الفرنك القوي يُعيد الشركات السويسرية إلى نقطة البداية
بعد قرار المصرف الوطني السويسري إلغاء سِعر الصرف الأدْنى للفرنك مقابل اليورو، بدأت بالنسبة لمُعظم الشركات مرحلة جديدة يسودُها قلقٌ كبير، بسبب فقدان القُدرة على المنافسة وإلغاء هامش الربح وإعادة الهيكلة. في حين أن الإرتفاع الكبير في سِعر الفرنك، لا يطال الصادرات وحدها.
الأكيد، أن يوم الخميس 15 يناير 2015، سيظل، ولأمد طويل، منقوشا في ذاكرة السجلات المحاسبية للعديد من الشركات والمؤسسات الإقتصادية السويسرية، التي مضت عليها سنين وهي تُعاني من مُعضلة الفرنك القوي.
“كُـنا نتوقع أن يتخلّى المصرف الوطنيرابط خارجي عاجلا أم آجلا عن سِعر الصرف الأدنى للفرنك مقابل اليورو، ولكن كان أملنا أن تكون الأمور أخفّ وطْـأة، يعني أن ينزل سِعر اليورو إلى حدود 1,15 من الفرنك، وليس أكثر من ذلك بكثير، ولم يكُن يخطُر ببالِنا أن نصحى يوم 15 يناير ونجِد بأن سعريْ العملتيْن قد أصبحا متساويين، وأن تجد الشركات نفسها مرة أخرى واقعة تحت ضغط كبير جدا”، مثلما قال متحسِّرا ماركوس سبويري، الرئيس التنفيذي لشركة “س.ت.س سيستيم تيكنيك شانيز STS Systemtechnik Schänisرابط خارجي“، المتخصصة في صناعة الأقفال للأبواب الخشبية والمعدنية .
هذه الشركة، التي يوجد مقرّها في سانت – غالن ولديْها 74 موظفا، تُـصدِّر ما يقرب من ثلث منتجاتها إلى السوق الأوروبية، وقد بدأت مباشرة بعد قرار المصرف الوطني السويسري، بمراجعة كافة حساباتها وبرامجها لعام 2015، وفيما يتوقّع ماركوس سبويري أن تكون شركته قد خسِرت حتى الآن حوالي 10٪ من أرباحها، يرى أن عليها أن تستعد لـ “مزيد من التضحيات”.
نُقطة الصفر
سبويري أضاف قائلا: “وعندما هبط سِعر اليورو مقابل الفرنك من 1,56 في عام 2008 إلى 1,20 في عام 2011، اضطررنا إلى تكثيف جهودنا من أجل التغلُّب على هذا الخلل في سِعر الصرف، فقُمنا بتحسين المنتجات وخفْض التكاليف وزيادة الطاقة الإنتاجية واختزال مراحل الإنتاج، إلى أن أصبحنا بظنِّنا قادرين على تحقيق هامِش مُعيَّن من الرّبح، لكن حاليا، تبخّرت كل هذه الجهود، ووجدنا أنفسنا قد عُدنا إلى نقطة الصفر، وعلينا أن نُعاود كل شيء من جديد”.
ومن الجدير بالذكر، أن الصناعة السويسرية التي تمكّنت من التعافي رُويْدا رُويْدا من الأزمة الاقتصادية والمالية، التي لا زالت تُـؤرق الدول الأوروبية منذ سبعة أعوام، بلغت قيمة صادراتها في العام الماضي 208 مليار فرنك، مُتجاوزة بذلك، ولأول مرة، المُستوى القياسي الذي سبق وأن سجّلته في عام 2008، فيما يُتوقّـع لعام 2015 أن يكون عاما صعْبا للغاية.
وعلى ذات الصعيد، أشار ماركوس سبويري إلى أن زلزال السياسة النقدية لم يضرب مَبيعات الخارج فحسب، مُشيرا إلى أن “المُعاناة لم تطَـل الصادرات لوحدها، وإنما هناك العديد من الشركات الأجنبية التي تسعى للإستِحواذ على حصّة ما في السوق السويسرية، مما يجعل مُنتجاتنا تتعرّض إلى ضغْط كبير في سوقِنا المحلّي أيضا، باعتبار أن تلك الشركات حازت الآن على مِيزة سِعرية تتراوح ما بين 10 و15٪، من دون أن تقوم بأي جُهد”.
إحدى دعائم الاقتصاد
ومن بين المخاوف الحالية، أن يكون لارتفاع قيمة الفرنك السويسري تأثير بالِغ الخطورة بشكل خاص على الصناعات الميكانيكية والكهربائية والمعدنية، التي تُصارع من أجل البقاء منذ سبعينات القرن الماضي، إثر الأزمة الإقتصادية واستِفحال المُنافسة الآسيوية المُتنامية، التي استولت على معظم الصناعات الثقيلة وعلى إنتاج الجُملة في الصناعات الميكانيكية والمعدنية.
في الأثناء، يُشار إلى أن صناعة الآلات والمعادِن تمكّنت من خلال التركيز على الإبتكار التكنولوجي وتطوير منتجات ذات جودة عالية، مثل السبائك المعدنية وماكينات التصنيع والميكانيكا الدقيقة وقِطع السيارات، من إيجاد منافِذ جديدة وأن تظلّ إحدى دعائم الإقتصاد السويسري، حيث لا زالت تُشغّل نحو 10٪ من السكان النشطين في بلدٍ تُهيمن عليه الخدمات، أي ما يُعادل 59٪ من مجموع العاملين في القطاع الصناعي بشكلٍ عام، لكن الإرتفاع الكبير في سِعر صرف الفرنك مقابل اليورو، جاء مع ذلك في وقت حسّاس، خاصة بالنسبة للشركات الصغرى والمتوسطة.
وفي نفس السياق، قال إيفو زيمّرمان، المتحدّث باسم المنظمة المِهنية “سويس ميم Swissmem “: “إن صناعة الآلات والمعادِن تُصدِّر 80٪ من منتجاتها، وإن نسبة 60٪ منها تذهب إلى أوروبا، وقد تأثَّـر هذا القطاع بأكملِه تقريبا، بإلغاء الحد الأدنى لسعر الصرف، وإننا نُواجه منذ سنوات نمُوا اقتصاديا ضعيفا على مستوى أسواقِنا الرئيسية، وأولها السوق الأوروبية”، وممّا يزيد في ضبابية هذا القطاع أيضا، وضع مبادرة الحدّ من الهجرة (التي وافق عليها الناخبون يوم 9 فبراير 2014) موضع التنفيذ، الأمر الذي من الممكن أن يُعيق تدفّق العَمَالة الأجنبية الماهِرة ويهدِّد حزمة الإتفاقيات الثنائية المبرمة مع الإتحاد الأوروبي.
الفرنك القوي
منذ عام 2008، عزّزت أزمة مِنطقة اليورو الطلب على الفرنك السويسري في الأسواق الدولية، وبالتالي، ارتفعت قيمة الفرنك على مدى السنوات السبع الماضية، بنسبة 35٪ مقابل اليورو.
في سبتمبر 2011، تدخّل المصرف الوطني السويسري لمعاكسة هذا الإتّجاه، وقرر جعل سِعر الصّرف ثابِتا عند 1,20 فرنك لليورو الواحد.
لضمان هذا الحدّ الأدنى، كان لِزاما على المصرف الوطني السويسري أن يزيد احتِياطاته من النقد الأجنبي بشكلٍ كبير. وفي نهاية عام 2014، بلغت قيمة هذه الإحتياطات 500 مليار فرنك، أي ما يقارِب قيمة الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا.
في 15 يناير 2015، وبعد ضغوط مكثّفة على الأسواق المالية، أعلن المصرف الوطني السويسري عن إلغاء الحدّ الأدنى للصرف، وعلى الفور، نزل سعر صرف اليورو ليتساوى مع سِعر الفرنك، وخلال الأيام القليلة الماضية، تعزّزت مكانة اليورو قليلا، فوصل إلى 1,05 فرنك.
جدَل بين الشركاء الإجتماعيين
في أواخر يناير 2015، تقدّمت “سويس ميم Swissmemرابط خارجي“، المنظمة التي تضمّ في عضويتها قُرابة ألف شركة، إلى السلطات بلائِحة تتضمّن جُملة من المطالِب الكفيلة بالحِفاظ على القُدرة التنافسية للقطاع، ومن ضِمنها المطالبة بالتمسك بالإتفاقيات الثنائية والتّسريع في إنجاز الإصلاح الضريبي للمؤسسات وانضمام سويسرا إلى اتفاقيات التّجارة الحرّةرابط خارجي، التي تجري المفاوضات بشأنها بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واعتماد استراتيجية الطاقة لعام 2050، التي تحدّ من تكاليف الطاقة.
ومن جهة أخرى، فتح الفرنك القوي جَبهة جديدة من السِّجال بين الشركاء الاجتماعيين، إثر بدء أعضاء اليمِين السياسي وبعض المنظمات الاقتصادية، في مطالبة الحكومة باتِّخاذ تدابير عاجِلة لتحرير سوق العَمل ومُناقشة خفْض الأجُور ومسائِل أخرى. وبعد تعرّضه للضغوط، أعلن وزير الاقتصاد يوهانس شنايدر أمّان، عن إجراءٍ ملموس واحد فقط حتى هذه اللحظة ، يتمثَّل في إعادة اعتِماد بدلات العمل بدوام جُزئي، ممّا سيُتيح الفرصة أمام الشركات لتعويض الانخِفاض المؤقّت في نشاطها وتجنّب تسريح العمّال.
إلا أن القليل من الشركات مَن قامت باتِّخاذ خطوات بهذا الاتِّجاه، وبحسب مسْح أجراه مصرف كريدي سويس رابط خارجيفي أواخر يناير 2015، تعتزِم 70٪ من الشركات الصغيرة والمتوسِّطة الحجْم في الوقت الراهن، مواجهة الفرنك القوي عن طريق التفاوُض مع المُوردين على تخفيضات في أسْعار الشراء، وترغب 16٪ من الشركات إعطاء خصومات للعملاء، بينما تدرس 14٪ من الشركات إمكانية الارتِحال أو تجميد الاستثمارات والتوظيف.
صدْمة الفرنك
ومن جانبه، قال جوزيف موزار، رئيس مجموعة “فريزا Fraisaرابط خارجي” التي تنتج أدوات قِطع وشغْل المعادن: “لسْنا أمام صدمة الطلبات، ولكنها صدمة الفرنك، وبالتالي، فإن تخفيض عدد الموظفين وتفعيل العمل بالدّوام الجزئي، ليست حلاّ بالنسبة لأغلب الشركات، وحينما يُوجد طلب، فليس من أحد يقبل أن يُضيّع فُرصة الحصول على طلبيات”، وتابع موزار قائلا: “من ناحيتنا، إذا استمرّ سِعر الفرنك معادِلا لسِعر اليورو خلال الأشهر القادمة، فسنحدّ من نشاطنا في سويسرا، ونزيد نشاطنا في الخارج، حيث يوجد أكثر من نِصف العاملين لدينا”.
وبالفعل، سبق للمجموعة الصناعية، التي توظف 520 شخصا وتتّخذ من كانتون سولوتورن مقرّا لها، أن قدّرت منذ بِضع سنوات احتمالية ارتفاع قيمة الفرنك، فقامت بنقْل الكثير من أنشطتها الإنتاجية إلى فروع افتتحتها في ألمانيا وإيطاليا والمجرّ والولايات المتحدة، وأبقت في سويسرا وبشكل خاص، على صناعة الابتِكار والأتمتة، وفي نفس الوقت، تحسّبت شركة “فريزا Fraisa” للخطوة التي قام بها المصرف الوطني، فأمّنت نفسها ضد الإرتفاع المُحتمل في سِعر صرف الفرنك.
ومع ذلك، قد لا تكون كلّ تلك الإحتياطات كافية، وِفقا لجوزيف موزار، الذي أضاف أن “الذي يُؤرق أكثر من التعادُل بين العُملتيْن، هو عدَم الإطمِئنان إلى سِعر الفرنك مستقبلا، لأن هذا المسار أصبح يعتمد أقلّ فأقل على الحركة التجارية بين سويسرا والبلدان الأخرى، بينما يعتمِد أكثر فأكثر على التدفّقات النقدية، فلو حصلت غدا أزمة اقتصادية جديدة في منطقة اليورو، فسيهرع الجميع إلى شراء الفرنك من جديد، وحيث أنه من المتعذّر التنبُّـؤ بوقت قدوم هذه الأزمة، فإن من الصَّعب جدا على الشركات أن تُبرمِج أنشطتها وتنتج في سويسرا”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.