مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تمويل مكافحة تغيّر المناخ.. إلى أين وصل التضامن الدولي؟

امرأة تقود حمارا في صحراء قاحلة
بالنسبة لسكان المناطق الواقعة جنوب الصحراء الكبرى (في الصورة الملتقطة يوم 3 ديسمبر 2019: امرأة في منطقة أرض الصومال)، يُعتبر الجفاف طويل الأمد من بين أكثر عواقب الاحتباس الحراري مأساوية. Keystone / Mark Naftalin / United Nations D

الدول الصناعية هي المسؤول الأول عن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، ومع ذلك، فهي لا تفعل ما يكفي لمساعدة الدول الفقيرة - الأكثر مُعاناة من تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري - على مواجهة أزمة المناخ. هذه الخلاصة التي توصل إليها تقرير جديد ينتقد سلبية الدول الأوروبية، بما في ذلك سويسرا.

القضية بالنسبة للمزارع بنيامين فارغاس قضية “حياة أو موت”، فعندما التقينا به في عام 2018 على أرضه في تيكيبايا في بوليفيا، أعربرابط خارجي لنا بكلمات واضحة عن أهمية الإدارة المستدامة للمياه، التي أصبحت بسبب تغيّر المناخ سلعة نادرة وعلى نحو متزايد. وبفضل بحيرة اصطناعية حُفرت في سفح الجبل تتجمّع فيها مياه الأمطار، يستطيع فارغاس وغيره من المزارعين في المنطقة من ريّ حقولهم خلال موسم الجفاف.

مشروع البحيرة الاصطناعية المموّل بتعاون سويسريّ، يشكّل جزءًا من المساعدات التي تقدمها الحكومة الفدرالية للسكان الأكثر تعرّضًا لآثار تغير المناخ، وعلى الرغم من فائدته الكبيرة للمزارعين البوليفيين، إلا أن الجهود المناخية التي تقوم بها سويسرا والدول الصناعية في المناطق الفقيرة من العالم لا تزال بعيدةرابط خارجي عن الالتزام الذي تعهّدت به تلك الدول قبل أكثر من عشر سنوات.

مَن يُلوّث يَدفع

في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في كوبنهاغن عام 2009، قررت الدول الصناعية تخصيص 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020رابط خارجي لتمويل مشاريع ترمي للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وللمساهمة في تكيف الدول النامية مع التغير المناخي.

وقبل أن تكون القضية تضامنية، فهي مسؤولية، نصت عليها اتفاقية باريس للمناخ التي نصت حرفيا على أنه “يقع على عاتق الدول الغنية، والتي هي السبب في معظم الانبعاثات العالمية، واجب دعم الدول الأقل تسببًا في الاحترار العالمي بينما هي الأكثر معاناة من آثاره”.

تشير أحدث دراسةرابط خارجي أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن التمويل المناخي للبلدان النامية قد بلغ 78,9 مليار دولار في عام 2018، منها 62,2 مليار دولار من الأموال العامة، و 14,6 مليار دولار من القطاع الخاص (والباقي عبارة عن ائتمانات تصدير)، أي بزيادة قدرها 11% عن عام 2017.

محتويات خارجية

نصف مليار من سويسرا

يعتبر الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء المصدر الرئيسي للتمويل المناخي العام، وتبدو الولايات المتحدة، بعد التحرر من الضغوط التي مارستها إدارة ترامب، مستعدة لتعويض ما فات وزيادة مشاركتهارابط خارجي.

من جانبها، ساهمت سويسرا بمبلغ 554 مليون دولاررابط خارجي في عام 2018، ويقول المكتب الفدرالي للبيئة إن هدف الحكومة المتراوح بين 450 إلى 600 مليون دولار قد تم تحقيقه، ويُشير أنه – لاحتساب الحصة السويسرية – روعيت القدرة الاقتصادية للبلاد وما تنتجه من انبعاثات مباشرة.

ويشار إلى أن مبلغ 340 مليون دولار هو من الأموال العامة، وقد استُمد بشكل رئيسي من صندوق التعاون الإنمائي الدولي، وأن مبلغ 214 مليون دولار هو من الاستثمارات الخاصة، التي جاءت أساسًا من خلال المصارف الإنمائية متعددة الأطراف، وعلى سبيل المقارنة، يُعادل التمويل الدولي لسويسرا بشأن المناخ حوالي عُشر الإنفاق العامرابط خارجي على الأمن القومي.

محتويات خارجية

أين تذهب أموال المناخ؟

كشفت الدراسة أيضا أن القارة الآسيوية كانت المستفيد الأول من تمويل أنشطة المناخ في عام 2018 (43%)، تليها إفريقيا (25%) ثم الأمريكتان (17%)، وأما الدول التي تلقت أكبر قدر من المساعدات من سويسرا فهي بوليفيا وبيرو وإندونيسيا.

محتويات خارجية

يُضاف إلى ذلك أن 70% من أموال المناخ الموزعة في 2018 وُظّفت فيما يُخفّف من تبعات تغيّر المناخ، كإنشاء محطات إنتاج الطاقة المتجددة، بينما لم تحصل مشاريع التكيّف مع تغيّر المناخ إلا على 20% من التمويل (أما الـ 10% المتبقية فقد ذهبت إلى مشاريع مختلفة).

اعتبرت العديد من المنظمات غير الحكومية أنه يُوجد خلل في المسألة، إذ ينبغي من وجهة نظرها توجيه الاستثمارات نحو مشاريع تسمح للدول الفقيرة والضعيفة بالتكيّف مع عواقب الاحتباس الحراري العالمي، ولا أقل من التفكير في أمر الدول الجزرية الصغيرة، التي تحتاج إلى تدابير عاجلة تقيها من ارتفاع مستويات سطح البحر.

وليس هذا هو الانتقاد الوحيد لآلية تمويل أنشطة المناخ، فعلى الرغم من تأكيد السلطات السويسرية على أن “البلدان الصناعية تسير في الاتجاه الصحيح لتحقيق الهدف الجماعي”، إلا أن أفقر دول العالم ومنظمات المجتمع المدني لا تصرّ فقط على أن الأموال المقدّمة ليست كافية، بل وأيضًا على أن الأرقام التي أبلغت عنها الحكومات مُبالغ فيها.

جزيرة
ارتفاع مستوى سطح البحر يهدد وجود جزيرة توفالو في المحيط الهادئ. Usage Worldwide

“الحصة العادلة” لسويسرا وأوروبا

في عام 2019، بلغ إجمالي تمويل الأنشطة المناخية من الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء 27 مليارًا، وفقًا لـ تقريررابط خارجي نُشر في منتصف يناير 2021 من قبل “تحالف آكت الأوروبية” “ACT Alliance EU”، وهي شبكة من الوكالات الإنسانية المرتبطة بالكنيسة المسيحية، ومن وجهة نظرها فإن “الحصة العادلة” لأوروبا يجب أن تتراوح بين 33 و 36 مليار دولار.

وكذلك سويسرا، باعتبار بصمتها المناخية في الخارج، من المفروض أن تزيد مساهمتها إلى مليار دولار، وفق يورغ ستودينمان من “تحالف الجنوب”، وهي عبارة عن شبكة عمل تمثل ستة من كبار المنظمات السويسرية العاملة في مجال التعاون الدولي،  الذي صرحرابط خارجي بأنه أمر “مثير للسخرية” أن تؤخذ الأموال من صندوق التعاون التنموي، أي على حساب مكافحة الفقر.

وأضاف الخبير في شؤون المناخ باستغراب: “حقًا إنه لأمر صادم أن تتجاهل سويسرا مناشدة الأمم المتحدة إتاحة أموال إضافية لدعم الدول الفقيرة في الجنوب في مواجهة أزمة المناخ”.

لا علاقة لها بالمناخ

تزعم العديد من المنظمات غير الحكومية، ومن ضمنها منظمة أوكسفام البريطانية، بأن القيمة الحقيقية للتمويل المناخي جرى تضخيمها، وأنها لا تزيد عن ثلثرابط خارجي ما أعلنت عنه الدول الصناعية، وأن ثمة سببان رئيسيان لهذه الفجوة.

أولاً، هناك عدم دقة (مبالغة) في كيفية احتساب العنصر المتعلّق بالمناخ ضمن مشروع مُعيّن، فعلى سبيل المثال، يتم التصريح في حالة إنشاء مبنى بألواح كهروضوئية، بتكلفة كامل البناء وليس تكلفة النظام الشمسي وحده.

“إنه لأمر صادم أن تتجاهل سويسرا مناشدة الأمم المتحدة إتاحة أموال إضافية لدعم الدول الفقيرة في الجنوب في مواجهة أزمة المناخ”

يورغ ستودينمان ، “تحالف الجنوب”

أظهر تقريررابط خارجي صدر مؤخرًا عن منظمة “كير انترناشيونال Care International” أن اليابان واحدة من أكبر “المُتعدّين” حيث أبلغت عن مشاريع – تزيد قيمتها عن 1,3 مليار دولار – لا علاقة لها بالمناخ، من بينها بناء جسر وطريق سيّار في فيتنام، وأيضًا كشف تحالف الجنوب بالاستناد إلى دراسة ألمانية عن وجود ثلاثة مشاريع موّلتها سويسرا لا صلة لها تُذكَر بتغير المناخ.

ثانيًا، ما تمّ تقديمه كمساعدات مباشرة يمثّل 20% فقط من التمويل، ذلك أن البلدان الصناعية تميل أكثر فأكثر إلى التعامل على شكل قروض، واجبة السداد عاجلاً أو آجلاً، وأحيانًا بأسعار فائدة تعادل تلك الموجودة في الأسواق التجارية، أو على أشكال أخرى من التعاملات المالية، حسبما ذكرترابط خارجي منظمة أوكسفام البريطانية، وتعتبر سويسرا وأستراليا وهولندا والسويد من بين المانحين القلائل الذين يقدّمون التمويل، بشكل حصري تقريبا، على هيئة منح.

من هي الدولة الأكثر سخاء؟

وفقًا لشبكة “تحالف آكت الأوروبية”، لو اعتبرنا المساعدات المباشرة فقط، أي بدون القروض والثروة الوطنية، نحصل على ما يمكن اعتباره التزاما حقيقيًا من الدول الأوروبية لصالح الدول الأكثر فقرًا.

فالسويد، ومعها ألمانيا والنرويج، هي الدولة الأكثر سخاء حيث أنها الدولة الوحيدة التي خصّصت أكثر من 0,1% من إجمالي دخلها القومي لتمويل أنشطة المناخ، أما سويسرا فقد جاءت في المرتبة التاسعة بحصة تعادل 0,048%.

محتويات خارجية

100 مليار قد لا تكفي

سيكون نظام حساب تمويل المناخ من ضمن الموضوعات المدرجة على جدول أعمال مؤتمر المناخ الدولي المقبل “كوب26” (COP26) المقرر عقده في مدينة غلاسكو في شهر نوفمبر 2021، ولن يقتصر الأمر على الطريقة التي تحسب بها الأموال التي تخصصها البلدان الصناعية، بل أيضا التزاماتها على الصعيد العالمي.

وحتى لو تم الوفاء بالوعد بتقديم 100 مليار دولار في السنة، فقد لا يكون ذلك كافياً، ووفقًا لـ برنامج الأمم المتحدة للبيئةرابط خارجي، فإن التكلفة السنوية لتدابير التكيّف مع تغيّر المناخ في البلدان النامية قد تصل إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2030.

اتصلت swissinfo.ch بالمكتب الفدرالي للبيئة بشأن الانتقادات الموجهة من قبل المنظمات غير الحكومية، وفيما يلي ملخص ردّه المرسل إلينا عبر البريد الإلكتروني:

“سويسرا تحترم التزاماتها في إطار اتفاقية المناخ واتفاق باريس بدعم الدول الأكثر فقرًا وتعرضًا للتأثيرات المناخية، ومساهمة سويسرا في الهدف المناخي الجماعي، تبعًا لنصيب الفرد، أعلى بكثير من مساهمة معظم الدول الأوروبية، وسويسرا هي الدولة الوحيدة التي أعلنت وبشفافية عن كيفية احتساب حصتها في التمويل العالمي للمناخ.

والاتهامات الموجهة من المنظمات غير الحكومية بأن القيمة الحقيقية للتمويل لا تتجاوز ثلث ما أبلغت عنه الدول الصناعية لا أساس لها من الصحة، فالأطراف المعنية أوضحت بشكل صريح أن مساهمات الدعم يجب أن تأتي من مصادر عامة وخاصة وأنه يجب توظيف كافة الأدوات المالية، وليس فقط المساهمات غير القابلة للسداد، ولكن أيضًا القروض والضمانات وغيرها، ومنه فإن القروض الميسرة، المستبعدة في تقرير أوكسفام، والوسائل المالية الخاصة هي أدوات مركزية لدعم جهود المناخ في المناطق الأشد فقرًا والأكثر تعرّضًا”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية