مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هكذا يعمل عسكريون سويسريون من أجل نزع فتيل التوتّر في الشرق الأوسط

مراقب عسكري سويسري يقوم بمراقبة مرتفعات الجولان في إسرائيل.
يمسح مراقب عسكري سويسري مرتفعات الجولان، التي ضمتها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة، عام 1967. swissinfo.ch

لا تكاد أعمال العنف في الشرق الأوسط تهدأ لتنفجر من جديد، ممّا يجعل مهمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والمتمركزة عند نقاط التماس بين إسرائيل وبلدان عربية مجاورة أكثر خطورةً وتعقيداً.

ولتسليط الضوء على الدور المهم الذي تقوم به سويسرا  في مجال حفظ السلام في منطقة الشرق الأوسط من خلال مساهمتها في تقييم الوضع الأمني، قام فريق سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) بالاطلاع عن كثب على آلية عمل المراقبين العسكريين السويسريين هناك. 

وتُعتَبر مهمة تعزيز السلام على الصعيد الدولي ذات أولوية بالنسبة للجيش السويسري وتنظمها قوانينه العسكرية. ومنذ عام 1990، بدأت سويسرا في إرسال مراقبين عسكريين غير مسلّحين وضباط اتصال للمشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم. وتوضح هذه الخريطة مواقع انتشارهم.

أفريقيا
مواقع انتشار قوات حفظ السلام السويسرية في العالم swissinfo.ch

ويشكّل أربعة عشر ضابطاً سويسرياً، ممّن يحملون رتبة نقيب أو أسمى، جزءاً من هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (يُشار إليها اختصارا بـ”أونتسو” (UNTSO))، وهي أقدم عملية حفظ للسلام تابعة للأمم المتحدة، والتي تحتفل حالياً بالذكرى الـ75 لتأسيسها. كما يتم نشر 153 مراقباً عسكرياً في إسرائيل ولبنان ومصر وسوريا والأردن، حيث يعملون بموجب ولاية تابعة للفصل 6 من نظام الأمم المتحدة بموافقة الأطراف المتنازعة. وقابل فريق سويس إنفو أربعة سويسريين ممن يعملون في حفظ السلام في هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، بما في ذلك قائد البعثة، وتم اللقاء في مقرهم في القدس وعلى هضبة الجولان المحتلة من جانب إسرائيل.

أُنشئت هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة عقب الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948، عندما أعلنت الأمم المتحدة وقف إطلاق النار، وقامت بعد ذلك بإرسال مراقبين عسكريين للإشراف على تطبيق أربع اتفاقيات هدنة بين إسرائيل وجيرانها العرب. ولاحقاً، في عام 1974، تم توقيع اتفاق وقف إطلاق نار جديد بين إسرائيل وسوريا بعد حرب يوم الغفران أو يوم كيبور. وتم بموجب هذا الاتفاق إعلان منطقة منزوعة السلاح على طول الحدود بين الطرفيْن، كما تم تحديد عدد القوات التي يمكن لكل طرف نشرها ضمن الأراضي الواقعة على بعد 25 كيلومتراً من هذه المنطقة. ووضع الاتفاق قيوداً على أنواع الأسلحة التي يمكن للطرفيْن نشرها في هذه الأراضي.

يتم نشر المراقبين العسكريين التابعين لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة على هضبة الجولان لرصد انتهاكات اتفاقية فض الاشتباك في هذه المنطقة. ويقول الرائد السويسري ليفيو رايبر، والذي يعمل قائداً لفريق مراقبي مجموعة الجولان-طبرية، إن هذه الانتهاكات تحدث كل يوم تقريباً. وكثيرا ما يقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بتدريبات في المنطقة، وكذلك القوات السورية المتمركزة على الجانب الآخر.

مهمة خطرة

يتعرض المراقبون العسكريون لخطر الوقوع في مرمى النيران المتبادلة بين الأطراف المتنازعة في المنطقة. وفي شهر أبريل، تم إطلاق صواريخ نحو إسرائيل من كل من سوريا ولبنان. سقط أحد الصواريخ في حقل في هضبة الجولان. لم يؤد هذا الصاروخ إلى وقوع ضحايا، ولكنه كان على مرمى حجر من مكان تواجد المراقبين العسكريين الذين يقومون برصد المنطقة.

كما يتعرّض المراقبون العسكريون لمخاطر أخرى ناتجة مثلاً عن الألغام الأرضية ( أراضي المنطقة مليئة بالذخائر التي لم تنفجر)، والقيادة السيئة للسيارات والآليات من قبل السكان المحليين، ولدغات العقارب. ونذكر هنا، أن ثمانية عشر مراقباً عسكرياً، يعملون لصالح  هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، كانوا قد فقدوا حياتهم أثناء تأدية واجبهم.

السويسريون يتولون المسؤولية

تصرّ هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة على أن مساهمتها في السهر على احترام تنفيذ وقف إطلاق النار والمحافظة عليه، كانت ذات أهمية كبرى في المنطقة. وتعتبر هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة أنها ساهمت أيضاً في إعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة وخلق جو ملائم لعقد مباحثات السلام. وفي شهر ديسمبر من عام 2021، تولى اللواء السويسري باتريك غوشات مهامه كرئيس للبعثة. كانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها تكليف ضابط سويسري بقيادة بعثة حفظ سلام أممية.

وقبل توليه رئاسة  هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة، كان غوشات رئيساً للوفد السويسري المراقب للمنطقة المنزوعة السلاح بين شمال وجنوب كوريا. كما قضى أكثر من عقدين في العمل في مهمة حفظ السلام في يوغوسلافيا السابقة وآسيا، بالإضافة إلى أماكن أخرى من العالم.

 الحيادية السويسرية تسهّل المهمة

انضمت سويسرا إلى الأمم المتحدة في عام 2002 بعد أن أيدت نسبة تبلغ 55% تقريباً من الناخبين السويسريين الإقدام على هذه لخطوة في استفتاء وطني – وتُعتَبر سويسرا البلد الوحيد الذي قام بذلك بناءً على تصويت شعبي. ولم تُقدم سويسرا قِبَل ذلك على اتخاذ القرار بالانضمام خشية المساس بحيادها.

ويقول باتريك غوشات إن المشاركة في الأمم المتحدة قد أتاحت فرصاً لم تكن متوفّرة لسويسرا، “لقد أوجدت هذه المشاركة وسائل أفضل لعرض أفكارنا والدفاع عنها في الأمم المتحدة، خاصة اليوم بعد أن أصبحنا دولة عضوة في مجلس الأمن. في الشرق الأوسط، تبقى حيادية سويسرا مصونة “، وأضاف قائلاً: “عندما بدأت عملي هنا، أصرّت كل من السلطات الإسرائيلية والسورية على احترام مبدأ حيادية الهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة. ولم أتورّع عن القول: “أنا حيادي منذ الولادة”. استخدمت هذه المقولة لإقناع هذه السلطات بأنني كرئيس للبعثة سأحافظ على تلك الحيادية في صياغة التقارير (التي يقدمها المراقبون العسكريون)”.

دور الوساطة

كونها دولة حيادية بتقليد فدرالي عريق ومتجذّر، تقوم سويسرا بشكل دائم بجهود وساطة بين الأطراف المتنازعة. ويتمكن غوشات من القيام بهذه الجهود في الشرق الأوسط، خلال فترة عمله كرئيس للبعثة.

تتواصل إسرائيل ولبنان من خلال المحادثات ثلاثية الأطراف مع منصة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان التي تُعرف باليونيفيل (UNIFIL). وليس لدى إسرائيل وسوريا منصة مماثلة، لذا يقوم غوشات بتبادل الرسائل بين وزراء الخارجية لكل طرف وبين الجنراليْن المسؤوليْن عن احترام اتفاقية فض الاشتباك الموقعة من قبل كلا الجانبيْن في نهاية الحرب الأخيرة بينهما. وبهذه الطريقة، يساهم غوشات في العمل على تهدئة التوترات في منطقة غير مستقرة، كما صرح لـسويس إنفو  في مقره في القدس.

قامت سويس إنفو بزيارة مركز التدريب في طبرية، حيث يقوم المراقبون العسكريون بالاستعداد للانتشار في المنطقة المنزوعة السلاح. في هذا المركز، يشرح الرائد رومان غاغوا، السويسري الجنسية، للمراقبين أنواع الدبابات والطائرات الحربية والمدفعية التي يتوجب عليهم أخذ الحيطة والحذر من مخاطرها في منطقة الجولان، حيث تقوم قوات الدفاع الإسرائيلية بتنفيذ تدريبات بشكل متكرر.

وكان قد سبق لغاغوا أن عمل كمراقب عسكري على هضبة الجولان وكضابط أركان في البعثة الأوروبية لحفظ السلام في البوسنة والهرسك (EUFOR)، ومن ثم في بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS) . وأكمل خدمته العادية في الجيش السويسري كقائد وحدة في المشاة، وهو الآن متخصص في اللغات.

يدرب الضابط السويسري رومان غاغوا المراقبين العسكريين على أنواع الأسلحة التي يجب البحث عنها.
يدرب الضابط السويسري رومان غاغوا المراقبين العسكريين على أنواع الأسلحة التي يجب البحث عنها. swissinfo.ch

بعد لقاء غاغوا في طبرية بالقرب من بحيرة الجليل، قام فريق عملنا بالقيادة صعوداً إلى هضبة الجولان حيث كان الرائد ليفيو ريبر في موقع الخدمة. ومن المعروف أن هضبة الجولان هي قطاع مرتفع من الأرض على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع سوريا. وقد احتلت إسرائيل هذا القطاع خلال الحرب مع سوريا عام 1967 وضمته في وقت لاحق للأراضي المحتلة. وفي حديثه مع سويس إنفو، يتكلم ريبر عن كيفية العمل والعيش في هذا البيئة المعزولة والعالية والعدائية.

آمال السلام

رافق فريق سويس إنفو في هذه الزيارة العقيد السويسري أليكس نويكوم، ضابط الارتباط الرئيسي لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في كل من العاصمة الأردنية عمّان، عاصمة الأردن، وتل أبيب. وهو يلتقي ممثلي السلطات الأردنية والإسرائيلية، والدبلوماسيين والملحقين العسكريين، ومؤسسات الفكر والمؤسسات الأكاديمية، للاطلاع على الوضع في البلدين والتحضير للاجتماعات بين رئيس هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة وممثلي السلطات الأردنية والإسرائيلية. ومن مهام ضابط الارتباط أيضاً متابعة ما يتم بثه وتقديمه في وسائل الإعلام.

المقدم أليكس نيوكوم ، كبير ضباط الاتصال في هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في عمان وتل أبيب.
المقدم أليكس نويكوم ، كبير ضباط الاتصال في هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة في عمان وتل أبيب. swissinfo.ch

وعلى الرغم من ارتفاع وتيرة العنف في المنطقة مؤخراً، يبدي نويكوم تفاؤله بأن السلام ليس بعيد المنال. ويضيف: “عندما تأسست البعثة، كانت هناك أربعة خطوط هدنة. ومنذ ذلك الحين وقعت الأردن ومصر اتفاقيات سلام مع إسرائيل (1974 و1994) ووقعت إسرائيل ولبنان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في عام 2022”. وأضاف نيوكوم “إنها المرة الاولى التي توقع فيها اسرائيل ولبنان اتفاقا. اتمنى أن هذه الاتفاقية بمثابة الخطوة الأولى في تحسين العلاقة بينهما”.

في هذا العام، تحتفل سويسرا بمرور 70 عاماً على عملها في قوات حفظ السلام. في عام 1953، وافقت حكومة سويسرا على إرسال جنود لمراقبة احترام اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرِم بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية على إثر حرب كوريا التي دارت رحاها من عام 1950 حتى عام 1953. وقد مثّل هذا الدور الذي لعبته سويسرا، بداية تعزيز دور السويسريين في المحافظة على السلام من خلال إرسال قوات عسكرية، وأعطى الضوء الأخضر لمشاركة عسكرية للبلاد طويلة الأمد ومستمرة في الدول الأجنبية، خارج إطار عمل الحرس السويسري في الفاتيكان.


ترجمة: جيلان ندا

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية