مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حـلّ للمستقبل أم مجرد طريقة سويسرية لكسب الوقت؟

لا زال الإتفاق الضريبي الذي توصلت إليه برن مع برلين في انتظار الحصول على الضوء الأخضر من البرلمان الألماني. Keystone

تحاول سويسرا إقناع أكبر عدد من البلدان بفضائل الضريبة التحريرية - أو الاستباقية - من أجل إبعاد شبح التبادل التلقائي للمعلومات في المسائل الضريبية. فهل ستنجح هذه المناورة؟ يعتمد الأمر إلى حد كبير على ألمانيا.

سويسرا وقعت حتى الآن اتفاقيات الضريبية التحريرية مع كل من ألمانيا، وبريطانيا، والنمسا. وينبغي أن تدخل حيز التنفيذ في غرة يناير 2013، ولكن عملية التصديق قد تــُواجه في ألمانيا رفض مجلس الولايات (بونديسرات)، الذي تهيمن عليه غالبية من اليساريين والخضر.

استعادة مبالغ تصل إلى 11 مليار يورو

ينص الاتفاق على تقنين الحسابات غير المعلنة المودعة في المصارف السويسرية من قبل مواطنين ألمان. وتقتطع سويسرا ضريبة على هذه الأصول ثم تعيد دفعها إلى ألمانيا. وبالتالي، يدفع أصحاب تلك الحسابات سنويا ضريبة تقتطع من المصدر على دخل الأصول. وينبغي أن تسمح هذه العملية للسلطات الضريبية الألمانية باسترداد مبالغ تصل إلى 11 مليار يورو.

وينتقد الاشتراكيون والخضر في مجلس المقاطعات الألمانية “تساهل” هذا النظام الذي سيسمح للمحتالين بعدم الكشف عن هويتهم. كما يدينون  تلك “الفجوات الكبيرة بحجم أبواب الحظيرة” التي يعاني منها الاتفاق، حسبهم، إذ يعتقدون أنه سيترك للأشخاص المعنيين ما يكفي من الوقت لنقل أصولهم إلى مكان آخر، ما من شأنه تسهيل المأمورية على المحتالين، وذلك على حساب دافعي الضرائب النزهاء.

استفتاء في سويسرا

ومن المتوقع أن يــتخذ مجلس الولايات الألمانية قراره بهذا الشأن في شهر نوفمبر القادم. ولكن الاتفاق ليس مضمونا بالكامل من الجانب السويسري. فلأسباب مختلفة تماما، أطلقت كل من مجموعة العمل “من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة” ASIN (ذات توجهات يمينية متشددة)، والشباب الاشتراكي استفتاء لمعارضته.

وتـــَعتبر مجموعة  ASIN هذا النوع من الاتفاق “غير مقبول ومهين” للحرية ولسويسرا، وبأنه يمثل “استسلاما جديدا” أمام الطرف الأجنبي. في المقابل، يريد الاشتراكيون الشباب إلغاء السرية المصرفية ويدعون إلى التبادل التلقائي للمعلومات.

وتنتهي المهلة المحددة لجمع التوقيعات الـ 50000 الضرورية لإطلاق الاستفتاء في نهاية شهر سبتمبر 2012. وإذا ما نجح أصحاب الاستفتاء في تجمعيها، سيُدعى الناخبون السويسريون إلى صناديق الاقتراع يوم 25 نوفمبر 2012.

“العالم لن يصفق على الاتفاق”

ويمثل نظام الضريبة التحريرية رد فعل سويسرا على الضغوط الدولية المتزايدة التي تمارس على سريتها المصرفية. وفي تصريحات أدلى بها مؤخرا لصحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الرصينة (تصدر بالألمانية في زيورخ)، أقر ميكاييل آمبول، كاتب الدولة المكلفة بالقضايا المالية الدولية قائلا: “إن العالم لن يصفق حقا  (على هذا الاتفاق) لأن العديد من البلدان تريد التبادل التلقائي للمعلومات”.

ولكن السيد آمبول بنفسه يوضح بأنه، على حد علمه، “لا يكاد يوجد خبير، حتى في تلك البلدان، لا يعتبر تلك الضريبة التحريرية بديلا مثيرا للاهتمام. فعلى عكس ما كان يحدث في السابق، سويسرا لم تعد تكتفي بمجرد قول “لا” بكل بساطة، بل هي تقترح بديلا يتميز على الأقل بكونه مُقنعا”.

وقد أجرت سويسرا مناقشات على مستوى الخبراء مع عدد من البلدان المهتمة بهذا النوع من الضرائب، “وأيضا خارج أوروبا”، مثلما كشف السيد آمبول، دون تحديد البلدان المعنية.

“مُفــجّر”

من الواضح أن البلدين المثقلين بالديون، وهما اليونان وإسبانيا، يهتمان باحتمالية توقيع مثل هذا الاتفاق الذي قد يجلب بسرعة مبالغ كبيرة إلى خزائنها الفارغة. وخارج أوروبا، يتصور بيتر ف.كونتس أن توقع سويسرا اتفاقات مماثلة مع بلدان مثل الصين، والهند، وروسيا. فبالنسبة لبرن، من “المهم” النجاح في صياغة “معيار جديد يمكن أن يصبح بديلا للتبادل التلقائي للمعلومات”.

في أوروبا، على أية حال، كان للاتفاق مع ألمانيا وظيفة “المفجر”. فإذا كانت ألمانيا “أقل أهمية” بالنسبة لدول مثل روسيا أو الصين، فهي تعتبر بمثابة “قاطرة” داخل الاتحاد الأوروبي. ومن ناحية أخرى، يعتقد البروفيسور كونتس أن الألمان هم ربما أكبر مزودين للأموال غير المعلنة المودعة في حسابات بسويسرا، حتى أنهم يتقدمون على الإيطاليين.

في المقابل، إذا ما فشل الاتفاق مع ألمانيا، فسيكون ذلك بمثابة “وفاة فكرة الضريبة التحريرية”، مثلما يحذر الخبير المصرفي هانس غايغر، من زيورخ، إذ أنه يعتبر الاتفاق مع ألمانيا في حدّ ذاته أساس الاتفاق مع بريطانيا.

ويتضمن نص الإتفاق بالفعل بند “الدولة الأكثر استفادة”، وهو ما يعني في هذه الحالة أنه “إذا ما حسّنت ألمانيا موقفها، فإن موقف بريطانيا سيتحسن أيضا” (أي أن بريطانيا ستستفيد من كافة التسهيلات الممنوحة إلى ألمانيا من طرف سويسرا في هذا المجال). ولكن فشل الاتفاق مع ألمانيا سيعني أن “الاتفاق مع بريطانيا، على الأقل في شكله الحالي، لن يكون له أي أساس”.

سويسرا قد لا تُفلت في المستقبل

غير أن سيرجيو روسي، أستاذ الاقتصاد في جامعة فريبورغ، لا يعتقد بأن احتمالية فشل الاتفاق مع ألمانيا “يمكن أن تؤثر على الاتفاقات مع بلدان أخرى”.

ويظل من “المهم جدا” بالنسبة للمصارف السويسرية ولعملائها الألمان دخول الضريبة التحريرية حيز النفاذ. يقول البروفيسور روسي محذرا: “في غياب هذا الاتفاق، سنشهد تسربا هائلا للأموال الألمانية من البنوك السويسرية إلى الملاذات الضريبية في سنغافورة وهونغ كونغ”.

وبالتالي فإنه من “مصلحة (ألمانيا) التصديق الاتفاق، ولكن ربما بمعدل ضريبي أعلى، وهنالك بعد مطالب في صفوف الطبقة السياسية الألمانية برفع هذا المعدل”، على حد تعبير سيرجيو روسي الذي يعتبر بأن الضريبة التحررية ليست سوى طريقة لـ “كسب الوقت” و”إبعاد تهديد التبادل التلقائي للمعلومات لفترة انتقالية”. فعلى المدى البعيد، لا يوجد أي بديل والتبادل التلقائي للمعلومات سيفرض نفسه في نهاية المطاف.

في حوار أدلى به فيليب هيلدبراند، رئيس البنك الوطني السويسري السابق، إلى التلفزيون السويسري الناطق بالفرنسية RTS، دعا هذا الأخير المسؤولين في بلاده إلى الإستعداد لمرحلة يصبح فيها تبادل البيانات المصرفية الخاصة بالحرفاء الاجانب بين البلدان، خاصة الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية، بشكل آلي. وتوقّع أن يحدث ذلك خلال السنوات العشر القادمة في أقصاه.

وأضاف هيلدبراند: “على سويسرا ونظامها المصرفي أن يفترضا أنه خلال خمس إلى عشر سنوات، عندما يأتي حريف اجنبي لفتح حساب مصرفي في أحد البنوك السويسرية، أن يتم إبلاغ إسمه وتاريخ فتحه للحساب، وإسم المصرف بشكل تلقائي إلى إدارة الضرائب في بلده الأصلي”.
 

وواصل القول بشكل حاسم: “لقد انتهى الوقت الذي كانت فيه سويسرا ملاذا ضريبيا آمنا”.

ويذكر ان رئيس البنك الوطني السويسري السابق، والذي ينحدر من كانتون لوتسرن الناطق بالالمانية قد أجبر على الإستقالة من منصبه في 9 يناير 2012 بعد خلاف حول صفقة عقدتها زوجته في سوق صرف العملات الاجنبية. وقد أصبح هيلدبراند منذ ذلك الحين الموظّف رقم 2 في مصرف بلاك روك الأمريكي المتخصص في إدارة الثروات.

13 مارس 2012: على إثر ضغوط مورست عليها من قبل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (التي يبلغ عدد بلدانها الأعضاء 34 من أكثر الدول تصنيعا)، قررت الحكومة السويسرية اعتماد معايير تلك المنظمة في مجال التعاون الضريبي. فرُفع السر المصرفي: بمعنى أن سويسرا تلتزم بمقتضى اتفاقيات ثنائية لمنع الإزدواج الضريبي بمعايير تتطابق مع تلك التي ضبطتها المنظمة بتسليم بيانات إلى الطرف الثاني المتعاقد معها كذلك في حالة التهرّب الضريبي (وليس فقط في حالة الغش الضريبي كما كان معمولا به من قبل).


ومنذ ذلك التاريخ، وقعت سويسرا اتفاقيات جديدة لمنع الازدواج الضريبية مع أكثر من 30 بلدا.

22 يونيو 2009: اتفق هانس-رودولف ميرتس الذي كان وزير المالية آنذاك، مع نظيره الألماني بير شتاينبروك على اتفاقية منقحة لمنع الازدواج الضريبي.

21 سبتمبر 2011: وقعت وزيرة المالية السويسرية إيفلين فيدمر-شلومبف ونظيرها الألماني وولفغانغ شاوبل الاتفاق في برلين. وينتقد اليساريون والخضر الألمان النص الذي يعتبرونه متساهلا جدا مع المتحايلين على الضرائب.

5 أبريل 2012: سويسرا وألمانيا تستكملان الاتفاق. تم ترفيع معدلات الضريبة التحريرية على الحسابات التي أودعت في الماضي. ويتراوح المعدل بين 21 و41% من الأصول المملوكة، اعتمادا على طول العلاقة المصرفية ومقدار الثروة.

17 أبريل 2012: المفوضية الأوروبية توافق على الاتفاقين مع ألمانيا وبريطانيا، معلنة على أنهما “يتطابقان تماما مع القانون الأوروبي”.

25 أبريل 2012: الحكومة الألمانية تصادق على الاتفاق في صيغته المنقحة. لكن ممثلين المقاطعات التي يتزعمها سياسيون من اليسار والخضر أعلنوا نيتهم في معارضة الاتفاق لدى عرضه على مجلس المقاطعات “بونديسرات”.

يونيو 2012: في سويسرا، صادق مجلس النواب على الاتفاق مع ألمانيا، بعد مجلس الشيوخ. ولكن المحافظين القوميين من جمعية العمل “من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة”، والاشتراكيين الشباب أطلقوا عملية تجميع التوقيعات لطرح الاتفاق على استفتاء شعبي، وإذا ما تمكنوا من تجميع 50000 توقيع، سيدعى الناخبون إلى صناديق الاقتراع يوم 25 نوفمبر 2012.

(نقلته إلى العربية وعالجته: إصلاح بخات)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية