تحقيق التوازن بين الأمل والعلم في البحث عن علاج لفيروس كورونا
تم نشر هذا المحتوى على
13دقائق
تغطي جيسيكا الجيد والسيئ والبغيض عندما يتعلق الأمر بالشركات العالمية الكبرى وتأثيرها في سويسرا وخارجها. تبحث دائماً عن صِلة سويسرية مع مسقط رأسها سان فرانسيسكو، وسوف يُسعدها مناقشة أسباب إنتاج هذه المقاطعة بعضاً من أعظم الابتكارات، ولكنها على ما يبدو غير قادرة على حل أزمة السكن فيها.
يجسد الجدل الذي يحيط بالعقار المضاد للملاريا “هيدروكسي كلوروكين” التحديات التي تواجهها الشركات في تحقيق التوازن بين رغبات السياسيين في إعطاء الأمل للمرضى من ناحية والحقائق العلمية من ناحية أخرى.
أخبر فاس ناراسيمهان الرئيس التنفيذي لشركة “نوفارتيس”Novartis مؤخراً، صحيفة “زونتاغس تسايتونغ” SonntagsZeitung أن الشركة تعمل على نفقتها الخاصة، لتقديم عقار مكافحة الملاريا هيدروكسي كلوروكين، كأفضل خيار يعطي الأمل في التغلّب على فيروس كوفيد-19.
يقول ناراسيمهان: “أظهرت الدراسات السابقة التي أجريت على مرضى الحيوانات وكذلك البيانات الأوليّة من الدراسات السريرية للمرضى من البشر أن هيدروكسي كلوروكين يقتل فيروس كورونا “.
ونظراً لأن قسم “ساندوز” Sandoz في نوفارتيس هو واحد من أكبر صانعي الدواء، فقد أحدث البيان بعض الضجة وسط بحث جنوني دؤوب عن علاج للفيروس الذي أصاب أكثر من مليون ونصف شخص في جميع أنحاء العالم.
وتجد شركة الأدوية الكبرى نفسها تسير على الخط الرفيع الفاصل بين إعطاء الأمل وضمان السلامة، مع إدراكها بأنه في الظروف الطبيعية، يتطلب من الشركات إجراء اختبارات علمية أكثر دقة وصرامة، قبل طرح أي منتج علاجي في الأسواق.
ولكننا اليوم لا نعيش في ظروف طبيعية؛ فمع نفاذ الخيارات المتاحة للمرضى، يتجه بعض الأطباء إلى هيدروكسي كلوروكين وإلى عقار مشابه، هو الكلوروكين، ويفيدون عن حصولهم على بعض النتائج الأوليّة الإيجابية من جراء استخدام هذه الأدوية. وقد حدت هذه النتائج بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى القيام بتصريحات حماسية لاستخدام هذه الأدوية، مما وضع بعض علماء الأوبئة، في وضع محرج. وفيما منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) تفويضاً باستخدام هذا الدواء في حالات الطوارئرابط خارجي لمرضى فيروس كوفيد-19، تبقى السلطات الأوروبية أكثر حذراًرابط خارجي في الحث على استخدامه.
من جهتها، أدرجت الجمعية السويسرية للأمراض المعدية دواء هيدروكسي كلوروكين كواحد من الأدوية المضادة للفيروساترابط خارجي التي يوصى بأخذها بعين الاعتبار، في علاج مرضى كوفيد-19 الذين أدخلوا إلى المستشفيات. ومهد ذلك الطريق أمام نوفارتيس لجعل سويسرا ثاني بلدرابط خارجي، بعد الولايات المتحدة، لتلقي جزء من 130 مليون جرعة تعهدت شركتها الفرعية ساندوز بالتبرع بها، كمساهمة في مكافحة فيروس الكورونا. كما أعلنت شركة أخرى مقرها سويسرا، وهي شركة “ميفا” Mepha، والتي تُعتبر فرع الأدوية البديلة لشركة “تيفا” Teva للأدوية، يوم الجمعة الماضي عن التبرع بـ 90.000 جرعةرابط خارجي للمستشفيات السويسرية من أجل “مرضى المستشفيات المصابين بالفيروس، ممن هم في حالة حرجة”.
الأمور تقاس بخواتيمها
هيدروكسي كلوروكين (إلى جانب الكلوروكين) هو واحد من أربعة أدوية تجري دراستها من خلال حملة التضامن في التجارب السريرية التي تنظمها منظمة الصحة العالمية. وتتمثل إحدى المزايا الرئيسية للدواء في أنه رخيص ويمكن الحصول عليه بسهولة. وقد تمت الموافقة على استخدام دواء هيدروكسي كلوروكينرابط خارجي من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في عام 1955، وكان قد جرى استخدامه لعلاج الملاريا وأمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة والتهاب المفاصل الروماتزمي. إلا أن المشكلة تكمن في أن بيانات دلائل فوائد استخدامه ضد كوفيد-19 لا تزال غير مكتملة.
ويقول متحدث باسم نوفارتيس لموقع swissinfo.ch إنه “على الرغم من عدم وجود علاج معتمد لـ كوفيد-19 اليوم، فإن هيدروكسي كلوروكين قد أعطى أملاً في مكافحة الفيروس من خلال الدراسات الأوليّة في المختبر”، مستشهداً بدراسةرابط خارجي أجريت خارج الصين في أوائل فبراير. لكن نجاح النتائج التي حققها الدواء على عيّنة صغيرة، لا يعني بالضرورة نجاح استخدامه على سائر البشر، وذلك على ضوء تجربة الباحثين عندما اختبروا الكلوروكين ضد انتشاررابط خارجي وباء السارس SARS بين عامي 2002-2003، وضد الفيروسات الأخرى مثل حمى الضنكرابط خارجي.
يقول ديفيد ريدي، الرئيس التنفيذي لشركة أدوية مكافحة الملاريا، وهي مؤسسة بحثية مقرها جنيف، قامت حتى الآن بتطوير 10 أدوية مضادة للملاريا، إنه لا يزال هناك الكثير مما نجهله. ويصرّح ريدي لـ swissinfo.ch قائلاً: “لا تزال لدينا أسئلة، لا نملك الإجابات عنها في الوقت الحالي، حول فعالية الدواء ضد الفيروس”.
محتويات خارجية
لا يمكن حفظ اشتراكك. حاول مرة اخرى.
شارف على الإنتهاء… نحن بحاجة لتأكيد عنوان بريدك الألكتروني لإتمام عملية التسجيل، يرجى النقر على الرابط الموجود في الرسالة الألكترونية التي بعثناها لك للتو
ويضيف ريدي، وهو أيضاً الرئيس السابق لفريق العمل المعني بوباء الأنفلونزا التابع لشركة الأدوية السويسرية “روش”Roche: “إن السلوك الذي يحكم تصرّفات الناس هو سلوك براغماتي. ما زلنا بحاجة إلى أن نختبر ونتأكد قبل اتخاذ أي قرار ونحن نمضي قدماً في هذا الاتجاه، لأن اللوحة أمامنا لم تكتمل بعد. “
يحمل الكلوروكين مخاطر معروفة، خاصة لأي شخص يعاني من أمراض في القلب. وما يقلق ريدي أكثر من أي شيء آخر، هو توجّه “الغرب الأمريكي” إلى استخدام هذا الدواء من دون تصريح ودون وجود أي دليل علمي على خضوعه لمعايير الأمان والسلامة، أو على فعاليته ضد فيروس كوفيد-19. “من المهم أن نتوصل إلى تحديد الجرعة الممكن تناولها بحيث يكون الدواء فعالاً وآمناً، والتي تقلل من فرصة مقاومة الجسم له” على حد قوله.
والجدير بالذكر هنا، أن مقاومة الجسم للكلوروكينرابط خارجي أدت إلى تضاؤل استخدامات هذا الدواء في علاج بعض أنواع الملاريا مثل المتصورة المنجلية؛ ولكنه ما يزال دواءً حيوياً وأساسيّاً في علاج المتصورة النشيطة والمتصورة البيضوية وفي الوقاية من الملاريا.
وهناك تداعيات حادة أخرى، ناجمة عن استخدام هذا الدواء تثير قلق ريدي. فقد أفادت التقارير عن وجود مرضى يعالجون أنفسهم بأنفسهم، وحالات تناول جرعات زائدةرابط خارجي من هذا الدواء، وظهور علب مقلّدةرابط خارجي منه في بعض الأماكن.
وهناك بالفعل تقاريررابط خارجي تفيد عن تزايد الطلب على هذا الدواء من قبل القيّمين على المستشفيات، وقيام الأطباء بتكديس كميات منه، مما يؤدي إلى عجز في توفّره للمرضى الذين يتناولونه بشكل منتظم.
وفي سويسرا، أبلغت رابطات كل من الطواقم الطبية المعنية بمعالجة داء الذئبة، وتلك المعنية بمعالجة التهاب المفاصل الروماتزمي، وهي بعض أمراض المناعة الذاتية، عن وجود عوائق وصعوباترابط خارجي في توريد “البلاكونيل”Plaquenil وهو اسم العلامة التجارية لدواء الهيدروكسي كلوروكين. وتفيد هذه الرابطات أن العمل جارٍ مع الخدمات الطبية في الكانتونات لضمان الحصول على إمداد كافٍ من الدواء.
ويحذر ريدي من أن الدواء لا يعدو كونه وصفة طبية يتوجّب استخدامها تحت إشراف طبي، حتى ولو كانت النتائج الأولية واعدة. أما العلاج الذاتي بالكلوروكين فإن الضرر الذي يمكن أن يلحقه بالمريض أكبر من منفعته. وبالإضافة إلى ذلك، فهناك مرضى يتناولون هذه الأدوية كل يوم لعلاج أمراض المناعة الذاتية المزمنة مثل الذئبة أو التهاب المفاصل الروماتزمي، “ومن غير اللائق ألا يكون هذا الدواء الحيوي في متناول المرضى الذين هم بأمس الحاجة إليه”، على حد قوله.
المزيد
المزيد
الوباء يهز سوق المضادات الحيوية التي تعاني من الكساد أصلا
تم نشر هذا المحتوى على
وجدت إحدى الدراسات الأولى للمصابين بفيروس كورونا المستجد في ووهان، مركز تفشي الفيروس، أن بعض المرضى، لا سيما من هم في حالة حرجة، عانوا من عدوى بكتيرية فرعية. وقد تم إعطاء هؤلاء المصابين المضادات الحيوية ولكن الدراسة لاحظت ارتفاع معدلات مقاومة الأدوية لبعض البكتيريا، مثل البكتيريا سلبية الجرام، مما يزيد من خطر الصدمة الإنتانية.
وفي حين أن المضادات الحيوية لا تقوم بمعالجة الفيروسات مثل فيروس كورونا المستجد، لكنها تّعتبر خط دفاع مهم ضد الالتهابات البكتيرية الفرعية مثل الالتهاب الرئوي المرتبط بالتنفّس والتهابات المسالك البولية والإنتان، وهذه الالتهابات هي الأكثر شيوعاً بين حالات المرضى الذين يتوجّب عليهم البقاء لفترات طويلة في وحدات الرعاية المركزة، ولا سيّما أولئك الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة.
ومع ذلك، لم يتم التطرق إلى المضادات الحيوية، إلا بشكل خجول جداً.
يقول مانيكا بالاسيجارام، وهو طبيب يرأس الشراكة العالمية للبحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية GARDP ومقرها جنيف، والتي تركز على الفئات الضعيفة، الأكثر تضرراً من كوفيد -19: “في الوقت الحالي، ليس لدينا رؤية واضحة لحركة العرض والطلب للمضادات الحيوية، ونحن لا نعرف ما هي المضادات الحيوية التي استُخدمت في علاج مرضى فيروس كورونا وفي أية حالات أدى ذلك إلى حدوث تعقيدات”.
ويضيف بالاسيجارام لموقع swissinfo.ch: “في حالات التفشي، ما زلنا بحاجة إلى الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية”. وبسبب الوضع المعقد والفوضوي الناتج عن كثرة عدد الأشخاص ممن يجب وضعهم على أجهزة التنفس، وعدم وجود الوقت الكافي لدى الجهاز الطبي لتغيير القفازات بين مريض وآخر، فإن حالات العدوى في المستشفيات ستزداد بشكلٍ مضطرد.
كل ذلك لم يكن ليشكّل مصدر قلق كبير، لو لم تكن سوق المضادات الحيوية تعاني أصلاً ومنذ سنوات من الإهمال. إن النقص في هذه المضادات الحيوية، ومقاومة الكائنات البشرية لها، آخذان في الازدياد، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، التي تقدر أن الأمراض المقاومة للأدوية يمكن أن تتسبب في 10 ملايين حالة وفاة كل عام، بحلول عام 2050.
وبحسب تقرير صادر عن شركات تعمل في صناعة الأدوية الحيوية، نُشر في وقت سابق من هذا العام، فإن 47% من الشركات الـ 65 التي شملها البحث، عانت من اضطرابات في سلسلة توريد منتجات المضادات الحيوية.
ومع إغلاق المزيد من الدول لحدودها، وقيام الهند بوضع بعض القيود التجارية، وتعطل عجلة التصنيع في الصين، هناك مخاوف متزايدة من أن تصبح تلبية الاحتياجات المتزايدة لهذه المضادات، أكثر صعوبة.
ويخبر إينيا مارتينيلي، رئيس قسم الصيدلة في مستشفى FMI في إنترلاكن، swissinfo.ch أن المستشفيات في سويسرا تعيد تنظيم أوضاعها على ضوء التطورات المستجدّة، وأن الإمداد في الوقت الراهن لا يعتبر مشكلة، لكنه أعرب عن قلقه عما ستؤول إليه الأمور في غضون بضعة أشهر.
ويقول مارتينيلي: “هذه [الجائحة] سيكون لها تأثير على توريد هذه المضادات، لكننا لا نعرف بعد، أي من هذه المضادات ستتأثر”.
من ناحيتها، أخبرت شركة “ساندوز” Sandoz ، إحدى فروع شركة ” نوفارتيس” Novartis، وأكبر مصنع للمضادات الحيوية البديلة في العالم، موقع swissinfo.ch أنها لا تتوقع في الوقت الحالي، تعطل سلسلة التوريد للجزء الأكبر من محفظتها الاستثمارية، نظراً للإجراءات الصارمة للتخفيف من حدّة الأزمة ولمستويات المخزون الضعيفة.
ومع ذلك، فإن الوضع ديناميكي ومتغيّر بشكل مستمر، وهناك جوانب خارجة عن سيطرة أي شركة مصنّعة. كما أعلنت الشركة في أواخر فبراير المنصرم، أنها ستحافظ على استقرار أسعار الأدوية الأساسية، على الرغم من التقلبات الراهنة في الأوضاع.
أزمة بطيئة
يحذر الخبراء منذ سنوات من أن سوق المضادات الحيوية في خطر؛ فرغم أن المضادات الحيوية تعد من أقدم الأدوية إلا أن الإفراط في استخدامها وإساءة استخدامها على مر السنين، دفع البكتيريا إلى بناء دفاعات ضدها، ونتجت عن ذلك حاجة ملحة لوجود مضادات حيوية جديدة.
يقول مارك غتزيتغر، الرئيس التنفيذي لشركة “بيوفيرسيس” Bioversys السويسرية الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية، إن شركته كانت تعمل على “تقديم المضادات الحيوية بسعر منخفض بسبب طلب كميات ضخمة منها، لكن هذا الأمر تغير بشكل هائل”؛ فقد أصبح الأطباء أكثر حذراً بشأن وصف المضادات الحيوية، واقتصر وصفها على الحالات التي يكون فيها إعطاؤها للمرضى ضروريّاً.
وتعمل “بيوفيرسيس” على تطوير مضاد حيوي لمكافحة الالتهابات البكتيرية سلبية الجرام ذات المقاومة العالية في المستشفيات التي لديها معدل وفيات بنسبة 50 %. وكان من المقرر الدخول في تجارب سريرية في وقت لاحق من هذا العام، لكن غتزيتغر يخشى أن يتأجل هذا الأمر بسبب انشغال هيئات الموافقة على الأدوية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في احتواء فيروس كورونا.
ومع تراجع حصول المزيد من الأدوية على براءات الاختراع، ارتفع الطلب عليها في الاقتصادات الناشئة وانخفضت الأسعار؛ وقد دفع هذا الواقع العديد من الشركات، إلى الخروج من سوق الأدوية التي لم تعد بالنسبة لها تجارة مربحة.
كما وجد تقييم لـ 30 شركة أن البحث في مجال المضادات الحيوية وتطويرها، أصبح يتركز أكثر فأكثر لدى عدد قليل من الشركات. وقد حذر جاي إيير، الذي يرأس مؤسسة “الوصول إلى الدواء” خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، من أننا “نعتمد على عدد قليل جداً من الشركات لضبط الإمداد العالمي بالمضادات الحيوية.”
من ناحيتها، أعلنت العديد من شركات الأدوية الكبرى بما في ذلك نوفارتيس وألرغان مؤخراً عزوفها عن القيام ببحوث عن مضادات حيوية جديدة، وفي مقابل ذلك انطلقت شركتان جديدتان للمضادات الحيوية العام الماضي. أما شركة الأدوية العملاقة الأخرى روش، التي تتخذ من بازل مقراً لها، فقد انسحبت من العمل على المضادات الحيوية في تسعينيات القرن العشرين، لكنها أعادت بناء خبراتها في هذا المجال.
الوقوع في مأزق
ويقول مارتينيلي: “لقد حذرنا دائماً من أن هذا الأمر قد يطرح مشكلة”.
حين لاحظ مارتينيلي أن تزايد الإنتاج أصبح أكثر تركيزاً في قارة آسيا، بدأ منذ أربع سنوات في تتبع النقص المتكرر في الأدوية بما فيها المضادات الحيوية، وذلك عبر موقع drugshortage.chالذي أنشأه. وقبل أربع سنوات، سجّل نقصاً متعلّقاً بحوالي 100 عبوة من الأدوية، والآن هناك نقص بأكثر من 700 عبوة. ولا تعود أسباب هذا النقص إلى جائحة الفيروس المستجد كوفيد 19.
في سويسرا، هناك حوالي 70 إلى 80 % من المكونات الصيدلانية النشطة (API) التي تأتي من آسيا، حيث الإنتاج أقل كلفة. وبعض هذه المكونات يخص المضادات الحيوية. إن هذا الاعتماد على عدد أقل من مواقع الإنتاج خارج أوروبا، يعني أنه يكفي أن يعاني مصنع واحد من مشاكل ما، حتى يؤدي ذلك إلى الوقوع في مأزق كبير.
فعندما أدى إغلاق المصانع الصينية، بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، إلى تباطؤ إنتاج الأدوية في الهند، أمرت الحكومة الهندية بحظر تصدير ستة وعشرين منتجاً صيدلانياً، وشمل ذلك بعض المضادات الحيوية.
ويقول توماس كويني، المدير العام رئيس الاتحاد الدولي لمُصَنّعي الأدوية: “تمتلك الشركات عادةً مخزونات تلبي حاجة السوق لفترة تتراوح بين شهرين وستة أشهر، وهي قادرة على التعامل مع انقطاع المخزونات على المدى القصير. لكن المشكلة تبدأ عندما تأخذ الدول في التخزين – فتضاعف الطلب ثلاث مرات لأنها في حالة من الذعر، وتفرض المزيد من القيود التجارية، وهذا لا يجدي نفعاً بقدر ما يزيد الأمور تعقيداً”.
ويعتبر مصنع ساندوز في كوندل بالنمسا، المصنع الوحيد المتبقي في أوروبا لإنتاج المضادات، مما يجعله أقل تعرضاً للاضطرابات من غيره من المصانع، بحسب القيمين عليه.
يقول مارتينيلي أنه كان في مناقشات مع العديد من مديري هذه الصناعة، ولا يشك مطلقاً في استعدادهم لمد يد العون، خلال هذه الأزمة.
نداء صحوة
على مدى السنوات القليلة الماضية، قامت الحكومات والمؤسسات المختلفة بتكثيف جهودها في الاستثمار في مجال أبحاث وتطوير المضادات الحيوية؛ ولكن بالرغم من تدفق الاستثمارات، يعتقد الخبراء بأن النموذج الاقتصادي الحالي لم يعد قابلاً للاستمرار.
ويعتبر غتزيتغر أنه “من المستحيل أن تحافظ على سوق مستدام عندما لا يُسمح لك بالبيع بسعر مناسب”، موضحاً وجهة نظره بالقول إن هناك نوع من الحلويات في متجر شوكولاتة حصري في زيورخ، يُباع بثمن أغلى من الأموكسيسيلين، وهو مضاد حيوي يستخدم لعلاج الحالات الحرجة.
ويضيف أنه من الصعب جذب المستثمرين عندما لا يكون هناك عائد، وهذا هو السبب في أن معظم شركات تطوير الأدوية لديها أقل من 100 موظف. “لدينا ظروف ملحّة ولم يتبق في هذا المجال سوى عدد قليل جداً من الخبراء الذين يمكنهم تطوير أدوية مضادة للبكتيريا. إذا لم نغير الأشياء ولم نعد إلى الاستثمار، فسوف نفقد المزيد من المهارات”.
ويوافق بالاسيجارام من الشراكة العالمية للبحث والتطوير في مجال المضادات الحيوية، على أن هناك حاجة لنموذج جديد. “إذا تركنا الأمر لمزاجية السوق، فإننا سنجد أنفسنا في مأزق. نحن بحاجة إلى شركات مثل “ساندوز” للمحافظة على استمرارية العمل. ويضيف: “إذا لم نستثمر في الأبحاث المتعلقة بالصحة العامة، فسوف نواجه دائماً مشكلات كهذه”.
ويشكل الدواء أيضاً تحديات عملية أكبر لشركات مثل نوفارتيس، منها القدرة على التصنيع. فكما هو الحال مع إنتاج العديد من الأدوية الأخرى، كالمضادات الحيوية، انتقل التصنيع إلى بلاد أقل كلفة مثل الهند، التي أعلنت مؤخراً عن قيود خارجيةرابط خارجي على تصدير هيدروكسي كلوروكين.
ويتركز إنتاج المكونات الصيدلانية الفعالة (API) بشكل كبير بين مجموعة صغيرة جدًا من الموردين في آسيا، خاصةً للكلوروكين. وأي خلل في عملية الإنتاج يمكن أن يؤدي إلى أزمة في الحصول على منتج الدواء النهائي.
ويذكر متحدث باسم نوفارتيس لـ swissinfo.ch الأسبوع الماضي، أن الشركة تقوم الآن بتصنيع هيدروكسي كلوروكين في الولايات المتحدة، وأنها تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لزيادة الطاقة الإنتاجية. ويقول: “نحن أيضا نستكشف المزيد من التوسع في القدرات لزيادة العرض إذا أثبت الدواء فعاليته.”
ويضيف أن الشركة لديها ما يكفي من المكونات الصيدلانية الفعالة (API) ، والتي تستمدها من جهة خارجية، لإنتاج 130 مليون جرعة تعتزم التبرع بها كلها. ويؤكد أن الشركة تحترم التزاماتها بالطلبات التجارية الحالية في الولايات المتحدة، ولكنها لا تقبل الطلبات التجارية الجديدة؛ فجميع الكميات المتبقية مخصصة للتبرع.
وتخاطر بعض الشركات بزيادة الإنتاج دون وجود دليل واضح على فعالية الدواء. أما خارج الولايات المتحدة، فإن هذا الدواء يقدم للجهات المعنية مجاناً من خلال التبرعات. ومنذ يوم الاثنين المنصرم، قامت شركة نوفارتيس بتقديم طلبات موافقة إلى السلطات المختصة في حوالي عشر دول أوروبية.
وكانت الشركة قد ألغترابط خارجي مؤخراً صفقة لبيع قسم الأدوية البديلة التابع لها في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تشمل هيدروكسي كلوروكين، وذلك في خضم زيادة الاستثمارات في الأدوية المبتكرة والأكثر ربحية.
لكن عملية التوازن الحقيقية للشركات بين الأبحاث العلمية والسياسات الحكومية تتمثل في طريقة تواصلها مع الحكومات؛ فالحكومات في حاجة ماسة للعثور على علاج سحري، وأي تلميح من شركات الأدوية بأنها قد توصلت إلى علاج ما سيجعل الحكومات تنقض على هذا العلاج حفاظاً على صورتها، دون التأكد علمياً من فعاليته وعدم تسببه بعوارض جانبية للمرضى. يقول ريدي إن الشركات تعرف أن لها دوراً كبيراً ومسؤولية مهمة في القضاء على هذا الوباء. وأن “أكبر عدو الآن هو الحماسة المتسرعة والمبالغ فيها”.
المزيد
المزيد
كوفيد – 19: هذا هو الوضع في سويسرا
تم نشر هذا المحتوى على
يستمر عدد الإصابات الجديدة بوباء كوفيد – 19 في الانخفاض في سويسرا، وكذلك عدد الأشخاص الذين يقومون بإجراء اختبارات.
كيف يمكننا منع احتكار الذكاء الاصطناعي من قبل الدول والشركات الكبرى؟
يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على حل العديد من مشكلات العالم، لكن قد تسعى الدول الأغنى والشركات التكنولوجية الكبرى إلى احتكار هذه الفوائد لمصلحتها الخاصة.
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.
اقرأ أكثر
المزيد
ما يفعله الباحثون السويسريون للتَغَلُّب على فيروس كورونا
تم نشر هذا المحتوى على
في الوقت الذي تظل فيه سويسرا نُقطة ساخنة لحالات الإصابة بفيروس كورونا المُستجد، يلعب العلماء السويسريون وشركات الأدوية دوراً هاماً في الجُهد العالمي المَبذول لتطوير علاجات أو لقاح ضد الفيروس. وفقاً لـ فرانتشيسكو ستيلاتشيورابط خارجي، الأستاذ في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان (EPFL)، “كانت استجابة المُجتمع العِلْمي لتفشي فيروس كورونا المُستَجد أكثر فعَّالية من…
تم نشر هذا المحتوى على
كان لإجراء المُحاَفظة على مسافة الأمان الاجتماعي والبقاء في المنازل [لإبطاء انتشار فيروس كورونا] عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. المُستهلكون يُحجِمون عن الانفاق، والعديد من الشركات تُغلق أبوابها، أو تُقَلِّص أنشطتها. موظفون يتم تسريحهم أو مَنحهم تعويضاً جزئياً، والكثير من العاملين لحسابهم الخاص لا يجدون مكاناً يلجئون إليه. ما الذي يتعين على الحكومات أن تفعله؟…
أيها العاملون العابرون للحدود.. أهلاً بكم في بيتي!
تم نشر هذا المحتوى على
مساء السابع من مارس الجاري، أفادت بعض وسائل الإعلام بأن “مقاطعة لومبارديا أصبحت منطقة حمراء أي لا يسمح بالدخول أو الخروج منها”، وذلك حتى قبل أن يتم تأكيد الأخبار من جهات رسمية. وفي ظل موجة الهلع السائدة بسبب فيروس كورونا، أثارت هذه الأخبار في غضون بضع دقائق القلق بين الكثيرين في كانتون تيتشينو السويسري المُحاذي للمقاطعة الإيطالية، وكان…
هل يجب على العالم أن يخاف من الفيروس الذي ظهر في ووهان الصينية؟
تم نشر هذا المحتوى على
لما يسمى فيروس كورونا المستجد؟ لأنه تحت الميكروسكوب، يبدو هذا الفيروس كأنه محاط بتاج. وينتمي فيروس كورونا المستجدرابط خارجي لعام 2019 إلى نفس عائلة فيروس السارس (المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة)، الذي ظهر في الصين في عام 2003 وفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، الذي ظهر في عام 2012 في المملكة العربية السعودية. من أين جاء فيروس كورونا…
كيف سيقوم نظام الرعاية الصحية السويسري بالفرز بين مرضى كوفيد – 19؟
تم نشر هذا المحتوى على
في ظل انتشار فيروس كورونا المُستجد؛ هل يَتَعَيَّن مَنْح الأولوية لعلاجِ الشباب وتَرْك كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة لمصيرهم؟ هل يجب أن تُتاح أجهزة التنفس الصناعي لأمهات وآباء الأطفال الصغار أولاً لكي لا يُخَلِّفوا أيتاماً وراءَهم؟ وهل ينبغي الإمتناع عن علاج شخصٍ يبلغ من العمر 90 عاماً في وحدة العناية المُركزة لأنه لَنْ يعيش طويلاً…
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.