مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جهود متضافرة لمساعدة اللاجئين على اقتحام سوق العمل في سويسرا

في الآونة الأخيرة، تم إطلاق عدة برامج لتسهيل وصول الحاصلين على اللجوء إلى سوق العمل السويسرية، إلا أن النتائج لحد الآن لا تزال محدودة.

بدأ ثلاثة عشر لاجئا العمل في ثماني مزارع سويسرية كجزء من مشروع أطلقه اتحاد المزارعين السويسريين في عام 2015. Keystone

مرتدون ملابس البنائين، ومشمّرون على سواعدهم، ورؤوسهم معفّرة بالغبار، بينما التأموا على هيئة مجموعات صغيرة، يستمعون إلى شرح معلمهم بحرص شديد، إنهم 11 أجنبي من الحاصلين على اللجوء، يُتابعون دورة إدماج مهني مدتها سنة واحدة، من شأنها أن تفتح لهم أبواب التكوين والتدريب في مجال البناء.

ويقول نسّاري، الذي التقيناه في ورشة المدرسة المهنية لعمال البناء في سورسي Sursee في كانتون لوتسرن: “أنا أفغاني، ولي أربع سنوات في سويسرا”، وتابع: “أريد أن أحصل على شهادة الكفاءة الفدرالية، لأكسب لقمة عيشي، وأؤسس في المستقبل شركة بناء”. 

في عام 2014، بدأ كانتون لوتسرن بالتعاون مع اتحاد شركات البناء هناك، والمنظمة غير الربحية “اينايب ENAIP” للتعليم والتكوين المهني، والمدرسة المهنية في سورسي، ببرنامج الإدماج المهني الذي حقق حتى الآن بعض النجاح على الرغم من الصعوبات التي واجهها في البداية.

وفي هذا الصدد، قال باتريك بيرر، مدير مركز التدريب في سورسي: “لم يكن من السهل علينا تأمين أماكن تدريب في شركات البناء في المنطقة لجميع المنتسبين، وفي بعض الأحيان، اضطررتُ لمواجهة الأحكام المسبقة لأصحاب الشركات تجاه طالبي اللجوء”، وفي الوقت نفسه، يعود الفضل في حصول كافة المنخرطين في الدورة الثانية لبرنامج التكوين المهني على أماكن تدريب إلى الإنطباع الجيد الذي تشكّل لدى أرباب العمل عن المتدربين من المهاجرين خلال تجربة الدورة السابقة في السنة الماضية.

برامج متكاملة

بالإضافة إلى المعارف المهنية، يتابع المتدرّبون دروس اللغة الألمانية والثقافة العامة والرياضيات والهندسة وتنمية الشخصية، ويقول بيرر: “تجري من خلال البرنامج محاولة سد الثغرات في بعض المواد الأساسية، حيث أن معظم الأشخاص لا يعرفون كيفية حساب مساحة مسطّح ولا حجم جسم صلب ولم يسمعوا قط بنظرية فيثاغورس”.

وجدير بالذكر أن مبادرة الإدماج المهني للاجئين التي أطلقها كانتون لوتسرن ليست الوحيدة من نوعها في سويسرا، فقد سبق لاتحاد المزارعين السويسريين أن قام في عام 2015، بدعم من كتابة (أو أمانة) الدولة للهجرة، بمشروع تجريبي مدته ثلاث سنوات، وبمرور عام على انتهاء الدورة كانت النتيجة إيجابية حيث تم توظيف 13 لاجئا في ثماني شركات زراعية.

أما “بإمكاني”، فهو اسم لبرنامج خاص بقطاع المطاعم والفندقة ينظمه كانتوني زيورخ ولوتسرن، من شأنه أن يتيح للاجئ، من خلال التدريب النظري والعملي لمدة سنة واحدة، فرصة الدخول إلى عالم العمل كمتدرب أو كوظيفة رسمية. وبالفعل، ومنذ تسع سنوات، حصل حوالي 300 مشارك، على الشهادة الفدرالية للتأهيل المهني أو شهادة الكفاءة الفدرالية (CFC)، ومن جانبها، تقدمت كتابة الدولة للهجرة في شهر ديسمبر 2015 بمشروع رائد خاص بالتدريب المهني للاجئين، يهدف إلى إعداد 1000 أجنبي، من الحاصلين على حق اللجوء أو من أصحاب القبول المؤقت في البلاد، للإلتحاق بدورة في التدريب المهني، كنقطة انطلاق إلى عالم العمل.

جهود متضافرة

ما سبقت الإشارة إليه، ليس كل المبادرات التي انطلقت على المستوى الوطني لصالح دمج اللاجئين مهنيا، وإنما هي مجرد أمثلة تظهر الجهود السويسرية في هذا الباب، الذي طالما بقي مهملا، ومن شأنها أن تتيح الفرصة لحل، ولو على الأقل جزئيا، لمشكلتين، أولاها: الصعوبة التي يواجهها طالبو اللجوء في الولوج إلى سوق العمل، الأمر الذي لا يخفى تأثير على التكاليف الاجتماعية، وثانيا: النقص في اليد العاملة في بعض القطاعات المهنية.

وعلى الرغم من كونها برامج واعدة، إلا أنها لا تزال في الوقت الحالي محصورة في أعداد قليلة جدا، ويكفي أن نعرف بأن سويسرا قد منحت، خلال العامين المنصرمين، صفة لاجئ أو صفة البقاء المؤقت لنحو 30 ألف طالب لجوء، بينما أظهرت دراسة أجريت في عام 2014، بتكليف من كتابة الدولة للهجرة، أن لاجئا رسميا واحدا من بين كل ثلاثة تمكن من إيجاد وظيفة في غضون خمس سنوات، بينما 17٪ فقط ممّن حصلوا على صفة البقاء المؤقت تمكنوا من العثور على وظيفة خلال الفترة ذاتها، والوضع مرتبط بعوامل مختلفة، ومتشابهة في بقية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية.

ووفقا للخبراء، تقف لغة المهنة أكبر عقبة أمام اندماج اللاجئين، تتبعها عوامل أخرى من بينها التجارب المعيشية المؤلمة في البلدان الأصلية، واختلاف الثقافة، وعدم وجود شبكة من العلاقات الاجتماعية في الواقع الجديد، ومحدودية المهارات والتعليم، بالإضافة إلى الإجراءات الإدارية الطويلة للحصول على إذن عمل، وهو وضع يثقل كاهل الضمانات الإجتماعية، حسب ما أكدته البيانات التي نشرها المكتب الفدرالي للإحصاء، والتي تقول بأنه في عام 2015 كان ما يقرب من تسعة أعشار الأشخاص في إطار اللجوء يعتمد على المساعدات الإجتماعية.

معوقات على طريق الإندماج

وبالفعل، لا يملك المهاجرون الذين يقدمون إلى سويسرا في العادة، ما يمكنهم من العيش، ولذلك يلجؤون إلى المساعدات الاجتماعية، أضف إلى ذلك أنه يكون من المتعسّر عليهم إيجاد وظيفة أثناء فترة دراسة طلباتهم، كما أن ادماجهم لا يشكّل أولوية في هذه المرحلة، خوفا من أن يزيد من جاذبية سويسرا للمهاجرين اقتصاديا. كذلك يعاني اللاجئون من الحاصلين على حق اللجوء أو حق البقاء المؤقت من صعوبات جمة في الوصول إلى سوق العمل ويستمر ما نسبته، في المتوسط، بين 70و90 ٪ يعتمد على خزينة الدولة خلال فترة الخمس أو السبع سنوات الأولى، وفقا لتقرير أعدته في عام 2014 رابطة مكاتب العمل السويسرية وخدمات الهجرة في الكانتونات.

ولا يقف الأمر عند حد العقبات سالفة الذكر، وإنما هناك أيضا التغيّرات التي تطرأ على سوق العمل في سويسرا والذي يُعيق الإندماج المهني السريع. والواقع أن البلاد لا تحتاج اليوم إلى أيد عاملة أجنبية تشتغل بالذراع بقدر ما تحتاج إلى عقول ومستوى عال من المهارات المتخصصة. وفي الماضي، كان بإمكان الآلاف من المهاجرين القادمين من المجر والتبت وتشيكوسلوفاكيا وفيتنام، وفي الآونة الأخيرة، من بلدان يوغوسلافيا سابقا، ايجاد فرص عمل بسرعة، بينما يقدم معظم المهاجرين الجدد من بلدان غير أوروبية، وفي كثير من الأحيان، لا تتناسب كفاءاتهم العلمية مع مطالب سوق العمل السويسرية، وحتى الأشخاص الذين يحملون دبلومات مهنية أو شهادات جامعية من بلادهم يعسُر عليهم الحصول على اعتراف بها في سويسرا، وفي بعض الأحيان قد لا يتكافؤ مستوى شهاداتهم المهنية مع المستوى المعتمد في سويسرا، ناهيك عن أن هناك من اللاجئين من لا يستطيعون إحضار شهاداتهم العلمية أو المهنية نظرا لأوضاعهم الحساسة التي تمنعهم من طلبها من السلطات في بلدهم الأصلي.

من جهة أخرى، فإن أغلب الأشخاص، الحاصلين على حق اللجوء أو الإقامة المؤقتة، لا يحملون معهم الشهادة الورقية التي تثبت كفاءتهم المهنية، لكنهم يحملون في جنباتهم ما يُنبئ بذلك، كما كشفت دراسة أجراها مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فالأمر متروك إذن للسلطات المختصة لتحديد الموارد والقدرات ومدى الإحتياج إلى كل شخص من هؤلاء، لكي تتم الإستفادة من الطاقات المتاحة، والتي ما زالت حتى الآن غير مستغلة.

في الأثناء، تم الإعتراف في سورسي.. وفي ورشات التدريب المهني لعمال البناء، بتلك القدرات وبما تتمتع به من طاقة وإرادة واهتمام ورغبة في إثبات الذات، وتحققت لأحد عشر لاجئا مُنحوا حق اللجوء في سويسرا، وهم تسعة أفغان، واريتري وآخر من إقليم التبت، بعدما عاشوا في بلادهم مأساة حرب أو اضطهادا من نظام شمولي، فرصة أن يبنوا لأنفسهم، بأيديهم، حياة مستقلة ومستقبلا أفضل.


* سبق أن نُشر هذا المقال في “Azioneرابط خارجي“، وهي مجلّة أسبوعية تصدرها سلسلة “مراكز ميغرو للبيع بالتجزئة” في كانتون تيتشينو جنوب سويسرا.

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية