“سويسرا جاذبة لأنها تتيح الفرص للجميع بمنتهى العدالة والشفافية”
أرجع الخبير المصري، الدكتور محي الدين طه، استشاري جراحة العظام والمناظير، تفضيل الباحثين والدارسين الأجانب، الدراسة في جامعات سويسرا عن غيرها من الجامعات بدول العالم، إلى ثلاثة أسباب أساسية؛ وهي: مستوى المعيشة المرتفع، وتقدمها في فنون الطب، فضلاً عن موقعها الإستراتيجي وسط أوروبا، بالإضافة لتعدد الثقافات بها، حيث تضم باحثين وعلماء، من مختلف دول العالم؛ مشيرًا إلى أن حوالي 25% من سكان سويسرا أجانب.
واعتبر “طه”، المتخصص في جراحة الكتف والكوع بجامعة بازل، بسويسرا، في حوار خاص لـ”swissinfo.ch”، أن هجرة العقول، العربية عامة، والمصرية خاصةً، ترجع إلى عدم تقدير دولهم للعلم والعلماء، وقلة الميزانيات المخصصة للبحث العلمي، فضلاً عن سيادة مبدأ الاستهلاك، على حساب الإنتاج؛ موضحًا أن هذه العقول تفضل اللجوء إلى أوروبا عامةً، وسويسرا خاصة، لأنها تتيح فرصًا متساوية لكل الباحثين، بغض النظر عن الدين، اللغة، اللون أو الجنسية، فضلاً عن اعتماد التفوق والكفاءة، كمعيار أساسي في التقييم، والحصول على الفرص. مزيد من التفاصيل في نص الحوار.
swissinfo: في البداية؛ في أي جامعة درست الطب قبل سفرك لسويسرا؟
الدكتور محيي الدين طه: درست في كلية الطب بجامعة القاهرة (قصر العيني)، خلال الفترة من 2000 وحتى 2004، ثم توقفت في السنة الرابعة، وسافرت إلى ألمانيا، لمدة عام، لعمل زمالة بمستشفى جامعة شاريت، في برلين، في أبحاث على الفئران، حول إصابات الدماغ والجمجمة، للاستفادة منها في علاج الإنسان، الذي يُصاب في حادثة، ويحصل له نزيف.
كان سفري لألمانيا، في الفترة من 2004- 2005، وهناك تزوجت من سويسرية، ورزقت بولد (لؤي- 8 سنوات)، وبنت (صفية- 6 سنوات)، ثم عدت إلى مصر لاستكمال دراستي في كلية الطب، وانتظمت في الدراسة، حتى أنهيت السنة الخامسة والسادسة، وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة، في عام 2007، ثم سافرت إلى سويسرا في عام 2008، في منحة لعمل نيابة (طبيب مقيم).
swissinfo: وكيف حصلت على المنحة من سويسرا؟
الدكتور محيي الدين طه: بعد حصولي على بكالوريوس الطب والجراحة، من جامعة القاهرة، عام 2007، راسلتُ أكثر من من جامعة في سويسرا، للحصول على منحة؛ حيث راسلت رئيس قسم العظام بجامعتي برن وزيورخ، وأرسلت لهما نسخة من أبحاثي، فتم قبولي، وسافرت إلى سويسرا في مارس 2008.
وانتهيت من سنة الإمتياز في مارس 2009، حيث قضيت هذا العام تحت إشراف البروفسور كريستيان غيربر في زيورخ، ثم حصلت على التدريب العملي لـ”النيابة”، ومدتها 6 أشهر، حيث أن الدراسة التخصصية (النيابة) في جامعات سويسرا، مدتها 6 سنوات، على مرحلتين، الأولى الماجستير، ومدتها 3 سنوات (2009- 2012)، ثم الدكتوراه ومدتها 3 سنوات أخرى (2013- 2016)، وكان تخصصي في جراحة الكتف والكوع.
swissinfo: ولماذا سافرت إلى البرازيل وأستراليا، خلال وجودك بسويسرا؟
الدكتور محيي الدين طه: خلال وجودي في سويسرا، سافرت لمدة شهرين (أبريل ومايو 2015)، إلى البرازيل، للحصول على الزمالة في جراحة الفخد وإصابات الركبة، في جامعة “ساو باولو”، تحت إشراف البروفسور موريسيو كفوري، ثم عدت إلى سويسرا لإكمال دراستي للدكتوراة، في يونيو 2015.
وفي ديسمبر من نفس العام، سافرت إلى أستراليا، لمدة عام، لعمل زمالة في إصابات الكتف والكوع، بجامعة سيدني، وهو ما أتاح لي فرصة أكبر للتدريب العملي، لكثرة الحالات، لأن عدد سكان أستراليا أكثر من 20 مليون نسمة، ثم عدت إلى سويسرا مجددًا، وفي يناير 2017؛ سافرت مرة أخرى إلى أستراليا، لمدة 7 أشهر، انتهت في أغسطس 2017، لعمل زمالة بجامعة بريزبان، وقد كانت الزمالة نقطة تحول في حياتي المهنية، حيث فتحت لي أبوابًا جديدة للعلم.
swissinfo: وما هو وضعك الآن في سويسرا؟
الدكتور محيي الدين طه: في سبتمبر 2017؛ عملت كاستشاري في جراحة الكتف والكوع، بمستشفى جامعة بازل، في سويسرا، حيث أُدَرِس للطلاب بجامعة بازل، وأشرف على تدريب النواب (الخريجين الجدد)، من كلية الطب هناك، ولا أزال أعمل بها حتى الآن، بعقد مع الجامعة، مدته 3 سنوات، يُجدد سنويًا.
swissinfo: ولماذا فضلت جامعات سويسرا على غيرها من جامعات العالم؟
الدكتور محيي الدين عطية: اخترت سويسرا، لثلاثة أسباب أساسية؛ وهي: مستوى المعيشة المرتفع، وتقدمها في الطب بشكل عام، وجراحة العظام على وجه الخصوص، حيث توجد بها مؤسسة “AO Foundation”رابط خارجي العريقة، وهي أشهر جمعية متخصصة بجراحة العظام في العالم، وهو ما أتاح لي فرصة عمل زمالة في إدارة الأبحاث الإكلينيكية متعددة المراكز.
وأيضًا لموقع سويسرا الإستراتيجي، وسط القارة، وهو ما يسهل الإنتقال منها إلى دول أوروبا (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، …إلخ)، فضلاً عن قربها من بلدي مصر (4 ساعات فقط)، بالإضافة إلى تعدد الثقافات بها، حيث يوجد بها باحثون وعلماء، من مختلف دول العالمـ فحوالي 25% من سكان سويسرا أجانب.
swissinfo: وماذا عن إمكانات البحث العلمي بسويسرا؟
الدكتور محيي الدين طه: سويسرا من أكثر دول العالم اهتمامًا بالبحث العلمي، ورصدًا لميزانية البحث العلمي، وهناك مؤسسة اسمها “الصندوق الوطني السويسري للبحث العلميرابط خارجي“، تمنح الباحثين الذين يقدمون أفكارًا بحثية مفيدة وجديدة، دعمًا ماديًا، لإتمام أبحاثهم، بعد مناقشة أفكارهم ومقترحاتهم وقبولها، من جانب مجلس إدارة المؤسسة.
الدكتور محيي الدين طه في سطور
· درس في كلية الطب بجامعة القاهرة (قصر العيني)، خلال الفترة من 2000وحتى 2004.
· سافر إلى ألمانيا، لمدة عام، من 2004- 2005، لعمل زمالة بمستشفى جامعة شاريت، في برلين.
· عاد إلى مصر لاستكمال دراسته في كلية الطب، وحصل على بكالوريوس الطب والجراحة، في عام 2007.
· سافر إلى سويسرا في عام 2008، في منحة لعمل نيابة (طبيب مقيم)، وأنهى سنة الامتياز في مارس 2009.
· حصل على الماجستير، عام 2012، وعلى الدكتوراه عام 2016، في جراحة الكتف والكوع.
· في مايو 2015؛ حصل على الزمالة في جراحة الفخد وإصابات الركبة، في جامعة “ساو باولو”
· في ديسمبر 2015، حصل على الزمالة، في إصابات الكتف والكوع، من جامعة سيدني، بأستراليا.
· في يناير 2017؛ سافر مرة أخرى إلى أستراليا، لمدة 7 أشهر، انتهت في أغسطس 2017، لعمل زمالة بجامعة “Brisbane”.
· منذ سبتمبر 2017 وحتى اليوم؛ يعمل كاستشاري في جراحة الكتف والكوع، بمستشفى جامعة بازل، في سويسرا.
هذه المؤسسة تهتم بالأبحاث الجديدة والمهمة، في عدد من التخصصات: العلمية، والإجتماعية، والحسابات والهندسة، وعلوم الحاسب الآلي؛ حيث ترصد الحكومة السويسرية لها ميزانية سنوية تناهز قيمتها 800 مليون فرنك للأغراض البحثية.
swissinfo: إلى أي مدى استفدت علميًا وإداريًا من دراستك في سويسرا؟
الدكتور محيي الدين طه: استفدت علميًا، من خلال تطوير قدراتي وإمكاناتي العلمية والبحثية، لأن جامعات ومعاهد سويسرا، من أعلى الجامعات، من حيث الجودة، مقارنة بأكبر جامعات العالم، وهو أمر لمسته بنفسي، من خلال تجاربي العملية في جامعات أستراليا والبرازيل وألمانيا.
كم استفدتُ إداريًا؛ من خلال عملي بعدد من المستشفيات؛ منها: مستشفى جامعة بازل، ومستشفى جامعة زيورخ، ومستشفى جامعة برن، فضلاً عن عملي في مستشفى تعليمي في مدينة “آراو”، بمكانتون أرغاو، والدرس الأول الذي استفدته هناك هو الإهتمام بالجودة.
swissinfo: بعد عشرة أعوام قضيتها في سويسرا؛ ماهي برأيك أبرز صفات المواطن السويسري؟
الدكتور محيي الدين طه: أهم ما لفت نظري في المواطن السويسري، تقديسه للعمل، واهتمامه بتجويده، وروح التنافس الموجودة لديهم، فضلاً عن تقديرهم لقيمة الوقت، وحرصهم على الإنضباط في المواعيد، ومراعاة التوازن بين وقت العمل، ووقت الراحة، وحرصهم على قضاء وقت الراحة في السفر، للتنزه وتجديد الطاقة، وتحفيز النفس لمواصلة العمل.
swissinfo: كم مرة زرت فيها مصر خلال هذه السنوات العشر؟ ولماذا؟
الدكتور محيي الدين طه: أزور مصر مرتين في العام تقريبًا، يعني زرتها حوالي 20 مرة في الـسنوات العشر للقيام بزيارات عائلية، أو لحضور مؤتمرات طبية، لعرض أبحاثي، ونقل الجديد في مجال جراحة الكتف والكوع، بدعوة من إدارة المؤتمر.
swissinfo: في تقديرك؛ ما هي الأسباب الكامنة وراء هجرة العقول العربية عامة، والمصرية خاصةً؟
الدكتور محيي الدين طه: أهم الأسباب في نظري؛ ترجع إلى عدم وجود تقدير للعلم والعلماء، وقلة الميزانية المخصصة للأبحاث العلمية، والتطوير العلمي، فضلاً عن اعتماد مبدإ الإستهلاك، على حساب الإنتاج.
swissinfo: ولماذا تُعتبر سويسرا جاذبة للعقول المهاجرة من بلدانها؟
الدكتور محيي الدين طه: لأنها تتيح الفرص لكل الباحثين في سويسرا، بمنتهى العدالة والشفافية، بغض النظر عن الدين، أو اللغة، أو اللون أو الجنسية، فضلاً عن اعتمادهم النجاح والتفوق والكفاءة، كمعيار أساسي في التقييم، والحصول على الفرص، ونحن كباحثين وعلماء مصريين، هنا في سويسرا، ندخل في مقارنات مع أندادنا من دول العالم، بالإضافة إلى غياب المحسوبية، والفساد المالي والإداري.
swissinfo: هل تفكر في العودة إلى مصر، وعمل مشروع (عيادة/ مستشفى خاص)، توظف من خلاله ما تعلمته في سويسرا؟ ولماذا؟
الدكتور محيي الدين طه: للأسف لا.. لأننا نرى علماء مصريين، تعلموا ونبغوا في أعظم جامعات العالم، عندما يعودون لمصر، يُحارَبون من أهل التخصّص، ولأن المعيار في مصر ليس الكفاءة والقدرات والإمكانات العلمية، وإنما المحسوبية والمعارف، و”البيزينس” و”التربيطات”، بالإضافة إلى ضعف رواتب الأطباء والعلماء والباحثين وأساتذة الجامعات، مقارنة بنظرائهم، بوزارات البترول، والكهرباء، والمالية، والعدل، …إلخ.
للأسف، المعيار في مصر ليس الكفاءة والقدرات والإمكانات العلمية وإنما المحسوبية والمعارف و”البيزينس” و”التربيطات”
د. محيي الدين طه
swissinfo: ما الذي ينقص جامعات سويسرا لتكون في الصدارة على المستوى العالمي؟
الدكتور محيي الدين طه: في تقديري أن الذي يحول دون حصول جامعات سويسرا على المراكز الأولى عالميًا، عدة أمور، منها: اللغة؛ حيث أن الدراسة في معظم جامعاتها، باللغة الإيطالية أو الفرنسية أو الألمانية، بينما لا يوجد سوى عدد قليل من الجامعات التي تعتمد الدراسة باللغة الإنجليزية.
وهناك أيضًا ارتفاع أسعار المعيشة؛ فالباحث الأجنبي يُعاني ماديًا، لارتفاع أسعار المعيشة بها، نظرًا لارتفاع سعر الفرانك السويسري، مما نجم عنه ارتفاع أسعار الإيجارات والمعيشة والمواصلات، مقارنة بدول أخرى في أوروبا وأمريكا؛ والتي تصل إلى ضعف ما عليه الحال في الولايات المتحدة، وألمانيا، على سبيل المثال.
ذلك بالإضافة إلى قلة عدد الطلاب بالجامعات؛ فسويسرا بها 8 ملايين ونصف مليون نسمة، وعدد الطلاب بالجامعة الواحدة يقارب 100 ألف، بينما الولايات المتحدة بها أكثر من 320 مليون نسمة، حيث يبلغ عدد طلاب الجامعة هناك قرابة نصف مليون شخص.
وأخيرًا؛ فإن ميزانية الجامعات في سويسرا محدودة، لأنها تأتي من الدولة، أما في الولايات المتحدة فالميزانيات ضخمة، لأنها تأتي من الطلاب، فضلاً عن أن الطلاب والباحثين الأجانب بسويسرا، يدفعون نفس المصاريف التي يدفعها نظيرهم السويسري، وهي رسوم رمزية، بالنظر لما هو معمول به في كبريات الجامعات في دول كثيرة بأوروبا، والولايات المتحدة، وهذه نقطة تجذب الدارسين إلى سويسرا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.