مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوسيط السويسري الذي لم تسمع عنه أبدا من قبلُ..

يحصل العمال المتعاقدون على أجور أقل بكثير مقارنة بالعمال الدائمين، كما يفتقرون في معظم الأحيان إلى الأمن الوظيفي. Reuters

تشكل وسائل الإعلام أو المحاكم في الأحوال الإعتيادية الملاذ الأخير للأشخاص المُتَضَررين من خروقات الشركات متعددة الجنسيات التي تتخذ من التراب السويسري مقراً لها، كما هو الحال مع عملاق صناعة الأسمنت هولسيم، الذي ينتهك القوانين والأنظمة في الخارج. بَيد أن هناك خيار آخر يتيح جَلب هذه الشركات الى طاولة المفاوضات.

لا يستطيع راج كومار ساهو إخفاء ما ينتابه من قلق. ويريد العامل المُعَيَّن بعقد عمل مؤقت في أحد مصانع الأسمنت المملوكة لشركة هولسيم السويسرية لصناعة الإسمنت [التي اندمجت مع شركة الإسمنت الفرنسية ‘لافارج’ في 10 يوليو 2015، مؤسِسة بذلك أكبر مُنتِج للإسمنت في العالم]، الحصول على إجابات بخصوص عمله. ومع توسيع الشركة لأعمالها، وشروعها بإنشاء مصنع إسمنت جديد قريب، يعيش ساهو حالة من عدم اليقين بشأن توفره على وظيفة في هذا المصنع، متى ما أصبح جاهزاً للإنتاج.

القلق الذي يقضّ مَضجع الرجل النحيل البُنية المُنحدِر من بلدة جامول (Jamul) في ولاية شاتيسغار (Chattisgarh) الهندية لا يخصه وأسرته فقط. ولكنه، وباعتباره نائب رئيس الإتحاد التقدمي لعمال الأسمنت (PCSS) [الذي يُمَثل عمال الأسمنت المُعينين بعقود مؤقتة في الهند]، مسؤول أيضاً عن رعاية مصالح مئات العمال المُعَيَّنين بعقود مؤقتة في المصنع القديم.

“نحن نطالب بتوضيح مصير 900 عامل يشتغلون في المصنع القديم، متى ما أصبح المصنع الجديد قيد الإنشاء جاهزاً للإنتاج”، كما أخبر ساهو swissinfo.ch. “كما نريد أن نعرف عدد العمال الذين سيشتغلون في المصنع الجديد”.

وبُغية مُحاربة الظروف السيئة وغير المُستقرة للعاملين بعقود مؤقتة، تقَدَّم ساهو ونقابته (PCSS) بشكاوى قانونية ضد شركات الإسمنت الهندية التابعة لهولسيم أمام المحاكم الهندية ومحاكم العمل هناك. ولا يتقاضى هؤلاء العمّال المؤقتون أجورا تقل كثيراً عن أجور العمّال الدائمين فحسب، ولكنهم يفتقرون إلى الأمن الوظيفي أيضاً. وتتهم نقابة PCSS مصانع هولسيم بتشغيل عمليتها بشكل غير القانوني، من خلال لجوئها للعمالة المؤقتة، كي لا تضطر إلى تشغيل العمال الدائمين الذين يتقاضون ثلاثة أضعاف أجور العمال المؤقتين.

ومع شعوره بالإحباط لعدم إحراز تقدم يُذكر مع الإدارة الهندية لهولسيم، رفع الإتحاد التقدمي لعمال الأسمنت شكواه إلى نقطة الإتصال الوطنية السويسريةرابط خارجي لمنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (هي منظمة دولية تضم مجموعة من الدول الغنية – بضمنها سويسرا- التي تقبل بمبادئ الديمقراطية التمثيلية واقتصاد السوق الحر). وتعمل نقطة الإتصال الوطنية التي تتخذ من برن مقرا لها كنوع من الوسيط في حالات المظالم، عندما تُتَهم الشركات السويسرية بانتهاك مجموعة من المبادئ التوجيهية التجارية المسؤولةرابط خارجي المعنية بحقوق الإنسان، والبيئة، والفساد وعلاقات العمل. وهي تروج لاحترام هذه المبادئ وتناقش كافة القضايا ذات الصلة مع الأطراف المعنية، بغية المساهمة في حل ما قد يطرأ من مشاكل.

دعنا نتحدَّث

“تتمثل المَنفَعة الرئيسية التي نوفرها بعملية حوار مفتوحة وغير رسمية، حيث يمكن لأي شخص عَرض قضية تتعلق بإحدى الشركات متعددة الجنسيات التي تتخذ من سويسرا مقراً لها”، كما يقول لوكاس سيغَنتالَر، رئيس نقطة الإتصال الوطنية السويسرية. ويضيف موضحا: “إن تدخلنا مجاني، وهو وسيلة جيدة للإنخراط في حوار مع شركة سويسرية”.

وكل ما ينبغي على الطرف المُتأثر فعله، هو التقدُّم بشكوى خَطّية تُحدد المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية التي قامت الشركة السويسرية في الخارج بانتهاكها.

وتُعتَبَر نقطة الإتصال الوطنية السويسرية إحدى أكثر النقاط الدولية انشغالاً، بالنظر إلى العدد الكبير من الشركات مُتعددة الجنسيات المستوطنة في الكنفدرالية. وعلى عَكْس الإجراءات المُتَّبعة في المحاكم، تتسم المشاركة في عملية الوساطة بالطوعية، وتستهدف أساساً إقناع كلا الطرفين بفتح حوار مع بعضهما البعض. وفي حالة الهند، إستطاعت نقطة الإتصال الوطنية في سويسرا أن تجمع الإدارة العليا لهولسيم مع الإتحاد التقدمي لعمال الإسمنت في غرفة واحدة في العاصمة السويسرية، بهدف إيجاد حلٍ لمشكلة العمالة المؤقتة.

“لم تكن هناك أي مفاوضات مع هولسيم قَبل وساطة نقطة الإتصال الوطنية السويسرية”، كما يقول سودها باردواج، المحامي عن الإتحاد التقدمي لعمال الأسمنت. “ولكن الإدارة العليا للشركة اضطرت للإعتراف باتحادنا والتفاوض معنا، بعد أن رُفِعَت القضية إلى أنظار نقطة الإتصال الوطنية في سويسرا”.

بدوره، اعترف ساهو الذي سافر إلى برن للوساطة أيضاً، بالدور الذي بذلته نقطة الإتصال الوطنية السويسرية لتوفير لقاء لاتحاده مع الإدارة العليا لهولسيم، سيما وأن إدارة الشركة العملاقة في الهند كانت تعرقل أي مساعٍ للتفاوض حتى الوقت الراهن. ويقول ساهو “لم تُبدِ هولسيم أي استعداد للحديث معنا إلّا بعد ان تقدمنا بشكوى إلى نقطة الإتصال الوطنية في سويسرا”، ويضيف “قبل ذلك، لم نكن نعني شيئا بالنسبة لهم”.

وكان وجود جهاز وساطة يشرف على المناقشات في سويسرا ملائماً لهولسيم أيضاً، حيث كان التفاعل بين الطرفين المتخاصمين يتسم بالمواجهة إلى حدٍ كبير قبل الإجتماعات التي أشرفت عليها نقطة الإتصال الوطنية السويسرية.

وكما قال بيتير شتوبفَر، المتحدث باسم هولسيم ل  swissinfo.ch”نحن نرحب بفرصة تبادل وجهات النظر بشأن المسائل ذات الإهتمام تحت إشراف هيئة مستقلة مثل نقطة الإتصال الوطنية في سويسرا”. كما وصف تسهيل الهيئة لهذه الأمر بـ “المحايد والمهني والنزيه”.

وأشار سيغنتالَر إلى عدم رفض أي شركة سويسرية حتى الآن المشاركة في عملية الوساطة غير الرسمية، بالرغم من كونها عملية طوعية. ذلك أن “هذا يصب في صالح الشركات المتعددة الجنسيات أيضاً، لأننا نحاول توفير مِنصة لِحل المشاكل”، كما يقول.”بِخلاف ذلك، قد تواجه هذه الشركات هجوماً علنياً، مما يجعلها أمام مَخاطر تهدد سمعتها.”

ولا يقتصر دور نقطة الإتصال الوطنية في سويسرا على الشركات السويسرية فحسب. إذ تَقَرَّر مؤخراً إمكانية جَلب القضايا المرفوعة ضد الهيئات الرياضية الدولية التي تقع مقراتها في سويسرا أمامها أيضاً، شريطة انخراط هذه الهيئات الرياضية في أنشطة تجارية. كما أنه “من المُحتمل أن تنطبق المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية على الإتحادات والأحداث الرياضية، ونحن مستعدون لتلقي طلبات حول هيئات مثل الفيفا”، بحسب سيغنتالَر.

swissinfo.ch

تحديدات

وقد أُثيرت العديد من المخاوف حول تكافؤ الفرص فيما ما يُشبَّه بالمعركة بين داوود و جالوت في العادة. فقد وجدت مجموعات صغيرة على شاكلة الإتحاد التقدمي لعمال الأسمنت نفسها مُضطرة للسفر إلى بَرن لِحضور اجتماعات الوساطة، الأمر الذي اقتضاها الكثير من الموارد. وحيث لا تُغطي نقطة الإتصال الوطنية السويسرية نفقات السفر والإقامة، اضطر اتحاد العمال إلى جمع الأموال بنفسه. بيد أنَّه ولحسن الحظ، استطاع الحصول على دعم مالي من نقابات عمالية دولية مثل اتحاد العمال العالمي ‘إندستري آلّرابط خارجي’ IndustriALL ونقابة العمّال السويسرية ‘أونيا’ رابط خارجي.UNIA

“تشكل تذكرة سفر من الهند إلى زيورخ عقبة حقيقية للعمال المُعَيَّنين بعقود، الذين لا يكسبون أكثر من دولارين يومياً”، كما يقول ماتياس هارتفيخ من اتحاد العمال العالمي ‘إندستري آلّ’. وأضاف “من حُسن الصدف ان الإتحاد التقدمي لعمال الأسمنت كان مُنتسباً إلى اتحاد العمّال العالمي، وإلا لما كان بوسعنا مساعدتهم في تكاليف السفر”.

وبحسب سيغنتالَر، استطاع المُشتكون حتى الآن العثور على أموال للسفر إلى سويسرا دائماً. ولكنه يعترف أيضاً بأهمية إيجاد حل لهذه المشكلة.

“إن نقطة الإتصال الوطنية في سويسرا غير مؤهلة لتغطية هذه التكاليف، ولكن بوسعنا أن نفعل ذلك في حالات استثنائية”، كما قال. وأضاف :”لو جاءنا طرف يعاني من مشاكل جدية في تحمّل التكاليف، فبمقدورنا أن نرى ما يمكن فعله”.

إحدى القيود الأخرى التي تواجه هذه الهيئة الوطنية للوساطة التابعة لمنظمة التعاون الإقتصادي والتنمية، هي صلاحيتها المحدودة التي تقتصرعلى جَلب الطرفين المتنازعين للحديث معا فقط، دون أن يكون بوسعها ضمان العثور على حلٍ للنزاع. ومايزال الخلاف مع هولسيم بشأن العمالة المؤقتة في الهند مستمراً إلى اليوم، على الرغم من انقضاء ما يقرب من ثلاثة أعوام على طرح القضية أمام أنظار الشركة.

 ومن ناحيته، لا يشعر الإتحاد التقدمي لعمال الأسمنت بالرضا عن النتيجة التي أسفرت عنها هذه الوساطة. وكما يقول ساهو :”لم يكن هناك اتفاق حقيقي، كما لم تُجِب إدارة هولسيم عن أسئلتنا بشكل مُباشر”. ويضيف: “على الرغم من توصلنا للتحدث مع هولسيم، إلاّ أنّنا نشعر أن نقطة الإتصال الوطنية في سويسرا لم تضغط عليهم بما يكفي للتوصل إلى نتيجة”.

أما ماتياس هارتفيخ من اتحاد العمال العالمي‘إندستري ألّ’، الذي كان حاضرا أثناء إحدى جلسات الوساطة، فيرى أن هيئة الوساطة السويسرية كافحت للتوصل إلى اقتراح مقبول من كلا الطرفين لحل النزاع بينهما. وهو يقارن هذه المحادثات بخلاف مُماثل بين شركة مواد البناء ‘هايدلبرغ سمنت’ الألمانية المُتعددة الجنسيات، ونقابات العمّال الاندونيسية، التي توسطت فيه نقطة الإتصال الوطنية الألمانية.

وقال هارتفيغ: “لقد توصلنا إلى إقرار بيان مُشترك هناك بالفعل”، وأضاف “بعد اختتام عملية الوساطة تصافح كلا الطرفين وكانا يبتسمان بسعادة لتوصلهما إلى حَل المشكلة”.

ويعترف سيغنتالَر بصعوبة القضية الهندية بالنسبة لنقطة الإتصال الوطنية السويسرية، لكنه يُصر أيضاً على إحراز بعض التقدم باتجاه حل النزاع. وكما يقول فإن “نجاح المفوضات منوط بمرونة كلا الطرفين، ومدى استعدادهما الفعلي للدخول في حوار مفتوح”، ويضيف: “في عالم مثالي، نعمل على جَمْع الأطراف معاً، ليواصلوا حوارهم بأنفسهم فيما بعد على المستوى الوطني”.

مبادرة الأعمال المسؤولة

وتُعتَبَر الطبيعة المزاجية التي لا تُلزِم الشركات باحترام المسؤولية الإجتماعية وإجراءات العناية الواجبة، هي ما يَقُّض مضجع جماعات حقوق الإنسان والناشطين في مجال البيئة. وكانت الحكومة السويسرية قد رفضت إعتماد تدابير مُلزمة للشركات، كما عارض البرلمان الفدرالي بفارق ضئيل في شهر مارس 2015 اقتراحاً يدعو لفرض العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان. بَيد أن الأمور قد تتغي في قادم الأيام.

ففي شهر أبريل الماضي، أطلقت 66 مجموعة من فئات المجتمع المدني مبادرة الأعمال المسؤولة التي تهدف إلى فَرض إعتماد العناية الواجبة على الشركات السويسرية مُتعددة الجنسيات، بغية ضمان احترام حقوق الإنسان والأنظمة البيئية خارج أراضي الكنفدرالية. وفي حال الموافقة على المبادرة من خلال التصويت الشعبي، سيكون بوسع الأطراف المتضررة في أي مكان في العالم تقديم الشركات السويسرية إلى المحاكم السويسرية، بسبب إخفاقها في تحديد المخاطر التي تسببها عملياتها على الأشخاص والبيئة.

هولسيم من جانبها لا تؤيد مثل هذا التشريع، وتفضل بدلاً عن ذلك الإعتماد على برنامج العناية الواجبة بحقوق الإنسان الخاص بهارابط خارجي، والذي شرعت بتنفيذه منذ عام 2013.

“تشاطر شركة لافراج هولسيم LafargeHolcim الجديدة رأي العديد من الشركات السويسرية والاتحادات الصناعية، والقاضي بأن القوانين الجديدة ليست الوسيلة الأنجع لحل المشاكل المعقدة على أرض الواقع”، كما يقول المتحدث باسم الشركة شتوبفر. “نحن مقتنعون بأن التعاون مع شركاء من جميع القطاعات هو الأسلوب الأنسب لإيجاد حلول لمشكلة محلية محددة”.

بَيد أن هذا الرأي لا يحظى بموافقة الجميع. إذ يرى هارتفيخ من اتحاد العمال العالمي ‘إندَستري آلّ’ أن الإجراءات القضائية ستكون مُكمِلة لعملية الوساطة غير الرسمية. وكما يقول :”يُتَّخذ عدد متزايد من القرارات داخل مقرات الشركة ولكنها تُنَفَّذ في أماكن أخرى”، لذا قد تكون المزيد من المساءلة للمقرات أمرٌ ضروري.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية