات تفاهم مع 18 دولة عربية. وتسعى هذه المبادرة إلى ربط آسيا وأوروبا بمجموعة طموحة من مشاريع البنى التحتية البرية والبحرية، وسيتم إنشاء العديد من هذه المشاريع في منطقة الشرق الأوسط تحديدا.
وحتى شهر يناير 2021، ودائما في إطار نفس المبادرة، وقّعت شركات صينية عقودا مع العديد من البلدان في المنطقة بقيمة 35.6 مليار دولار. وفي ذات السياق، بلغت تجارة الصين مع الدول العربية، في عام 2020، ما قيمته 244 مليار دولار. وتكريسا لهذا التوجّه، شهد شهر أغسطس 2021 تنظيم الدورة الرابعة لمعرض الصين والدول العربية.
وسيتوّج حدثان مهمان هذا المسار هذه السنة: تنظيم القمة الصينية- العربية الأولى في المملكة العربية السعودية، والدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني – العربي في الصين على أن يتم تحديد تاريخ الموعديْن خلال النصف الثاني من هذه السنة. أما الهدف المعلن لهذيْن الحدثين، وفق موقع “الصين اليوم”رابط خارجي فيتمثل في “وضع أسس رابطة المصير المشترك بين الصين والبلدان العربية كجزء مهم من رابطة المصير المشترك للبشرية”.
هذا التعاون الاقتصادي المتنامي والشامل، يعطي الدول الإفريقية وللكتلة الاسلامية سببا فعّالا آخر لتجنّب انتقاد الصين. ولعل هذه الأخيرة لا تتواني في التذكير بذلك خلف الكواليس.
تحالف ظرفي أم استراتيجي؟
وردًا على سؤال: إلى أي حد يمكن أن تؤسّس هذه المواقف لتحالفات جدية ومستدامة قد تُفرز في النهاية عالما متعدد الأقطاب، رد الأحمدي”: “من خلال مساندتها للصين، تحاول بعض الحكومات العربية، المرتهنة للخارج، التخفّف من وطأة هذه الوصاية، في أعقاب تراجع سطوة التأثير الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على مسرح الأحداث الدولية عمومًا، وفي الشرق الأوسط وإفريقيا على وجه التحديد”.
لكن هذه المواقف لا يبدو أنها ستغذي فعليا التعددية القطبية في العالم؛ على حد قول “الأحمدي”: “بالنظر إلى هشاشة أوضاع البلدان العربية والإفريقية، إذ أغلب هذه البلدان محكومة بأنظمة فاسدة، مشكوك في شرعيتها وعاجزة عن تحقيق رفاهية شعوبها، وتستمد قوتها من ولاءاتها الخارجية لا من شعوبها، ناهيك عن أن الأمر برمته يتعلق بقدرة الأقطاب العالمية نفسها على فرض رؤيتها على العالم، ومدى استجابة الدول لتلك الرؤية أو القبول بها”.
بدورها، تبدو الباحثة ريم عبد المجيد متشككة في استمرارية واستدامة هذا التحالف، وتقول: “رغم أن دعم الدول العربية الإفريقية للصين في ملف حقوق الإنسان، متنامٍ، لكن علاقة هذه الدول مع الصين بشأن بقية القضايا مقيدة ببعض العوامل، تمنع تحوّلها إلى تغيرات جيوسياسية عميقة على الساحة الدولية، أقله على المديْين القريب والمتوسط”.
فعلى سبيل المثال، تتخوف الدول العربية والافريقية من دعم الصين في ملفات أخرى، مثل مسألة منشأ كوفيد- 19 ومسألة الأمن السيبراني، وأيضا الحرب التجارية المستعرة بين الصين والولايات المتحدة، التي اشتدت وتعززت بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في مارس 2018 فرض حزمة قوية من الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية.
مع ذلك تربط هذه الباحثة استمرار هذا “التحالف” بطبيعة المتغيرات الداخلية التي من المحتمل أن تشهدها تلك البلدان، كنمو الجماعات الارهابية، والحركات الانفصالية، وحالات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. ومن ثم فإنه “من المتوقع أن تستمر المواقف الداعمة لفترة طويلة، نظرًا لصعوبة تعامل هذه الدول مع هذه القضايا الشائكة على المدى القصير”، حسب رأيها.
وتضيف الباحثة المصرية أنه “من المرجح، أن تأخذ العلاقات العربية والإفريقية مع الصين، على المدى المتوسط، شكل التحالف الاقتصادي، وليس العسكري أو الأمني، نظرًا لتفضيل الصين استبعاد تلك الجوانب في علاقاتها مع العالم الخارجي”. خلاصة القول، في الوقت الذي تنشط فيه بلدان أوروبا وشمال أمريكا من أجل إدانة الصين في مجلس حقوق الانسان والجمعية العامة التابعيْن للأمم المتحدة، بسبب الانتهاكات التي ترتكبها بحق أقلية الإيغور الإسلامية، تُصرّ معظم البلدان ذات الغالبية المسلمة على مدّ طوق النجاة للحيلولة دون عزلة الصين وإدانتها.
التحرير: فيرجيني مانجين
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.