مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تحديات جسيمة تقف أمام الحلم السويسري في مجال التجارة الحرة

شنغهاي.. واحدة من الأطراف الذين ترغب سويسرا في تعزيز التجارة معها Reuters

قد لا تكون الاستراتيجية التي تنتهجها سويسرا لإبرام المزيد من الاتفاقيات التجارية الحرة الثنائيــة كافية لاختراق الاقتصاديات المزدهرة للصين والهند وروسيا.

وإذا ما فشلت منظمة التجارة العالمية هذا الشهر في إحراز تقدم لتسوية المشاكل الأكثر إلحاحا، فإن سويسرا قد تضم جهودها إلى اقتصادات قوية لمعالجة القضايا التي لا يمكن لها أن تحلها بمفردها.

بينما طورت سويسرا بنجاح شبكة من اتفاقيات التجارة الحرة مع بلدان كثيرة تشاطرها نفس وجهات النظر في مختلف أنحاء العالم، فإن كبريات الاقتصادات النامية تــُمثل مجموعة جديدة من التحديات التي تهدد جديا بالحد من نطاق إبرام أي صفقات جديدة.

ويعتقد بعض المراقبين أن سويسرا لا تتمتع بثقل كبير للتغلب على عقبات مثل قضايا حقوق الإنسان، ومنازعات الملكية الفكرية، وهياكل الحكم غير الواضحة والسياسة الحمائية في الدول التي تتفاوض معها.

سيمون إيفينيت، أستاذ التجارة الدولية والتنمية الاقتصادية بجامعة سانت غالن قال في توضيحات أدلى بها إلى swissinfo.ch في هذا السياق: “تتفاوض سويسرا مع شركاء تجاريين كبار جدا ولا يشعرون بأي قيد من قيود الإلزام لتقديم تنازلات هامة للمصالح السويسرية”.

ثم استطرد قائلا: “لا يمكنني أن أتخيل أن تعرض الهند أو الصين على سويسرا صفقة مبتكرة بشكل خاص. فقد تبدو جيدة على الورق، ولكن يصعب عليّ تصورهما يخلقان فرص عمل كثيرة في سويسرا”.

سويسرا ترفع سقف تطلعاتها

وحسب كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية، فإن الصادرات السويسرية باتجاه الشركاء الذين تربطها بهم اتفاقيات التجارة الحرة تنمو أسرع مرتين مقارنة مع باقي البلدان، في حين توفر الشركات السويسرية سنويا 420 مليون فرنك من مستحقات الرسوم الجمركية.

وقد رفعت سويسرا مؤخرا سقف تطلعاتها من خلال فتح المفاوضات مع الاقتصادات العالمية الأكثر دينامية – الصين والهند ودول الاتحاد الجمركي روسيا وبيلاروس وكازاخستان.

ولكن حلـم تأمين اتفاق تبادل تجاري حر مع الهند قبل إجراء انتخاباتها الرئاسية المرتقبة في عام 2012، قد بدأ يتلاشى سريعا، إذ أن أحد نقاط الخلاف الرئيسية هي المطلب الذي تقدمت به شركات الأدوية السويسرية لحماية براءات الاختراع ضد شركات الأدوية الجنيسة في الهند. وتحجج المعارضون بأن ذلك قد يجعل الأدوية باهظة الثمن بالنسبة للمرضى الهنود الفقراء.

مخاوف النقابات السويسرية

وتريد الهند من جهتها أن تمنح سويسرا المزيد من تأشيرات العمل للمشتغلين في قطاع الخدمات، لاسيما في مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات. ولكن النقابات السويسرية تخشى من أن يؤدي ذلك إلى تدفق العمالة الرخيصة.

وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، قال دوني تورش: “لا يمكننا أن نقبل بأن يُضعف عمال قادمون من بلدان أخرى معدل الأجور هنا. لقد شهدنا بالفعل أمثلة لإغراق الأجور منذ أن فتحت سويسرا حدودها بوجه عمال بلدان الاتحاد الأوروبي، ونحن لا نريد أن تتعمّق هذه (الظاهرة)”.

كما يضطر المفاوضون السويسريون للمطالبة بأن تلتزم البلدان الشريكة بمعايير دنيا في مجال احترام حقوق الإنسان وحماية البيئة، وهو ما يطرح مشكلة لممارسة الأعمال التجارية في الصين على وجه الخصوص.

وكان وزير التجارة الصيني تشين ديمينغ قد حذر في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي لعام 2011 من حدوث “تأخير في عملية التفاوض” إذا ما مارست سويسرا ضغوطا قوية في ملف حقوق الإنسان.

أما انضمام روسيا مؤخرا لمنظمة التجارة العالمية – وقد ساعدت الرعاية السويسرية جزئيا في تحقيقه  – فإنه أثــار آمالا تحيطها الشكوك في اعتماد إصلاحات اقتصادية في البلاد. وقد سنّــت روسيا إجراءات حمائية تجارية أكثر من أي بلد آخر منذ عام 2008، وفقا لهيئة الرصد الاقتصادي “مراقبة التجارة العالمية” (GTA).

ماذا عن المسار متعدد الأطراف؟

يعتقد العديد من المراقبين، ومن ضمنهم سيمون إيفينيت، الوجه البارز في هيئة “مراقبة التجارة العالمية”، أن منظمة التجارة العالمية ستخوض مهمة صعبة لجعل روسيا تزيل الحواجز التجارية، ناهيك عن سويسرا. وقال في حديثه لـ swissinfo.ch: “ليس واضحا إن كانت روسيا ستلتزم بالقواعد. أتوقع منها أن تكون شريكا صعبا من حيث الامتثال.”

وبينما يستفيد بعض المصدرين من اتفاقيات التجارة الحرة – مثل قطاعات صناعة الآلات والساعات والأدوية – فإن إيفينيت يعتقد بأن المفاوضات التجارية متعددة الأطراف في منظمة التجارة العالمية قد تعطي دفعة أقوى إذا ما أحرزت بعض التقدم. ولكن أعضاء المنظمة البالغ عددهم 153 قد فشلوا في التوصل إلى توافق حول العديد من القضايا، مما عثــر جولة مفاوضات الدوحة بعد عشر سنوات من إطلاقها.

من جانبه، أوضح السفير لوزيوس فازيشا، ممثل سويسرا الدائم لدى منظمة التجارة العالمية، أنه ينظر بعقل مفتوح إلى إمكانية الانضمام إلى مسار متعدد الأطراف وسريع. وأشار في تصريحاته لـ swissinfo.ch إلى أن القرار لن يؤخذ قبل المحادثات الوزارية لمنظمة التجارة العالمية في يناير 2012.

قد أدى هذا المأزق إلى الحديث عن مجموعة من الدول التي خاب أملها فقاطعت محادثات الدوحة لإطلاق مسار مفاوضات سريع ومتعدد الأطراف. وتعــد هذه العملية الجديدة بتحقيق تقدم أسرع وعلى نطاق أوسع فيما يخص قضايا مثل المشتريات الحكومية وتنسيق الأنظمة الجمركية.

وقال إيفينيت بهذا الشأن: “إن النهج الثنائي جيد بالنسبة لعدد محدد من الصناعات، ولكن إذا كنت تريد أن تدفع المصالح السويسرية إلى الأمام بشكل ملموس، فإن المقاربة متعددة الأطراف هي أفضل الطرق المتاحة”.

وأضاف أن “الخيار المفضل لسويسرا هو مواصلة المحادثات مع جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية. ولكن إذا ما تواجدت رغبة ولو كانت محدودة في تغيير جدول الأعمال الحالي والتقدم نحو الأمام، فإننا سنبحث (إمكانية) اعتماد الخيار الأقل شعبية. فالمحادثات متعددة الأطراف ليست حلا سحريا في جميع الحالات، ولكنها قد تحل مشاكل في مجال أو اثنين”.

توجد الاتفاقيات التجارية منذ قرون عديدة، واستخدمت في بداية الأمر وبشكل خاص لتعزيز التحالفات السياسية بين البلدان.

شهد عصر الاستعمار انتشار معاهدات لتأمين إمدادات المواد الخام من المستعمرات وكسب احتكار تجارة السلع التامة الصنع التي تعود منها.

وكانت اللائمة قد ألقيت جزئيا على ارتفاع مثل هذه الاتفاقيات الحمائية – التي صدت الأبواب أيضا أمام منافسة البلدان الممثلة للأسواق الجديدة – لاندلاع الحربين العالميتين.

في عام 1947، وقعت 23 دولة على الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (ألغات) التي حاولت أن تحل محل المعاهدات الحمائية وتقيم نظاما جديدا يحرر التجارة العالمية. وفي عام 1966، انضمت سويسرا إلى التحالف التجاري الذي أطلق عليه اسم منظمة التجارة العالمية عام 1995.

أقامت “الغات” مبدأ “الأمة الأكثر تفضيلا” الذي يجبر الدول على تقديم نفس الشروط التجارية لجميع الدول الأعضاء، على قدم المساواة.

استضافت جنيف الجولة الأولى من محادثات اتفاقية “الغات” في عام 1947، واحتضنت بعد تسعة سنوات الجولة الرابعة منها. وكانت مفاوضات الدوحة التي بدأت في عام 2011 الجولة الثامنة من المحادثات التي حاولت تذليل العقبات أمام فتح التجارة العالمية.

ثبت أن البحث عن توافق الآراء بين أعضاء منظمة التجارة العالمية البالغ عددهم 153 بشّأن مجموعة واسعة من القضايا مثل التعريفات الجمركية، وحقوق الملكية الفكرية، والمشتريات العامة، والإعانات الزراعية، والمقاييس البيئية، مهمة تتطلب وقتا طويلا.

في ظل بطء سير المحادثات متعددة الأطراف، يسمح للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية التفاوض بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف حول معاهدات تجارية تتجاوز قاعدة العضو الأكثر تفضيلا، ولكن يجب أن تعرض مثل هذه المعاهدات على منظمة التجارة العالمية للمصادقة عليها قبل أن تدخل حيز النفاذ.

صادقت سويسرا (أساسا بالتعاون مع بلدان الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر “إيفتا” التي تضم فضلا عنها، كلا من النرويج وإمارة ليختنشتاين وإيسلندا) على 26 اتفاقية تجارة حرة مع 35 بلدا، إلى جانب معاهدة إيفتا ومعاهدة التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.

وتضم قائمة الشركاء اليابان، والمكسيك، وكندا، ومصر، وتركيا، وكوريا الجنوبية.

وسيتم تعزيز هذا الرقم في عام 2012 بموجب معاهدات مع دول عربية، ومع هونغ كونغ، وأوكرانيا. حاليا، 16% من الصادرات السويسرية تندرج في إطار اتفاقيات التجارة الحرة.

بدأت المفاوضات مع عدد من البلدان الأخرى، من بينها الصين والهند واتحاد الجمارك المتشكل من روسيا وبيلاروس وكازاخستان.

في عام 2006، فشل اقتراح لإبرام اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، ويعود السبب في ذلك أساسا إلى عدم الاتفاق على الإعانات الزراعية.

(ترجمته من الإنجليزية وعالجته إصلاح بخات)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية