البرلمان يعطي الضوء الأخضر للتحوّل إلى الطاقة المتجددة
وافق البرلمان السويسري بغرفتيه على الحزمة الأولى من الإجراءات المتعلقة باستراتيجية الطاقة لعام 2050 التي ترمي إلى التخلي عن الطاقة النووية وتعزيز مختلف أشكال الطاقة المتجددة، لكنه في نفس الوقت خفّض سقف الطموحات التي حددتها الحكومة في البداية.
استغرق الأمر سنتين من المناقشات، وفي نهاية المطاف تمكنت الحزمة الأولى من استراتيجية الطاقة 2050 – الملف الكبير الذي يقضي بإعادة النظر في قانون الطاقة والقوانين الفدرالية الأخرى – من إقناع أغلبية الأعضاء في غرفتيْ البرلمان، وبعد مصادقة مجلس النواب، فصل مجلس الشيوخ، يوم 26 سبتمبر الماضي، في آخر ما تبقى من خلافات، ووضع الأسس لتحول كبير في سياسة الطاقة في سويسرا.
يشار إلى أنه في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية في عام 2011، تمّ رسم توجه جديد للاستراتيجية الوطنية للطاقة، يقضي على وجه الخصوص بالإغلاق التدريجي لمحطات الطاقة النووية المنتشرة في أنحاء البلاد، وبالنهوض بمختلف أنواع الطاقة المتجددة (الرياح والشمس والمياه والنفايات)، بالإضافة إلى الحد من استهلاك الطاقة وتجديد شبكات الكهرباء.
محطات الطاقة النووية
كما كانت تتوقع الحكومة، أيّد البرلمان مشروع التخلي عن الطاقة النووية، وبخلاف المبادرة الشعبية لحزب الخضر التي تدعو إلى تعطيل محطات الطاقة النووية في غضون 45 سنة، اعتمد المجلس التشريعي بغرفتيه سياسة الخروج على مراحل، دون تحديد فترة زمنية، باعتبار أن إغلاق محطات تعمل بأمان، وفقا للغالبية من اليمين في مجلس النواب، هو سابق لأوانه ولا داعي له في الوقت الراهن.
المحطة النووية الوحيدة التي تقرر مصيرها، هي محطة “موهليبرغ Mühleberg”، الواقعة على بعد بضعة كيلومترات من العاصمة برن، التي تعمل منذ عام 1972، وتديرها شركة برن للكهرباء “BKW”، والتي أعلنت، قبل بضعة أشهر، عن أن وجود المحطة لم يعد مجديا، وسيتم الاستغناء عنها في عام 2019.
المزيد
مفاعلات سويسرا النووية الخمس
الطاقة المتجددة
لتعويض الطاقة النووية، يلزم زيادة إنتاج مصادر الطاقة المتجددة (من دون الطاقة الكهرومائية) ليصل بحلول 2035 إلى ما لا يقل عن 11400 غيغاواط، بينما هو الآن 3000 غيغاواط، وبالتالي ارتأت غرفتا البرلمان تخفيض سقف الإنتاج الذي كانت تقترحه وتأمل به الحكومة والذي هو 14500 غيغاواط.
وهذا يعني أن الحذر الذي سبق لليمين الإعلان عنه قد تغلّب على طموحات الأقلية من الاشتراكيين والخضر، التي كانت تتطلع إلى سقف إنتاج أعلى يحقق ضمانا أكبر لسد الاحتياج، وبهذا الشأن صرح النائب الليبرالي الراديكالي اليميني كريستيان فاسرفالن الأسبوع الماضي قائلا: “علينا أن نضع أهدافا معقولة وقابلة للتحقيق، لا سيما وأن هذه الكميات من الطاقة لم تُنتَج بعد”.
بيد أن سويسرا ستواصل جهودها لتشجيع انتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، علما بأن الحكومة قد استحدثت في عام 2009 ما يسمى “تعويض تكلفة الإنتاج” كوسيلة تضمن لمنتجي الطاقة الخضراء تغذية شبكة الكهرباء بسعر أعلى من سعر السوق بما يؤمّن لهم الفرق بين تكلفة الإنتاج والسعر المتداول، ويتم تمويل ذلك عن طريق الضريبة على استهلاك الكهرباء التي يدفعها جميع المستهلكين، والتي هي حاليا 1,5 سنت لكل كيلو واط ساعة، ومن المفروض أن تزيد تدريجيا إلى أن تبلغ 2,3 سنتا.
محطات الطاقة الكهرومائية
المزيد
البدائل المتاحة أمام سويسرا لتعويض الطاقة النووية
الطاقة المائية أو الكهرومائية هي أيضا ضمن مصادر الطاقة المتجددة والتي تدخل ضمن المشروع الجديد، وهي توفر اليوم حوالي 55٪ من الكهرباء المنتجة في سويسرا، غير أن المحطات الكبيرة لتوليد الطاقة المائية تمر بصعوبات بسبب انخفاض أسعار الكهرباء، بينما تكاليف الإنتاج هي، في الوقت الراهن، أعلى من سعر السوق.
كجزء من استراتيجية الطاقة، قرر البرلمان أيضا دعم المنشآت الكبيرة (أكثر من 10 ميغاواط) بمنحها 1 سنت لكل كيلوواط ساعة لمدة تصل إلى ست سنوات، وقد ادّعت قوى اليمين بأنها لن تكون مجدية لكنها لم تُفلح في منعها.
الطاقة المتجددة والمناظر الطبيعية
من ناحية أخرى، تمكن اليمين من جعل الأولوية لصالح تطوير مصادر الطاقة المتجددة في مقابل حماية البيئة، ومستقبلا، سيكون بالإمكان إنشاء محطات توليد طاقة كهرومائية ومزارع رياح، من باب المصلحة الوطنية، حتى في المناطق المحمية، وبذلك يكون البرلمان قد وضع حدا للاعتراضات التي قد تأتي من قبل منظمات المحافظة على البيئية وحماية الطبيعة.
الاستهلاك وكفاءة الطاقة
وفي نهاية المطاف، أقر أعضاء البرلمان تخفيض متوسط استهلاك الفرد من الطاقة، وذلك بحلول عام 2035، إلى نسبة 43٪ مقارنة بعام 2000، وتخفيض استهلاك الكهرباء بنسبة 13٪، ولبلوغ الهدف، سيتم دعم الصندوق الخاص بإعادة تأهيل المباني – المموّل من ضريبة غاز ثاني أكسيد الكربون المطبقة على الوقود الأحفوري – بمبلغ يتراوح قدره بين 300-450 مليون فرنك.
الكلمة الأخيرة للشعب؟
من السابق لأوانه التأكيد على أن سويسرا أعطت الضوء الأخضر، بشكل نهائي، لمسار التحول إلى الطاقة النظيفة، ذلك أن المرحلة الأولى من استراتيجية الطاقة – التي يفترض لها أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2018 – لا تزال في انتظار التصويت النهائي، والذي سيتم في اليوم الأخير من الدورة البرلمانية الخريفية (سبتمبر 30)، وعلى الرغم من كون المسألة في العادة شكلية، إلا أنه من غير المستبعد أن تحمل مفاجئات، وفق تحذير المراقبين.
ومن ثم هناك احتمال أن يُفتح باب النقاش من جديد، في حال ما أطلق استفتاء شعبي، فعلى موقعها على الإنترنت، أعلنت المنظمة الصغيرة “تحالف الطاقة” عن نيتها خوض غمار هذه التجربة وفقا لمبدأ الديمقراطية المباشرة، وحددت شهر أكتوبر، على حد قولها، كموعد للبدء في جمع التوقيعات.
غير أن الأمر يعتمد بشكل كبير على دعم الأحزاب اليمينية الكبيرة، كحزب الشعب أو الحزب الليبرالي الراديكالي، التي صرّحت قائلة بأنها تنتظر معرفة رد فعل الأوساط الإقتصادية، ومن المرجّح، في حال وجود استفتاء، أن تكون دعوة الشعب السويسري إلى صناديق الاقتراع في عام 2017.
على كل حال، من المؤكد أن يكون مشوار ملف مستقبل الطاقة في سويسرا طويلا، واعتبارا من الدورة القادمة، سيشرع البرلمان الفدرالي بغرفتيه في مناقشة المرحلة الثانية من استراتيجية الطاقة، التي تطمح إلى إجراء تعديل قانوني يسمح بفرض ضريبة على من يتسبب في التلوث أو يُكثر من استهلاك الطاقة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.