سويسرا تفتقر للمراكز الكافية لمعالجة ضحايا التعذيب والحروب
غالباً ما يكون اللاجئون الفارون من الدول التي تمزقها الحروب أو تحكمها الأنظمة الدكتاتورية قد عاشوا تجارب فظيعة: مشاهدة أناس يموتون أمام أعينهم، فقدان أفراد من أسرهم، وربما التعرض للتعذيب أو الإغتصاب أيضاً. ولكن، وكما إتضح في ندوة عقدها الصليب الأحمر السويسري مؤخرا في برن، لا يتلقى المهاجرون المصابون بالصدمة العلاج النفسي الكافي في سويسرا.
يعيش في سويسرا اليوم 44,503 لاجئاً تم قبولهم بشكل مؤقت، كما ينتظر 68,395 شخصا الإنتهاء من إجراءات عملية اللجوء. ويأتي هؤلاء من دول مثل سوريا والعراق وأفغانستان وإريتريا والصومال، ما يعني معايشتهم لويلات الحرب أو لتجاوزات نظام حكم دكتاتوري. وبحسب التقديرات، يعاني أكثر من نصف اللاجئين من صدمات نفسية نتيجة التجارب التي كابدوها في بلدانهم أو خلال رحلة فرارهم.
وبسبب ما تعرضوا له، يعاني هؤلاء من العار والشعور بالذنب، ويميلون غالباً للإنطوائية والإرتياب بالآخرين. كما قد يكونوا مصابين بالاكتئاب والقلق ويعانون من إضطرابات النوم ومشاكل في التركيز، والخوف والتهيجية. وفي أسوأ الأحوال، قد يلجأ الأشخاص المصابون بالصدمة إلى المخدرات أو يميلون للعنف. لهذا السبب، يكون تأثير الصدمة سلبياً على عملية تكيف اللاجئين مع مجتمعهم الجديد وسوق العمل على حدٍ سواء.
وهكذا، لن تكون الرعاية والعلاج النفسي للاجئين المصابين بالصدمة ضرورية من وجهة نظر المعنيين فحسب، وإنما من وجهة نظر الدولة أيضاً. مع ذلك، تفتقر سويسرا بحسب التقديرات إلى نحو 500 مركز للعلاج النفسي لضحايا الحرب والتعذيب. وهذا الوضع مقلق للغاية، ولا سيما بالنسبة للأطفال والشباب المصابين بصدمات نفسية.
من هذا المنطلق، جاء إتفاق المتحدثين والحضور في المؤتمر الإختصاصي “الرعاية النفسية لضحايا التعذيب والحرب في سويسرارابط خارجي” لرابطة “دعم ضحايا التعذيبرابط خارجي” والصليب الأحمر السويسري على وجود نقص في رعاية اللاجئين المصابين بصدمات نفسية في سويسرا. وهذا ما أكده أيضاً ستيفان شبايخَر من المكتب الفدرالي للصحة العمومية عندما قال: “هذه المشكلة مُعتَرَف بها، وهناك فجوات في معاملة المهاجرين”. مع ذلك، لم يقدم شبايخَر أي وعود محددة لاحقاً لحل المشكلة.
الحاجة للأمن
وحيث لا تقوم الدولة بما يكفي لمعالجة هذا الوضع، يأتي المتطوعون لسد بعض الثغرات. وهكذا، يقوم بعض الأطباء والأخصائيين النفسيين – الذين كان بعضهم متواجداً ضمن الحضور – بمعالجة هؤلاء اللاجئيين بدون أجررابط خارجي.
وفي هذا السياق، وصف توماس مايَر – الذي يعمل في عيادة العلاج النفسي لكانتون سانت غالَّن – حقيقة أن علاج اللاجئين المصابين بصدمات نفسية غير مضمون في الواقع لولا عمل المتطوعين بـ”الفضيحة”. وكان مايَر الذي يعمل كطبيب نفسي قد عالج المهاجرين المصابين بصدمات نفسية، وخاصة من تركيا وأفغانستان والصومال والبلقان على مدى سبعة أعوام، عندما كان رئيساً للعيادة الخارجية لضحايا التعذيب والحرب في زيورخ.
وكما شدد ماير، فإن ما يحتاجه اللاجئون الذين يعانون من إضطرابات نفسية قبل كل شيء هو الشعور بالأمان والدعم الإجتماعي. “هذا هو العامل الأهم، وهو ينطبق على جميع الأشخاص المصابين بصدمات نفسية”، بحسب كبير الأطباء للطب النفسي الحاد والإدمان والعلاج النفسي، الذي أشار إلى وضع الإقامة غير المستقر لهؤلاء، وانعدام الأمن المادي والفرص في سوق العمل بالنسبة للكثير من المهاجرين. وهذه بمجملها عوامل مُحبطة لا تمنح الشخص الشعور بالأمن والأمان في البلد المضيف.
المزيد
د. توماس ماير يجيب على ثلاثة أسئلة
وكما تستنتج سوزان هوخولي، تقود مثل هذه الظروف الوجودية إلى المزيد من الصدمات النفسية. “يُمكن أن يُصاب الأشخاص الأصحاء بالصدمة أثناء وجودهم معنا”، كما تقول السياسية من كانتون آرغاو التي لم تتحدث عن الأمراض النفسية فحسب، ولكن عما يكابده المهاجرون من حرمان اجتماعي أيضاً، مشيرة إلى ما للبيئة من أهمية جوهرية في هذه الظروف. “وأنا أريد هنا أن ألزِم المجتمع المدني بواجبه أيضاً”. وحيث تؤوي هوخلي في مزرعتها أسرتين لاجئتين لأمهات وحيدات من أنغولا وأريتريا، فإنها تعرف جيداً عما تتحدث.
وذَكَّرَت هوخولي بأن التجارب المؤلمة في الوطن الأم قد لا تكون السبب الوحيد للإصابة بصدمة نفسية، ولكن أيضاً ما يحدث على مدار رحلة الفرار المحفوفة بالمخاطر. وكما تقول: “لا يمكننا أن نتخيل كل ما يتعرض له هؤلاء الناس وهم في طريقهم إلينا”.
وهي تحكي عن ظروف السيدة الأريتيرية التي تقيم معها وتقول: “كانت هذه السيدة مع ابنتها التي تبلغ من العمر 11 عاماً اليوم في حالة فرار طوال سنة كاملة وأصبحت حاملاً أثناء رحلتها، وأنا لا أريد أن أتخيل كيفية حدوث ذلك”. وهي تقول إنها كانت تشعر بالقلق في أعقاب الولادة لأن الطفل لم ينشأ نتيجة علاقة حميمية. لكن المرأة منسجمة بشكل جيد مع المولود الجديد لحسن الحظ.
من يدفع للمترجم؟
علاوة عما سبق، ناقش المؤتمر الإختصاصي وبشكل مكثف مشكلة أخرى، ألا وهي تكاليف المترجمين المتواجدين أثناء عملية العلاج، والتي لا تتكفل شركات التأمين الصحي بدفعها.
ولهذا السبب، كثيراً ما يتم اللجوء إلى مترجمين غير محترفين، قد يكونوا من أصدقاء المرضى أو أقاربهم. “عندما تقوم الإبنة ذات الـ 12 عاماً بالترجمة، ما هي النتيجة المرجوة من ذلك؟” كما جاء في السؤال الحرج لـماتياس شيك، الطبيب المعالج في العيادة الخارجية لضحايا التعذيب والحرب في مستشفى جامعة زيورخ.
كما يحدث أيضاً وبكثرة أن يقترف هؤلاء المترجمون الهواة أخطاءً بسبب إفتقارهم للخبرة الطبية. ويُشَبه شيك اللجوء إلى خدمات هؤلاء بقول الطبيب الجراح لأحد مرضاه قبل الشروع بعملية جراحية: “نحن لا نتوفر على مشرط اليوم لسوء الحظ، الرجاء إحضار سكين المطبخ الخاص بك”!
ومع إختلاف المشاركين في المؤتمر على الجهة التي يفترض أن تتكفل بتكاليف المترجمين المحترفين – حيث أيَّد البعض تحميلها للحكومة الفدرالية، في حين إقترح البعض الآخر أن تتولى الكانتونات أو البلديات أو التأمين الصحي ذلك، لكن الجميع اتفق على مسألة واحدة، ألا وهي الحاجة الماسة لوجود تنظيم قانوني لهذا الوضع.
علاج ضحايا التعذيب والحرب في سويسرا
تأسس أول مركز للعلاج النفسي لضحايا التعذيب في سويسرا في عام 1995.
على ضوء ارتفاع الطلبات على مراكز العلاج، تم في السنوات التالية إفتتاح أربعة عيادات خارجية إضافية انضمت فيما بينها لتشكيل رابطة “دعم ضحايا التعذيب”.
مع ذلك، فإن هذه الخدمات أبعد ما تكون عن الكافية لتغطية الطلب المتزايد لخيارات العلاج، ولا سيما منذ تدفق الموجات الكبيرة للاجئين من البلدان التي مزقتها الحروب مثل سوريا والعراق.
برأيك، ماهي الجهة التي ينبغي أن تتكفل بتكاليف المترجم أثناء العلاج النفسي لضحايا الحرب والتعذيب؟ ناقش الموضوع معنا في الخانة المخصصة للتعليقات أدناه، مع الشكر سلفا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.