“نكتة الإنتخابات المصرية”
اتفقت كل الصحف السويسرية على أن الإنتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر هذا الأسبوع كانت مجرد "مسرحية هزلية" مثيرة للسخرية، وأشارت العديد منها إلى غياب المنافسة وأجواء القمع المُصاحبة للإنتخابات ومحاولات الحشد رغم أن نجاح الرئيس المصري معروف سلفا.
صحيفة لوتسرنر تسايتونغ، 27 مارس 2018: “حملة ترويع غير مسبوقة ضد الصحافة المحلية والأجنبية”
“لم ير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حاجة لعقد أي مؤتمرات انتخابية لشرح برنامجه، بل اكتفى الموالون بتنظيم حفلات صاخبة في الشوارع. من جهة أخرى مر رجال الشرطة وأمن الدولة على مئات المحال التجارية في الأسابيع الأخيرة ووزعوا نسخا من ملصقات حملة السيسي الإنتخابية”.
“على الرغم من الفوز المؤكد للسيسي فهناك حملة ترويع غير مسبوقة ضد الصحافة المحلية والأجنبية. السيسي أكد خلال خطاب تلفزيوني أن أي انتقاد للجيش أو الشرطة خيانة عظمى. أما من يمتنع عن التصويت في الانتخابات فإنه يعرض أمن الأمة للخطر. من جهة أخرى تم تفعيل خط ساخن، ليتمكن المواطنون من الإبلاغ عن أي تقارير صحفية تضر بصورة مصر. المدعي العام نبيل صادق قال إن وسائل الاعلام الاجنبية “قوى شر” وتنشر أكاذيب لتدمير النظام العام وترويع المجتمع. لا عجب إذن أن المناخ في البلاد يهيمن عليه الخوف والملاحقة والعداء، فعلى كل صحفي أو أي شخص يتحدث لوسائل الإعلام أن يخشى الانتقام”.
صحيفة تاغس أنتسايغر، 28 مارس 2018: “المهزلة الإنتخابية”
صحفية مصرية تعيش في الخارج: “هذه الانتخابات المزعومة هي أكثر الأمور التي حققها ديكتاتورنا إثارة للسخرية: الوضع خارج عن السيطرة، الحياة في مصر تزداد سوءا كل يوم. الوضع أسوأ حالاً من مبارك وهذا بالطبع لا يعني أنني أتمنى عودة مبارك. لا أريد أن أختار بين الطاعون والكوليرا”
عاطف بطرس، باحث أكاديمي: “تشن الحكومة حملات اعتقالات جماعية للمشتبه فيهم ، الكثير من المعتقلين يبدأون في تبني الفكر المتطرف في السجون. أي أنه يتم زرع الإرهاب تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. هذا النظام لا يُحارب الإرهاب بل ينتج الإرهابيين. المسيحيون في مصر ما يزالون هدفاً للهجمات الإرهابية. لذا من المفارقة أن معظم الأقباط يؤيّدون النظام. إنهم يرون السيسي كحاميهم ومنقذهم من العنف الإسلامي. وراء هذه الفكرة تقف الكنيسة كمؤسسة تحشد الأقباط. الكنيسة تدعم الديكتاتورية العسكرية بدلا من أن تناضل من أجل الديمقراطية وحقوق الأقباط كمواطنين. كل الأنظمة حاولت استغلال المسيحيين.”
صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ، 27 مارس 2018: “مسرحية ببطل واحد”
“الإنتخابات الرئاسية هي مسرحية ببطل واحد. يبدو أن عقارب الساعة عادت إلى عهد الفرعون حسني مبارك. مبارك دعا الشعب المصري خلال الثلاثين سنة من حكمه أربع مرات، ولم يُسمح سوى مرة واحدة لمرشح معارض بمنازلته. بعد الإطاحة بمبارك في عام 2011، عقدت أول انتخابات حرة في تاريخ مصر. ووصل محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين في جولة الإعادة إلى الرئاسة، لكن سرعان ما تبين أن حكومته غير كفؤة ومنحازة عقائديًا، ومرة أخرى خرج المصريون إلى الشوارع. في النهاية، عزل الجيش مرسي وتحوّل وزير دفاعه السابق السيسي إلى الحاكم الجديد على ضفاف النيل”.
“لا مكان للمخالفين”
أما الصحف السويسرية الناطقة بالفرنسية، فاقتصرت في تغطيتها للإنتخابات الرئاسية المصرية، على نشر مقتطفات من برقيات وكالات الأنباء العالمية أو مقالات قليلة لمراسلين مُتواجدين على عين المكان. في عددها الصادر يوم السبت 24 مارس 2018، نشرت صحيفة “لوتون” تحت عنوان “مهزلةُ انتخاباتٍ في مصر” تقريرا بعث به إيريك دو لافاران وناديا بلاتري من القاهرة رسم صورة عن أجواء السخط وانزياح الأوهام في بلد أصبحت الحياة اليومية فيه مشُوبة بـ “الإفقار والقمع” تحت حكم الجنرال السيسي.
في مكتبه الأنيق المُزدان بصور عمه، الرئيس السابق الذي اغتيل في عام 1981، صرح محمد أنور السادات للمُراسليْن: “لا مكان لأولئك الذين يتحدثون لغة أخرى مُغايرة للنظام الحاكم”، وأضاف هذا المرشح الرئاسي الذي انسحب قبل أسابيع من خوض الانتخابات التي دارت من 26 إلى 28 مارس الجاري “لقد كانت هناك ضغوطات، فعلى سبيل المثال رفض السماح لنا بتنظيم ندوات صحفية أو اجتماعات في الفنادق. في العديد من المحافظات، كما تعرّض بعض أنصاري للترهيب وتم تهديد عائلاتهم ووظائفهم بشكل مباشر”.
في التقرير الذي نشرته الصحيفة التي تصدر بالفرنسية في لوزان، أشار كل من دو لافاران وبلاتري إلى أن “الماريشال السابق نجح خلال أربعة أعوام من الحكم في إسكات كل الأصوات المخالفة ووضع بذلك حدا للقوس الثوري الذي انفتح في يناير 2011 على خطى الربيع التونسي”، كما نقلا عن منظمة هيومن رايتس ووتش أرقاما تفيد بأن “حوالي 60 ألف معارض سياسي يقبعون في زنزانات النظام التي تحول فيها التعذيب إلى أداة قمع دائمة”، وبأنه “سُجّل منذ عام 2013 اختفاء اكثر من 1200 شخص، اختطفوا بالتأكيد من طرف قوات الأمن”.
في نفس المراسلة، صرحت فتاة مصرية اسمها جانيت (21 عاما) للصحفيين أنها لن تذهب – رغم الخوف من القمع – للإدلاء بصوتها وقالت إن الجو السياسي يثير “امتعاضها” مضيفة أن “الرئيس السيسي احتكر المجال السياسي لفائدته. فذهابي للتصويت من عدمه لن يصلح لشيء”. من جهة أخرى، لفتت الطالبة التي تدرس في كلية الآداب إلى أن غياب الحرية والقمع يقترنان حسب رأيها بخيبة اقتصادية مؤكدة أن “شابا في سن العشرين لم يعد يرى له أي مستقبل”.
في المقابل، التقى المراسلان مُؤيّدين للحكومة قالوا لهما – في إشارة للافتات العملاقة المزدانة بصور الرئيس المرشح التي غزت شوارع القاهرة والمدن الكبرى في البلاد – على لسان بائع ملابس يقف أمام دكانه: “شاهدوا كيف يحب الشعب رئيسنا”، مضيفا أن “سكان الحي هم الذين دفعوا من أجل تعليق هذه اللافتات”، لكن شيئا من التدقيق كان كافيا ليُؤكّـد العديدُ من التجار الآخرين أنهم “تعرضوا لضغوط من أجل القيام بتركيب هذه اللوحات واللافتات”.
“لاعبٌ وحيد في الميدان”
في عددها الصادر يوم 26 مارس 2018، نشرت صحيفة “لاتريبون دو جنيف” مراسلة بعث بها فرانسوا هوما – فركاتادجي من القاهرة نقل فيها على لسان أستاذ جامعي يُدرس العلوم السياسية أنه “في عهد مبارك، كانت الدعابة تتمثل في القول بأن الوضع يُشبه مقابلة في كرة القدم بين فريقين، لكن الرئيس كان اللاعب الوحيد الذي يحق له تسجيل أهداف، أما اليوم، وللقيام بنفس التشبيه، فسنقول عوضا عن ذلك إنها مقابلة ولكن بلاعب وحيد على الميدان هو السيسي”.
مراسل الصحيفة الصادرة بالفرنسية في جنيف التقى بمحمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحرياترابط خارجي الذي قال (في إشارة إلى الاستبعاد الممنهج الذي قامت به السلطات في شهر يناير الماضي لجميع الشخصيات المرشحة لخوض الانتخابات الرئاسية ومن بينهم رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق والفريق سامي عنان، رئيس الأركان للقوات المسلحة سابقا): “لم نكن ننتظر حصول هذا المستوى من القمع، ولا أن يمسّ بالخصوص هذه النوعية من الشخصيات”. وأضاف محمد لطفي أن “السلطات لم تحاول الحفاظ على المظاهر فيما يتعلق بالإنتقال إلى الديمقراطية أو بانتخابات تتسم بقدر من الحرية. إنه من المُحبط جدا رؤية انتخابات تجري في هذا السياق، حيث تتم مهاجمة المرشحين الذين كان بإمكانهم التصرف بطريقة بوجود شيء من التنافس”.
من جهة أخرى، نقلت الصحيفة على لسان دبلوماسي فرنسي يعمل في القاهرة أن “السيسي يُدير البلد كثكنة دون أن يُعير أي اهتمام للسياسية أو للدبلوماسية”، وأشارت إلى أن “كل الرؤوس التي تتجاوز تتعرض للعقاب فورا، كما أن الصحافة يجب أن ترضخ للأوامر”، ولفتت إلى أن الأسابيع الأخيرة شهدت تعرض ثمانية عشر صحافيا للاعتقال من بينهم معتز ودنان (مراسل هافينغتون بوست عربيرابط خارجي)، الذي تم اختطافه (يوم 16 فبراير 2018) من طرف الشرطة، ثم تعذيبه بالصعق الكهربائي في مركز تابع للأمن الوطني (مباحث أمن الدولة سابقا)”، حسبما أوضح محاميه عزت غنيم الذي تعرض بدوره للإيقاف والتعنيف من طرف قوات الأمن بعد أيام قليلة من إدلائه بهذه التصريحات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.