حكم قضائي سويسري يحبط الآمال بمزيد من الشفافية في قطاع الذهب
رفضت المحكمة الفدرالية السويسرية طلبًا تقدّمت به جمعية الشعوب المهددة بسويسرا بغرض الحصول على بيانات تفصيلية عن الذهب الذي تستورده شركات سويسرية.
ويمثّل هذا القرار الذي صدر قبل أسابيع قليلة انتكاسةً لأنصار تعزيز الشفافية في قطاع الذهب، وفوزًا لشركات تكرير الذهب التي تستبسل في الحفاظ على “أسرار المهنة”.
واستندت المحكمة الفدرالية السويسرية، وهي الهيئة القضائية العليا في البلاد، إلى حجة تقول إن المكتب الفدرالي للجمارك وحرس الحدود غير مخوَّليْن بالإفصاح لجمعية الشعوب المهددة (STP)، المنظمة السويسرية غير الحكومية التي يوجد مقرَّها في برن، عن المعلومات المتعلِّقة بواردات الشركات السويسرية من الذهب. وجاء هذا الحكم مؤيِّدًا لقرار سابق صدر عن المحكمة الإدارية الفدرالية.
وفي بيان لها نُشِر عقب الجلسة العلنية التي عُقدت في لوزان، بررت أعلى محكمة في سويسرا قرارها بأن “المعلومات المُتنازع عليها تخضع لأحكام السرِّية الضريبية المفروضة بموجب قانون الضريبة على القيمة المضافة (VAT)، وهي بالتالي مُستثناة من الحق في الحصول على المعلومات بموجب قانون الشفافية”.
ويرى كريستوف فيدمر، المدير الإداري لجمعية الشعوب المهددة، أنَّ القرار الذي أيَّدته هيئة القضاة بأربعة أصوات مقابل صوت واحد، كان مخيِّبًا للآمال، ولكنه لم يكن مفاجئًا. وأعرب عن عدم اقتناعه بحجة السرِّية الضريبية، وقال إن المصالح الاقتصادية لقطاع الذهب كانت هي الطاغية، رغم ما يتسبب فيه هذا القطاع من مخاطر على سمعة سويسرا.
وأوضح فيدمر، في حديث أجرته معه سويس إنفو (SWI Swissinfo.ch): “يصعب على المرء أن يفهم مصوّغات هذا الحكم، فقد احتجُّوا بالسرية الضريبية. مع أننا لم نستوضح قطُّ عن أي مبالغ مالية أو عن قيمة التحويلات، بل عن كميات الذهب وأسماء الشركات التجارية فحسب… نحن نشعر بخيبة أمل كبيرة مع أننا كنا نتوقع ما حدث، لأن القطاع له ثقل اقتصادي كبير جدًّا. ولم ترغب [أي شركات القطاع] في إبداء أي قدرٍ من الشفافية”.
وشدّد فيدمر على أنَّ جمعية الشعوب المهددة ستستمر في ممارسة الضغط المباشر على شركات تكرير الذهب في سويسرا حتَّى تُعلن عن مصدر الذهب الذي تستورده إلى البلاد. وإنهم سيدعمون أيضًا الجهود المبذولة لسنِّ قوانين العناية الواجبة وفرضها على الشركات في سويسرا وتعزيزها، وهي جهود تعرَّضت في عام 2020 لانتكاسة عندما رفض المُقترِعون والمُقترِعات مبادرة الأعمال المسؤولة.
وتُعد جمعية الشعوب المهدَّدة، التي تأسست في عام 1989، واحدة من ضمن شبكة من جمعيات سويسرية وجماعات خبراء وأكاديميين تسعى إلى تعزيز الشفافية في تجارة الذهب، وتعمل من أجل الدفاع عن حقوق الشعوب الأصلية في جميع أنحاء العالم. ونظَّمت هذه الجمعية حملات للقضاء على التعدين غير القانوني للذهب في البرازيل، بالإضافة إلى حملات أخرى تدافع فيها عن قضايا بيئية.
+ مصافي الذهب السويسرية تَتَعَهَّد بِتَجَنُّب ذهب منطقة الأمازون البرازيلية
معركة قانونية طال أمدها
بدأت المعركة القانونية في فبراير 2018 عندما تلقَّى المكتب الفدرالي للجمارك وحرس الحدود طلبًا من جمعية الشعوب المهدَّدة للحصول على بيانات بشأن واردات خمس شركات ومصرفان، من الذهب بين عامي 2014 و2017. واقتصرت المعلومات التي طلبتها الجمعية على كميات واردات الذهب، مفصَّلة حسب اسم البلد المصدر، واسم الشركة السويسرية المستورِدة. وكان مكتب الجمارك قد وافق على تقديم هذه البيانات في البداية، ولكنَّ شركات تكرير الذهب في سويسرا تقدّمت إلى المحكمة الإدارية الفدرالية بطعن في هذا القرار مستندة إلى أحكام السرِّية الضريبية، وسرِّية الأعمال التجارية، وقوانين حماية خصوصية الأطراف الثالثة.
وبحلول عام 2022، كانت جمعية الشعوب المهدَّدة قد عدَّلت طلبها، وتراجعت عن طلب البيانات البنكية، وقدَّمت إلى المحكمة الفدرالية طلبًا للاستئناف ضد قرار المحكمة الإدارية الفدرالية. ووفقًا للجمعية، فإن نحو 70 % من الذهب المستخرج من جميع أرجاء العالم يجري تكريره أو بيعه في سويسرا. وتشير تقديرات أخرى إلى أن هذا البلد الجبلي يؤوي عمليات تكرير ثلث الإجمالي العالمي من الذهب الخام، ونصف الذهب المعاد تدويره.
وفي سانت غالن، استنتجت لجنة القضاة التي عيَّنتها المحكمة الإدارية الفدرالية أن البيانات المطلوبة جُمعت لغرض حساب القيمة المضافة، وبالتالي تدخل في نطاق أحكام السرِّية الضريبية. ووفقًا لمستندات المحكمة، اعتبرت لجنة القضاة أن إمكانية استخدام هذه البيانات لأغراض غير حساب القيمة المضافة هو أمر غير ذي صلة أو أهمية في هذه القضية. وكان القرار الذي صدر يوم الأربعاء الماضي عن المحكمة الفدرالية في لوزان متماشيًا مع هذا المنطق.
وعبَّر مارك أومل، رئيس قسم المواد الخام في جمعية الشعوب المهدَّدة، عن أسفه الشديد لهذا القرار، معتبرًا أنه يُظهر مقدار الجهد الذي يتعين بذله لتعزيز الشفافية في سلسلة توريد الذهب إلى المصافي السويسرية. وأضاف: “لقد آن الأوان لكي تتحمَّل المصافي المسؤولية عن إمداداتها من الذهب وعن ظروف استخراجه، ويكون ذلك بالكشف عن أسماء مورديها”.
ويتفق مارك بيث، مؤلف كتاب “غسيل الذهب: أسرار تُلطِّخ تجارة الذهب” مع هذا الرأي، ويرى أنَّ هذا القرار يشكِّل “انتكاسة فعلية في سعي المصافي نحو تحقيق الاستدامة في قطاع الذهب”، مشيرًا إلى أن الشفافية ضرورية للغاية. وتبرز هذه الأهمية بوضوح في تجربة فنزويلا مع ذهب الأمازون، وارتباط الذهب بالنزاعات المسلحة (كما في السودان وروسيا).
مسلسل الفضائح
على مدى السنوات القليلة الماضية، ظلَّت واردات سويسرا من الذهب، من حيث مصدره وطريقة استخراجه، قضيَّة تُثير تساؤلات متزايدة على الساحة الإعلامية وفي علاقة بالرأي العام.
وظلَّ الضرر البيئي المرتبط بتعدين الذهب يشغل حيِّزًا بارزًا في اهتمام وسائل الإعلام وعموم الجمهور على مدى السنوات الأخيرة. وبسبب دور الذهب في تمويل الحرب التي تشنُّها روسيا على أوكرانيا بات هذا الموضوع قضيَّة ساخنة.
وأشارت صحيفة “لوتون (Le Temps) السويسرية الناطقة بالفرنسية إلى تجدُّد الجدل حول قطاع الذهب السويسري، وذكرت أنَّ الشركة السويسرية إم. كي. أس. بامب (MKS Pamp)، التي يوجد مقرها في تيتشينو، تستورد الذهب من منجم نيو ليبرتي في ليبيريا الذي ترتبط عملياته بتلوث نهر يشرب منه السكَّان المحليون بمادتي السيانيد والزرنيخ.
وليست هذه هي الشركة الوحيدة التي لفتت الأنظار. فقد ورد في المقال نفسه أنَّ حركة الصوم « Action de Carême » السويسرية المسيحية انتقدت شركة آرغور هيراوس (Argor-Heraeus)، وهي مصفاة سويسرية أخرى، بسبب استيرادها الذهب من مناجم في كولومبيا تُشغِّل القاصرين في عمليات استخراج هذا المعدن الثمين.
وتصدَّرت شركة فالكامبي (Valcambi)، وهي أكبر مصفاة لتكرير الذهب في سويسرا، العناوين هذا العام أيضًا. فوفقًا لتحقيق أجرته الإذاعة والتلفزيون السويسري الناطق بالفرنسية (RTS)، لم تف الشركة بوعود قدَّمتها في السابق، وواصلت بعد عام 2019 استيراد الذهب من شركة كالوتي لتكرير وتجارة المعادن الثمينة. وكانت شركة كالوتي، ومقرُّها في دبي، قد اتُّهِمَت بغسيل الأموال وتجارة الذهب من مناطق تشهد نزاعات.
+ الأسرار المظلمة لأكبر مصفاة للذهب في سويسرا
وتستأثر صناعة الساعات والمجوهرات بنحو 50 % من إجمالي الطلب على الذهب في سويسرا، في حين يُشكِّل الذهب الاستثماري والذهب في خزائن البنوك المركزية نحو 37 %. أمَّا الباقي، فيُستخدم في الأجهزة الطبية ومجموعة واسعة من الإلكترونيات، بما في ذلك الكمبيوترات والهواتف.
الصراع بين الشفافية والمنافسة
جاء القرار الذي صدر يوم الأربعاء الماضي بمثابة نصر لشركات تكرير الذهب في سويسرا. ومع ذلك، تقول الرابطة السويسرية لِمُصَنِّعي وتجار المعادن الثمينة إنَّها تتفق مع جمعية الشعوب المهدَّدة في أهدافها الرامية إلى تعزيز الشفافية خلال جميع حلقات سلسلة القيمة وجعل القطاع أكثر استدامة. وكانت الرابطة قد شطبت فالكامبي من قوائمها بسبب الجدل القائم على الممارسات التي تتبعها في تأمين إمداداتها.
وقبل انعقاد جلسة المحكمة، تحدَّثت سويس إنفو إلى كريستوف وايلدر، رئيس الرابطة والرئيس التنفيذي السابق لشركة آرغور هيراوس، الذي شرح موقف الرابطة بقوله: “ولكنَّ الحقيقة المؤكَّدة هي أننا في الرابطة نرى مصطلح الشفافية من منظور يختلف قليلاً عن منظور الجمعية… إذ يتعيَّن علينا تحقيق هذا النوع من الشفافية بطرق أخرى. علينا أن نضمن الشفافية أمام سلطة تلقى قبول جميع الأطراف المعنية وقادرة على تقييم عمل شركات التكرير والأطراف الأخرى المعنية بوضعنا الحالي”.
وعلى مدى سنوات، ظلَّت الرابطة السويسرية لِمُصَنِّعي وتجار المعادن الثمينة تُنادي بتعزيز دور المكتب المركزي للرقابة على المعادن الثمينة كجهة حكومية تُعنى بتنظيم أعمال القطاع. ويقول وايلدر في هذا الشأن “يتعيَّن على المكتب أن يضطلع بأعمال الرقابة وأن يكون قادرًا على معاقبة الشركات التي لا ترغب في تحسين أوضاعها… ولكي يتسنَّى له القيام بذلك، يحتاج إلى وسائل إضافية من حيث التدريب والأدوات القانونية”.
وأشار وايلدر إلى أن المنافسة في سويسرا شديدة جدًّا، حالها حال المنافسة على الصعيد العالمي، وإلى أنَّ المعلومات عن العملاء تظلُّ بيانات حسَّاسة للغاية، من وجهة نظر شركات تكرير الذهب، وأنَّ قرار المحكمة الفدرالية المؤِّيد لموقف شركات تكرير الذهب قد ساهم في حماية القدرة التنافسية على الساحة السويسرية. وأكَّد قائلًا: “نحن ليس بإمكاننا أن نُفصح عن بيانات عملائنا لأي جهة، ونعزف عن القيام بذلك”.
ترجمة: ريم حسونة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.