السويسريون أبطال في إدارة الثروات والأموال.. وفي إتلافها أيضا!
شهدت تونس يوم 23 أكتوبر 2011 تنظيم أوّل انتخابات حرة ونزيهة في تاريخها، وهو ما يفتح الباب لإنطلاق عهد سياسي جديد، وانتعاشة اقتصادية منتظرة في هذا البلد الذي ظل تحت الحكم الفردي منذ 130 سنة.
لكن مظاهر القطع مع الماضي اتخذت أشكالا عدة خلال الأشهر الماضية. ومن ذلك اعتماد أوراق نقدية جديدة، وإتلاف أخرى قديمة كانت تذكّر مستعمليها بنظام الحكم البائد.
عملية الإتلاف هذه أوكلت إلى Hunkeler System، وهي شركة خدمات سويسرية متخصصة في هذا المجال يوجد مقرها الرئيسي في كانتون لوتسرن، وتنشط عبر القارات المتباعدة.
اختيار هذه المؤسسة السويسرية من دون غيرها لتنفيذ هذا المشروع، يبرهن بحسب باسكال روبود المسؤول عن مشروعات هذه الشركة في العديد من بلدان أوروبا الغربية وشمال إفريقيا على أن “التكنولوجيا السويسرية تتمتع بسمعة حسنة، وتجد رواجا وإقبالا كبيريْن في الخارج”.
ويضيف روبود في حديث إلى swissinfo.ch بشأن هذا المشروع: “يعود هذا الإختيار في جزء منه للعلاقات المتينة التي أصبحت تربط بين تونس وسويسرا بعد ثورة 14 يناير، وكذلك المعاملات الكثيرة بين البنوك التونسية والساحة المالية السويسرية بجنيف”.
ورغم أن الشائع هو أن السويسريين أبطال في إدارة الثروات، وإدخار الأموال، إلا أن هذا المشروع يكشف أنهم أصحاب كفاءة ومقدرة في إتلافها أيضا. ولإلقاء مزيد من الأضواء على هذا المشروع، تحدثت swissinfo.ch إلى باسكال روبود.
swissinfo.ch: في ما يتمثل هذا المشروع، وكم سيستغرق من وقت؟
باسكال روبود: يتمثل المشروع في تقديم حلول تقنية متطوّرة لإتلاف الأوراق النقدية المتخلّى عنها. ولقد وفّر قرار السلطات التونسية أخيرا التخلي عن الورقة المالية من صنف 20 دينار التي كانت مستعملة من قبل لكونها تحمل عبارات تذكّر بنظام الحكم السابق، المزيد من العمل لشركتنا هناك. هذا العمل الذي نتكفّل به في تونس ليس محدودا في الزمن، فالأوراق النقدية في سويسرا أو في تونس أو في أي بلد آخر لديها عمر افتراضي يتراوح بين 3 و4 سنوات، بعد ذلك يقع اتلاف تلك الأموال، وهذه العملية مستمرة ومن دون توقف.
ما هي طبيعة التكنولوجيا المستخدمة في هذه العملية؟
باسكال روبود: هي تقنية متطوّرة تستخدم آلات أرسلت إلى مقر البنك المركزي التونسي في الصيف الماضي. تقوم هذه الآلات بتحويل الأوراق النقدية التي يراد إتلافها إلى أجزاء صغيرة جدا، ثم يقوم لاحقا نظام آخر بجمعها ورسّها في شكل قطع صلبة مستطيلة، يتم حرقها في مرحلة أخيرة.
أليس بالإمكان إعادة تدوير المواد المتبقية من تلك الأوراق النقدية المتلفة؟
باسكال روبود: في هذه الأوراق الكثير من المواد الثمينة، وحاليا لا نستطيع للأسف إعادة تدوير تلك المواد، والتي من بينها الحبر الذي هو على درجة عالية من الجودة، وأيضا القطن، والألمنيوم، ومواد أخرى… هذه المواد كلّها ممزوجة في الورقة، وليس متاحا الآن فصلها عن بعضها البعض، لذلك الحل المتاح هو حرقها.
ألم يكن بالإمكان تصوّر قيام شركة اخرى متخصصة في مجال إعادة التدوير بمعالجة تلك المواد؟
باسكال روبود: ليس هناك تفكير فعلي وجاد حتى الآن في هذا المجال، ثم علينا ألا ننسى أن جزءً مهمّا من تلك المواد يتعرّض بدوره إلى الإتلاف لأن تلك الأوراق تجزّأ إلى جزيئات صغيرة جدا، فلا يبقى من تلك المواد ما يصلح لإعادة التشكل والتركيب من جديد.
ألا يدلّ اختيار شركتكم لإنجاز هذه المهمة على وجود إقبال في الخارج على التكنولوجيا السويسرية ذات السمعة الجيّدة؟
باسكال روبود: أعتقد أن التكنولوجيا السويسرية المعروفة بالدقة والأداء العالي تحظى في الخارج بالثقة، وقد يكون لها دور في اختيارنا، لكن هذا الإختيار تم في إطار مناقصة عامة وبمشاركة شركات عالمية أخرى، ولذلك لعب العرض الذي تقدمنا به وخاصة التكلفة المنضبطة لهذا المشروع دورا رئيسيا في وقوع الاختيار علينا.
هل لديكم فكرة حول حضور الشركات السويسرية في مجال الأعمال في تونس؟
باسكال روبود: بالتأكيد هناك شركات سويسرية ذات إشعاع دولي نشطة في تونس على سبيل الذكر فقط نجد Bobst، ونيستلي، كما يوجد ميزان تجاري هام بين البلديْن. وما يساعد على هذا التعاون الإقتصادي ربما هو اليد العاملة التونسية الكفأة، والإستخدام الواسع للغة الفرنسية في تونس وفي سويسرا.
هل وفّر الربيع العربي مزيدا من الفرص الإستثمارية للشركات السويسرية في البلدان التي شهدت تغييرات ؟
باسكال روبود: أعتقد أن هذا صحيح، رغم أنه علينا أن ننتظر بعض الوقت. بالنسبة لتونس، الوضع، ومقارنة بمصر وليبيا، يتجه نحو الاستقرار: كانت هناك انتخابات يوم 23 أكتوبر، وهم بصدد انشاء مجلس تأسيسي سيتكفّل بوضع دستور جديد للبلاد، وهناك تعطّش شعبي للديمقراطية، وهذا سينعكس إيجابا على النشاط الاقتصادي، وهو ما سيشجّع المموّلين والشركات السويسرية على الإستثمار في تونس.
تقدّم الشركة السويسرية Henkeler system حلولا متميّزة تحتاجها البنوك المركزية في العديد من المناطق في العالم بما في ذلك البلدان الإفريقية والبلدان الشرق أوسطية، وفي ما يلي وصف لمراحل إتلاف الأوراق النقدية:
التغذية الورقية: يمكن القيام بالتغذية الورقية يدويا أو بواسطة جهاز الحزام الناقل الذي يحيل تلك الأوراق إلى آلية التقطيع. لنقل الاجزاء المقطعة لمسافة أطول من الضروري استخدام نظام النقل المرتفع مثل آلة المروحية. هذه العملية تولد تدفق الهواء اللازم لنقل النفايات من خلال نظام من الأنابيب لكي تتم قولبتها في النهاية في شكل مستطيلات وأجزاء صلبة.
التمزيق والتقطيع: حزمات كاملة من العملات الورقية يتم تقطيعها إلى اجزاء صغيرة جدا عبر آلية شديدة الفعالية والإحكام.
التصغير: المصغّر يقلل حجم المواد لتصبح جزيئات صغيرة تلبي متطلبات السلامة المطلوبة.
عملية الفصل: يتم الحصول على الجسيمات الصغيرة التي تحولت إليها الأوراق النقدية من نظام النقل المرتفع ليتم قولبتها ضمن المجسمات الصلبة ذات الشكل المستطيل.
تصفية الهواء من الغبار: يقوم نظام خاص بتنقية الهواء من الغبار، والذي يتحوّل عن طريق ضغط الهواء المتولّد عن سرعة النقل المرتفع إلى آلة تقولبه في شكل مستطيلات صلبة.
القولبة: من خلال هذه العملية يتم رص الجسيمات التي تحوّلت إليها الأوراق النقدية بعد تقطيعها، لتتحوّل إلى قوالب ذات كثافة عالية وهائلة.
وطبعا بعد عملية القولبة هذه يتم التخلص من هذه المخلفات عبر حرقها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.