مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حضور خافت للثقافة العربية بزيورخ رغم تعدد منابرها

صورة من فعاليات أمسية ثقافية تخللتها قراءات من طرف رشاد قنواتي (في الوسط) لنصوص بالعربية والألمانية نظمت سنة 2010 في المكتبة العامة "بيستالوتزي" بضاحية فيتيكون قرب زيورخ. swissinfo.ch

برؤية أبعد من الشكليات وبزاوية نظر أوسع من الإحتفال بالأعياد والمناسبات، سعت swissinfo.ch إلى تسليط الضوء عن الحضور الثقافي العربي في زيورخ، المدينة التي يقطنها الآلاف من ذوي الأصول العربية. وبالإعتماد على كل الوسائل المتاحة للبحث والتقصي عثرنا على مكتبة ودار نشر عربيتيْن، إلى جانب معهد عريق لعلوم الشرق، وتواجد في فعاليات دولية لعروض الشعر والمسرحيات والأفلام العربية. 

في العاصمة الإقتصادية السويسرية، زيورخ، ينساب نهر ليمات على امتداد ستة وثلاثين كيلومترا، فيُعيد للذاكرة أنهار النيل بمصر والسودان، ودجلة والفرات ببلاد الرافديْن، وما ارتبط بمنابع الحياة تلك من صور الأمسيات الأدبية والشعرية والمقتطفات البلاغية الجميلة والأمان والسكينة. 

مكتبة ورقية

خلال رحلة البحث هذه، التقت swissinfo.ch، الدكتور محمد عبد العزيز (71 عاماً)  صاحب دار النشر “ديوانرابط خارجي” المشهورة بطبع الكتب التعليمية. عمل الدكتور عبد العزيز بعد دراسته لهندسة الإلكترونيات في المعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان كمُعيد، حيث حصل على شهادة الدكتوراه و عمل أيضاً لفترة كمحاضر في العديد من الجامعات المصرية.

في مسعى منه لنشر الثقافة العربية، تنظم “ديوان” بصفة شهرية ندوات ثقافية وقراءات شعرية ومعارض فنية ودروسا عربية مدعمة. وبعد أن أشار إلى معرض الفن النوبي الذي نظمه منذ فترة قريبة، لفت د. عبد العزيز إلى أن “ديوان يتوجّه بهذه الأمسيات للسويسريين وللعرب في آن واحد، ولا يتجاوز رسم الدخول عشر فرنكات”، على حد قوله. إضافة إلى ذلك، ترجم د. عبد العزيز أشعاراً عربية إلى اللغة الألمانية “للفت أنظار الناطقين بهذه اللغة إلى جمالية اللغة العربية وشاعريتها”، كما يقول.

الدكتور محمد عبد العزيز أوضح أيضا أن “مكتبة ديوان تضم ثلاثة الآف كتاب معظمها من الكتب مزدوجة اللغة حيث يستطيع أي شخص بعد تسجيل بياناته على موقع دار النشر الإلكتروني أن يستعير أي كتاب منها بعد تسديد مبلغ تأميني يمكن أن يصل إلى مائة فرنك بحسب قيمة الكتاب”، وبطبيعة الحال يستعيد القارئ ذلك المبلغ التأميني بعد إعادة الكتاب. 

.. وأخرى إلكترونية

السيد رشاد قنواتي (56 عاماً) هو مؤسس المكتبة الإلكترونية “عالم الكتبرابط خارجي“، وقد عمل في سوريا في مجال النشر ثم درس علم البرمجيات في زيورخ ويعمل في هذا المجال خلال أوقات فراغه. أنشأ منذ 28 عاماً “عالم الكتب”، وكان من بين المؤسسين لمهرجان الفيلم العربيرابط خارجي بزيورخ. وظل حتى عام 2015 عضوا في الهيئة المشرفة على تنظيم هذه التظاهرة الثقافية المهمّة التي ستدور فعاليات دورتها الثالثة من 16 إلى 21 نوفمبر 2016.

تقدّم دار الكتب نخبة كبيرة من الكتب العربية، التي يسهل الحصول عليها بفضل علاقة القائمين عليها بالعديد من دور النشر في العالم العربي. وقال قنواتي متحدثا إلى swissinfo.ch: “قدمنا خلال ما يقرب من ثلاثين عاماً حوالي 20 أمسية أدبية بأسعار دخول رمزية، وأغلب الحضور كانوا من غير العرب. كما تم تنظيم فعاليات أخرى إلا أنها لم تحظ بالتغطية الإعلامية”. وأضاف صاحب هذه المكتبة، متحدثا عن مشروعاته المستقبلية: “نظراً للإهتمام الحالي باللغة العربية فإنه سيتم العمل على طباعة اكثر من 25 كتاباً إلى العربية ومن العربية في دور نشر ألمانية في الفترة الفاصلة بين يناير  ومارس 2016”. 

فضلا عن ذلك، تعرض مكتبة “بيستالوتسيرابط خارجي” بزيورخ، التي تحتفل هذا العام بعيدها الـ 120 عدداً محدودا من الكتب العربية لأجل الإستعارة أو القراءة على عيْن المكان. 

أمسيات شعرية أو أدبية

الدكتور إسماعيل أمين، المشهور بكتبه التعليمية لتعليم العربية للناطقين بالألمانية، والقواميس العربية الألمانية ومعاني الأسماء العربية، والذي شغل بعد حصوله على الدكتوراه في الفلسفة وعلم النفس والدراسات الإسلامية عام 1968 منصب أستاذ للفلسفة والدراسات الشرقية بجامعة زيورخ، يُعدّ أحد مراجع ورموز الثقافة العربية في هذه المدينة الدولية.

حتى عهد قريب، كان الدكتور أمين، المصري الأصل، رئيسا لاتحاد المنظمات الإسلامية بزيورخ، لكنه يقول متحدثا إلى swissinfo.ch: “اعتزلت ساحة العمل العام لأن عمري الآن تجاوز الواحدة والثمانين، وكتبي تطبع حاليا في دار نشر ديوان”. ويبقى السؤال: من سيملأ الفراغ الذي تركه هذا الرجل؟ 

السيد رشيد جاسم swissinfo.ch
الأوساط الثقافية والأدبية في هذه المدينة التي لا تهدأ حركتها تعرف جيّدا السيد رشيد جاسم، الأديب والشاعر العراقي، الذي له نشاط دؤوب على المستويين الشعري والأدبي في المنتديات السويسرية للتعريف بجماليات الثقافة العربية.

غادر السيد جاسم العراق أوائل الثمانينيّات ويعمل منذ فترة كبيرة ككاتب حر. ذكر لنا أنه “حصل على العديد من الجوائز من كانتونات سويسرية مختلفة، من خلال اشتراكه في العديد من الأمسيات الثقافية”، مضيفا “أقوم بدور الوسيط، وأنقل الثقافة العربية إلى السويسريين”. 

مؤسسات ذات إشعاع ثقافي وأكاديمي

بالإضافة إلى هذه الجهود الفردية، تحتضن زيورخ بعض المؤسسات المشتغلة بالثقافة العربية، بعضها أهلي وأخرى عمومية. وأوّل ما يتبادر على الذهن منها غاليري الأرض رابط خارجيومؤسسة المركز الثقافي العربي السويسريرابط خارجي لمؤسسهما السويسري العراقي الدكتور على الشلاه، الذي قد إلى سويسرا في أوائل التسعينات حيث تابع تعليمه العالي بجامعة برن، وفي معهد الدراسات الإستشراقية التابع لجامعة زيورخرابط خارجي

حاولنا الإتصال بالشاعر على الشلاه المتحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة برن أكثر من مرة ولكن دون جدوى. ورغم فشل كل المحاولات، تبيّن لنا من خلال الإطلاع على موقع المركز الثقافي العربي السويسري أنه لايزال يعلن في صفحته الرئيسية عن مهرجان المتنبي الذي أقيمت آخر دورة له في عام 2012.

وللعلم فقد سبق أن كتبت عنه كبريات الصحف والمواقع الإخبارية وذهب البعض إلى أنه من الشخصيات التي أسهمت في تغيير الوجه الثقافي العربي في زيورخ وفي سويسرا عموما. وربّما يعود تراجع نشاط هذا المركز إلى انشغال مديره على الشلاه بمهام أخرى في بلاده، حيث يترأس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس النواب العراقي منذ عام 2010. 

أما معهد الاستشراق بزيورخ، الذي كان يقوم بتدريس اللغة العربية ويهتم بالتراث الإسلامي باللغة العربية حتى عهد قريب، فقد شهد تحوّلا كبيرا في الآونة الأخيرة، إذ تم إدماجه منذ عام  2013 في معهد آسيا والشرق الذي يضم فرع العلوم الإسلامية ضمن خمس وحدات. وباتت العلوم الإسلامية تدرّس فيه بثلاث لغات: العربية والتركية والفارسية. وعلى غير ما دأب عليه في السنوات الماضية، بات فرع العلوم الإسلامية والتاريخ الإسلامي واللغة العربية نادراً ما يستضيف مفكرين أو كتابا أو مخرجين عرب لإجراء نقاشات مع طلبة المعهد. 

الفن السابع

السيدة رايللي نيمان Rayelle Niemann  أقامت ما بين عامي  2002 و 2012  في القاهرة وكانت صاحبة فكرة عرض الأفلام السينمائية العربية التي تُظهر واقع البلدان العربية، بالتنسيق مع مؤسسة روتي فابريكرابط خارجي الثقافية في المدينة. ومن حين لآخر، ينظم مكتب التخطيط التابع لـ “روتي فابريك” (أي المصنع الأحمر) في زيورخ أمسيات لعرض بعض الأفلام العربية.

وفي الماضي، بدأت الفكرة بعرض برامج كاملة عن فلسطين، وبعدها عن الوضع في سوريا ثم عن أوضاع المسلمين في أوروبا. وبحكم أن السيد كيروس كيكوس، العامل في مكتب التخطيط يشتغل أيضاً لدى مهرجان الأفلام القصيرة في فينترتور، اعتاد على إعادة عرض فيلم وثائقي مطول يهتم بالعالمن العربي في “روتي فابريك”، بعد انتهاء فعاليات مهرجان فنترتور.

السيد كيكوس قال لـ swissinfo.ch: “يحضر أمسياتنا من 40 إلى 50 شخصاً وهو بالنسبة لنا عدد كبير، ولقد إزداد عدد الرواد بعد الأحداث في العالم العربي زيادة كبيرة، رغم أن الإهتمام بمشاكل الآخرين ليس من ثقافة الشعب السويسري”، على حد قوله.

وفي الوقت الحاضر، يخطط “روتي فابريك” لتنظيم دورة برامج عن فلسطين في شهر سبتمبر القادم، ويأمل القائمون عليها في مشاركة “مسرح الحرية” في جنين في فعاليات هذه الدورة. 

نشير أخيرا إلى أن مسرح الضوضاءرابط خارجي في زيورخ (يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1980) قد شرع بعدُ في استضافة فرق مسرحية إفريقية وآسيوية بداية من عام 2007، وكان من بينها فرق عربية.

حسب آخر الإحصائيات المتوفرة، بلغ عدد العرب المقيمين في زيورخ (ممن يتوفرون على إقامات من صنف L و B و C) حوالي 7160 شخص. وهذه بعض الأرقام عن أهم الجاليات: 

1200 عراقي

919 تونسي

761 سوري

749 مغربي

655 لبناني

514 جزائري

482 فلسطيني

460 مصري

(المصدر: إحصائيات رابط خارجيرسمية أعدتها كتابة الدولة السويسرية للهجرة) 

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية