مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حل وسط في مفاوضات منظمة التجارة العالمية يؤدي الى تأزم

Keystone

لقي الحل الوسط الذي عرضه مدير منظمة التجارة العالمية على الاجتماع الوزاري المصغر يوم السبت 26 يوليو استحسان غالبية الدول الأعضاء، لكنه أدى الى تفتيت مواقف المجموعات المفاوضة.

دوريس ليوتهارد، وزيرة الاقتصاد السويسرية اعتبرت العرض “اتفاقا جيدا بالرغم من أن الفلاحين السويسريين “سيدفعون الثمن باهظا”، وهو ما هدد المزارعون بمعارضته في استفتاء شعبي.

عرفت مفاوضات منظمة التجارة العالمية لإنهاء جولة مفاوضات الدوحة انفراجا يوم الجمعة الماضي بتقديم المدير العام للمنظمة باسكال لامي عرضا جديدا بأرقام جديدة في ملف المفاوضات الزراعية وبالأخص ملف تخفيض الرسوم الجمركية على الصادرات الزراعية وتخفيض الدعم الذي تقدمه الدول المتقدمة لمزارعيها.

لكن الحل الوسط المعروض أدى إلى إثارة مطالب بعض الدول منفردة أو في مجموعات مما عرقل سير المفاوضات التي ستستمر لأسبوع آخر، مما يترك كل الاحتمالات مفتوحة بخصوص إمكانية اختتام جولة مفاوضات الدوحة بعد تأزم استمر سبع سنوات كاملة.

الملف الزراعي

يقترح مدير منظمة التجارة العالمية في حله المعروض على التفاوض أمام المجلس الوزاري المصغر في جنيف في ملف تخفيض الدعم الذي تقدمه الدول الغنية لمزارعيها والذي يعمل على عرقلة منافسة المنتجات الزراعية للدول النامية في الأسواق : ان تخفض دول الاتحاد الأوروبي مستوى دعمها بحوالي 80% لكي يستقر سقفها السنوي في حدود 22،06 مليار يورو بدل 110،3 مليار يورو الحالية. وأن تخفض اليابان والولايات المتحدة الأمريكية مستوى دعمهما بحوالي 70% لكي يستقر سقف الدعم الأمريكي في حدود 14،5 مليار دولار سنويا. وأن تلتزم باقي الدول الصناعية الأخرى بتخفيضات تتراوح ما بين 50 و 60%. وهي التخفيضات التي يجب أن تدخل حيز التطبيق في غضون خمسة أعوام.

أما الدعم المقدم للصادرات الزراعية فمن المفروض أن يتم إلغاؤه نهائيا في العام 2013 بعد أن تم الاتفاق بهذا لشأن في عام 2005. ولا تدخل في هذا الإطار باقي أنواع الدعم المقدمة للمزارعين على شكل دعم لحفاظ على البيئة او الطبيعة.

فيما يتعلق بالرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الزراعية، اقترح مدير عام منظمة التجارة العالمية أن تلتزم الدول المتقدمة بتخفيض يقدر متوسطه بحوالي 54%. فالدول المتقدمة التي تفرض حاليا رسوما على الواردات الزراعية تفوق 75%، عليها تخفيضها بحوالي 70% . اما التي تفرض رسوما بحوالي 100% فتلتزم بنسبة رسوم في حدود 30%. اما الدول النامية فلن يتجاوز متوسط تخفيضها 36%. ولن يُطلب من الدول الأقل نموا تقديم اية تنازلات في هذا المجال.

في المقابل من حق الدول المتقدمة اختيار 4% ، والدول النامية 5،3% من المنتجات المستوردة على أنها منتجات “حساسة”. وحتى لا تغلق الباب كلية أمام الواردات من هذه المواد ” الحساسة” ، يتوجب عليها استيراد 4% من الاستهلاك الداخلي من تلك المواد.

وللسماح للدول النامية بمواجهة أزمة تامين الأمن الغذائي، وتنمية المناطق الريفية، يُسمح لها بتحديد 12% من المنتجات ” الخاصة ” التي تُعفى 5% منها من أي تخفيض في الرسوم الجمركية بينما لا تتجاوز نسبة التخفيض بالنسبة للبقية 11%.

وهذا ما علق عليه المفاوض الأوروبي بيتر ماندلسن بالقول: “إن الاقتراح الذي تقدم به باسكال لامي يعود له الفضل في اقتراح شيء قريب من التوازن بين الزراعة والمنتجات الصناعية، وبين الدول المتقدمة والدول النامية”. كما ان مفاوضا آخر وصف ما تم التوصل إليه على “أنها المرة الأولى التي يتم فيها الاقتراب من نهاية النفق في مفاوضات جولة الدوحة التي استغرقت سبع سنوات”.

وكانت البرازيل قد عبرت على لسان وزير خارجيتها أنها البلد الأول الذي قبل اقتراحات باسكال لامي.

انفراج في المنتجات الصناعية ووعود بفتح ملف الخدمات

بعد انفراج يوم الجمعة 25 يوليو في ملف الزراعة حقق المفاوضون انفراجا في ملف المنتجات الصناعية الذي تعقد عليه الدول المتقدمة كثيرا من الآمال للحصول على مزيد من التنازلات.

وفي هذا الملف ينتظر من الدول الصاعدة اقتصاديا تقديم تنازلات في شتى الميادين. ومن الاقتراحات المعروضة ضرورة تخفيض حوالي 30 دولة من الدول ذات الاقتصاد الصاعد بما بين 20 و 25% من الرسوم الجمركية المفروضة على المنتجات الصناعية. وهكذا تصبح نسبة الرسوم المفروضة على المنتجات الصناعية في دولة مثل الهند 11% والبرازيل 12% بينما تصبح النسبة في الدول المتقدمة في معدل دون 3%.

ومن حق الدول ذات الاقتصاد الصاعد تحديد 14% من المنتجات الصناعية كمنتجات “حساسة”. ولتفادي حماية قطاع بحاله على انه قطاع حساس، تُجبر الدول على تخفيض الرسوم الجمركية على حوالي 20% من منتجات قطاع من القطاعات.

وهذه الإجراءات، في حال التوصل الى اتفاق بشأنها، ستدخل حيز التطبيق بالنسبة للدول المتقدمة في غضون خمسة أعوام و بالنسبة للدول النامية في غضون عشرة أعوام. أما الدول الحديثة الانضمام الى منظمة التجارة العالمية فتستفيد من فترة إضافية تتراوح بين 3 و 4 أعوام.

كما أن المشاورات التي تمت يوم السبت بخصوص ملف الخدمات، التي تعقد عليها الدول المتقدمة آمالا كبرى كمقابل لتنازلاتها في قطاعي الزراعة والمنتجات الصناعية، فقد سمحت للدول بالتعرف على النوايا الأولية في انتظار تنظيم اجتماع وزاري خاص بالخدمات يعقد بعد الانتهاء من ملف الزراعة والمنتجات الصناعية الحالي. وفي هذا الإطار عبر المفاوض الأوربي بيتر ماندلسن عن أن الاجتماع “سمح بالتعرف على إشارات انفتاح مشجعة في قطاعات مثل الاتصالات والمالية والنقل”.

وحتى الوزير الهندي كمال نات الذي تولي بلاده اهتماما كبيرا بقطاع الخدمات نظرا لرغبتها في تصدير الأعداد الكبيرة من يدها العاملة المتخصصة في برامج الحاسوب، فقد اعتبر “الإشارات الصادرة عن الاجتماع مشجعة” موضحا أن بلاده قدمت عروضا مهمة في هذا المجال خصوصا عرضها فتح بعض القطاعات المالية لمشاركة أجنبية بنسبة 51% وقطاع الخدمات البريد العاجل لما بين 49 و 74%.

حل وسط لا يرضي الجميع

لكن الاتفاق المعروض على النقاش إذا كان يرضي بعض المجموعات المؤثرة في المفاوضات مثل الاتحاد الأوربي، ويلبي طلبات الولايات المتحدة الأمريكية في أغلب النقاط ، وحصل على مساندة دول نامية مثل البرازيل وموافقة بتحفظات من الهند، فإنه عمل على تفتيت تحالفات كانت تؤثر في تصنيف المواجهة في مفاوضات جولة الدوحة على أنها مواجهة بين الشمال والجنوب.

وهذا ما اعتبرته المفاوضة الأمريكية سوزان شفاب بمثابة “محاولة من بعض الدول ذات الاقتصاد الصاعد في إعادة التفاوض لصالح هذا الموضوع أو ذاك”، قبل أن تعلق بقولها “إن من يرغب في شد خيط قد يعمل على إتلاف المشروع بأكمله وهو المشروع الوحيد الذي توصلنا إليه لحد اليوم”. وحتى داخل دول الاتحاد الأوروبي ظهرت أصوات مثل فرنسا وإيطاليا تشكك في نجاعة المكاسب التي تم تحقيقها.

أما في مجموعة الدول النامية فقد رأت الأرجنتين في موافقة البرازيل على الحل المقترح في المجال الزراعي ” خيانة لموقف بلدان الميركوسور” وهدد وزيرها بعدم قبول الصفقة.

وقد أعربت الهند ومعها 100 دولة أخرى في بيان صادر يوم الأحد عن تحفظات فيما يتعلق بالإجراءات التي تم تحديدها في الملف الزراعي والتي تمس المنتجات ” الحساسة” و تسمح للدول النامية باستثناءات لتأمين أمنها الغذائي في حال ارتفاع أسعار المواد الغذائية. إذ تطالب بأن يُسمح لها باستخدام هذه الاستثناءات عندما تتجاوز وارداتها الغذائية ب 10 % حجمها العادي بدل 40% المقترحة في الحل الوسط. لأن بعض الدول ترى أنه لو يتم انتظار تجاوز نسبة 40% للاستفادة من الإعفاءات سيكون أغلب فلاحي البلد قد تعرضوا للإفلاس.

أما الدول التي لها مطالب خاصة مثل الدول الإفريقية المنتجة للقطن فيبدو أنها لم تحصل على اية تنازلات من قبل الولايات المتحدة التي تقدم دعما قويا لمزارعي القطن فيها. كما أنها أصيبت بانتكاسة إضافية لما أعلنت الصين عن نيتها في اعتبار القطن والأرز والسكر منتجات حساسة لن ترفع عنها اية رسوم. وهو ما دفع دبلوماسيا الى اعتبار أن “الصين أصبحت مشكلة بالنسبة للمفاوضات لأنها تعيد النظر في عدد من التزاماتها”.

وإذا كانت دول منتجة للموز في بلدان أمريكا اللاتينية قد تمكنت من فض نزاعها مع الأوربيين الذي دام زهاء ثلاثة عقود، بتخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على طن الموز من 176 يورو الى 114 يورو، فإن الاتفاق المبرم شكل انتكاسة لبلدان منطقة إفريقيا والكاريبي والهادئ التي ترى في ذلك منافسة لصادراتها من الموز للسوق الأوربية والتي كانت تدخل بدون رسوم جمركية.

وهذه التعقيدات في مفاوضات اللحظة الأخيرة هي التي تشغل بال المؤتمرين، وبدأت تدفع البعض الى التراجع عن تفاؤل يومي الجمعة والسبت الماضيين بخصوص التوصل الى اتفاق ينهي جولة مفاوضات الدوحة التي تعرف تأزما منذ 7 سنوات. وهناك حديث حول إمكانية تمديد المفاوضات على مستوى الاجتماع الوزاري المصغر حتى نهاية الشهر الحالي.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

سويسرا التي أوفدت وزيرة الاقتصاد دوريس ليوتهارد لمفاوضات منظمة التجارة العالمية في جنيف رحبت بالحل الوسط الذي تقدم به مدير منظمة التجارة العالمية معتبرة إياه “اتفاقا جيدا حتى ولو أن الفلاحين السويسريين سيدفعون الثمن باهظا”، على حد تصريح الوزيرة لويتهارد.

فقد اعتبرت أن “هذا الحل جيد بالنسبة للاقتصاد العالمي وبالنسبة لفتح الأسواق أمام المنتجات الصناعية” التي تولي لها سويسرا أهمية كبرى. ولكنها اضافت “انا حزينة لكون قطاع الزراعة في سويسرا سيدفع الثمن باهظا”

لكن الإقتراح الذي طرحه مدير عام منظمة التجارة العالمية يبدو في نظر اتحاد المزارعين السويسريين غير مقبول بالمرة، بينما هدد اتحاد منتجي الفواكه في سويسرا بإمكانية اللجوء الى استفتاء شعبي لمعارضة اتفاق منظمة التجارة العالمية في حال اعتماده.

ويرى المكتب الفدرالي للزراعة ان الحل المعروض سيهدد استمرارية حوالي ثلث عدد المزارع في سويسرا. كما يقدر اتحاد المزارعين السويسريين بانه حتى في حال تحسين الحل المعروض سيفقد قطاع الزراعة في سويسرا حوالي 25% من مردوده، كما سيفقد الفلاحون حوالي 50% من مداخيلهم.

ويطالب اتحاد منتجي الخضر في سويسرا من الوزيرة إدخال منتجات الخضر و”السلطة” في تعداد المنتجات “الحساسة” التي يجب حمايتها. واعتبر ان هذا المطلب مرده الى كون نفقات الانتاج في سويسرا عالية وان هذا الحل يهدد آلاف العمال في قطاع إنتاج الخضر والفواكه بسويسرا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية