“الفساد لا يمكن أن يكون من المواضيع المحرمة”
"محاربة الفساد بدلاً من التغاضي أو غـضّ البصر عنه!".. هذا ما يوصي به الخُبراء العاملون في وكالات الإغاثة السويسرية وفي مجال التعاون من أجل التنمية. ومن الممكن أن يُساهم دليل جديد للإرشاد أعدته منظمات وخبراء بتقديم المساعدة الثمينة المطلوبة للتّـعامل مع هذه القضية الحسّـاسة.
لابدّ أن تجذب حالات الفساد الإنتباه!! فقد تَصَدرت وكالة الإغاثة الخيرية “كاريتاس” Caritas (وهي عبارة عن إتحاد يضم 162 مُنظمة كاثوليكية سويسرية للإغاثة والتنمية ومُنظمات الخِدمة الإجتماعية، التي تعمل في أكثر من 200 بلداً وإقليماً في جميع أنحاء العالم، من أجل بناء عالمٍ أفضل، لاسيما بالنسبة للفقراء والمظلومين) عناوين الصّـحف عند مُشاركتها في عمليات إعادة الإعمار، في أعقاب التسونامي (زلزال المحيط الهندي الذي وقع يوم 26 ديسمبر 2004 والذي قُـدِّر بـ 9 درجات على مقياس ريختر، وأدّى إلى مقتل 300,000 شخص تقريباً) بسبب قيام شركتيْـن إندونيسيتيْـن بِحَجزِ حوالي 150،000 فرنك لرشوة السلطات الحكومية.
كذلك، تعرضَت وكالة الإغاثة “هيكس” Heks (وهي وكالة تابعة للكنائس البروتستانتية السويسرية ويوجد مقرهّا الرئيسي في زيورخ، بالإضافة إلى مكتب للقسم الفرنسي لسويسرا في لوزان) قبل عام، للإنتقاد بِسبب عملية اختلاس أيضاً، حيث قام أحد مُنسّـقي المشاريع التابعة لها في النيجر بإختلاس ما يقرب من مليون فرنك سويسري.
هذه الحالات معزولة، ولكن الحقيقة هي أن وكالات المَعُـونة والإغاثة، تعمل في كثير من الأحيان في بيئاتٍ فاسدة وفي كثير من البلدان، التي تَعتَبر عمليات الفساد والرّشوة والمَحسوبية، “تعاملاً طبيعياً” وجُزءً من الحياة اليومية. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تُشَجِّـع الأموال المُقَدَّمة للإغاثة مثل هذه الهياكل في بعض الظروف.
وحول هذا الموضوع، تقول آن شفوبل من منظمة “الشفافية الدولية – سويسرا”، المُختصة بمكافحة الفساد: “لقد كانت هذه القضية تُعتَبَر من المُحرّمات (أو التابوهات) لفترة طويلة”. وتضيف: “والآن، تشعر وكالات الإغاثة والمُنظمات غير الحكومية، بأن عليها أن تفعل شيئا حيال ذلك”. فمن ناحية، يحُـول الفساد دُون التطوير الكفء للعمل المشترك. ومن ناحية أخرى، تؤدي عمليات الفساد هذه إلى تقويض المِصداقية.
وفي اجتماع المُنظمات غير الحكومية، الذي انعقد مؤخراً في العاصمة السويسرية برن، كان الموضوع المَطروح يَـدور حول الإجراءات التي يُمكِـن أن تتّـخذها هذه المُنظمات لمُـكافحة الفساد.
وقد قامت منظمة “الشفافية الدولية – سويسرا” ومنظمة “خُـبز للجميع” العاملة في مجال المساعدة من أجل التنمية بالتعاون معاً، لتطوير دليل يضُمّ نصائِح وإرشادات، لِمكافحة عمليات الفساد هذه.
ومن ضِـمن هذه الإرشادات، تَوصية بإقامة أماكن للمُبَلِّـغين عن عملياتِ الفساد. وتشرح شفوبل قائلة: “إذا ما شَكّ أحدُ العاملين بقيام شخصٍ ما ِبُممارسة عمليةِ رشوةٍ أو أيّ نوعٍ آخر من عمليات الفساد، فَسوف يحتاج إلى نِظامِ إبلاغٍ يُمكِـن الوصول إليه بسهولة”.
ماذا لو استُخدِمت الرّشاوى من أجل إنقاذ الأرواح؟
ومن أجل تفادي الوصول إلى ِمثل هذه الحالة، يَنبغي لمُنظمات الإغاثة تَحديد قواعد اللعب، مع أَخذ “المنطقة الرَمادية” بعين الإعتبار. فعلى سبيل المثال، يجب أن تكون نوعِـية الهدايا التي يُمكن للموظفين قَـبولها أو لا، واضحة في مُدوّنة لقواعِـد السلوك.
ولا يُخفي دليل الإرشادات، إمكانية الوصول الى مأزق أو حالات مُعَقّـدة في الواقع. ويوصي الدليل بإثارة هذه المواقف والتصدّي لها في حالة حدوثها.
ويقول فرانسوا مرسيي من منظمة “الخبز للجميع”: “إذا قامت جمعيات خيْـرية بِمَنعِ موظفيها من دفعِ الرشاوى لتسريع العمليات البيروقراطية، لابد من التفكير فيما إذا كانت هناك استثناءات مَسموح بها”.
عدم التخوّف من الأنباء السلبية
كل هذا يرتبِـط بالعِـبء الإداري، وهو يميل بالتالي، إلى أن يكون مُخالفاً لِطلب المانحين بإستثمار كل فرنك سويسري في عمليات الإعانة. ومع ذلك، لا يوجد أدنى شك بالنسبة للخُبراء، أن هذا الأمر يستحِـق كل هذا العَـناء.
ويقول فرانسوا ميرسيي: “إنَّ مُعظم وكالات الإغاثة لا تزال تقِـف عند البداية، غير أنَّ أولئك الذين اتّـخذوا تدابير مُعيّـنة بالفعل، يُنبِّـئون عن تجارِب إيجابية”. وحسب ميرسيي، تقف “كاريتاس بين أولئك المُتقدّمين”. ويضيف بأن وكالة كاريتاس للإغاثة تجاوبت باتخاذ تدابير شاملة للتجارب التي حدثت في إندونيسيا.
وفي حالة تورّط جمعية خيرية في قضيةِ فسادٍ، على الرغم من كلّ التدابير الإحتياطية والإجراءات الوقائية، يَنصح الخُبراء بالقِـيام باتصالاتٍ مُكثفة ونَشطة. ويجب على المُنظمة المَعنية أن تقوم بكشفِ الحقائق للرأي العام ووضعها على الطاولة بنفسها، بدلاً من الإنتظار حتى تكتشِف وسائل الإعلام القضية.
ومما يؤكد صحة هذه التدابير لتَجَنّب وضعٍ غير مُـوات، هو قضية وكالة الإغاثة “هيكس”، التي لم تَتَضَرر من قضية الإختلاس التي تعرضت لها في النيجر، كما لم تُسفِـر هذه القضية عن أي انخفاضٍ في التبرّعات. وتقول آن شفوبَل مُعَلّـقة: “الشفافية تَخلق الثقة”، وتضيف “يجب الإبلاغ عن الإخفاقات أيضاً”.
شارلوت فالتسر – swissinfo.ch وإنفوسود
في سويسرا، يُعاقب الراشي أو المُرتشي بالسِّـجن لفترة تصل إلى خمس سنوات. كذلك، يُعاقب بالسجن أو الغرامة، مَـن يقوم بعرض مِنحة أو ميزة مُعيّـنة على مَـن يَتقلد منصباً أو وظيفة عامة.
في عام 2000، قامت سويسرا بالتصديق على اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية OCDE لمكافحة الفساد في المعاملات التجارية الدولية. وهكذا، أصبحت الرّشوة الإيجابية والسلبية من الموظفين العموميين الأجانب، بالإضافة إلى الرشوة في القطاع الخاص، جريمة يُـعاقِب عليها القانون.
بالإضافة إلى ذلك، قامت سويسرا في عام 2003 بالتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
بوصفها عضوا في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، تؤيِّـد سويسرا أيضا “إعلان باريس” بشأن فعالية العمل المُـشترك للتنمية لعام 2005، الذي يسعى إلى تعزيز مكافحة الفساد وتنسيق إستراتيجيات الدول المانحة.
أخيرا، صادقت سويسرا في عام 2006 على اتفاقية القانون الجنائي لمجلس أوروبا، الخاص بالفساد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.