اهتمام سويسري بالماء الصالح للشرب وبالمنظمات المحلية في حوض نهر العاصي
فيما تُستأنف محادثات السلام حول سوريا عشية الاربعاء 13 أبريل في جنيف، فتحت مراكز الإقتراع أبوابها في انتخابات تشريعية يُجريها نظام بشار الأسد في المناطق الخاضعة لسيطرته وذلك في أجواء من التصعيد تنذر بانهيار الهدنة. في المقابل، تدعم سويسرا عبر "دبلوماسية المياه" عملية البحث عن حلول عملية للمرحلة الموالية.
مع حلول موعد استئناف محادثات السلام السورية في جنيف، يتركز اهتمام الدبلوماسيين مجددا على المحاولات الرامية لإيجاد حل سياسي للنزاع الذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 250 ألف شخص وتهجير نصف سكان سوريا من بيوتهم وفتح المجال بوجه مجموعات راديكالية وعنيفة من قبيل “تنظيم الدولة” أو “جبهة النصرة” أي فرع تنظيم القاعدة في سوريا.
وفي المدينة الواقعة غربي سويسرا، يلتقي وفدا الحكومة والمعارضة السورية بعد مرور أسبوعين على انتهاء الجولة الاخيرة من المباحثات من دون تحقيق أي تقدم حقيقي للتوصل إلى حل سياسي للنزاع الذي تسبب بمقتل أكثر من 270 الف شخص منذ منتصف مارس 2011. وفي سياق مُواز، تشتغل الحكومة السويسرية في هدوء وبلا ضجيج من أجل دعم إحلال السلام على جبهات أخرى غير بادية للعيان من خلال المساهمة في الإعداد لمرحلة ما بعد الحرب وعبر التركيز على حاجة أساسية للسكان هي الماء.
في هذا السياق، التقت في الآونة الأخيرة مجموعة تضم خبراء سويسريين في مجال التنمية وأكاديميون من تخصصات مختلفة بهدف بلورة “شكل من أشكال دبلوماسية المياه” على حد وصفهم في هذه المنطقة الملتهبة. وتتلخص رؤية هذه المجموعة في أن نهر العاصي، وهو مجرى الماء الدائم الوحيد في المنطقة المتدفق شمالا، يمثل إحدى الحلول الممكنة للتخفيف من حدة النزاعات. فهذا النهر ينطلق من لبنان، ثم يشق بعض المناطق الأكثر اضطرابا وتمزقا بسبب الأزمة في سوريا، ويعبُر الأراضي التركية قبل أن تصب مياهه في البحر الأبيض المتوسط.
مُقاربة مائية
في العادة، تساعد كميات الأمطار الكبيرة المتساقطة خلال فصل الشتاء على ملء مجرى النهر، إلا أن ذلك يعتمد على المياه الجوفية خلال فصل الصيف. وفيما تستعمل المياه من طرف المزارعين لأغراض الري، إلا أن الكثير من استخداماتها تعتمد على وضع العلاقات السياسية بين سوريا وتركيا.
يقول الخبراء إن الحرب في سوريا أدت إلى نزوح ثلثي القاطنين في حوض نهر العاصي الذين يقدّر تعدادهم بأربعة ملايين نسمة، كما أسفرت عن وضع وصول مليونين ونصف المليون شخص إلى الماء، شريان الحياة، موضع الخطر. وبسبب تعطل أعمال الري، انخفض الإنتاج الزراعي في المنطقة بنسبة 70%.
قبل عامين، وفرت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون تمويلا للمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيفرابط خارجي من أجل إنجاز بحث عن السبل الكفيلة بالزيادة في حجم التعاون وفي إدارة مصادر المياه في حوض نهر العاصي بشكل مستدام.
ويقول الباحثون إنهم يعتقدون أن “إعادة تأهيل البنية التحتية للمياه المنزلية والزراعية ستكون أولوية من أجل ضمان عودة مستدامة للسكان المُرحّلين”.
في السياق، يذهب بعض الخبراء المشاركين في المشروع إلى أن إحدى الأسباب الجذرية للحرب الأهلية في سوريا كانت أزمة إدارة المياه في حوض نهر العاصي، وأن إيجاد حلول لهذه المسألة يُمكن أن يُحسّن على الفور جهود الطوارئ المبذولة لتقديم المساعدات الإنسانية إلى السكان.
رونالد جوبير، أستاذ سياسات التنمية في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية الذي يتخذ من جنيف مقرا له، يرى أن “المياه تمثل رافعة قوية محتملة”، ويضيف أن “تحسين الوصول إلى المياه حاجة ملحة. كما أن الطريقة الوحيدة لتحسين فرص الحصول على مياه صالحة للشرب على نطاق واسع تتمثل في الإعتماد على منظمات سورية”.
الطريقة الوحيدة لتحسين فرص الحصول على مياه صالحة للشرب على نطاق واسع تتمثل في الإعتماد على منظمات سوريّة رونالد جوبير، أستاذ سياسات التنمية بالمعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية في جنيف
مساعدة للمجموعات المحلية
جوبير قال أيضا إن الباحثين المدعومين من طرف سويسرا أجروا مسحا لثلاثمائة وعشرين (320) منظمة سورية تنشط في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وللمتمردين من أجل معرفة كيف يُمكن للمانحين الأجانب وللدول تقديم المساعدة بشكل أفضل، بالرغم من استمرار التركيز الدولي على قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، والحفاظ على وقف جزئي لإطلاق النار بما يسمح بإطالة أمد تلك المعركة.
الرئيس بشار الأسد الذي استعادت قواته مؤخرا مدينة تدمر التاريخية وسط سوريا من مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”، ظل يُحاول باسمرار إقناع الغرب بأنه يُمكن للجيش السوري أن يكون شريكا ذا مصداقية في مقاتلة الإرهاب. في مقابل ذلك، تشدد الولايات المتحدة التي ظلت مفتقرة لوقت طويل إلى شريك عسكري موثوق به في سوريا على أن القمع الذي مارسه الحكم التسلطي للأسد على شعبه هو الذي سمح للمتطرفين كتنظيم “الدولة الإسلامية” بأن يجد له موطئ قدم.
يُضاف إلى ذلك، أنه على الرغم من أن عدد المهاجرين السوريين وصل إلى أرقام مرتفعة جدا في أوروبا إلا أن حوالي 75% من الشعب السوري الذي يُقدر تعداده بـ 18 مليون نسمة بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. فقد فرّ حوالي 4.7 مليون سوري من بلادهم التي مزقتها الحرب، فيما تحول 6.6 مليون آخرون إلى نازحين داخليين. وعلى الرغم من الاحتياجات الضخمة، إلا أن عددا ضئيلا جدا من المنظمات الدولية ينشط حاليا داخل الأراضي السورية.
في عام 2012، أغلقت الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون مكتبها في دمشق. وفي جنيف، توصل الباحثون الذين أسهمت الوكالة في تمويلهم إلى أن معظم المنظمات غير الحكومية لا يُمكن لها تقديم المساعدة إلا انطلاقا من البلدان المجاورة وإلى أنها تعمل في أغلب الحالات مع اللاجئين.
في الواقع، تحتاج سوريا اليوم إلى الإغاثة وإعادة الإعمار والتنمية في آن معا (مع أنها مهام تُنجز عادة بشكل متتابع)، طبقا لباحثين يقومون بإعداد تقرير سينشر في وقت لاحق حول كيفية اشتغال المجتمع المدني السوري والمجموعات الإغاثية السويسرية بشكل مشترك في سوريا.
ويعمل الباحثون وهم ستيفن ديكسون وإلزا روميرو وأمل سادوزاي الطلبة في معهد الدراسات العليا في جنيف بالإشتراك مع خبراء من جمعية Geo – Expertiseرابط خارجي التي تتخذ من جنيف مقرا لها من أجل تهيئة التقرير. وفي هذا الصدد، تُذكّـر كارول فالتي، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، أن الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون تعمل مع شركائها كالأمم المتحدة والصليب الأحمر، وتشير إلى أنه “في ظل عدم وجود مكتب تعاون في دمشق، فإن خيارات العمل بشكل مباشر مع المنظمات غير الحكومية تظل محدودة”.
معضلة الفساد
مع ذلك، لا تبدو جميع منظمات العون مؤهلة للحصول على مساعدات حتى وإن كانت تتوفر على الخبرات التي تتطلبها الأوضاع، كما أن قلة الثقة في المجموعات السورية يحُدّ من مجال وصول المساعدات. ولهذه الأسباب، يُحاول البحث الممول من طرف سويسرا إجراء مسح وتقييم لأفضل المجموعات التي يُمكن التعامل معها كشركاء محليين.
وفي الوقت الذي يستشري فيه الفساد بنفس السرعة التي ينتشر بها العنف، يُقدر البعض أن 60% من المساعدات المقدمة لسوريا تصل إلى أصحابها المستحقين لها، فيما يتم سرقة أو نهب الباقي والتفويت فيه بالبيع بشكل غير قانوني. ومع ذلك، تظل الإحتياجات كبيرة جدا، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 10% من السوريين الذين يعيشون في المناطق التي تُسيطر عليها “الدولة الإسلامية” يعتمدون في حياتهم على المساعدات الدولية.
في هذا السياق، يقول توفيق الشماع، وهو طبيب مقيم في جنيف والناطق باسم اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية الذي يُدير بعض المصحات في مناطق تسيطر عليها فصائل معارضة: “أغلب الجهود الدولية تمر عبر دمشق أي من خلال المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، التي لا تزيد عن 30% من الأراضي السورية”.
الدكتور الشماع أضاف في تصريحات لـ swissinfo.ch: “في مقابل ذلك، يعيش 70% من السكان المتضررين الذين يربو عددهم على 10 ملايين شخص في مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام”. وهو ما يعني أن “نسبة قليلة من التمويلات بصدد الوصول إلى السكان المحتاجين إليها فعلا. وإذا ما كانت الجهود الدولية تريد فعلا إحداث تأثير في موجات المهاجرين المغادرة لسوريا فإن هذه المناطق يجب أن تقدم فيها المساعدات بشكل عاجل”، على حد قوله.
من ناحيته، أشار جوبير، من المعهد العالي للدراسات الدولية والتنموية، إلى أن المنظمات السورية تُعاني أيضا من نقص في الإعتراف من طرف وكالات الغوث الإنسانية، ولفت إلى أن “الإعتراف قد لا يقل أهمية عن التمويل”.
(نقله إلى العربية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.