انتقال عدوى “الفيروس” إلى الاقتصاد السويسري
كما كان منتظرا، ترك الوباء الذي نجم عن انتشار فيروس كورونا المستجد آثاره السلبية على الاقتصاد السويسري. ولكنه لم يُصب جميع القطاعات بنفس القدر من الضرر، فبعض القطاعات تعاني أكثر من غيرها. فيما يلي نظرة سريعة على الوضع الحالي، لكنها غير شاملة.
من الواضح أن فيروس كورونا سيترك آثاره على صحة الاقتصاد كذلك. فمنذ عدة أيام صرح معهد “BAK” السويسري المستقل للبحوث الاقتصادية والإستشارات في بيان إعلاميرابط خارجي أن العواقب الاقتصادية لهذا الفيروس لن تكون “كما كان مأمولاً في البداية مقتصرةً على بعض الآثار الطفيفة”. حيث أسفرت دراسات المعهد المتخصص في الأبحاث الاقتصادية عن تنبؤه بتباطؤ نمو الناتج الإجمالي في النصف الأول من هذا العام بوضوح. فقد أعاد تقييم توقعاته للنمو الاقتصادي في العام الجاري، وقام بتعديلها من نسبة 1،5% حتى الآن، لتصبح 1،3%.
ولم تقتصر هذه النظرة التشاؤمية على باحثي معهد البحوث الاقتصادية وحدهم. إذ يتوقع مصرف “كريدي سويس” على سبيل المثال “أثراً سلبياً واضحاً”. فقد خفض ثاني أكبر مصرف سويسري توقعاته بخصوص زيادة الناتج الإجمالي في العام الجاري من 1،4% لتستقر في حدود 1% فقط.
وبغض النظر عن هذه الأرقام المجردة شيئاً ما، فإن الدوائر الاقتصادية يسودها نوع من التوتر. إذ أن عواقب تراجع النشاط المرتبطة بالوضع الصحي الراهن أصبحت ملموسة في العديد من القطاعات.
أما أكثر الإجراءات التي أثَّرت على الرأي العام السويسري فكانت الحظر الذي أصدرته الحكومة الفدرالية على إقامة المناسبات الجماعية الكبرى التي يزيد عدد المشاركين فيها عن ألف شخص. ويحق للسلطات المحلية في الكانتونات والبلديات كذلك منع المناسبات العامة الأقل عدداً.
وكان أكبر ضحايا إجراء الحظر هذا هو المعرض الدولي للسيارات بمدينة جنيف. لكن هناك الكثير من المناسبات العامة الأخرى التي تم منعها أيضاً. ومنها كرنفال مدينة بازل الشهير، ومثيله ببلدية باييرن (كانتون فو) الذي يعد أكبر كرنفال يُقام في المناطق المتحدثة بالفرنسية قبيل الصوم الكبير (الذي يسبق عيد القيامة عند المسيحيين).
كما أصاب هذا الحظر للتجمعات العامة مجالات الثقافة والرياضة في مقتل. حيث ألغت الاتحادات السويسرية الرياضية الكبرى على سبيل المثال (كرة القدم، والهوكي على الجليد وكرة السلة) مبارياتها حتى الخامس عشر من شهر مارس الجاري على الأقل. وعلى الصعيد الثقافي، ألغي مهرجان الفيلم العالمي بمدينة فريبورغ دورته القادمة.
وقد يكون لكل هذه الإلغاءات تداعيات جمة على العديد من الاتحادات والشركات، التي تصارع من أجل البقاء بميزانيات متواضعة إلى حد ما.
سياح أقل
قبل أسابيع قليلة، نشرت وسائل إعلام سويسرية تقريراً حول وجود استياء الشعبي من السياحة الجماعية الصينية. ولكن في مطلع هذا العام تغيّر هذا الوضع كليةً. حيث تراجع تدفق السياح ـ وليس فقط الصينيين منهم ـ للغاية.
وهو الأمر الذي تعاني منه صناعة الفندقة والضيافة. وفي تصريحات أدلى بها إلى الإذاعة والتليفزيون العمومي السويسري الناطق بالفرنسية (RTS)، قال كازيمير بلاتسر، رئيس رابطة أصحاب الفنادق والمطاعم السويسرية “غاسترو سويس”: “إن الوضع جدي للغاية. لدينا الكثير من الشركات التي خسرت ما بين 60 و80% من دخلها”.
لكن الفنادق والمطاعم ليست وحدها التي تعاني من هذا التراجع السياحي. فبعض شركات النقل قد تأثرت كذلك بشدة.
الصادرات تُعاني
في سياق متصل، أصاب ترنح الاقتصاد العالمي نتيجة لتفشي فيروس كورونا اقتصاد التصدير السويسري على وجه الخصوص. فطبقاً لدراسة رابط خارجيأنجزها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، فإن صناعة الكيماويات في سويسرا تعتبر هي أكثر القطاعات الاقتصادية تضرراً. وبهذا الأثر الإجمالي البالغ 1،08% مليار دولار أمريكي على الصادرات السويسرية، تعتبر سويسرا واحدة من أكثر عشرة دول تضرراً من وباء كورونا. أما الخسائر التي لحقت بقطاع الكيماويات فقد قدرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بـ 283 مليون دولار.
ويجدر الإشارة هنا إلى وجود توقعات بأن تعاني قطاعات أساسية أخرى في الاقتصاد السويسري من هذا الوضع. ومنها على سبيل المثال صناعة المواد الغذائية وصناعة الآلات. أما القطاع الذي يبدو الأكثر تعرّضاً للخطر، فهو: صناعة الساعات.
فمنذ سنوات عديدة، أصبحت الصين أكبر مستهلك للصناعات السويسرية. لكن الأحداث التي شهدها ذلك العملاق الاقتصادي قد ألقت بظلالها على منتجي الساعات في كانتون جورا بصورة مباشرة. حيث أن سياسة مناهضة الفساد الإداري التي طبقتها الحكومة الصينية والتي منعت تلقي هدايا ثمينة كالساعات، وكذلك الاضطرابات التي شهدتها هونغ كونغ كانت لها آثارها السلبية. أما الأزمة الصحية التي تسبب فيها فيروس كورونا، فقد أصبحت بمثابة غيمة جديدة في سماء مُلبدة بالغيوم بالفعل.
إنتبهوا للفرنك
هناك أيضا عامل أخير قد يزيد من أعباء الاقتصاد السويسري في سياق هذه الأزمة الصحية العالمية، وهو ارتفاع قيمة الفرنك السويسري. فالعملة السويسرية تلعب تقليديا دور الملاذ الآمن. لذلك، إذا ما استمر الوضع المتأزم في أوروبا لمدة طويلة، فإن هذا سيؤدي بلا شك إلى رفع قيمة الفرنك في مقابل اليورو. لكن ارتفاع سعر العملة السويسرية سيتحول إلى عبء إضافي على الصادرات السويسرية التي ستفقد تبعا لذلك المزيد من قدرتها التنافسية في الأسواق الدولية.
تعثر سوق الأسهم
على غرار المراكز المالية العالمية الأخرى، سجّل سوق الأسهم السويسري بداية ألأسبوع انخفاضًا إضافيًا، بل يُمكن أن يُسمّى يوم الاثنين 9 مارس 2020 بـ “الاثنين الأسود”.
فعند نهاية التداولات، سجّل مؤشر السوق المالية السويسرية (SMI)، الذي يضم 20 شركة رائدة في الاقتصاد السويسري، انخفاضًا بنسبة 5.55٪، حيث تأثرت الشركات العاملة في مجال الصيرفة والتأمين بشكل خاص. انخفض سهم مصرف “كريدي سويس” بنسبة 12.86٪، ومصرف “يو بي اس” بنسبة 10.42٪ وشركة “زيورخ للتأمين” بنسبة 9.42٪.
في الخارج، كان الوضع في بعض الأحيان أسوأ بكثير. فعلى سبيل المثال، انخفض سوق الأسهم بنسبة 8.39 ٪ في باريس، وبنسبة 7.69 ٪ في لندن أو 11.17 ٪ في ميلانو. فقد كان رد فعل أسواق الأسهم العالمية سلبياً على حالة عدم اليقين الاقتصادي المرتبطة بالأزمة الصحية، فضلاً عن انهيار أسعار النفط.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.