“حظر ارتداء النقاب والبرقع”.. هل هو ضروري فعلا في سويسرا؟
عمدت العديد من الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة إلى حَظْـر إرتداء البُـرقع والنقاب بالفعل. وفي عام 2013، أصبح التيتشينو أول كانتون سويسري يُحظَـر فيه ارتداء البُرقع أو النقاب في الأماكن العامة. واليوم، تُطالب مُبادرة شعبية أطلقتها مجموعة قريبة من حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) يوم 29 سبتمبر 2015 بتطبيق هذا النوع من الحَظر في مُجمل التراب السويسري. فهل يمثل البرقع أو النقاب رمزاً للتطرّف الإسلامي ينبغي منعه في الكنفدرالية؟ swissinfo.ch أجرت لقاءً حول الموضوع مع طرفيْن اختلفت وِجهات نظرهما تماماً.
“سويسرا مُهَدَّدة بالأسلمة”! كما يحذِّر فالتَر فوبمانّرابط خارجي، عضو المجلس الوطني من حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) وعضو لجنة المبادرة الشعبية التي تطالب بترسيخ “حَظر إخفاء الوجه في الدستور الفدرالي”. وتحظر هذه المبادرة إرتداء النقاب أو البرقع – سواء كان ذلك لدوافع جنائية أو دينية.
على الجانب الآخر، يرفض أليك فون غرافّينريدرابط خارجي، العضو السابق في مجلس النواب عن حزب الخُضر ورئيس مكتب السياحة في برن هذه المبادرة، كوْنها تمارس تمييزاً ضدّ طائفة دينية بأكملها.
وفي لقائهما مع swissinfo.ch تباينت آراء النائبين إلى حدٍّ كبير.
swissinfo.ch: سيد فوبمان، كم هو عدد النساء المُرتديات للنقاب أو البرقع، اللّواتي صادفتهن في سويسرا؟
فالتر فوبمانّ: لقد صادفت العديد منهن بالفعل، كما يزداد عددهن باستمرار بشكل ملحوظ. وإذا كنّا غير راغبين بهذا الوضع، فسيتحتم علينا إرساء قواعد واضحة منذ الآن، وليس عندما يصبح عددهن كبير جداً.
swissinfo.ch: ما هي الأفكار التي أثارها هذا اللقاء لديك؟
فالتر فوبمانّ: هذا [النقاب أوالبرقع] لا ينتمي إلى ثقافتنا. نحن في سويسرا نكشف عن وجوهنا ولا مكان لإخفاء الوجه هنا. ولكن الأمر يتعلّق بالناحية الأمنية أيضاً، حيث من السّهل جداً لمُنفِّذي الهجمات الإرهابية الاختباء تحت مثل هذه الملابس.
swissinfo.ch: وِفقاً للتقديرات، تعيش في سويسرا 150 – 300 سيدة ترتدي البرقع أو النقاب فقط، بمعنى أن هذه الظاهرة هامشية جداً. ألا تجدون أن مبادرتكم هذه تُساهم في تغذية الإرهاب الإسلامي؟
فالتر فوبمانّ: كلا، على الإطلاق. باستطاعة المسلمين في سويسرا مُمارسة عقيدتهم منذ عقود، بيْد أن ذلك لا يتطلّب البرقع أو النقاب أو المآذن. والعديد من المسلمين يؤيِّدونني في ذلك، وهم يريدون أن يقاوم السويسريون هذه الظاهرة التي بدأت بالتطوّر، لأنهم يخشوْن القيام بذلك بأنفسهم.
swissinfo.ch: سيد فون غرافّينريد، هل يُعتبر مَن يؤيد هذه المبادرة مُعادٍ للإسلام؟
أليك فون غرافّينريد: في رأيي لا ينتمي البُرقع إلى ثقافتنا. لكني أعيش في مدينة برن ولم أصادف سيدة ترتدي البرقع هنا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. أنا أشاهد البرقع على مُلصقات حزب الشعب السويسري، ولكني لا أراه في الحياة اليومية. وتعتبر إثارة المسألة في مبادرة شعبية، فعلاً تمييزياً.
swissinfo.ch: أصبحت للضيوف القادمين من الدول العربية أهمية مُتنامية بالنسبة للسياحة السويسرية. وبالنسبة لمنطقة إنترلاكن مثلاً، بات الضيوف العرب يحتلّون المرتبة الثالثة من حيث الأهمية بالفعل. وبحسب مدير مكتب السياحة في إنترلاكن، ستكون لهذه المبادرة عواقِب وخيمة على قِطاع السياحة [أنظر العمود الأيمن]. هل تؤيِّد وجهة نظر زميلك، بصفتك مدير مكتب السياحة في برن؟
أليك فون غرافّينريد: عند إطلاق مثل هذه المبادرات التمييزية، فمِن شأن ذلك أن يؤثِّر على حُسْن الضيافة التي تميِّز البلد.
فالتر فوبمانّ: أنا أكاد أضحك الآن. قبل قليل سمعت أن المسألة تتعلَّق بعدد قليل من النساء اللواتي يغطّين وجوههن، والآن أصبح للمبادرة دوْر حاسم في مباراة السياحة.
أليك فون غرافينريد: لا يتعلَّق الأمر بالنساء المُرتديات للبرقع اللواتي لن يتوافدن إلى سويسرا بعد ذلك فحسب، لكنه يتعلَّق بتأثر دِين بأكمله بهذه المبادرة وتعرّضه للإذلال، لمُجرّد مشكلة مزعومة لا وجود لها.
فالتر فوبمانّ: هذه نفس الحجّة التي سمعناها عند التصويت على مُبادرة حَظر بناء المآذن بالضبط. وفي الواقع، لم تلْق هذه المبادرة إهتماماً من أحد في المنطقة العربية، بل على العكس، يتعاون هؤلاء الناس معنا اليوم أكثر من ذي قبل. وعلى ما يبدو، فإن عدد السياح في تزايد مُستمِر أيضاً.
إن المآذن والبُرقع والنقاب، هي رموز نموذجية للإسلام الرّاديكالي المُتشدِّد، الذي لا يرغب أحد بوجوده في منطقتنا.
أليك فون غرافينريد: هذا لا ينطبِق على المآذن بالتأكيد.
فالتر فوبمانّ: بلى! لقد درست الإسلام. هذه ليست سِوى رموز للقوّة والسلطة لذلك النوع من الإسلام، الذي يستعر في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
بوُسعنا أن نكون مِثالاً يُحتَذى به في هذا المجال. لقد فعلت دول أوروبية أخرى الشيء ذاته. ولكن ظاهرة “الأسلمة” في مُدن هذه الدول كانت قد بلغت مرحلة مُتقدِّمة جداً. وهناك لم يَعُد فَرْض تنفيذ قانون منْع إرتداء النقاب أو البرقع مُمكنا تقريباً، بسبب الأعداد الكبيرة من النساء اللواتي يرتدينه. ولا يمكننا السّماح بوصول الأمر إلى هذا الحَدّ عندنا.
أليك فون غرافينريد: إذا كانت مبادرة مَنع بناء المزيد من المآذن لم تعُد بالمشكلة، فذلك يعود إلى نسيانها بعض الشيء – والحمد لله. قبل هذه المبادرة، لم تكن هناك سوى منارتين أو ثلاثة في سويسرا. ولكن إذا قلنا لطائفة دينية إن رموزكم غير مُرحَّب بها، فسيمثل ذلك عملاً عدائياً ضدّ هذا الدِّين وسيشعر أتباعه حينئذٍ بالإضطهاد.
فالتر فوبمانّ: كان المُسبّب في إطلاق هذه المبادرة هو 5 طلبات جديدة لتصاريح بناء مآذن إضافية.
“حظر الحجاب والبُرقع” في أوروبا
أقرّت بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا وبلجيكا، حظراً لارتداء البُرقع والنقاب في أماكنها العامة، كما تخطّط إسبانيا وهولندا لإصدار قوانين مماثلة.
وفي كانتون تيتشينو السويسري الناطق بالإيطالية، أقرّ الناخبون في عام 2013 حظراً لإخفاء الوجه في الأماكن العامة. وكانت المبادرة موجّهة ضد إخفاء الوجه لأسباب دِينية أيضاً، أيّ ضد إرتداء النقاب أو البرقع.
وفي كانتون زيورخ، يريد حزب الاتحاد الديمقراطي الفدرالي (يمين ديني) توسيع هذا الحَظر ليشمل النساء المسلمات. ويخطّط الحزب في حال فشَل مبادرته البرلمانية، إلى إطلاق مبادرة شعبية.
وبحسب القرار الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسانرابط خارجي في يوليو عام 2014، يتّفق القانون الفرنسي الذي يَحظُـر ارتداء النقاب والبرقع في الأماكن العامة، مع اتفاقية حقوق الإنسان.
swissinfo.ch: لِـنَعُد إلى حَظْر غِطاء الوجه. كيف تُقيِّمون الإشارة التي تبعث بها صناعة السياحة في سويسرا، عندما تَحرص على اجتذاب ضيوف يُغطّون وجوههم من هذه البلدان وتعمل على تدليلهم في فنادق باهظة الثمن – رغم ارتدائهن النقاب والبرقع – مقابِل الكثير من المال؟
فالتر فوبمانّ: القضية لا تتعلَّق بالسياحة فحسب. حينما يتوجّب علي الإختيار بيْن القِيم الأساسية لبلدنا وبضعة فرنكات، فسأختار قِيَمنا الأساسية بكل تأكيد. ولكن آثار حَظْر البرقع على السياحة، مُبالَـغ فيها. والطبقة الثرية في هذه الدول بالذات، غير مُهتمة بهذا الأمر.
أليك فون غرافّينريد: إن حَظر البرقع هو ردّ خاطئ على مسألة غير مطروحة بهذا الشكل. في الوقت الرّاهن، ليست لدينا أيّ مشكلة مع السيدات اللواتي يرتدين البرقع.
swissinfo.ch: كيف تتواصلون كطرف مضيف مع سيِّدة تُخفي وجهها؟
أليك فون غرافينريد: أنا لست من المؤيِّدين لإخفاء الوجه بشكل كلّي. فعندما تتطلّب الضرورة في مكان ما صورةً لجواز السفر، لن يكون الامتناع عن تزويدنا بهذا الشيء بدواعي عدم إستطاعة إظهار الوجه لأسباب دينية، مقبولاً بالطبع. ولكن هذا ليس سبباً لإطلاق مبادرة لحَظر البُرقع بشكل عام والإساءة لطائفة دينية بأكملها بالتالي.
swissinfo.ch: أنت من دُعاة المساواة في العادة. ألا يُزعِجك أن لا يُسمَح لهؤلاء السيدات بإظهار وجوهِهن؟
أليك فون غرافينريد: هذا السؤال بحاجة إلى مُناقشة، ولكن بشكل شامل ومُفَصَّل. إلى أي مدى تؤثر الحرية الدِّينية على الحرية الفردية؟ وكيف يمكن أن نمنح أعضاء طائفة دِينية الفُرصة لتحرير أنفسهم من الهياكل الأسَرِية الاستبدادية، إذا كانوا راغبين في ذلك؟
ولكننا في هذه الحالة، لا ينبغي أن نطرح مسألة حَظر البُرقع، ولكن علينا أن نتطرّق إلى تدابير أخرى، ونسأل أنفُسنا عن القِيم المهمّة بالنسبة لنا. هنا مثلاً يأتي دور الثقافة والتربية والتعليم. أنا لا أؤيِّد أن لا يكون بوُسع شخص ما المشاركة في دروس السباحة لأسباب دينية، لأن السباحة هي جُزء من عملية الإندماج في المجتمع.
“سياح مُرَحَّب بهم”
“السيّاح العرب، هم الفئة الأكثر إنفاقاً للمال خلال فترة إقامتهم في سويسرا، لذا لا يُمكن الإساءة لهؤلاء الأشخاص”، كما يُحذِّر ستيفان أوتس، مدير مكتب إنترلاكن للسياحةرابط خارجي، ويضيف:” نحن نتعامل مع السوق السياحية في العالم العربي بشكل مكثف للغاية”.
ويحتلّ السياح العرب في إنترلاكن، بعد السويسريين والصينيين، المرتبة الثالثة من حيْث الأهمية. “لو صدرت إشارات تدلّ على عدم تمكّنهم من التجوّل هنا كما تعوّدوا ذلك، فإنهم لن يأتوا ثانية، وسوف تكون لذلك عواقِب وخيمة [على السياحة].”
ويقدّم مكتب السياحة في إنترلاكن دوْرات خاصة للتعامُل مع الضيوف العرب “يحضرها حتى رجال الشرطة وموظفي السكك الحديدية وسائقي التاكسي، والعاملين في البلدية وموظّفي المستشفىيات”.
وكما يقول أوتس، وهو يناشد للتسامح :”لا ينبغي علينا أن نتخلّى عن قِيمنا الثقافية، ولكننا يجب أن لا نفرضها على ضيوفنا أيضاً”.
فالتر فوبمانّ: مَن يُغطّي وجهه بالكامل، ليس مُهتماً بالإندماج على الإطلاق. وأنا غيْر راغب بتحمّل هذا النّمط من الحياة بالذات هنا، لأنه يهدِّد النظام الاجتماعي الديمقراطي الحُر.
swissinfo.ch: لكن النظام الاجتماعي الديمقراطي الحُرّ يَضمَن حرية الدِّين أيضا. ووِفقا لمنظمات حقوق الإنسان، يُمثل فَرض حَظر على ارتداء البرقع، انتهاكاً لحرية الدين.
فالتر فوبمانّ: مِن الواضح أن هذا ليْس صحيحاً. فكما نعلم، أقرَّت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ ،الحَظر الذي فرضته فرنسا على ارتداء البرقع…
أليك فون غرافينريد: يُسعِدُني أن أسمع السيد فوبمان مرّة وهو يتحدّث مُمتدِحاً محكمة حقوق الإنسان.
فالتر فوبمانّ: يحِق لي أيضاً اللّجوء إلى استخدام ذلك أحياناً…
أليك فون غرافينريد:… هكذا من حالة إلى أخرى ببساطة.
فالتر فوبمانّ: غالِباً ما لا تكون قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في صالح سويسرا. ولكن قرارها في هذه المسألة كان واضحاً جداً.
swissinfo.ch: هل تطلقون مبادرتكم هذه لصالح النساء المُضطهدات في الدول العربية؟
فالتر فوبمانّ: كلاّ بشكل عام. أنا لا أريد التدخل في العالم العربي، ولكني لا أرغب بوجود هذا الأسلوب في الحياة هنا. كما لا أفهم سبب دفاع الساسة من حزب الخُضر واليسار الآن عن هذا البُرقع.
أليك فون غرافينريد: أنا لا أفعل ذلك، بل إني كثيراً ما أسأل نفسي عمّا إذا كان اختيار هؤلاء النساء للنقاب أو البرقع، طوعياً تماماً.
swissinfo.ch: وما هي الإجابة التي توصّلْت إليها؟
أليك فون غرافينريد: ليْست هناك إجابة عامّة على هذا السؤال. المُهم أن يكون الوصول إلى التعليم مجانياً وأن تكون حرية إختيار الدِّين وسائر الحريات الأخرى مكفولة، وهذا ما ينبغي التّرويج له.
swissinfo.ch: ألا يتناقَض الحديث عن حقوق الإنسان مع قضية البُرقع؟ أليْست أحكام تغطِية الوجه هذه في حدِّ ذاتها انتهاكاً لحقوق الإنسان؟
أليك فون غرافينريد: هناك نِساء يَقُلن إن طريقة لِباسِهن هي تعبير عن مُمارستِهن لحُريتهن. وسيشكل مَنْع هذه الشريحة من ذلك، قيداً لهن.
لجنة إيغركينغن
سبق لهذه اللجنة أن نجحت في فرض حظر بناء المزيد من المآذن في سويسرا من خلال التصويت الفدرالي الذي أجري يوم 29 نوفمبر 2009، وهي تريد هذه المرة حظر ارتداء النقاب والبرقع وإخفاء الوجه بشكل عام في الأماكن العامة في كافة أنحاء سويسرا.
يوم الثلاثاء 29 سبتمبر 2015، أعلنت في ندوة صحفية عقدتها في برن، عن اعتزامها إطلاق مبادرة شعبية في هذا الإتجاه على المستوى الفدرالي، استنادا إلى نص مماثل لما تمت المصادقة عليه في كانتون تيتشينو العام الماضي.
هذه اللجنة القريبة من حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، تدعو في مبادرتها الجديدة إلى حظر “إخفاء الوجه لأي هدف كان، سواء تعلق بغرض إجرامي أو كان مبررا بأسباب دينية”.
لجنة المبادرة ستقوم بإيداع النص لدى المستشارية الفدرالية خلال الأيام القليلة القادمة، حتى تتم مراجعته. ومن المنتظر أن تنطلق عملية جمع التوقيعات المؤيدة للمبادرة خلال ربيع 2016.
(المصدر: وكالة الأنباء السويسرية)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.