كيف يُمكن لمشاركة البيانات أن تضع حياة الأفراد في خطر
استجابة لدعوات التعاون والابتكار وتعزيز الشفافية والديمقراطية، تتسع دائرة البيانات المفتوحة وتتعدد مجالاتها. وإذا كان البعض يرى في ذلك توسيعا لدائرة المعرفة خدمة للمجتمع، فإن البعض الآخر يحذّر من المخاطر التي يُمكن أن تنجرّ عن الكشف، المقصود أو غير المقصود، عن بيانات حساسة قد تعرّض حياة الأفراد وسمعة الهيئات والمنظمات الإنسانية إلى أضرار يصعب تداركها.
لقد بات هذا الموضوع مثيرا لقلق العاملين في المجال الإنساني والمدافعين عن الخصوصية وعن حقوق الإنسان عامة. فقد أشار مقال نشرته مجلة “الصحة وحقوق الإنسان”، رابط خارجيفي شهر يوليو 2018 إلى رسالة من نشطاء المجتمع المدني في كينيا موجهة إلى حكومة بلادهم يعترضون فيها بشدة على استخدام تكنولوجيا البيانات البيومترية، في دراسة تتعلّق بالأشخاص الذين هم عرضة للإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة، من العاملين في مجال الجنس، والمثليين، والمتحوّلين جنسيا، والأشخاص الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن، والأشخاص الذين هم في سجون وأماكن مغلقة”. وقال المعارضون لتلك الخطة إنهم يخشون ألا تكون تلك البيانات محميّة بشكل كاف، أو أن تتسبب في تجريم الاعمال التي يقومون بها أو في التحرّش بهم.
وفي دراسة بعنوان “تأثير الفسيفسائية: مخاطر الكشف عن المجموعات المركبة من البيانات الانسانية وبينات الإحاطة الاجتماعيةرابط خارجي، تضرب جيل كابوتوستو، من معهد جاكسون للشؤون العالمية في مدينة ييل بولاية ميشيغان الأمريكية مثال مجموعة من النازحين حديثا المسجلين في برنامج لتلقي مساعدات نقدية من خلال بطاقات الخصم المدفوعة مُسبقا. تظهر البيانات الخاصة بالمعاملات التي تتم باستخدام هذه البطاقات موقع وزمن عمليات السحب أو الإيداع النقدي، بالإضافة إلى معلومات عن أنواع السلع المشتراة بالبطاقات.
وتقول صاحبة الدراسة إنه “يمكن بسهولة دمج البيانات المتعلقة بوقت ومكان عمليات السحب هذه مع البيانات المتعلقة بمواقع الكنائس أو المساجد وأوقات العبادات في هذه المؤسسات مثلا، ليتوصّل الحاصل على تلك البيانات إلى معطيات يمكن استخدامها لتصنيف الأفراد والمجموعات والتوصّل لمعرفة انتماءات الأفراد وولاءاتهم السياسية، ومن ثم استهدافهم بالإقصاء أو التمييز أوالاستغلال غير المشروع”.
تكشف الحالات السابقة حساسية موضوع جمع البيانات وتخزينها في مجال العمل الإنساني في وقت يشهد فيه عدد مجموعات البيانات في المجال الإنساني تزايدا مهولا إذ ارتفع عدد هذه المجموعات من 900 في عام 2014 إلى 18000 مجموعة بيانات في عام 2020. وفي كل شهر، يصل ما معدله 100.000 شخص جديد، ولأغراض مختلفة، إلى هذه البيانات، والتي تغطي معظم الازمات في جميع أنحاء العالم.
حماية البيانات، حماية للأشخاص
لكل ذلك، باتت حماية البيانات، خاصة المتعلقة منها بالأفراد المتضررين من النزاعات المسلحة وحالات الطوارئ الأخرى والمخاطر التي قد تنجرّ عن أي اختراق للأنظمة المعلوماتية المخزّنة والمتداولة لها موضوعا يؤرّق المنظمات العاملة في المجال الإنساني، ويفرض عليها تحديات جسيمة.
ويشرح ماسيمو ماريلّي رئيس قسم حماية البيانات بالمقر الرئيسي للجنة الدولية للصليب الأحمر بجنيف هذا الأمر خلال حديث أجرته معه swissinfo.ch: “نحن قلقون من أن التصميم أو الاستخدام غير المناسب للتكنولوجيات الجديدة يمكن أن يؤدي إلى الوصم، وزيادة الضعف والهشاشة، والتمييز، والاضطهاد، والنيل من السلامة الجسدية والنفسية لبعض السكان في بيئات غير آمنة”. ولذلك أصبحنا نرى أن “الاستخدام السليم للتكنولوجيات الجديدة، وحماية البيانات الشخصية للأفراد المتضررين من النزاعات المسلحة وحالات الطوارئ الإنسانية الأخرى هي مسألة حياة أو موت لأنها تؤثّر بشكل مباشر على حياة الأفراد وكرامتهم وسلامتهم الجسدية والعقلية”، كما يشرح ماريلّي.
بالنسبة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن الحماية الكافية للبيانات الشخصية المتعلقة بالافراد محلّ اختصاصها “تحظى لديها بأهمية خاصة”، كما تؤكّد سيسيل بوييه، المتحدثة باسم المنظمة التي يُوجد مقرها في جنيف. والتي تضيف: “لضمان حماية البيانات، لدى منظمتنا سياسة محددة، تدخل في نطاقها البيانات الشخصية لجميع اللاجئين وطالبي اللجوء وغيرهم من الأشخاص الذين تعنى بهم المفوّضيةرابط خارجي“. ويُعدّ الامتثال لهذه السياسة ملزما لموظفي المفوّضية في جميع أنحاء العالم.
من ناحيتها، تبذل منظمة كاريتاس السويسرية ذات الانخراط الكبير في مجال مساعدة المحتاجين في جميع أنحاء العالم، وفق ما أكّده فابريس بوليه، المسؤول الإعلامي بهذه المؤسسة في اتصال مع swissinfo.ch جهودا كبيرة في هذا الباب، ويقول بوليه: “لدينا لوائح صارمة في مجال حماية البيانات، تنفّذ بدقة في سويسرا وخارجها، وهي مُلزمة لجميع الموظفين وبالنسبة لجميع البلدان وخلال كل المشاريع”.
وأوضح هذا المسؤول الإعلامي أنه للحد من مخاطر أي اختراق أو قرصنة، فإن “هوية الأشخاص في الدراسات التقييمية الأوّلية التي تنجزها كاريتاس (من أجل التعرّف على احتياجات السكان) تظل مجهولة، كما لا تسمح المعطيات الإحصائية التي تجمعها منظمتنا بالتوصل إلى استنتاجات تفصيلية حول الأفراد. وأما البيانات التي تُجمع للاستغلال داخليا، فإنها تكون محميّة بشكل صارم”.
مخاطر فسيفساء البيانات
كل هذه القواعد والتدابير تجد نفسها أمام اختبار حقيقي بمجرد النزول إلى العمل الميداني. فهذه المنظمات الإنسانية، ومن أجل ضمان أعلى درجات الجدوى لبرامجها الهادفة إلى إحداث تغيير مستدام في أوضاع الفئات الفقيرة والمهمّشة تضطر إلى التنسيق مع أطراف محلية حكومية وغير حكومية في مناطق النزاعات والكوارث الطبيعية، وفي أحيان كثيرة داخل مجتمعات تشهد فوضى وعدم استقرار، وهو ما يقتضي مشاركة بيانات أفراد هم من أكثر الفئات عرضة للأخطار وبرامج يتعلق البعض منها بإنقاذ أرواح وإطعام جياع.
وبالقدر الذي يمكن أن تكون فيه مشاركة هذه البيانات بشكل مفتوح في مجال العمل الإنساني كما تقول ساره ليلى دافيس، الخبيرة في مجال الصحة العالمية وحقوق الإنسانرابط خارجي، في حديث إلى swissinfo.ch “مفيدا في تعزيز فعالية هذه البرامج، وإيصال الخدمات لمستحقيها بشكل سريع ومباشر”، فإنها “تفتح الباب واسعا لكثير من المخاطر مثل الوصم والتمييز وربما العنف الجسدي المباشر”، تضيف الأستاذة بالمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية بجنيف.
مع ذلك، يوجد تفاوت كبير بين المنظمات الإنسانية في تقدير المخاطر وتحليلها، وفي اختيار شركائها والمتعاونين معها. وينظر إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر على أنها واحدة من بين أفضل المنظمات على هذا المستوى لأنها “تتعاون بشكل وثيق مع الخبراء في هذا الميدان، وتبدي حرصا واضحا من أجل التوصّل إلى وضع تدابير وسياسات مدروسة”، وفقا لساره دافيس.
ورغم هذه الإشادة، يقرّ ماريلّي بأن هناك الكثير الذي يجب فعله للوصول إلى الهدف المنشود، ويكشف قائلا: “كانت حماية البيانات الشخصية ولا تزال موضوعا أساسيا في مناقشاتنا مع حكومات البلدان التي نعمل فيها. وإذا كانت منظمتنا تحظى بامتيازات وحصانات تثبّت حرمة البيانات التي نجمعها، فإن العديد من شركائنا بما في ذلك الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، لا تحظى بهذا الامتياز، ولذلك لا تزال النقاشات مستمرّة لضمان هذه الحماية، والتنصيص عليها في القوانين المحلية”.
وفي الدراسة المذكورة أعلاه، يقول جيل كابوتوستو إن على العاملين في المجال الإنساني أن “يكونوا على وعي بمخاطر مشاركة البيانات أو الكشف عنها إلى أطراف أخرى غير موثوقة”، وأنه يتعيّن “عليهم اتخاذ تدابير مسبقة لحماية البيانات الحساسة”.
تدابير إضافية وجهود مستمرة
من هنا يأتي انتقاد ساره دافيس لبعض المنظمات الانسانية التي لا تذكرها بالاسم ولكنها تتوجّه لها بالقول: “ليس أمرا حتميا مشاركة البيانات الحساسة مع حكومات أو جهات مشكوك في مصداقيتها”، كما أن أي عملية تبادل للمعلومات يجب أن “تحترم المواثيق الدولية في مجال حقوق الانسان والتي تنص من بين أشياء أخرى على احترام الخصوصية والتزم مبدإ التناسب في التدابير المتخذة في الأماكن التي تشهد نزاعات وعدم استقرار، والتناسب مبدأ يقتضي “عدم جمع المعلومات الحساسة المرتبطة بالأشخاص أو بالبرامج إلا في الحدود التي تقتضيها الضرورة، وفي فترة محدودة في الزمن”.
هذا المبدأ بالتحديد يتطلب من العاملين في المجال الإنساني تحديد أهدافهم وغاياتهم بوضوح قبل البدء في جمع البيانات ومعالجتها، والتساؤل باستمرار ان كانت النتائج المتوقعة تبرر جمع تلك البيانات وتحمّل مخاطرها المحتملة، وإن كان الحد الأدنى يُغني عن الكثير منها، وما هو الوقت الضروري للاحتفاظ بها قبل إتلافها؟ كما يجب عليهم بحسب ساره دافيس “استغراق الوقت الكافي في تقييم المخاطر وتحليلها أثناء مشاركة بيانات تتعلّق بأشخاص مُعرّضين للمخاطر، وأن تنتبه إلى الاستخدامات المستقبلية المحتملة قبل مشاركة أي بيانات سواء مع الحكومات المحلية أو مع المؤسسات الخدماتية أو شركات الاتصالات الرقمية”.
وعن أفضل الطرق لتداول هذا الصنف من البيانات الحساسة في المجال الإنساني وحمايتها، تقول هذه الخبيرة: “يوجد الجواب في كتيّب الدليل التوجيهي للجنة الدولية للصليب الأحمررابط خارجي، والذي أعتقد أنه دليل جيّد للغاية في مجال حماية البيانات، فهو يحدد بالتفصيل التدابير الواجب اعتمادها في هذا المجال”. وهي تدابير يتواصل عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أجل تطويرها وجعلها متناسبة مع التكنولوجيات الحديثة. كما يشير ماريلي إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر “تتابع باستمرار التطوّرات التكنولوجية في مجال تخزين وحفظ البيانات، وتحرص على اعتماد أحدث الأساليب المبتكرة للرد على التحديات في هذا المجال، وفي هذا الإطار يأتي تنقيحها لدليلها التوجيهي في عام 2019 لمواكبة التطوّرات التقنية والاجتماعية في هذا المجال، بما يضمن حماية البيانات الشخصية في أشدّ الظروف صعوبة”.
بالإضافة إلى الترتيبات الداخلية وتقييم تدابير حماية البيانات طوال فترة وباء كوفيد-19 المتواصلة، عملت اللجنة الدولية أيضا من أجل لفت الإنتباه إلى هذا الموضوع المهم خارجيا، في العام الماضي عبر مشاركاتها في مؤتمرات دولية وعبر تظاهرات عامة أو إصدارات نوعية كإطلاقها لدليل حماية البيانات. وتواصل اللجنة هذا العام هذه الجهود عبر إطلاقها لمنتدى DigitHariumرابط خارجي، والذي تتناول فيه بالنقاش القضايا ذات الصلة بالتحوّلات الرقمية في القطاع الإنساني مع التركيز على حماية الأفراد والبيانات المتعلقة بهم وكذلك السياسات العامة والاخلاقيات وطرق العمل.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.