هل سويسرا حقّا بطلة العالم في إعادة التدوير؟
قد يكون العثور على دراسات دولية حول موضوع إعادة التدوير أمراً سهلاً، ولكن تتويج بطل لهذه العملية ليس كذلك على الإطلاق. وتكمن المشكلة هنا في كيفية إحتساب الدول المختلفة لمعدلات إعادة التدوير لديها.
على مدى السنوات الماضية، نَصَّبت وسائل الإعلام، وصناعة إعادة التدوير، وحتى الوكالات الحكومية سويسرا كـ”بطلة للعالم في إعادة التدوير”، بهدف الترويج لصورة البلاد في الخارج. واليوم، يستخدم معارضو المبادرة الشعبية الداعية إلى اقتصاد أخضررابط خارجي، [التي أطلقها حزب الخضر، والداعية إلى إقتصاد يستند في جوهره على الطاقة المتجددة، والتي تعارضها الحكومة والبرلمان على حد سواء] التي سيقول الناخبون كلمتهم الأخيرة بشأنها يوم 25 سبتمبر 2016 هذا الإدعاءرابط خارجي بغية إثارة الجدل حول مقترحات تدعو لتعزيز إعادة التدوير كوسيلة للحَد من البصمة الكربونية لسويسرا.
ومن بين الأطراف المُشار إليها أعلاه، ذكرت رابطة الشركات السويسرية (economiesuisse) في بيان صحفي رابط خارجيأن سويسرا “التي تُعتَبَر نموذجاً يُحتذى به في مجال إعادة التدوير، تحقق معدلات لا يمكن لدول أوروبية أخرى إلا أن تحلم بها”. وفي وثيقة السياسات اللاحقة التي طرحت فيها حججها المعارضة للمبادرة، نشرت جماعة الضغط التجارية هذه مُخططاً بيانياً مُتكاملاً للمعلومات، يضُم معدلات إعادة تدوير مثيرة للإعجاب، ويُنصِّب السويسريين كـ “أبطال العالم” في إعادة التدوير.
وفي الواقع، فإن إيجاد الدولة الأكثر تفوقاً في مجال إعادة التدوير في العالم هو أصعب تحقيقاً مما تشير إليه الأدلة.
البيانات
وكما يبدو، توجد هناك دول أخرى إلى جانب سويسرا تدّعي إمتلاكها الحق في تاج إعادة التدوير. ففي أحدث تقرير صادر عن منظمة التعاون والتنمية يبحث في المعدلات الإجمالية لإعادة تدوير النفايات المحلية وتحويلها إلى سمادرابط خارجي، فإن القائدة ألمانيا (بمعدل 65%)، وبضعة دول أوروبية الأخرى بالإضافة إلى كوريا الجنوبية، أفضل حالاً من سويسرا بكثير (بمعدل لا يزيد عن 51%).
وتتشابه هذه المعدلات مع بيانات عام 2014رابط خارجي التي جمعتها وكالة الإحصاء الأوروبية “يوروستات”.
وعلى ضوء هذه المعطيات، يبدو تتويج سويسرا كبطلة للعالم في إعادة التدوير أمراً مُحيراً. ويعتقد باتريك غايسَّلهارت، رئيس الرابطة السويسرية لإعادة التدويررابط خارجي Swiss Recycling [وهي منظمة جامعة توحّد سبع منظمات متخصصة في إعادة تدوير مواد متنوعة، لكنها لا تضم في صفوفها المنظمات المعنية بجمع الورق والكرتون أو السماد]، بأن هذا اللقب كان صائباً في الواقع في وقت من الأوقات.
“بفضل مبدأ ‘المُلَوِث يَدفع’، كانت سويسرا إحدى الدول السبّاقة بتحقيق معدلات عالية في إعادة التدوير”، كما كتب غايسَّلهارت في رسالة بالبريد الالكتروني لـ swissinfo.ch، مُذكرا بالرسوم التي فرضتها العديد من البلديات السويسرية على أكياس النفايات لأول مرة في عام 1990، لتشجيع إعادة التدوير.
“وكما تشير البيانات، فقد وصلت ألمانيا والنمسا وبلدان الشمال الأوروبي إلى معدلات مماثلة (لسويسرا)”، كما أضاف.
أساليب مختلفة، أسعار مختلفة
ولكن إطلاق لقب البطل على ألمانيا أو أي بلد آخر بالإستناد على هذه المعدلات مسألة متروكة للنقاش. وتحذر منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية من أن تعريفات النفايات المحلية وكذلك الدراسات الاستقصائية تختلف من بلد إلى آخر. وكما أوضح خبير في إدارة النفايات في المكتب الفدرالي للبيئةرابط خارجي، لا تَحسب جميع البلدان معدلات إعادة التدوير بنفس الطريقة.
“على سبيل المثال، بإمكان الأسر الألمانية استخدام كيس من البلاستيك لجمع كافة نفايات التغليف القابلة لإعادة التدوير، والتي تُنقل لاحقاً الى مركز للفَرْز بغية فصلها لإعادة التدوير، ولاستخلاص الطاقة الحرارية”، كما قال ميخايل هوغي، المسؤول عن إدارة مُعالجة النفايات الحضرية وإعادة التدوير بسويسرا في المكتب الفدرالي للبيئة.
وحتى لو لم يؤُل مصير جميع هذه المواد لإعادة التدوير، فإن مُجمل كمية للنفايات التي تم فَرزَها مُسبقا سوف تُستخدم لاحتساب معدل إعادة التدوير في هذه الحالة. على الجانب الآخر، تجري عملية الفرز بسويسرا في المصدر، ويقوم به المستهلك في العادة، لذا فإن الحساب في هذه الحالة مبني على نفايات بحتة مناسبة لإعادة التدوير في الواقع.
ووفقاً لـهوغي، يُصَعِّب وجود مثل هذه الإختلافات الحصول على ترتيب دقيق وفق معدل إعادة التدوير – أو لتتويج بطل لعملية إعادة التدوير في جميع الأحوال.
وللحصول على صورة أوضح لعملية إعادة التدوير في الإتحاد الأوروبي، تقترح المُفوضية الأوروبية اللّجوء إلى طُرق حساب مُنسقة باستخدام كمية النفايات الداخلة في عملية إعادة التدوير النهائية، بعد إتمام عملية الفرز. لكن الرابطة الألمانية لإدارة النفايات حذرت من أن تغييراً كهذا قد يؤدي إلى تسجيل إنخفاض في معدل إعادة التدوير الحالي للبلاد إلى أقل من 50%، وهو معدل إعادة التدوير الذي يستهدف الاتحاد الأوروبي تحقيقه بحلول عام 2020.
وبعبارة أخرى، قد يؤدي تغيير طريقة الحساب في ألمانيا وغيرها من الدول، إلى تخلفها عن سويسرا في جداول الحسابات الدولية في المستقبل.
أبطال إعادة تدوير الزجاج؟
وإذا كانت معدلات إعادة التدوير الإجمالي الحالية لا تضع سويسرا في القمّة، فلربما إستندت مطالبتها ببطولة العالم على بيانات لإعادة تدوير منتجات محددة بدلاً من ذلك، كما يفيد مخطط معلومات بياني تستخدمه رابطة الشركات السويسرية.
ويتوج المخطط البياني الذي أنتجته مؤسسة الحضور السويسريرابط خارجي Presence Switzerland، إحدى الوحدات التابعة لوزارة الشؤون الخارجية التي تهتم بترويج صورة البلاد في الخارج، سويسرا بطلاً للعالم، كاشفاً عن معدلات لإعادة تدوير الزجاج وعلب الصفيح تتجاوز علامة 90%.
ولكن حتى مع معدلات 96% المثيرة للإعجاب، تٌظهٍر أرقام صادرة في عام 2015 رابط خارجيعن الفدرالية الأوروبية للحاويات الزجاج، تفوّق كلا من الدانمارك (بمعدل 98%) والسويد (97%) على سويسرا في إعادة تدوير الزجاج. وتتشابه الصورة في إعادة تدوير علب المشروبات المصنوعة من الألمنيوم؛ حيث كشفت بيانات نشرتها الجمعية الأوروبية للألمنيوم في عام 2012 ،عن أداء أفضل بعض الشيء لبضع دولرابط خارجي مثل النرويج (96%) بالمقارنة بسويسرا (92%).
الحُكم النهائي
تُظهر بيانات المقارنة حول إعادة التدوير، سواء تعلق ذلك بتدوير مواد معينة كالزجاج، أو لجميع المواد القابلة للتدوير مُجتمعة، أن سويسرا لا تبعد من المركز الأول إلّا بمرتبات قليلة جداً – وهي نموذج يُحتذى به بكل تأكيد، ولكنها ليست الأولى. بالرغم عن ذلك، قد لا تكون هذه التصنيفات مضمونة أساساً لإيجاد ما يسمى بـ ‘البطل’ في الواقع، نظراً إلى استخدام البلدان المختلفة لنظم تجميع متفاوتة وأساليب متباينة لاحتساب معدلات إعادة التدوير.
وحتى تتم مواءمة هذه الأساليب، قد ترغب رابطة الشركات السويسرية “إيكونومي سويس” وغيرها بوضع الحديث عن البطولة جانبا، وتقول بدلاً من ذلك عندما يتعلق بإعادة التدوير، أن سويسرا هي من بين الأفضل في العالم. وهذه مسألة لن يُجادلها أحد على الإطلاق.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.