ثمانية دروس مستفادة من الانتخابات الفدرالية لعام 2023 في سويسرا
الإيكولوجيا السياسية تكافح، وقضيةُ الهجرة وراء نجاح حزب الشعب السويسري، فيما يقف حزب الوسط والحزب الليبرالي الراديكالي كتفًا بكتف... فيما يلي الدروس المستفادة من الانتخابات الفدرالية لعام 2023. تحليل.
1.) الموجة الخضراء أصبحت بالفعل شيئًا من الماضي
لم تعد الإيكولوجيا السياسية تحظى بشعبية كبيرة، في سويسرا كما في أي مكان آخر في أوروبا. حيث إن هزيمة حزب الخُضر والخضر الليبراليين تعكس الصعوبات التي تواجهها الأحزاب المدافعة عن البيئة داخل الاتحاد الأوروبي. فبعد خسارتهم في استطلاعات الرأي، من المتوقع أن يتعرضوا أيضًا لانتكاسة خلال الانتخابات الأوروبية في يونيو 2024.
وكان هذا الموضوع قد هيمن على النقاش العام خلال الحملة الانتخابية لعام 2019، مثيرًا تعبئةً كبيرة على يسار الطيف السياسي، لا سيما فيما يتعلق بتنظيم الإضرابات من أجل المناخ، على عكس ما كان عليه الحال هذا العام.
ويبدو هذا الاتجاه متناقضا، عندما يأخذ المرء بعين الاعتبار تزايد الظواهر الجوية المتطرفة بالإضافة إلى اعتبار تغير المناخ من بين المخاوف الرئيسية لدى السويسريين والسويسريات. فعلى الرغم من الجوّ الحار في شهر أكتوبر، يبدو أن هذه القضية لا تشكل الشغل الشاغل للسكان في سويسرا، وذلك في وقت يواجه جزء متزايد منهم صعوبة في تغطية نفقاتهم. ومن الممكن أيضاً أن تؤدّي الضرورة الملحة لقضية التغّير المناخي إلى شعور بالعجز لدى الناخبين والناخبات.
وفي نهاية المطاف، فشلت الجماعات المدافعة عن البيئة في جعل تغير المناخ “مثيرًا” للاهتمام، بل على العكس من ذلك، فقد عانت من الأنشطة القاسية التي يمارسها نشطاء وناشطات المناخ المتطرّفون، الّذين يثيرون الجدل بل وحتى الغضب بين قسم كبير من السكان.
>>متابعتنا المستمرّة للانتخابات الفدرالية لعام 2023:
المزيد
البرلمان السويسري ينزلق نحو اليمين
2.) نجح حزب الشعب السويسري في الاستفادة من موضوعه المفضل
انتشرت صور جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وهي تواجه تدفقاً كبيراً من المهاجرين والمهاجرات من شمال أفريقيا، في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي وضع سياسة اللجوء في المقدمة خلال هذا العام الانتخابي.وقد كان ذلك بمثابة نعمة لهذا الحزب اليميني المحافظ، الذي ركز معظم حملته على موضوعه المفضل، ألا وهو مكافحة الهجرة.
مع زيادة طلبات اللجوء (12,188 بين بداية يناير ونهاية يونيو، أي +43% مقارنة بعام 2022)، والتي تضاف إلى وجود 65,000 لاجئ ولاجئة من أوكرانيا، تمكن حزب الشعب السويسري من الاستفادة من المخاوف المتزايدة لدى جزء من السكان.
ورغم أن الحزب يلوّح على ملصقاته وفي مقرّاته بشبح “سويسرا التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة”، فإنه لم يكن دقيقاً، ممّا أثار انتقادات من اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية. ولكن تبقى الحقيقة أن هذا الخطاب الواضح للغاية كان له تأثير تعبئة بين قاعدة الحزب في هذه الفترة من انعدام الأمن الدولي.
كما وجد الحزب في إليزابيت بوم-شنايدر، الوزيرة الاشتراكية الجديدة المسؤولة عن الهجرة، كبش فداء مثالي. ويسمح تكتيك الفوز هذا، الذي تم اختباره بالفعل عدة مرات في الماضي، لحزب الشعب السويسري بمحو هزيمته في عام 2019 والاقتراب مرة أخرى يوم الأحد 22 أكتوبر من مستواه القياسي لعام 2015.
3.) فشل الحزب الليبرالي الراديكالي في الإقناع بشأن الهجرة
وتحت شعار “حزم، ولكن بعدل”، جعل الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين) أيضًا سياسة الهجرة إحدى أولوياته خلال الحملة الانتخابية لهذا العام. وعلى عكس حزب الشعب السويسري، أصر الحزب على ضرورة الحفاظ على حرية حركة الأشخاص لجذب القوى العاملة الأوروبية المؤهلة، بينما أصر على رغبته في محاربة “السياحة الاجتماعية” و”فوضى اللجوء”.
بهذا الموقف ومع الهجمات العنيفة على إليزابيت بوم-شنايدر، لم يرغب الحزب الليبرالي الراديكالي في ترك المجال مفتوحًا أمام اليمين الانعزالي بشأن هذه القضية. ولكن تظل الحقيقة أن الناخبات والناخبين أعطوا بوضوح مصداقيةً أكبر للحلول التي اقترحها حزب الشعب.
وفي هذا الوقت الذي تميّز بالحشد الكامل، كان الحزب الليبرالي الراديكالي يفتقر أيضًا إلى موضوع تعبئة قوي آخر. أما بالنسبة لسوء إدارة بنك كريدي سويس، الذي استحوذ عليه منافسه يو بي إس، فقد ساعد ذلك بالتأكيد على الإضرار بصورة الحزب الليبرالي الراديكالي، الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً تاريخياً بالمركز المالي السويسري.
ونتيجة لذلك، أصيب الحزب المؤسس لسويسرا الحديثة بالركود في هذه الانتخابات، وفشل في عكس اتجاه تراجعه طويل الأمد. ففي حين اجتذب الحزب الليبرالي الراديكالي في أوائل الثمانينيات ما يقرب من ربع الناخبين والناخبات، فإنه لم يقنع اليوم سوى ما يزيد قليلاً عن واحد من كل سبعة ناخبين وناخبات.
4.) لم يستفد الحزب الاشتراكي إلا قليلاً من السخط الاجتماعي
في حملته الانتخابية لعام 2023، عاد الحزب الاشتراكي إلى الأساسيات: النضال من أجل القوة الشرائية للعائلات. فقد أعادت عودة التضخم والإعلان عن زيادة كبيرة في أقساط التأمين الصحي قبل شهر واحد فقط من الانتخابات الفدرالية القضايا الاجتماعية إلى قلب المخاطر، وهكذا تمكن الحزب الاشتراكي من استعادة بضعة أصوات من حزب الخضر في المعسكر اليساري.
ولكن في حين أصبحت أقساط التأمين الصحي مرة أخرى الشغل الشاغل الأول للسويسريين والسويسريات، قبل الهجرة، فإن الحزب الاشتراكي لم يستفِد في نهاية المطاف إلا بشكل هامشي من حالة السخط السائدة بين بعض الناخبين والناخبات من الطبقة المتوسطة.
وعلى عكس حزب الشعب، فيما يتعلق بقضية الهجرة، وحزب الخضر فيما يتعلق بقضية الانحباس الحراري العالمي، فإن الحزب الاشتراكي لا يعتبر بالضرورة القوة السياسية الأكثر كفاءة في مجال التأمين الصحي المعقد.
وفي بلد يعتمد بشكل كبير على الحرية الفردية، فإن المقترحات التي قدمها الحزب الاشتراكي بشأن نظام موحد للتأمين الصحي وأقساط التأمين على أساس الدخل ينظر إليها من قبل أغلبية الناخبين والناخبات على أنها تأميم مفرط. وربما يتمتع الحزب الاشتراكي بأتباع مخلصين من اليسار، لكنه لا يزال يناضل من أجل تجنيد أفراد خارج مناطقه التقليدية.
5.) زخم الوسط يجعل “الصيغة السحرية” موضع تساؤل
حتى لو لم ينقلب كل شيء رأسًا على عقب، فإنّ هذه لحظة تاريخية في السياسة السويسرية: حيث تجاوز حزب الوسط الحزب الليبرالي الراديكالي باعتباره القوة السياسية الثالثة في البلاد، وإن اقتصر ذلك على عدد المقاعد في البرلمان، حيث يحتفظ الوسط بتقدمه بالنسبة إلى قوة الحزب على الأخير، وعليه يحق لحزب الوسط الحصول على مقعد ثانٍ في البرلمان الفدرالي، أو لا يحق له ذلك، فالرأي هنا يختلف بحسب التفسير المعتمد. تبعاً للصيغة السحرية المتبعة منذ عام 1959 يحصل كل من الأحزاب الثلاثة الكبرى على مقعدين في الحكومة السويسرية، والرابع على مقعد واحد.
ولكن لا ينبغي لوزير الخارجية السويسري، إنياتسيو كاسيس، الذي يحتل المركز الأخير في تصنيف شعبية المستشارين الفدراليين، أن يخاف على ولايته، حيث هناك مبدأ آخر يقضي بعدم إقالة أعضاء المجلس الفدرالي الحاليين؛ وقد تمّ كسر هذه القاعدة غير المكتوبة ثلاث مرات فقط خلال الـ 175 عامًا الماضية.
وقد استفاد الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي انبثق منه حزب الوسط، من هذا قبل أربع سنوات، عندما تجاوزه حزب الخضر بفارق ضئيل في عدد الأصوات. وفي عام 2021، اندمج هذا الحزب مع الحزب الديمقراطي البرجوازي (BDP) تحت الاسم الجديد “الوسط” وقاما بتعديل حساباتهما.
هناك أمر واحد مؤكد: في ظل المجموعة الحالية، سوف يكون الوسط أكثر جرأة وسيثبت نفسه باعتباره القوة السياسية بلا منازع في قلب الطيف السياسي. فتحت قيادة رئيسه جيرهارد فيستر، تخلّى الحزب عن سلطته التقديرية السابقة التي يضرب بها المثل. وفي مجلس النواب، يظل شريكًا ائتلافيًا مهمًا للحزب الليبرالي الراديكالي وحزب الشعب السويسري، اللذان لا يتمتعان بالأغلبية بينهما. وفي مجلس الشيوخ، ينبغي أن يبقى الحزب القوة الأكثر أهمية.
* تمت مراجعة وتعديل هذه الفقرة من المقال بشكل طفيف في 25 أكتوبر بعد أن اضطر المكتب الفدرالي للإحصاء إلى تصحيح نقاط قوة الأحزاب التي أُعلن عنها في يوم الانتخابات. التغيير الأكبر بتمثل في أن الحزب الليبرالي الراديكالي يتقدم قليلاً على حزب الوسط من حيث القوة الانتخابية وليس العكس. ولا يزال توزيع المقاعد غير على حاله كما جاء في انتخابات الأحد.
6.) على الرغم من الأزمات العالمية، لم تجتذب هذه الانتخابات الجماهير إلى صناديق الاقتراع
لقد سئمت سويسرا، الدولة الديمقراطية النموذجية، من السياسة. هكذا يمكننا تحليل نسبة المشاركة في هذه الانتخابات. وبنسبة 47% تقريبًا، فإن المشاركة في هذه الانتخابات هي بالتأكيد أعلى قليلاً من تلك التي كانت في عام 2019 (45.1%). ولكن كما هي الحال دائماً في العقود الأخيرة، لم يذهب أكثر من نصف الناخبين إلى صناديق الاقتراع. ويأتي ذلك في وقت تتالى فيه الأزمات في جميع أنحاء العالم، وتتناقص فيه القوة الشرائية في سويسرا.
فكيف نفسّر هذا الصمت من جانب أغلبية الناخبين والناخبات؟ ربما يكون السبب الرئيسي للامتناع عن التصويت هو الجمود المتأصل في النظام السويسري. فعندما يحصل حزب ما على نسبة 3%، فإن ذلك يعتبر بمثابة زلزال سياسي. ومع ذلك، فإن ميزان القوى يظل دائمًا تقريبًا دون تغيير. وليست الحكومة، معقل الاستقرار، سوى نموذج عن ذلك.
وإذا غامر البرلمان، سواء كان أكثر يساراً أو يميناً بعض الشيء، باتخاذ قرار غير مرضِ، فإن الممتنعين عن التصويت يؤمنون أنهم قادرون على فرض الانصياع عليه عن طريق الاستفتاء.
7.) لم تشهد الانتخابات نقاشًا كبيرًا حول الأفكار
ظلت الحملة الانتخابية بعيدة كل البعد عن التكلفة السياسية للـ”تألق” (أي التميّز والفرادة في الأجندات) أو المناوشات الفكرية التي لوحظت في الخارج. حيث طرحت الأحزاب برامجها بناءً على موضوعاتها المفضلة، دون التعدي كثيرًا على أسُس خصومها. ولم تكن هناك أيضًا مناقشات موضوعية حقيقية حول المواضيع السياسية الرئيسية في الوقت الحالي. لقد غاب مثلاً كلّ من سقوط بنك كريدي سويس والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي عن الحملة الانتخابية.
ومع ذلك، ليس هذا بالاستثناء، بل هو القاعدة في سويسرا المسالمة. وبصرف النظر عن المناقشات الحيوية عام 2015 حول الهجرة، وعام 2011 في أعقاب حادث فوكوشيما النووي، فإن الحملات غالبًا ما تكون مملّة. ومن السمات المتأصلة في الديمقراطية المباشرة السويسرية: إجراء مبادرات شعبية أربع مرات في السنة، وتستفيد الأحزاب من العديد من الفرص الأخرى لشرح مواقفها بشأن مواضيع مختلفة.
وتظل الحقيقة أن هذه الحملة الانتخابية، كما هو الحال كل أربع سنوات، سمحت للأحزاب بإقامة روابط مع المواطنين والمواطنات. فقد كان على كل مرشح ومرشّحة أن يبذل جهداً شخصيّاً ويصافح المئات أو حتى الآلاف من الأيادي على أمل التمكّن من الاحتفاظ بمقعد في برن أو الفوز به. إنها لحظة نادرة وثمينة بشكل عام، بما في ذلك في الديمقراطية السويسرية، التي غالبًا ما تُعتبر نموذجًا للتقارب بين الناس وممثليهم.
8.) سويسرا الخامسة: جمهور الناخبين والناخبات الذي يُتودّد له بشكل متزايد
هناك أكثر من 220 ألف سويسري وسويسرية في الخارج من المسجّلين في السجل الانتخابي. سيعود المزيد من المغتربين والمغتربات إلى البلاد يومًا ما. وبهذا المعنى، فإنّه يحقّ لهم.نّ المشاركة في التصويت والانتخابات.
ويشهد هذا العدد من الناخبين والناخبات نمواً سريعاً: فقد تضاعف إلى أكثر من ثلاثة أمثاله على مدى السنوات الثلاثين الماضية، ووصل إلى حجم يسمح له نظرياً بشغل ستة مقاعد في مجلس النواب. ولذلك، تتنافس الأحزاب بشكل متزايد على أصوات السويسريين والسويسريات في الخارج. وقد نشطت حزب الوسط وحزب الشعب السويسري والحزب الليبرالي الراديكالي منذ فترة طويلة مع الشتات ولديهم أقسام دولية. ومكّنت هذه الإجراءات في الماضي بعض المرشحين والمرشحات من الحصول على الأصوات اللازمة لانتخابهم.
وحزب الخضر الليبراليين هو الأخير من بين الأحزاب الستة الكبرى التي أنشأت قسمًا دوليًا لهذه الانتخابات. وهو خيار تمليه حقيقة أن الصورة (البورتريه) السياسية للسويسريين والسويسريات في الخارج يتوافق إلى حد كبير مع الحزب السويسري الأخير: فهم في المتوسط تقدميون بيئيا، ويدافعون عن مجتمع ليبرالي وسياسة خارجية منفتحة.
وبما أن السويسريين والسويسريات في الخارج يصوّتون بشكل أكثر استنادًا إلى القيم، فقد يكونون أيضا أكثر ولاء للحزب. وفي هذه السنة الانتخابية، كان سويسريو وسويسريات المهجر موضعَ عدد كبير من المداخلات في البرلمان. حتى أنه كان هناك سباق نهائي حقيقي للحصول على أصواتهم.
ترجمة: ثائر السعدي وأمل مكي
تحرير: مارك ليفينغستون
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.