توقعات بانعكاسات “محدودة” للأزمة الخليجية على سويسرا
اتفق خبراء اقتصاديون في الدوحة على التقليل من حدة التداعيات السلبية للعقوبات الدبلوماسية وللحظر البري والجوي الذي فرضته السعودية والإمارات ومصر على قطر، فيما توقع تقرير بثته المجموعة الاستشارية "أكسفورد إيكونوميكس" أن يكون لاستمرار الحظر كلفة باهظة على اقتصاد الإمارة.
وقبل الإعلان المفاجئ عن هذه القرارات فجر الإثنين 5 يونيو 2017، كان الإقتصاد القطري في مرحلة توسّع بحكم تكثيف العمل في تهيئة الملاعب والبنية الأساسية اللازمة لاستضافة مباريات كأس العالم لكرة القدم لعام 2020، الذي فازت الدوحة بتنظيمه.
في تصريحات لـ swissinfo.ch، أفاد الإعلامي شعيب المريني، الذي يعمل في إحدى الصحف القطرية أن الوضع التجاري بات مستقرا بعد الإندفاع إلى المغازات في اليوم الأول من فرض العقوبات الإقتصادية والدبلوماسية من جانب الرياض وأبوظبي على الإمارة، التي يفتح منفذها البري الوحيد “سلوى” على السعودية. ويمرّ عبر هذا المنفذ أكثر من 60 في المائة من مواد البناء وتجهيزات البنية الأساسية المتجهة إلى قطر، وكذلك 40 في المائة من وارداتها من المنتوجات الغذائية، فضلا عن مرور مئات الآلاف من القطريين من خلاله لزيارة السعودية.
سحب الودائع؟
توقعت وكالة موديز للتصنيف الإئتماني العالمية أن تنخفض جودة الإئتمان في قطر، مع استمرار التوترات مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقالت الوكالة في تعليق ضمن تقرير خاص إن الخلاف بين قطر ودول أخرى في منطقة الخليج قد يؤثر “سلباً” في البنوك القطرية.
وأضاف تقرير الوكالة العالمية للتصنيف “جاءت التوترات الأخيرة في وقت كان فيه اعتماد البنوك القطرية على التمويل الأجنبي مرتفعاً، متوقعا ارتفاع تكاليف تمويل البنوك لإصدار أدوات الدين التي تمثل حالياً نحو 11 % من إجمالي المطلوبات الأجنبية للبنوك”. وأفادت الوكالة بأن “هناك خطراً من سحب ودائع غير المقيمين في المصارف القطرية”.
ثلاثة محاور
في سياق متصل، سالت swissinfo.ch الخبير المالي القطري مبارك بن صهيب المري عن الإنعكاسات المتوقعة للعقوبات المفروضة من جانب واحد على العلاقات الإقتصادية بين سويسرا وقطر فأوضح أنها ستشمل ثلاثة محاور، بدرجات متفاوتة، وهي الإستثمارات المالية والصادرات التجارية والزيارات السياحية. واعتبر أن شركة “الخطوط القطرية” كانت في مقدمة ضحايا العقوبات، بسبب إلغاء رحلاتها التجارية إلى المطارات السعودية والإماراتية والمصرية، بالإضافة لتكبُدها رحلات أطول إلى الوجهات الأخرى، بعد غلق المجال الجوي في البلدان الثلاثة أمام طائراتها. وباتت الشركة مضطرة منذ انطلاق قرارات المقاطعة، لتحويل المسار الجوي لطائراتها لتمرَ عبر أربعة منافذ إقليمية فقط، وهي إيران والعراق والأردن وتركيا.
وأكد تقرير أصدرته وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية الأمريكية توقعات المري، إذ قدرت الوكالة أن “القطرية” ستخسر 30 في المائة من دخلها، بسبب توقف 76 رحلة يوميا، منها 14 رحلة يومية إلى دبي. أما شركات الطيران العالمية المتجهة من السعودية إلى الدوحة فستكون مضطرة للحصول على ترخيص من السلطات السعودية للتحليق فوق قطر.
في المقابل، استبعد المري أن تتأثر رحلات “القطرية” إلى المطارات السويسرية بسبب المقاطعة، على الرغم من أن الرحلات ستكون أطول نسبيا بالنظر لطول المسار البديل، الذي أصبح يمر عبر أجواء إيران والعراق ثم تركيا في اتجاه سويسرا، متوقعاً في الوقت نفسه أن يُحافظ السياح القطريون على موقعهم في صدارة الزيادة السنوية للسياح القادمين إلى سويسرا من دول مجلس التعاون الخليجي.
في السياق نفسه، توقع السفير السويسري لدى قطر إتيان تيفوز في مقابلة أجرتها معه صحيفة محلية، أن يستمرَ القطريون في اختيار سويسرا للعلاج في مستشفياتها، واستدل بأن الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة نُقل مؤخرا بعد إصابته بكسر في إحدى ساقيه للعلاج في سويسرا “التي يزورها باستمرار ويثق في مستشفياتها”، كما قال السفير.
مذكرة تفاهم
في أواخر شهر مايو 2017، وقعت سويسرا وقطر على مذكرة تفاهم تمهد الطريق لإجراء مشاورات سياسية بصفة منتظمة. وستعقد الجلسة الأولى ابتداء من العام المقبل بالدوحة، مما سيشكل نقلة في العلاقات الثنائية بين برن والدوحة.
مجوهرات وساعات
أما على الصعيد التجاري، فاستبعد المرِي أن تتأثر المبادلات الثنائية بإجراءات المقاطعة لأن حاجات قطر ستكون مستقرة، هذا إن لم يزد حجمها عن العام الماضي، لاسيما أن الإمارة تحتل الرتبة الأولى عالميا في مستوى الدخل الفردي، ما يعني أن مستوى الإنفاق سيظل مرتفعا. وتفيد أحدث الإحصاءات أن الصادرات السويسرية نحو قطر بلغت في عام 2015، قرابة مليار دولار، وهي تشمل أساسا المجوهرات والساعات، إلى جانب مواد البناء من مختلف الأصناف والمواد الصيدلانية والآلات. وخلال الفترة نفسها، بلغت الواردات من قطر نحو سويسرا 270 مليون دولار. والجدير بالذكر أن نحو 70 شركة سويسرية قدمت منتجاتها في معرض قطر الشهير للمجوهرات، الذي أقيمت دورته الأخيرة في شهر فبراير الماضي بالدوحة.
في معرض إجابته على أسئلة swissinfo.ch عن توقعاته بشأن انعكاسات المقاطعة في نشاط الشركات السويسرية العاملة في قطر استبعد فاريبورز صَمَديان، رئيس “مجلس الأعمال السويسري في قطررابط خارجي” أية تأثيرات سلبية، موضحا أن عدد تلك الشركات يُقارب الأربعين، من بينها مجموعات مشهورة مثل “كي بي أم جي” (KPMG) وآي بي بي ABB وسيكا ونستله. وأفاد أن “المؤسسة السويسرية العالميةرابط خارجي” (OSEC سابقا) افتتحت مؤخرا مكتبا في الإمارة يرمي للرفع من مستوى العلاقات بين قطر والمؤسسات السويسرية الصغيرة ومتوسطة الحجم. وأضاف صَمَديان أن هناك المزيد من فرص الإستثمار المشترك في اقتصاد سريع النمو وفي بلد قُدرت استثماراته المستقبلية في البنية التحتية وحدها بـ 222 مليار دولار.
يُشار إلى أن معظم الشركات السويسرية من النوع الصغير والمتوسط الحجم، إلا أنها تتميز بالعمل في مجالات دقيقة بالإشتراك مع المؤسسات الغربية والآسيوية العملاقة، وهي تنشط في العادة في القطاع الهندسي أساساً، إلى جانب الطب، والطب الرياضي على سبيل المثال. وبالمقابل هناك عدد من البنوك القطرية التي افتتحت فروعاً لها في سويسرا. وأشار الصحفي الإقتصادي شعيب المريني إلى الدور الإيجابي الذي يُمكن أن تلعبه “المؤسسة السويسرية العالمية” المتخصصة في تقديم الدعم للشركات السويسرية الصغيرة والمتوسطة التي ترغب في التصدير إلى قطر ودول الخليج، ويوجد مكتب المؤسسة في مقر السفارة السويسرية بالدوحة.
مع ذلك، يُمكن أن تُواجه صعوباتٌ بعض المسؤولين عن الشركات التي يتسم انتشارها بصبغة اقليمية، مثل جمال فخرو المسؤول عن “كي بي أم جي” (KPMG) في كل من قطر والبحرين، والذي سيؤدي قطعُ الرحلات الجوية بين البلدين إلى تعقيد الظروف التي يُؤمّن فيها إدارته للفرعين.
إجمالا، يبدو أن انعكاسات القرار الخليجي – المصري بمقاطعة قطر ستكون محدودة على العلاقات الإقتصادية للدوحة مع سويسرا. ويبدو أن هذه المقاطعة ربما ستُؤخر لكنها لن تُعطل تكثيف المبادلات التجارية بين البلدين، خصوصا أن السفير إتيان تيفوز أكد مؤخرا أن “هناك مشاريع اتفاقات جاهزة للتوقيع عليها في الميدانين الإقتصادي والقانوني”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.