“الحرب الباردة تعود لتتصدر المشهد”
مرة أخرى تلتئم في جنيف مباحثات بمشاركة دبلوماسيين رفيعي المستوى من كل من الولايات المتحدة وروسيا، حيث يلتقي نائب وزير الخارجية الروسي سيرجيه ريابكوف بنائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان، وذلك لمناقشة المسألة الأوكرانية والوضع الأمني في أوروبا، إذ يتعلق الأمر بالأزمة الحادة، التي اندلعت بسبب حشد روسيا لقواتها في المنطقة الحدودية.
فما الذي يأمله أبناء الشتات الأوكراني في سويسرا من تلك المباحثات؟
تعيش أولينا غولوبورودكو منذ عام 2015 في سويسرا وتعمل كمستشارة قانونية لإحدى شركات الأدوية العالمية. أما أفراد أسرتها، وكذلك أسرة زوجها فيعيشون في أوكرانيا. وتقول: “إن سيناريو التدخل العسكري الروسي للأسف حقيقة واقعة. وإذا لم تحصل أوكرانيا على دعم حقيقي من الدول الأخرى، فإن حربا جديدة سوف تندلع، وسوف يعاني من ويلاتها ملايين من الأوكرانيين.”
أسرة السيدة غولوبورودكو، تقيم في خاركيف، وهي ثاني المدن في أوكرانيا من حيث المساحة، وتقع في أقصى شرق البلاد، لكن لا يسيطر عليها الانفصاليون الروس. “حالياً، وبعد حشد الكثير من القوات الروسية على الحدود، تسود المدينة حالة من الاضطراب الشديد”، على حد قول غولوبورودكو: “وهناك العديد من الشائعات التي تحوم حول لحظة التدخل العسكري المرتقب. لهذا نأمل في دعم حلف شمال الأطلسي، خاصةً من الولايات المتحدة وألمانيا.”
في ذات الوقت، يساور القلق أيضاً إميليا نازارينكو، التي اٌعتمدت منذ عام 2003 كمترجمة لدى الأمم المتحدة، كما تعمل كمتعاونة حرة للمنشورات الروسية، فضلاً عن ذلك فقد ترأست بين عامي 2011 و2015 “اتحاد الصحافة الأجنبية في سويسرا وليختنشتاين.” من جانبها تؤكد السيدة نازارينكو أن القوات الروسية موجودة منذ أمد بعيد على الأراضي الأوكرانية: فماشرة بعد ضم القرم في مارس عام 2014، ظهرت قوات أمنية روسية في الأقاليم الشرقية من البلاد ـ وتحديداً في مدينتي لوغانسك ودونيتسك ـ، وهو ما أدى إلى نشأة “الجمهوريتين الشعبيتين” اللتين أعلنتا عن انفصالهما من طرف واحد، وكذلك إلى النزاع العسكري المستمر حتى اليوم في شرق أوكرانيا.
المزيد
محادثات أمريكية روسية في جنيف وسط تصاعد التوتر بشأن أوكرانيا
الاتحاد الأوروبي غير مبال
في هذا الصدد، تنظر كل من أولينا غولوبورودكو وإيميليا نازارينكو بنظرة متشككة إلى سياسة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في هذا النزاع. “حتى الآن لم يصدر عن الاتحاد الأوروبي ـ باستثناء بعض العبارات السياسية المنددة ـ أي إجراء لإنهاء الصراع في شرق أوكرانيا. وأعتقد أن التطورات الأخيرة سوف تفتح أعين الدول والحكومات الأوروبية على مدى جدية الوضع”، مثلما توضح إيميليا نازارينكو.
فروسيا تستغل أوكرانيا كساحة لمواجهة الغرب، سواء تمثل في حلف شمال الأطلسي أم في الولايات المتحدة الأمريكية. وإزاء الخطر الحقيقي للصراع الدولي بالقرب من الحدود الأوروبية، فإن بروكسل لن تستطيع الاكتفاء بالتصريحات السياسية كما كانت تفعل من قبل.
وطالما كانت دول الاتحاد الأوروبي لا تشعر بالعواقب الوخيمة بصورة مباشرة، فإنها للأسف لا تجد في نفسها حاجة ملحة لتنسيق إجراءاتها، على حد قول أولينا غولوبورودكو. “فمنذ ضم القرم واحتلال منطقة دونباس، تحول حوالي 1،4 مليون شخص في أوكرانيا إلى لاجئين. وحتى الآن، انتقل أغلبهم إلى مناطق أخرى من البلاد. وبدت أوروبا غير مبالية بما حصل”.
إن الأحداث الأخيرة على حدود بولندا وروسيا البيضاء، حيث يستخدم ألكساندر لوكاشينكو موجات النازحين كوسيلة ضغط، قد أظهرت أن مشكلة اللاجئين المحتملة لابد وأن تغير السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بصورة جدية.
لا يمكنني التوقع بأن تتصرف روسيا بعقلانية، تلخص غولوبورودكو. “إن أمي من مواليد روسيا، أما أبي فقد ولد في أوكرانيا. وقبل عام 2014 لم يكن أحد يتصور اندلاع حرب بين هاتين البلدين. لكن حكام روسيا يرون في الصراع القائم فرصة، لإحكام قبضتهم في الداخل.”
على الأقل ستجرى مباحثات
أما السؤال عن مدى جدوى المباحثات المرتقبة في جنيف، فترد عليه نازارينكو قائلة: “هل تذكر لقاء بايدن وبوتين في يونيو الماضي؟ كان هناك الكثير من الضجة الإعلامية، ولكن كيف كانت النتيجة؟ لقد اكتسبت الحرب الباردة نفساً جديداً. لكن الأمر المطمئن هو إجراء حوار على الأقل. فالعداء الخامد بدون خسائر أفضل من العداء المتوهج والمميت.” لكنها لا تأمل الكثير من اللقاء المزمع. “من غير المتوقع أن تتوصل الأطراف المختلفة إلى اتفاق في المستقبل القريب.”
على النقيض، ترجو أولينا غولوبورودكو أن تسفر هذه المباحثات عن انسحاب القوات الروسية من الحدود الأوكرانية. “إن توقع استعادة المناطق المحتلة في شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس يعتبر مبالغةً في التفاؤل، ولكن إذا ما كانت هناك فرصة لتجنب خطر عدوان مباشر، فسيعد نجاحاً كبيراً. أعتقد أنه طالما وجدت إمكانية لحلحلة الوضع من خلال المباحثات، فإنه يجب استغلالها. وأرجو أن يدرك بوتن وحاشيته أن التدخل العسكري في أوكرانيا لن يمر بدون عقاب.”
وماذا عن سويسرا؟
في هذا السياق تؤكد أولينا غولوبورودكو: “إن سويسرا المحايدة تلعب دوراً هاماً في تحقيق المباحثات”. أما الأهم فهو أن تساند الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الميلشيات الأوكرانية بالعتاد والسلاح. “فأثناء عدوان 2014، لم يكن المدافعون الأوكرانيون يملكون حتى الخوذات. وكما أظهر النزاع بين أذربيجان وأرمينيا مؤخراً، بأن الجانب الفائز هو من يملك الأسلحة الأكثر تقدماً.
المزيد
2022: أجندة سياسية مثقلة وسويسرا تبحث عن ذاتها
بدورها تتذكر إيميليا نازارينكو لقاء القمة بين الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف. “لقد كان اللقاء الذي عقد عام 1985 في جنيف بمثابة رسم خط النهاية للحرب الباردة. وإننا نأمل أن تصبح المباحثات القادمة والمزمع إجراؤها في العاشر من يناير بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن بعض المسائل الأمنية بنفس القدر من التأثير. جدير بالذكر أن سويسرا ستستضيف في يوليو 2022 اجتماعاً بمدينة لوغانو، حيث سيتناول الإصلاحات في أوكرانيا. “آمل أن يكون شبح الحرب قد اختفى حتى ذلك الحين للأبد عن أوكرانيا التي عانت الويلات.”
المزيد
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.