كيف يتفاعل المستثمرون السويسريون مع تحركات النشطاء من أجل المناخ
على رغم صدور العديد من التقارير البيئية المقلقة، لا زالت الدعوات إلى العمل لمعالجة تغير المناخ خجولة. فهل يتحرّك القطاع المالي السويسري لحمل الراية وبلورة حلول مبتكرة في هذا الشأن؟
يُعتبر الحصول على تقارير دقيقة بشأن الطقس بالنسبة لصغار المزارعين الذين يعيشون في جنوب غانا، أمراً بالغ الأهمية؛ فزراعة البذور في وقت غير مناسب، قد يعني جرفها بعيداً مع الأسمدة. وتقدّم شركة إينيسيارابط خارجي Ignitiaرابط خارجي، وهي شركة ما زالت في طور النمو، لمزارعي غرب إفريقيا، واستناداً لموقعهم الجغرافي المحدد بدقة، معلومات واضحة عن الأرصاد الجوية وذلك عبر الهواتف المحمولة لقاء مقابل مادي ضئيل، وذلك من أجل مساعدتهم على اختيار الوقت المناسب للزراعة.
وتتطلع هذه الشركة إلى زيادة نموّها واتساعها. ومن هذا المنطلق قام مديرها التنفيذي مؤخراً بزيارة إلى جنيف، لترويج نشاطاتها للمستثمرين المشاركين في قمة جنيف لتمويل أهداف التنمية المستدامةرابط خارجي، والتي نظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وهو واحد من عشرات اللقاءات التي عقدت هنا خلال أسبوع وكُرّست لبحث التمويل المستدام.
تقول ليزا سميتز، الرئيسة التنفيذية ومؤسسة إيغنيسيا، إنه بعد نهاية اللقاءات، اتصل بها العديد من المستثمرين السويسريين، معربين عن اهتمامهم بالشركة. وقالت ايضاً إن “النمو بدأ يحصل فعليّاً في الأسواق الناشئة، وهذا النوع من الاستثمارات قد يعالج في كثير من الأحيان، القضايا المتعلقة بالمناخ ويسهم في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة”.
تقدم بطيء
لا يُعتبر مفهوم الاستثمار المستدام مفهوماً جديداً بالنسبة لسويسرا، فلسَنوات عدة، لا تزال البلاد تحاول وضع نفسها كمركز للتمويل “الأخضر” أو المستدام، معتبرةً أن وجود المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات الفكر في جنيف، يعني أن قطاعها المصرفي في مكانة تؤهله تماماً لإجراء التبادلات الدولية بشأن قضايا الاستدامة. كما أطلقت البنوك أقساماً للتنمية المستدامة، وظهرت مجموعات تمويل تأخذ بعين الاعتبار تأثير هذا التمويل على البيئة والمجتمع والحوكمة، كما تم إصدار السندات “الخضراء”.
لكن جوستين لي بيل، مديرة تطوير السوق في مبادرة سندات المناخ، والتي تهدف إلى تعبئة سوق السندات العالمية بقيمة 100 مليار دولار من أجل إيجاد حلول للتغيّر المناخي، تعتبر أن القطاع المصرفي السويسري رَكَن طويلاً إلى أمجاده. ففي البداية، كما تقول، اعتبر السويسريون أنفسهم في مركز القيادة للتنمية المستدامة وأن على الأسواق العالمية الأخرى اللحاق بهم.
وكانت المؤسسات السويسرية بطيئة في تحديد أي موقف بشأن التمويل المستدام. وعندما قامت بذلك، جاء موقفها “سطحياً جداً” على حد قول لي بيل.
تعريف مصطلح “مستدام”
ما الذي يمكن توصيفه بالمستدام؟ من الممكن أن يكون لهذا المصطلح معانٍ مختلفة بالنسبة لمديري الأصول أو بالنسبة للمستثمرين. يقول مانويل لوتهولد، رئيس كومبن سويس Compenswiss، الصندوق السويسري للتعويضات، إنه في الوقت الذي كانت تقديرات صندوقه مؤخراً تفيد بأن 42% من استثماراته مستدامة، كان آخرون يعتبرون أن صناديقهم مستدامة بنسبة تقارب 100% . “هناك حرب تسميات؛ ولهذا فنحن بحاجة إلى معيار موحد وإلى نظام تصنيف عالمي” كما يقول.
ونظراً لأن الشركات الفردية لها معاييرها الخاصة لتحديد ما هو مستدام، وأن المقارنات تكون صعبة في هذا المجال، فإن الطلب على وكالات التصنيف التي تركّز على جوانب البيئة والمجتمع والحوكمة قد ازداد بشكل كبير. ولكن هذه الوكالات كثيراً ما تستعرض فقط الشركات الكبرى المدرجة في القائمة، كما أن شفافية تقييماتها تظل محدودة.
ونتيجة لذلك، تدخلت الهيئات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية في محاولة لتطوير معايير التمويل المستدام. فعلى سبيل المثال، قام الاتحاد الأوروبي بتطوير خطة عمل بشأن التمويل المستدامرابط خارجي. كما أن للأمم المتحدة العديد من المبادرات الجارية، ومنها مبادرة تمويل برنامج الأمم المتحدة للبيئةرابط خارجي ومشروع إدارة تأثير أهداف التنمية المستدامة.رابط خارجي
وهناك أيضاً مبادرات خاصة، مثل الأهداف المستندة إلى العلومرابط خارجي، والتي يدعمها الصندوق العالمي لحماية الطبيعة. ويتوقع توماس فيلاكوت، الرئيس التنفيذي للصندوق في سويسرا، أن هذه الجهود مجتمعةً توفر معلومات أكبر حول المعايير الخضراء للشركات. ويقول “في الوقت الحالي، نحن منفتحون على أي اقتراح من شأنه زيادة الكشف عن البيانات والمعلومات “.
الاهتمام المتجدد
وسط دعوات عالمية ومحلية لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ، تزايدت ممارسات التمويل المستدام في سويسرا. ففي عام 2018، بلغت الاستثمارات المستدامة نحو 716 مليار فرنك سويسري أي ما يمثّل 22% من إجمالي الأصول المدارة في سويسرا، مقارنة بمبلغ 215 مليار فرنك سويسري في عام 2016، أي ما يمثل 7% فقط من إجمالي تلك الأصول.
وفقاً لتقديرات شركة ماكينزي McKinsey للاستشارات الإدارية فإن 11% من إجمالي الاستثمارات على المستوى العالمي تُعتبر مستدامة.
ويلاحظ رولاند دومينيك، الرئيس التنفيذي لشركة التمويل الأصغر السويسرية سيمبيوتيكسرابط خارجي Symbioticsرابط خارجي ، زيادة في حجم الاستثمارات المستدامة. ويقول: “هناك اهتمام متزايد واضح سواءً من قِبَل البنوك الخاصة التي نتناقش معها – لجهة الاستثمارات المستدامة لعملائها، الذين قد يكونون من جيل الألفية … أو من الجيل الأكبر سناً الذين يستمعون إلى أبنائهم، أو من الذين يعتبرون أنه من المنطقي الانتقال إلى منتجات مستدامة، أو من قِبَل صناديق التقاعد التي تبحث عن منتجات مستدامة “.
وفي الوقت نفسه، أصبح المستثمرون في الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية يولون المزيد من الاهتمام أيضاً إلى الجهة المناسبة في توظيف أموالهم، كما يوضح أليكس أباوي، خبير الابتكارات في شركة البرمجيات ساب SAP في زيوريخ. ويقول موضحاً: “أصحاب المصلحة الجدد في سوق الأوراق المالية هم الجيل X، والجيل Y وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة لقيمة الأسهم”، مضيفاً أن تصنيفات ESG – وهو نظام لمساعدة المستثمرين، ضمن محافظهم الاستثمارية، على تحديد المخاطر والفرص البيئية والاجتماعية وفرص الحوكمة- أصبحت الآن “ذات أهمية كبرى ” بالنسبة للشركات.
الدولة مقابل الأسواق
أعرب عدد من المصرفيين من المؤسسات الكبرى ممن شاركوا في اجتماعات جنيف حول التمويل المستدام، عن رغبتهم في قيام الحكومة الفدرالية بمزيد من الجهود الآيلة إلى تحفيز الشركات، والتي منها المؤسسات المصرفية، على الاستثمار في الابتكارات الخضراء، مما يضمن أيضاً إمكانية تحقيق سويسرا لطموحاتها الكبيرة فيما يتعلق بالاستثمار المستدام. وكان ممثلون عن جمعية تمويل تنمية القطاع الخاص السويسري في جنيفرابط خارجي، قد وقّعوا في وقت سابق من شهر أكتوبر الجاري، بياناً في هذا الصدد.
لكن وزير المالية السويسري أولي ماورر أوضح بشكل صريح أن الحكومة لن تتدخل في هذا الشأن. وقال في قمة تمويل أهداف التنمية المستدامة في جنيف: “نحن نعوّل على السوق للتوصل إلى منتجات مستدامة يستطيع المستثمرون استثمار أموالهم فيها “.
وأثناء انعقاد القمة أيضاً، عرض الرئيس التنفيذي لمصرف يو بي إس UBS سيرجيو إرموتي، الجهود الجدية التي يقوم بها البنك الدولي من أجل تحسين محفظة الاستدامة، كما أشار إلى أن أكبر المستثمرين في سويسرا أصبحوا مقتنعين أكثر فأكثر بأن الاستثمارات المستدامة مضمونة العوائد.
وفي هذا الصدد يقول المدير المصرفي: “إننا نعمل مع الأسر ورجال الأعمال وقادة الصناعة وغيرهم ممن يهتمون كثيراً بالعالم الذي سنورثه إلى الأجيال اللاحقة”، مضيفاً أن العمل، وفقاً لأهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، يمثل “فرصة للحفاظ على النمو”.
وفي شهر سبتمبر 2019، أصبح مصرف يو بي اس من أوائل المؤسسات الموقعة على مبادئ برنامج الأمم المتحدة للبيئة للخدمات المصرفية المسؤولةرابط خارجي، التي تربط أعمالها بأهداف التنمية المستدامة.
وتعتبر لي بيل أن توجّه إدارة إرموتي لتعزيز الاستدامة قد تمثل نقطة تحول في القطاع المصرفي في سويسرا؛ وتقول: “عندما يتحدث هؤلاء الناس، فإن السوق تتفاعل مع الأمر باعتبارهم يمثّلكون واحدة من أكبر شركات إدارة الأصول على مستوى العالم. ولقد أدركت سويسرا أهمية ذلك. ونظراً إلى تجمعات رؤوس الأموال هنا، فإن هذا الأمر يعتبر تطوراً هائلاً”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.