مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصحراء الإفريقية والشرق أوسطية توفِّـر طاقة المستقبل لأوروبا

swissinfo.ch

إنتاج كميات كبيرة من الطاقة الشمسية من صحراء إفريقيا ومن ثَمَّ تصديرها إلى أوروبا وشمال إفريقيا، هذه الرؤيا تلاحِـق الفيزيائي المُتقاعد غيرهارد كني Gerhard Knies منذ عشرين عاماً، حيث يقول في لقاء مع swissinfo.ch بأنّ الصحارى هي أكبَر مَصدَر للطّـاقة غير المُستغلة.

وقد كان الفيزيائي المُختصّ في عِـلم فيزياء الجسيمات، من المُتحمّـسين لعملية الانشطار النووي، ولكن كارثة تشيرنوبيل، التي حدثت في عام 1986، جعلته يُـعيد النظر في هذه المسألة.

ويقول كني، البالغ من العمر 72 عاماً: “إن عصر الوقود الأحفوري يجب أن يَنتهي في النصف الأول من هذا القرن”، ويُضيف: “قد يكون من المُمكِن إنقاذ البيئة عن طريق التحوّل السريع والجِـذري لمصادر نظيفة ولا تَنضَب من الطاقة”.

والوقود الأحفوري، هو وقود يتم استعماله لإنتاج الطاقة الأحفورية، ويشمل الفحم الحجري والفحم النفطي الأسود والغاز الطبيعي والبترول، والتي تُـستخرج جميعها عن طريق الحفر من باطن الأرض، وتحترق في الهواء مع غاز الأكسجين لإنتاج الحرارة.

وتعتمد مواد الاحتراق الأحفورية على مركبات عنصر الكربون، وعند احتراق هذا الأخير مع غاز الأكسجين، تنبعث طاقة على شكل حرارة، إضافة إلى إنبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ومواد كيميائية أخرى كأكسيد النيتروجين والسُّخام.

ويعد الوقود الأحفوري من العوامل الرئيسية لتلوث الهواء والتسبب في الاحتباس الحراري النّـاتج بدوره عن غازات تُـغلّف المجال الجوي وتمنع الانعكاس الحراري الصّـادر من الأرض من الإنتقال إلى خارج الكوكب، مُـسبباً ارتفاعا في درجات حرارة الأرض وزيادة في التصحّـر والجفاف.

وبعد أن أدرك المُختصّـون خطورة هذا الوقود، أخذوا يبحثون عن طاقات إستراتيجية بديله ومُتجدِّدة ولا تنضب خلال فترة طويلة من الزمن عند استعمالها، بل تتجدد باستمرار، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية.

swissinfo.ch: منذ سنوات وأنت تؤمن بهذا المشروع الخاص بك، على الرغم من الإنتقادات والتكاليف الباهظة، لماذا؟

غيرهارد كني: يُنفِـق الناس الكثير من الأموال ليَستردوا صحتهم قبل موتهم، ولَرُبّـما سيكون هذا هو الحال مع كوكبنا أيضاً في وقتٍ قريب، حيث نواجه تحدِّيات التَغيرات المَناخية والزيادة السكانية.

إن سكان العالم في طريقهم إلى بلوغ 10 مليار شخص. هذا النمو السكاني يجب أن يتوقف، ويتم ذلك إما عن طريق الأزمات والكوارث الكبيرة أو عن طريق خلق الإزدهار والرخاء لهذا العدد الكبير من الأفراد. إن الرخاء يوقف النمُـو السكاني، أمّا الفقر فيزيد منه، ولكن الرخاء يتطلب طاقات إضافية.

ولغاية الآن، فإن أكبر مَصدر من مصادر الطاقة والأقل استغلالاً في نفس الوقت، هي صَحاري الأرض. وتَتلَقى هذه الصحاري في غضون أسبوعين كمية من الطاقة الشمسية تُعادل الطاقة المُتضَمنة المعروفة والمُخَمنة في جميع مخزونات النفط!

ماذا تقول للمُشكِكين، بما في ذلك شركات الكهرباء الذين يَشُكّـون في الإنتاجية؟

غيرهارد كني: هذه الأموال يجب أن تُنفق في جميع الأحوال، حيث يجب بناء مَحطات جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية دائماً. نحن نُريد إستبدال محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالوقود، بمحطاتٍ أخرى تعمل بدون وقود.

إذن، فنحن نَستبدِل شراء النفط بِبِناء المُنشآت. يُمكن لأسعارالنفط والغاز أن ترتفع ارتفاعا كبيراً في أي وقت. أما القروض المَصرفية، فهي معروفة ومُحدّدة واحتسابها واضح، وبعد عشرين عاماً، يكون القرض قد سُدِّد، كما تكون المُنشآت التي تمّ بناؤها مُستمرة في عَملها، مما سيجعل الكهرباء أرخَـص سعراً.

مع ذلك، فإن الطاقة المُستَمدة من البيئة (وتسمى أيضاً الطاقة الخضراء)، هي أكثر تكلفة على المدى القصير..

غيرهارد كني: الطاقة ليست مجرّد سِـلعة. وإذا ما افتُـقدت الطاقة، ستتعطل القُدرة على الأداء في المجتمع، ومن هذا المُنطَلق، فإنّ قيمة الطاقة ليست عِـبارة عن قيمة “سلعة” فقط.

إنَّ النتائج المُترَتَبة عن توليد الطاقة من أجل المناخ لن تكون مشمولة في قيمة السلعة. وتبدو مصادر الطاقة الأحفورية، كالنفط، رخيصة لأن باستطاعتها “الإفلات” بشكل رخيص جدا من هذا الموضوع، بسبب عدم دفعِها للأضرار التي تُسببها. أما مصادر الطاقة المُتجدِّدة، فلا تسبب الأضرار، ولكن عليها أن تتنافس في السوق مع الوقود الأحفوري، هذا هو فخّ الإقتصاد

أنتم متحمِّـسون كثيراً لهذا المشروع. هل سَبَق أن راودكم الشكّ حول الجدوى؟

غيرهارد كني: من الناحية التِقَنية، فالمشروع قابِل للتطبيق، وهذا مُثبَت. فهناك بالفعل مثل هذه المُنشآت التي تعمل منذ 20 عاماً في مناطق أخرى من العالم، (هذا النوع من محطات الطاقة الشمسية موجود حاليا في صحراء “موجيف” بولاية كاليفورنيا، وكذلك في جنوب شرق إسبانيا). هنا، لا توجد أي “مُقامرة” لإبتكار تكنولوجي، ولكنها مجرد “لعبة جماعية جديدة” من أوروبا مع شمال إفريقيا، وهذا التعاون يجب أن يَتطوّر الآن.

هل يعني هذا أن هذه المُنشأة لن تقوم بإيصال الكهرباء لأوروبا فقط، بل لشمال إفريقيا أيضاً؟

غيرهارد كني: نعم. نحن ننطلق من الحاجة الى الطاقة وكيفية تطويرها في المستقبل. ووفقاً لحساباتِنا، يحتاج شمال إفريقيا في المستقبل من ثلاث إلى أربع مرات أكثر من حاجياته الحالية في مجال الطاقة. ومع مشروعنا هذا، يُمكن توفير هذه الكمية من الطاقة اللاّزمة. إنها مسألة إستثمار.

وبغض النظر، يمكن الاستثمار في المُنشآت التي تقوم بالتصدير إلى أوروبا. يمكن حدوث الأمرين بصورة متوازية، حيث لا يوجد هناك ما يُعَرقِل ذلك. وحين يبدأ الأوروبيون بالإستثمار في هذا المَجال، سَيكسب سكان شمال إفريقيا المزيد من الثِقة في التكنولوجيا الأوروبية.

ما هي القيمة المُضافة لشمال إفريقيا؟

غيرهارد كني: بالإمكان بناء 90% من منشآت تجميع الطاقة الشمسية هناك مباشرةً. وسيتم بناء محطّـات توليد الكهرباء بواسطة العُمال المَحليين، بالإضافة إلى إنشاء شركات لتصنيع وتوريد الزجاج والمعادن وغيرها من المكوِّنات، كما أنّ المزيد من التطوير التكنولوجي، هو مَنظور حَضَري ونواة لعملية التصنيع في المنطقة. وسيكون للنمو الاقتصادي المُرتبط بهذا المشروع، أثر في تحقيق الاستقرار.

وبالنسبة لي، لا يوجد هناك منتوج صناعي معروف نقوم بشرائه من شمال إفريقيا، وسيكون الكهرباء أول منتوجٍ يُصنع في شمال إفريقيا بصورة أفضل من أوروبا، ذلك أنّ الشمس تشِعُّ بكثافةٍ أكبر ولمدةٍ أطول في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بالمقارنة مع أوروبا.

إن محطات توليد الطاقة الحرارية الشمسية، هي تَدَخّـل على النظام البيئي للصحراء، كيف ستَتِم عملية إدامة هذه المحطات؟

غيرهارد كني: إنَّ ما نحتاجه من المساحة الإجمالية للصحراء، لا يتعدى واحد أو أثنين في الألف، وهو قليل جداً.

ماذا يحدث لو عَطَّل الإرهابيون خطّ الطاقة إلى أوروبا

غيرهارد كني: لن يكون هناك خط واحد، بل حوالي 20 أو 30 خطاً، كما أن قُدرة هذه الخطوط مَحدودة لأسباب فنية. ويُمكن إغلاق أي خط في أي وقت، وبالتالي، فإن هناك عملية تِـكرار، ويمكن نقل الطاقة الكهربائية عن طريق خطوط أُخرى في حالة عدم مرور هذه الطاقة من خطّ مُعيّـن، نتيجة إغلاقه.

ما هو ردّ فعل حكومات شمال إفريقيا على هذا المشروع؟

غيرهارد كني: إنهم مُهتمّـون جدا. سأذهب بعد أيام قليلة إلى المغرب، فقد قامت الحكومة المغربية بتوجيه الدّعوة لي لرغبتهم في الحصول على معلوماتٍ حول المشروع وفُرص المشاركة فيه.

أجرى الحوار أندرياس كايزر – رورشاخ – swissinfo.ch

يعيش غيرهارد كني في هامبورغ (ألمانيا). وقد قام في يوم 7 و8 من شهر سبتمبر 2009، بتقديم رؤيته أمام مؤتمر مجموعة التفكير (أو Think Tank) الألمانية (التي تبين لعملائها إتجاهات الأسواق في السنوات العشرة المُقبِلة) والمسماة forward2business”” (إلى الأمام للعمل) في سويسرا.

يترأس غيرهارد كني “مؤسسة ديزرتيك”، (وهو مشروع يسعى لتوليد الطاقة الشمسية الحرارية من الصحارى الإفريقية وإيصالها إلى أوروبا ودول شمال إفريقيا)، وهو مُقترح من قِبل مؤسسة ديزرتيك، ويعمل تحت رعاية نادي روما (نادي أبحاث إيطالي يضمّ مجموعة من الخبراء الذين يقترحون الحلول للمشكلات العالمية).

من المتوقّـع أن يأخذ المشروع أشكالاً ملموسة في شهر نوفمبر القادم من خلال تأسيس شَرِكَة مُسَاهِمَة.

تقف وراء هذا المشروع عدّة شركات، مثل شركة “مونخَنر روك” Münchener Rück، وهي أكبر شركة تأمين وإعادة تأمين في العالم، والمجموعة السويسرية “اي بي بي” ABB (وهي شركة متعددة الجنسيات مقرها في زيورخ، يرتكز نشاطها أساساً في الوقت الحالي على إنتاج المعدّات الكهربائية والآلات الصناعية والأنظمة المُتعلقة بها ولها ريادة عالمية في تقنيات الطاقة والتشغيل الآلي للتكنولوجيا)، والمجموعة الألمانية للطاقة “سيمنز” Siemens (هي شركة ألمانية متخصّـصة في مجال الأدوات الكهربائية والهندسية الحديثة)، وشركة RWE (وهي شركة قطاع عام ألمانية للطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي)، وشركة EON (وهي واحدة من أكبر شركات الطاقة والغاز في العالم والمملوكة للمستثمرين)، بالإضافة إلى البنك الألماني وشركة الطاقة المُستمدة من البيئة Abengoa الإسبانية.

هو مشروع صحراوي يخطّـط لبناء شبكة ضخمة ومتصلة من منشآت الطاقة الحرارية الشمسية في صحراء شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

سوف تتألف هذه المنشآت من شبكة ضخمة متّـصلة من المرايا والتي تصطف الواحدة بجانب الأخرى على امتداد عدة كيلومترات.

وتتبع هذه المرايا، ذات الشكل الأسطواني والمكافئ، مسار الشمس، وتقوم بعكس الضوء الصادر عنها إلى أنابيب مَملوءة بزيت صناعي خاص.

كنتيجة لهذه الحرارة، يسخن الزيت إلى 400 درجة مئوية، حيث يقوم بتسخين قنوات تتدفّـق فيها المياه، ونتيجة لتبخر هذه المياه، تُشَغَل هذه التوربينات، التي تقوم بدورها بتوليد الطاقة الكهربائية في نهاية المطاف.

وعلى العكس من الكهرباء، التي يتم توليده بواسطة الخلايا الضوئية، يمكن لهذه المنشآت (التي تعتمد على الطاقة الشمسية الحرارية) أن تقوم بانتاج الطاقة الكهربائية جزئياً خلال الليل أيضاً.

ويتم نقل هذه الطاقة الكهربائية إلى أوروبا عبر خطوط كهرباء للضّـغط العالي والتي تمتدّ على طول قاع البحر الأبيض المتوسط.

swissinfo.ch

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية