النقابات السويسرية تكافح على جبهتين لضمان “العمل الكريم”!
لا مجال لأن يُـستعمل المال العمومي لاشتراء بضائع أو منتجات مُـتمخّـضة عن واحدة من أشكال وصِـيغ الاستعباد الحديثة للبشر.
هذه هي القضية التي اختيرت محورا لليوم العالمي للعمل الكريم، الذي اشتركت النقابات السويسرية في إحيائه يوم 7 أكتوبر 2008، دون أن تغفَـل عن الواقع المتمثِّـل في أن العديد من النضالات لا زالت تستحقّ أن تُـخاضَ في بلد السِّـلم والاستقرار الاجتماعي.
يوم الثلاثاء، حوّلت الجمعية العمالية السويسرية لتقديم العون (OSEO) رمزيا ساحة القصر الفدرالي وسط برن، إلى جحيم – لم تكن تنقصُـه إلا حرارة الشمس – لأعمال السّـخرة والأشغال الشاقة والخطيرة على الصحة، والتي لا يحصُـل أصحابها إلا على أجور لا تُـسمن ولا تُـغني من جوع.
ويتمثّـل الهدف من هذه العملية، إلى لفت انتباه الرأي العام السويسري إلى الظروف اللاإنسانية، التي يقوم فيها رجال – وبالخصوص نساء وأطفال – بتكسير القوالب الصخرية، التي توضع على حافة الأرصفة السويسرية (تُـستورد من الهند) أو بخياطة الكرات التي يلعب بها أطفال مدارسنا (من الباكستان) أو بصناعة أنسجة الثياب، التي يرتديها العاملون في مستشفياتنا (الصين).
وفي الواقع، تبدو الرسالة التي تسعى الجمعية العمالية السويسرية لتقديم العون بالاشتراك مع اليسار السياسي والنقابات إلى إبلاغها، بسيطة وواضحة وتتلخص في أنه في سويسرا، تقوم المؤسسات والهيئات العمومية سنويا، باقتناء مُـعدّات وبضائع ومنتجات تبلغ قيمتها حوالي 36 مليار فرنك، لذلك، فهي في موقع قوّة يسمح لها بتطوير الأوضاع وتحسينها في هذا المجال.
“لم نفكِّـر قط في هذا الأمر”
في الموقع الذي افتتحته الحملة على شبكة الإنترنت، رُسِـمت خريطة لسويسرا تؤشِّـر إلى الأماكن التي طُـرحت فيها مسألة المشتريات العمومية العادلة على بساط البحث.
في الوقت الحاضر، لا يزيد عدد المواقع المؤشَّـر إليها عن 30، وفي بعض الحالات، اتُّـخذت بعدُ قرارات بالتوقّـف عن اقتناء قوالب صخرية مشكوك في مصادرها، أما في الحالات الأخرى، فلا زالت الأمور في مرحلة إعداد عريضةٍ أو مذكَّـرة أو مشروع قانون.
ويلاحِـظ كريستيان إينغلي، المسؤول عن الاتصال في المؤسسة السويسرية للتعاون العمالي، أن “معظم المسؤولين الذين نتوجّـه إليهم، يجيبون بأنهم لم يفكروا قطّ في المسألة. وفي الحقيقة نحن متقدِّمون جدا في هذا البلد فيما يتعلّـق بالوعي البيئي، مقارنة بالوعي الاجتماعي”.
رغم هذا التفاوت، تبدو النتائج الأولى لهذه الحملة مشجِّـعة، ويقول المتحدِّث باسم المؤسسة “إذا ما سارت الأمور على هذه الوتيرة، فبالإمكان أن نؤمِّـل حدوث تغيير خلال بضع سنوات، وهي وتيرة سريعة، نظرا لأن الأمر يتعلّـق بخيارات سياسية”.
هذا التغيير المُـرتقب، يُـمكن أن تُـساهم الدولة المركزية في إطلاقه أيضا. فمشروع القانون الفدرالي الجديدة حول المناقصات العمومية، ينُـصّ على أنه يجب على المزوِّدين – في الحدّ الأدنى – احترام المعاهدات المعتمدة من طرف منظمة العمل الدولية، وهي معاهدات تحظُـر أعمال الصخرة وتشغيل الأطفال والممارسات التمييزية بشتى أنواعها.
كريستيان إينغلي يُـقِـرّ بأن هذه الخطوة تمثّـل تطوّرا محترما، لكنه يُـذكِّـر بأن المؤسسة السويسرية للتعاون العمالي عبّـرت (خلال فترة المشاورات التي تسبِـق إعداد مسودة القانون) عن الرغبة في أن يكون النصّ أكثر وضوحا، لكن البرلمان يُـمكن أن يقرِّر أثناء مناقشة المشروع المعروض عليه، تغييره في هذا الاتجاه.
التهميش موجود في سويسرا أيضا
في سياق متّـصل، تزامن الاحتفال بهذا اليوم العالمي للعمل الكريم مع اقتراب موعِـد افتتاح مؤتمر اتحاد النقابات السويسرية UNIA، أكبر مركزية عمالية في الكنفدرالية (تضم حوالي 200 ألف عضو)، التي تأسست قبل أربعة أعوام إثر اندماج نقابات الصناعة والبناء والصُّـلب والمعادن وقطاع الخدمات.
هذا المؤتمر سينعقد على مدى ثلاثة أيام في لوغانو، جنوب البلاد، وسيتم التذكير فيه بأنه – وعلى الرغم من عدم إمكانية إجراء مقارنة – يوجد في سويسرا أيضا عمّـال يعيشون أوضاعا مهمّـشة وقاسية.
في هذا الإطار، يُـدين اتحاد النقابات UNIA الأساليب المستعملة من طرف شبكة ألدي ALDI الألمانية للمحلات التجارية، ذات الأسعار المنخفضة جدا. وتقول النقابة، إن المحلات السويسرية التابعة لهذه الشبكة، تشغِّـل العاملين لديها لفترات تصل إلى 14 ساعة بدون انقطاع، كما أنها لا تتوانى في استخدامهم حسب الطلب عن طريق الهاتف، يُـضاف إلى ذلك، أن عقود عمل الموظفين، ومعظمهم من النساء، لا تزيد عن 50% (أي نصف الوقت)، لكن يجب عليهم أن يكونوا مستعدّين للعمل بوقت كامل.
وتوضِّـح آن روبين، المتحدثة باسم اتحاد النقابات السويسرية UNIA، “إننا نكافح في العديد من القطاعات التي يعاني فيها الناس من تهميش شديد، وقد قمنا مؤخّـرا بالتوقيع على عِـقد عمل جماعي، يُـفترض أن يُوفِّر الحماية للعمال الوقتيين، ولدينا أيضا مطالب تتعلّـق بالعاملين في المنازل وفي قطاع المبيعات، بطبيعة الحال”.
المزيد
اتفاقيات العمل الجماعية
كفاح من أجل الحفاظ على المكتسبات
وفي الوقت الذي تحاول فيه النقابات توسيع حماية العمّـال لتشمل قطاعات جديدة، فإنها مضطرة للنضال من أجل الإبقاء على المكتسبات السابقة ولمواجهة ظاهرة جديدة، تتمثل في اعتناق قطاع من أرباب العمل لأفكار وتوجّـهات حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، على حد قول آن روبين.
في هذا السياق، تلاحظ المتحدثة باسم اتحاد النقابات UNIA، أن هناك “تشدّدا واضحا جدا، وخاصة في الأنحاء المتحدثة بالألمانية من سويسرا، حيث بدأ البعض (من أرباب العمل) في رفض الشراكة الاجتماعية”، وأوردت على سبيل المثال، قرار إلغاء عقود العمل الجماعية في قطاع البناء من جانب واحد، وهو ما أدّى إلى اندلاع نزاع اجتماعي استمرّ عدة أشهر، قبل التوصّـل إلى حلٍّ مقبول من الطرفين.
وترى النقابات أن تلك المواجهة مثّـلت اختبارا مهمّـا، نظرا لأن العامل السويسري، عادة ما يتوفّـر على حماية أقل من طرف القانون، مقارنة بنظيره الأوروبي، وتُـذكِّـر آن روبين بأن “قانون الشغل أكثر مِـعيارية (وضبطا) وحمائية في أوروبا، في حين أنه يقتصِـر على الحدّ الأدنى في سويسرا”، ومن هنا، تأتي أهمية التوصل إلى اتفاقيات عمل جماعية جيِّـدة في المفاوضات الدورية مع أرباب العمل.
سويس انفو – مارك أندري ميزري
يرى اتحاد النقابات السويسرية UNIA أنه، من الخطإ “إنفاق مليارات دافعي الضرائب لإعادة اشتراء الديون الفاسدة للبنوك”. فهذه الأموال يجب أن تُـضخّ بدلا من ذلك في الاقتصاد الفعلي، وخاصة في أشغال عزل المباني والطاقات المتجددة، خصوصا وأنه “يجب على سويسرا، في كل الحالات،”الاستثمار في إعادة توجيه بيئي واجتماعي مستديم لاقتصادها”.
من جهة أخرى، يتضمّـن برنامج السياسة الاقتصادية لاتحاد النقابات السويسرية UNIA أيضا، دعوة إلى تخفيض نِـسب الفوائد الرئيسية للبنوك وإلى انتهاج سياسة إنفاق عمومي، تحفِّـز الظرف الاقتصادي ومطالبة بـ “وضع حدٍّ لعمليات الترفيع المبالغِ فيها لأسعار الكهرباء من طرف أصحاب شركات التزويد بالكهرباء”.
في السياق نفسه، يوصي اتحاد النقابات السويسرية، بمراجعة الجباية على مداخيل كبار مدراء الشركات وعلى أرباح المؤسسات الاقتصادية، ويطالب في الوقت نفسه، بإقرار ترفيع معتبر في أجور العاملين للسنة القادمة، من أجل تعزيز قدُراتهم الشرائية.
يوم 19 يوليو 1937، وفي أعقاب إضراب استمرّ شهرين، أبرمت نِِـقابات قطاع المعادن والصُـلب وأرباب العمل في صناعة الساعات عِـقد عمل جماعي، التزم فيه الطرف النقابي بعدم الدعوة إلى الإضراب مُـطلقا، وتعهّـد فيه الأعراف بعدم اللجوء مجددا إلى إغلاق مؤقّـت لمصنع، بهدف تكسير إضراب عمّـالي.
هذا الاتفاق دخل التاريخ باعتباره يُـقِـر “السِّـلم الاجتماعية”، واليوم، يوجد في سويسرا أكثر من 600 عِـقد عمل جماعي، تُـنظِّـم العلاقات بين العاملين والمستخدِمين في شتى قطاعات الاقتصاد السويسري، حيث تُـمنح الأولوية في معظم الحالات للتفاوض، بدلا عن المواجهة.
رغم ذلك، لا تُـنظِّـم عقود العمل الجماعية علاقات الشغل، إلا لأكثر من ثُـلُـث الأشخاص المستخدَمين في سويسرا بقليل. أما البقية، فهُـم يخضعون لبنود قانون العمل، الذي تعتبره النقابات عادة “غير كافٍ”.
على الرغم من إقرار السِّـلم الاجتماعية، إلا أن حقّ الإضراب مضمونٌ في الدستور الفدرالي. وعلى عكس فِـكرة سائدة، لا يندُر حدوث إضرابات في سويسرا، سواء تعلّـق الأمر بمعارضة قرارات طرد أو لممارسة الضغط، أثناء فترات التفاوض حول عقود العمل الجماعية أو لدى تجديدها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.