مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

يوناس لوشر يتخذ من تونس مسرحا لروايته “ربيع البربر”

مشهد من مسرحية "ربيع البربر" خلال عرضها في سانت - غالن بسويسرا في عام 2015. وفي الصورة (على اليمين) يوناس لوشر، مخرج هذا العمل الفني. youtube/Mélanie Moser

استأثرت رواية الكاتب السويسري يوناس لوشر "ربيع البربر" «Frühling der Barbaren » الصادرة أخيرا في ترجمتها العربية، باهتمام مشوب بالاستغراب لدى التونسيين.

وإذا كانت تونس الإطار المكاني للرواية وثورتُها الربيعية سياقها الزمني، فإن الرواية لا تتحدث عن تونس ولا عن ثورات الربيع العربي، مثلما يُصرُ المؤلف على أن يُردِد أمام الجمهور الذي التقاه على مدى أسبوع في كل من جامعة منوبة والمعهد العالي للغات بتونس ومكتبة “فارنهايت” Fahrenheit بضاحية قرطاج وفي مدينة قابس (جنوب) التي لا تبعد كثيرا عن مطماطة مسرح الرواية.

خمسون شابا

كتب لوشر روايته لكي يُدين الأثرياء الأغبياء إذ صور مجموعة من الشباب المنتمين لأسر شديدة الثراء غادروا مدينة ليفربول البريطانية في اتجاه الصحراء التونسية ليقضوا إجازة صاخبة معجونة باللعب والرقص والجنس والعراء ومآدب الأكل والشرب، بمناسبة الاحتفال بزفاف أحدهم. كانوا خمسين شابا بريطانيا وسويسريا من الكفاءات العليا في قطاعات مختلفة يُراوح سنهم بين الخامسة والعشرين والثلاثين.

بطل الرواية هو برايزينغ وريث المصانع السويسرية التي تحمل اسم عائلته بريكسينغ”، وتدور أحداثها أثناء رحلة سياحية تلبية لدعوة إلى قضاء أسبوع في صحبة رجل أعمال تونسي هو سليم مالوخ وابنته سعيدة التي تدير منتجعا سياحيا ترتاده الطبقة الموسرة من السياح الأجانب، وهو يقع في واحة “تشوب” إحدى واحات الجنوب التونسي القريبة من مناطق البربر.

وتقترب أجواء الرواية من التصورات والتمثلات التي يحملها عادة المستشرقون عن الشرق عامة، والعالم العربي خاصة. فلوشر الذي لم يسبق له أن زار تونس فتق خياله فأنتج قصة بديعة تدور أحداثها في ذاك المنتجع السياحي… الخيالي. وفي تلك الأجواء تبدأ الاستعدادات لحفل زفاف اثنين من شباب الانكليز الموسرين هما مارك وكيلي ويلتحق بهما أصدقاؤهما من لندن العاملون في مجال الأعمال أو البزنس، ليقيموا احتفالات أسطورية محاولين تجسيد الصور التي تخيلوها من خلال قراءتهم عن عوالم الشرق السحرية وروايات ألف ليلة وليلة.

يوناس لوشر في سطور

* ولد في بيرن سنة 1976 وعمل مدرسا في المعاهد قبل أن ينصرف إلى صناعة الأفلام السينمائية في ألمانيا سنة 2005، ثم درس الفلسفة في ميونيخ وبعد تخرجه عمل محررا أدبيا ثم باحثا في معهد العلوم والتكنولوجيا في ميونيخ.

* درس مادة “علم الأخلاق” في جامعة ميونيخ وحاضر عن الأدب المقارن قبل أن يعمل استاذا محاضرا في جامعة ستانفورد خلال عامي 2012 و2013.

* حصل على عدة جوائز عن روايته الأولى “ربيع البربر” وعُرف بتناوله للقضايا السياسية والاجتماعية في كتاباته الروائية.

يُصور الروائي أحد العريسين الذي يتميز بالذكاء الشديد بينما يرسم بورتري لوالده المصرفي الذي يملك مصرف Londonian Bank. ويمضي الروائي في وصف البناءات ذات الطابع المعماري الخاص في الجنوب التونسي، مُشيرا إلى قضايا اجتماعية مثل النزوح من الريف إلى المدن. وفي المقابل يُصور المنتجع السياحي الراقي الذي يتردد عليه السياح، كما يتعرض للفارق المناخي بين بريطانيا والصحراء التونسية، مما كان يُجبر بعضهم على اللوذ بالخيام. ويمكن القول إن تجمُع كل تلك الكوادر الاقتصادية العليا في مكان واحد بعيدا عن مركز عملهم يدل على أنهم زائدون عن الحاجة، وأن الجهاز المصرفي يمكن أن يعمل من دونهم.

ولكن في نهاية الرواية ينزل خبر جللٌ كالصاعقة على الجميع، مفاده أن رئيس وزراء بريطانيا أعلن إفلاس البنوك البريطانية، وهذا الخبر يعني خسارة العريسين ثروتيهما، بينما كانا اقترضا أموالا طائلة لإقامة حفل الزفاف في الصحراء التونسية. حتى بطاقة السحب المصرفي صارت غير صالحة، فيما هما مطالبان بدفع 600 ألف دينار تونسي (270 ألف فرنك). في هذا المناخ المشحون عمت الفوضى، فلجأ المُعرسون لأكل “اللبلابي” وهو طبق يقوم على تغلية الحمص في الماء، مع استخدام رغيف “الطابونة” (الفُرن) المحلي. لكن شقيق أحد العروسين عمد إلى كسر البراد واستولى على قنينات الجعة المُخزنة فيه، بل ذهب إلى حد ذبح جمل لأكل لحمه مشويا، بعدما اعتدى على الحارس وقتل الكلبة التي كانت تحمي المكان.

جدل حول “البرابرة”

قبل التعرض إلى المضمون توقف المُحاورون التونسيون الذين ناقشوا الروائي عند العنوان “ربيع البرابرة”، متسائلين مثلما فعلت الناقدة والصحفية جليلة حفصية، لماذا أتى النصف الأول (الربيع) في قالب مدح لريادة الثورة التونسية، بينما أتى الثاني تهكما على البرابرة، وهم السكان القدامى لشمال أفريقيا؟ عزا المؤلف هذا الخطأ في العنوان إلى الترجمة التي تمت في مصر، إذ التبست الأمور على المترجمين فخلطوا بين التوحش أو الهمجية La barbarie وهو ما قصدهُ، وسكان شمال أفريقيا البربر Les Berbères الذين يُحبون أن يتسموا بـ”الأمازيغ”.

مقطع من الرواية

كانوا يتبادلون النكات في الحانة، ثم يختفون. وفي خيامهم المكيفة كانوا يُصدرون التعليمات إلى الخدم بكل ثقة أو يتجولون بين النخيل. ويطلقون اللعنات وهم يبحثون عن وضع أفضل لاستقبال المكالمات على هواتف “بلاك بيري” التي حملوها معهم، إذ تُحتم عليهم رواتبهم أن يكونوا متاحين في كل زمان ومكان. تعجب برايزينغ من تحمُل الوضع المالي في لندن غياب خمسين من الكفاءات الشابة دفعة واحدة، إلا أنه فكر أنه لم يعد بالامكان إنقاذ شيء واختار هؤلاء أن ينجوا بأنفسهم في هذا المكان.

وأوضح أن المعنى الأول لعبارة La barbarie ارتبط في ذهنه منذ الصغر بالنظام النازي. ومضى يوناس لوشر شارحا “الشباب البريطانيون هم البرابرة أو المُتوحشون، ولم يبدأ توحشهم مع فقدان الثروة بل قبل ذلك في رحم النظام المصرفي البريطاني والعالمي الفاقد للقيم الانسانية”.

وأضاف أن الشطر الربيعي من العنوان مُستوحى فعلا من الربيع التونسي، وهو تعبير يوحي بالتفاؤل والسعادة. وكتب المؤلف في المقدمة التي وضعها للطبعة العربية أن بطل الرواية رجل الأعمال السويسري برايزينغ “يُصرُ على لعب دور المراقب دائما حتى وإن كان شاهدا على أحداث درامية، ولا يتخذ قرارا ولا يبادر إلى الفعل ولو مرة واحدة.

ربما هناك من ينتقد هذا الموقف تجاه العالم بوصفه موقفا سويسريا صرف. ويبدو لي أن هؤلاء “البرايزينغ” موجودون في كل مكان في جميع المجتمعات. عدم الفعل هو موضوع هذا الكتاب. إنه أحد الأعراض المرضية لعصرنا هذا”. 

غلاف الترجمة العربية لرواية “ربيع البربر” للكاتب السويسري يوناس لوشر. null

زائدون عن الحاجة

وسألت swissinfo.ch الروائي لوشر عن تاريخ انطلاق كتابة الرواية ومدى تأثره بالثورة التونسية، فأجاب بأنه شرع في تحريرها قبل اندلاع الانتفاضة في ديسمبر 2010 في محافظة سيدي بوزيد، ولما أنهى كتابة الفصل الثاني تفجرت الثورة فلم يستطع تجاهلها، مُعلقا “لو تجاهلتُها لكنت كاتبا سيئا”. وأضاف “هذا ليس كتابا عن تلك الثورة، فدورُها في الرواية صغير، أما الواحة التي وصفتها فهي خيالية ويمكن أن تكون موجودة في أي بلد”.

بهذا المعنى يتضح أن الفكرة الجوهرية التي أراد الروائي إيصالها هي أن هؤلاء الأثرياء ينزعون أقنعتهم كلما فقدوا ثروتهم وتعطل النظام المصرفي والاقتصادي الذي يسبحون فيه. إنه خط رفيع يفصل بين الحالتين المتضادتين. وبتعبير آخر فإن الروائي ينزع القناع عن العولمة أو الكوننة Globalisation من خلال هذه القصة الخيالية.

وشرح لوشر لـswissinfo.ch أنه قام بتشريح وتشخيص شبيهين بما يفعله الطبيب الجراح. وأوضح أن العينة التي أخذها تشمل فئات اجتماعية عديدة من العمال في الفندق الفخم والخدم إلى الأثرياء البريطانيين إلى الفقراء البريطانيين أيضا… من أجل فهم آليات العولمة وما تؤدي إليه من توحش. وردا على سؤال عن كتابه المقبل، وهو الذي سيسافر إلى الولايات المتحدة أستاذا زائرا في جامعة كاليفورنيا، ذكر لوشر بالفيلسوف الفرنسي فولتير الذي كتب “كانديد” قائلا “كتابي الجديد هو كانديد في سيليكون فالاي، وسيُنشر في مفتتح الموسم الثقافي والأدبي الجديد”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية