الإشتراكيون أيضا يريدون حظر النقاب. ولكن لماذا؟
في سويسرا يؤيّد بعض ممثلي الحزب الإشتراكي مبادرة تدعو لفرض حظر على النقاب على المستوى الوطني. إلا أن تأييدهم لهذه الرغبة التي أبدتها دوائر اليمين المحافظ يواجه رفضاً، خاصة من رفيقاتهم في الحزب، وتختلف المبررات حتى بين المؤيدين أنفسهم.
ترفض آنيتا فيتس، عضوة البرلمان عن الحزب الإشتراكي بكانتون بازل، النقاب كلياً، “ليس لأسباب تتعلق بحرية المرأة وإنما لأن لدينا هنا ثقافة الوجه في الوجه. فالنظر في وجه الآخر يعد جزءاً من تواصلنا”.
لكنها لم تقابل في مدينة بازل على مدى العقدين أو الثلاثة الماضية سوى امرأتين أو ثلاثة منقبات. إذن فإصدار منعاً وطنياً للنقاب بسبب حفنة من الحالات، كما تطالب به اللجنة التي أطلقت المبادرة، “يعد أمراً يفتقر تماماً للتناسب”.
فأغلب المناطق في سويسرا لم تشهد أبداً ظهوراً لسيدات ترتدين النقاب أو البرقع. في المقابل نجدهن في ظهور متزايد في المناطق السياحية، كما في مدن جنيف وزيورخ وتيتشينو. وفي كل الحالات تقريباً نجد أنهن زوجات لسياح شديدي الثراء من دول الخليج مثل السعودية أو الكويت أو قطر.
ويعد ماريو فير، رئيس حكومة زيورخ وعضو الحزب الإشتراكي، رؤية المنقبات شوكة في حلقه. وقد طالب في حوار أجرته معه في الأسبوع الماضي مجلة “نويه تسِوخر تسايتونغ” “Neue Zürcher Zeitung” بألا يتراجع المجتمع المحلي عن قيمه وبأن يمنع ارتداء النقاب. “علينا إعلام الأجانب، بأنه مرحب بهم، إلا أن إظهار الوجه يعد في هذا الكانتون أو في هذا البلد أمراً حتمياً.”
ويؤيد ماريو فير في هذا الأمر زميله في الحزب عن غرب سويسرا بييار إيف مايار. ففي صحيفة “لو ماتان ديمانش” “Le Matin Dimanche” صرح مايار والذي يشغل منصب وزير في حكومة كانتون فو عن الحزب الديمقراطي الإشتراكي ، بأنه (أي النقاب) “يعد تعدياً على حرية الضمير والسلوك”. وللسيدات أن تشهدن بأن مجتمعنا يستحق أن ندافع عنه ضد الرجعية. “فالأمر يبدأ بحرية المرأة وحرية الجسد. ولا يمكننا أن نقبل بأنصاف حلول في هذا الشأن”، كما يقول مايار الذي “لا يُعارض بكل تأكيد” منع النقاب.
إن مساندة ممثلين عن الحزب، الذي يحمل لواء التسامح تجاه الثقافات الأخرى، لهذا المطلب الشعبوي لليمين المتطرف ليثير الجدل ليس فقط في الإعلام، ولكن أيضاً بين رفقاء الحزب خاصة من السيدات.
تطلق آنيتا فيتس اسم “سياسة الرموز” على تصريحات زميلها الحزبي من مدينة زيورخ. فليس للنقاب مكان في حياتنا اليومية، تقول رفيقة الحزب من كانتون بازل: “لكن فقط لإن مجلس الوزراء في كانتون زيورخ يرى أنه هو المكان المناسب لإدارة حوار حول القيم، لهذا السبب لا نريد منعاً للنقاب في كانتون بازل”. فإذا كان هناك مشكلات في بعض الكانتونات فعلى هذه الكانتونات أن تقوم بحلها، كما تقترح رفيقة الحزب من كانتون بازل.
المزيد
السياحة في التيتشينو قد تكون الخاسر الأكبر من حظر البرقع
منذ بداية يوليو من العام الجاري يمنع كانتون تيتشينو تغطية الوجه في الأماكن العامة. فلقد صوت 60% من الناخبين هناك في عام 2013 لصالح منع النقاب على مستوى الكانتون. وطبقاً لبيانات رئيس الشرطة المحلية فإن الضيوف العرب يحترمون قرار المنع في تيتشينو حتى الآن. وتتخذ مبادرة منع النقاب (الجديدة) من كانتون تيتشينو نموذجاً تسترشد به لتطبيق حظراً فدرالياً للبرقع أو النقاب.
هل هي خطوة رمزية ضد الإسلام السياسي المتطرف؟
تقول آنيتا فيتس: “إن تطبيق حظر وطني على سبيل الإحتياط هو شيء لاعقلاني”. فبدلاً من إعلان الحرب على إرهاب المتطرفين الإسلاميين في صورة حظر نقاب بضعة عشرات من السائحات المتحجبات، ينبغي مطالبة المنظمات الإسلامية في سويسرا بمزيد من الشفافية ـ مثلاً فيما يتعلق بالتمويل الأجنبي المتدفق للمساجد، وهذا بغرض اكتشاف العناصر المتطرفة. “إنني أؤيد حتمية أن تُلقى الخطب في المساجد باللغة المحلية، وأن يتم تعليم الأئمة في سويسرا كي يتعرفوا على نظامنا القانوني. ولن يعارض المسلمون المعتدلون هذا الأمر بكل تأكيد”، كما تعتقد عضوة البرلمان بكانتون بازل.
كذلك تعارض مين لي مارتي، عضوة البرلمان الفدرالي عن الحزب الإشتراكي، حظر النقاب، برغم أنها تراه “غير لطيف”. “فالدول الليبرالية لا تجعل ضوابط اللباس جزءاً من الدستور. فهل تريد سويسرا أن تضع بصمتها ضد الإسلام السياسي المتطرف بأن نعلن الحرب على رمز بعينه؟”، تتسائل مارتي باستنكار، وترى: “على المجتمع الليبرالي المستنير أن يكون قدوة في ممارسته لقيمه وألا يُدير حواراً حول كبش فداء”.
ويتشابه هذا مع ما تسوقه بريسكا زايلر غراف من براهين. “في الظاهر يحاولون أن يضعوا بهذا الحظر بصمتهم ضد قهر المرأة. ولكن في واقع الحال فإن هذا الحظر موجه أيضاً ضد السيدات اللاتي ستم إيقافهن ومطالبتهن بكشف سترهن، مما سيدخلهن في مواجهة”، كما تقول عضوة مجلس الشعب عن الحزب الديمقراطي الإشتراكي. فهي (كما تقول) لا تستحسن النقاب أيضاً لإنه يعد تعبيراً عن قهر المرأة.
“فضوابط اللباس في تلك البلاد لا يتم وضعها من قِبل النساء، وإنما من قِبل الرجال. وهذا لا يتوافق مطلقاً مع نظرتي الليبرالية والغربية للعالم. إلا أنه ليس من الليبرالية أيضاً أن أضع حظراً للنقاب في الدستور، إذ أنني بهذا أكون قد وضعت بنفسي ضوابطاً للباس. فمثل هذه الضوابط تتناقض مع مفهوم الدولة الديمقراطية المنفتحة على العالم، سواء كنا نستحسن النقاب أو نرفضه”.
إلا أن ما يزعج عضوة مجلس الشعب عن كانتون زيورخ حقاً لهو تملق السياحة السويسرية للضيوف الآتين من دول الخليج ـ وهم في أغلب الأحوال انتهازيون مستفيدون من أحد الأنظمة الديكتاتورية الذكورية ـ بسبب حافظات نقودهم الممتلئة. “أتمنى أن يأخذ هؤلاء السياح معهم بعض من قيم مجتمعنا الليبرالي المتسامح، وليس فقط أن يجهزوا على بضائع شارع بانهوف شتراسه في مدينة زيورخ [شارع ذي شهرة عالمية في التسكع والتسوق]. لكنني لا أظن أنهم سيتعرفون على نظامنا القيّمي إذا منعناهم من ارتداء النقاب”.
“حل دبلوماسي”
أما تيم جولديمان، عضو مجلس الشعب الفيدرالي عن الحزب الديمقراطي الإشتراكي، فيتخذ موقفاً توفيقياً بين مؤيدي ومعارضي حظر النقاب. فهو بصفته دبلوماسي سويسري سابق يعرف المجتمعات الإسلامية ليس فقط من خلال شهادات الغير. فكما تخبرنا سيرته الذاتية على صفحته الإلكترونية قام جولديمان على سبيل المثال بدور الوساطة في الشيشان عام 1996 للتوصل إلى وقف إطلاق النار، كما قام بتنظيم أول انتخابات حرة هناك. وفي عام 2006 حصل في برلين على جائزة موزِس مندلسزون “للحث على التسامح تجاه المخالفين في الرأي وبين الشعوب والأديان”.
وفيما يتعلق بالدفاع عن قيمنا، نراه يشارك زميله في الحزب من كانتون زيورخ الرأي. “أنا لست من مؤيدي الليبرالية متعددة الثقافات. من يأتي إلى مجتمعنا عليه أن يحترم ثقافتنا. ومن لا يريد تعلم لغة محلية، يجب ألا تعطى له الفرصة ليمكث هنا مدة طويلة.” ويضيف: صحيح أن النقاب لا يتماشى مع مجتمعنا المنفتح، إلا أنه لا يشكل شيئاً ذا بال بالنظر إلى ندرته الشديدة. فلن تُحل المشكلة بالحظر، إذ أنه بهذا الحظر نُعرض أنفسنا لخطر إستفزاز المجرمين من ذوي الدوافع الإيمانية المتطرفة ـ والذين قد ينتمي إليهم بعض المتحولين إلى الإسلام من أهل البلاد.
وختاماً فإن جولديمان يقترح حلاً عملياً أكثر، كبديل عن الحظر: “فيمكننا ذلك من خلال التعليمات، وهذا بأن نؤكد مثلاً أن السلطات تلفت عناية السائحات المعنيات إلى قناعاتنا الثقافية وأنها ترجو منهن التخلي عن النقاب”، كما يقول الدبلوماسي المخضرم.
خطى متسارعة نحو حظر النقاب
تجري في سويسرا منذ مارس/ آذار من العام الجاري عملية جمع الأصوات نحو حظر فيدرالي للحجاب الكامل. ولقد أطلق هذه المبادرة ما يُعرف بلجنة إيغركينغر والتي تتشكل في أغلبها من سياسيين ينتمون لليمين المحافظ. وتلك اللجنة نفسها هي من أطلقت المبادرة الشعبية لمنع بناء المآذن والتي حظيت بموافقة 57% من الأصوات في عام 2009 وقوبلت باهتمام إعلامي عالمي واسع. أما بالنسبة لمبادرتها الأخيرة (والخاصة بمنع النقاب) فإن هذه اللجنة قد استطاعت طبقاً لبياناتها الخاصة جمع أكثر من 30 ألف توقيع بالفعل.
ومنذ أول يوليو/ تموز 2016 دخل حظر الحجاب الكامل حيز التنفيذ في كانتون تيتشينو. وطبقاً لبيانات صدرت عن دوائر شرطية لم تحدث أية مشاكل تُذكر حتى الآن أثناء تطبيق الحظر.
أما في فرنسا فقد طُبق حظر النقاب بالفعل بداية من عام 2011. وقد صادقت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان في عام 2014 على حظر الحجاب الكامل في الأماكن العامة. كذلك يوجد حظر وطني للنقاب في كل من بلجيكا وإيطاليا.
في ألمانيا يدور حالياً جدل بشأن حظر النقاب. أما من بدأ هذا الجدل فهو حزب البديل لألمانيا اليميني الشعبوي. إلا أن بعض من سياسيي حزب الوحدة المسيحي الديمقراطي والذي تنتمي إليه أنغيلا ميركل، يطالبون بمثل هذا الحظر. بيّد أن المستشارة الألمانية قاومت هذا التوجه حتى الآن.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.