الحملات الدولية على الجنان الضريبية تعزز الجاذبية الإقتصادية لسويسرا
أكدت معطيات جديدة أن سويسرا توجد على رأس قائمة البلدان المستفيدة من الحرب التي شنتها الإدارة الامريكية في عهد باراك اوباما على الجنان الضريبية، حيث اجتذبت الكنفدرالية لما تتمتع به من مزايا ضريبية ومن إستقرار مالي وسياسي عددا من الشركات العالمية الكبرى التي كانت تتخذ من برمودا، وجزر كيمان مقرا لها.
وقد بدأت شركة Weatherford International نشاطها في البورصة السويسرية يوم الإربعاء 17 نوفمبر 2010، بعد أن نقلت عملياتها التجارية من برمودا وهيوستن (ولاية تكساس) العام الماضي. وتتمتع سويسرا بالإضافة إلى مزاياها الضريبية بقطاع تأمينات وخدمات متقدم جدا مما يجعلها مقصدا مفضلا للشركات العالمية.
وكانت الجنان الضريبية في الجزر البعيدة، مثل برمودا وجزر كيمان، المناطق الأولى التي استهدفتها الحملة العنيفة التي قادتها الإدارة الأمريكية للقضاء على الجنان الضريبية في عهد باراك أوباما. وقد قامت العديد من الشركات باستحداث أنشطة لها في مناطق بعيدة للتهرّب من العبء الضريبي المفروض على الأرباح التي تحققها الشركات الأمريكية المستثمرة في الداخل.
وكان من المتوقّع أن ينجم عن تشديد القوانين في عهد أوباما إستفادة الولايات المتحدة من المزيد من الموارد الضريبية، لكن ما حدث حتى الآن هو أن العديد من الشركات قامت بترحيل أنشطتها إلى أوروبا، وتأتي سويسرا وآيرلندا في مقدمة البلدان التي استقرت بها تلك الشركات.
وكان النظام الضريبي السويسري الذي يتميّز بتقديم حوافز سخية للشركات الأجنبية السبب الأبرز لإعلان شركة Tyco Electronics، أكبر مزوّد للسوق العالمية بالموصّلات الإلكترونية، السنة الماضية نقلها لنشاطها من برمودا إلى شافهاوزن.
وتستطيع سويسرا التي نجحت في إبرام عدد كبير من اتفاقيات منع الإزدواج الضريبي مع أغلب الإقتصاديات الكبرى في العالم، بالإضافة إلى عضويتها في المنظمة الاقتصادية للتعاون والتنمية، الصمود أمام الحملة الأمريكية على الجنان الضريبية.
الهروب من النار إلى الرمضاء
أوضح ريتشارد مورفي، العضو بمجموعة الأبحاث حول المسالة الضريبية، والتي يوجد مقرها ببريطانيا أن “الولايات المتحدة قد أوضحت أنها سوف تنظر بعين الريبة للشركات التي رحّلت أنشطتها ومقارها إلى المناطق التي ينظر إليها على أنها جنان ضريبية”.
ثم يستدرك مورفي: “لكن الوضع في سويسرا مختلف نسبيا بالمقارنة مع بيرمودا، لأن سويسرا قد أبرمت العديد من الإتفاقيات الثنائية بشان الملف الضريبي مع العديد من البلدان التي هي عضو في المنظمة الإقتصادية للتعاون والتنمية”.
ويعتقد مورفي أن فوز الجمهوريين في الإنتخابات النصفية بالولايات المتحدة الأمريكية يمكن ان يعرقل حملة إدارة أوباما على الجنان الضريبية على المدى المنظور. ويرى ان تغيّر المشهد السياسي في الولايات المتحدة سوف يبطئ الحملة لكن لن يوقفها”. ودائما بالنسبة لمورفي: “هذه الشركات نجحت في الإفلات من النيران (في برمودا وجزر كايمان)، لتجد نفسها في الرمضاء من جديد (في سويسرا)”.
لكن هناك أيضا بعض الشركات الأخرى التي اختارت العمل من داخل سويسرا المعروفة بريادتها في مجال التأمينات، وقدرتها التنافسية الشديدة على مستوى قطاع الخدمات. ففي السنة الماضية قامت كل من شركة Weatford النشطة في مجال تجارة النفط وصناعة الغاز، والمتخصصة في التنقيب، وضخ النفط، وفي صناعة المصاعد، وجملة من الخدمات الأخرى، وشركة Transocean العاملة في مجال الحفر والتنقيب كذلك بنقل عملياتها من جزر كايمان إلى سويسرا.
القطب الجذّاب
أما إيمانيال فرانيار، الخبير في مجال قطاع الخدمات، والأستاذ بالمدرسة العليا للتصرف بفريبورغ، فيعتقد أن قرار بعض الشركات نقل أنشطتها إلى سويسرا يعود كذلك إلى الخبرة السويسرية المتراكمة في قطاع الخدمات، خاصة في كل من جنيف وزوغ.
ويقول هذا الخبير متحدثا إلى swissinfo.ch أن “جنيف هي القطب الجذّاب الجديد بالنسبة لليد العاملة ذات الكفاءة العالية في مجال قطاع الخدمات”. وبالنسبة له “أي شركة تمتلك خطة بعيدة المدى لابد أن تأخذ في الاعتبار سهولة الوصول إلى اليد العاملة الكفأة، بالإضافة إلى البنى الأخرى المساعدة كالخدمات القانونية”.
كذلك يعتقد فرانيار أن المنعرج السياسي الأخير الذي شهدته الولايات المتحدة قد يكون في مصلحة سويسرا. ففي 2 نوفمبر 2010، فاز الجمهوريون بالأغلبية في مجلس النواب الأمريكي، وسبقت انتخابات مجلس الشيوخ حملة قوية قام بها “حزب الشاي”، وهي حركة محافظة متشددة تقع على يمين الجمهوريين.
ويضيف هذا الخبير: “وجدت الشركات نفسها فجأة في مواجهة حركة شعبوية، ينذر المستقبل بأنها سوف تترك أثرها على الإدارة المهنية والمستقرة للشؤون في البلاد”، و في مقابل ذلك “تبدو سويسرا قطبا جذابا يتميّز بالإستقرار المالي والسياسي”.
إزدهار قطاع التأمينات
أدت الضغوط السياسية والقواعد المنظمة الجديدة لقطاع الأعمال والتي تتميّز بالتشدد إلى النيل من جاذبية بيرمودا، بإعتبارها المركز التقليدي لشركات إعادة التأمين. ونتيجة لذلك أعلنت شركة Allied World الشهر الماضي أنها سوف ترحل مقرّها من بيرمودا إلى زيورخ.
كذلك أعربت كل من شركة ACE Group وAmlin Re البريطانية، وCatlin Group عن نيتها جميعها بنقل جزء من أنشطتها أو كل أنشطتها من بيرمودا وجزر كايمان إلى زيورخ. وقبل سنتيْن أعلنت كذلك شركة Paris Re أنها سوف تدمج الأنشطة التي تقوم بها آنذاك في بيرمودا في الأنشطة التي يقوم بها فرعها في سويسرا.
ورغم أن بعض شركات التأمين الأخرى تنوي الإبقاء على خدماتها الحالية في بيرمودا، يعتقد المراقبون أن تلك الانشطة سوف تتحول إلى مجرد أنشطة مُلحقة بعملياتها المنظمة في سويسرا، وهو ما من شأنه أن يحميها في المستقبل من هجمة الإدارة الأمريكية بفضل ما توصلت إليه سويسرا من اتفاقيات لمنع الإزدواج الضريبي مع العديد من البلدان المتقدمة.
أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة KPMG حول الضريبة على الشركات الأجنبية أنه على الرغم من الأزمة الاقتصادية، فإن المعدّل الضريبي الأعلى في سويسرا قد نزل من 25.44% سنة 2009 إلى 24.99% سنة 2010.
في المقابل ارتفعت الضريبة غير المباشرة مثل الضريبة على القيمة المضافة من 15.41% إلى 15.61%.
وتسعى سويسرا منذ 4 سنوات لجذب الشركات العالمية عبر تقديم معدلات ضريبية تفضيلية لها.
وتحاول مختلف الكانتونات السويسرية التي تتمتع بحرية كبيرة في تحديد المعدل الضريبي تقديم الإمتيازات الممكنة لها لكي تكون المستضيفة للمقار الاوروبية للشركات العالمية الكبرى.
وأظهرت مقارنة أجريت اخيرا أن معدلات الضريبة الخاصة بالشركات تتراوح 12.5% و24.5% وذلك تبعا للكانتون الذي يوجد فيه مقر هذه الشركات. كما كشفت الدراسة أن المعدل الضريبي الأدنى يوجد بفي انتوني أبنزل وأوبفالدن، في المقابل يوجد المعدّل الضريبي الأعلى في جنيف.
على المستوى الإجمالي، نجد أن المعدّل الضريبي العام إذا ما أخذنا بعين الاعتبار كل الكانتونات في نفس الوقت هو 18.8% مقابل 40% في الولايات المتحدة، و33% في فرنسا، و29.4% في ألمانيا، و28% في بريطانيا، و17% في سنغفورة، و12.5% في أيرلندا.
شهدت سويسرا خلال السنوات الأخيرة قدوم عدة شركات عالمية مثل Kraft المصنعة للمواد الغذائية، و Ebay، و Procter & Gamble, Microsoft، وDow Chemicals and Google. وكل هذه الشركات إمّا أنشأت مقارها في سويسرا، وإما وسعت من انشطتها وحضورها فيها.
ف يالمقابل، يُمارس النّظام الضريبي السويسري القائم على المنافسة ضغوطا على الدول المجاورة، مما جعله محط انتقاد من بلدان الإتحاد الأوروبي. وتنظر بروكسل إلى هذه الممارسة على أنها انتهاك لبنود اتفاق التبادل التجاري الحر الموقع بين سويسرا والسوق الأوروبية المشتركة سنة 1972، لكن سويسرا ترد بنفي ذلك، وقد تحولت المسألة إلى موضوع جدل مستمر منذ 18 شهرا.
(نقله من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.