خسارة تاريخية لأكبر مصرف سويسري
سجل مصرف "يو بي إس" خسارة صافية قياسية في عام 2008 بلغت قيمتها 19,697 مليار فرنك، مقابل 5,2 مليار العام الماضي. ويأمل أكبر بنوك سويسرا في العودة إلى الأرقام الإيجابية والأرباح في عام 2009، لكنه سيواصل في نفس الوقت إلغاء المزيد من مواطن العمل وعمليات إعادة التنظيم والهيكلة.
أكدت الحسابات التي كشف عنها مصرف “يو بي إس” صباح الثلاثاء 10 فبراير الجاري في زيورخ بأن 2008 كانت بالفعل “السنة المروعة” بالنسبة لأكبر بنوك البلاد، بحيث سجـّل للمرة الثانية على التوالي أرقاما حمراء (أي سلبية) منذ إنشائه قبل ما يزيد بقليل عن عشر سنوات.
ففي الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط من العام المنصرم، بلغت الخسارة الصافية للبنك 8,1 مليار فرنك، لتُضاف إلى خسارة 12 مليار فرنك التي كانت قد سُجلت خلال الثلاثي الأول من العام.
وكان البنك قد استعاد أنفاسه بعض الشيء خلال الفصلين الثاني والثالث من العام اللـّذين شهدا، على التوالي، خسارة بقيمة 358 مليون فرنك، وأرباحا متواضعة بلغت 296 مليون بين يوليو وسبتمبر.
وفي نهاية المطاف، مازالت تُفسر النتيجة السنوية السلبية للمصرف عموما بخيبات فرع بنك الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية الذي سجل خسارة فادحة لا تقل عن 33,7 مليار فرنك.
في المقابل، مازال “يو بي إس” مصرفا يكسب المال في مجال إدارة الثروات والأصول، رغم تراجع أدائه مقارنة مع عام 2007. لكن الضربة التي تلقتها سمعة هذه المؤسسة، جراء أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، تسببت في نفور عدد متزايد من العملاء الباحثين عن أخبار سارة في ظل الأزمة المالية.
هروب رؤوس الأموال
وتدل الأرقام على استمرار تلك المخاوف بحيث بلغت رؤوس الأموال الصافية التي خرجت من المصرف خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي 58,2 مليار فرنك في مجال إدارة الأموال و27,6 مليار في الإدارة المؤسساتية، أي بمجموع 85,8 مليار.
وبالنسبة لمجموع العام، ارتفعت القيمة الصافية لرؤوس الأموال التي فضلت مغادرة “يو بي إس” إلى 226 مليار فرنك، وذلك بجمع الأرقام التي أعلن عنها المصرف لحد الآن. وفي هذا السياق الصعب، أشار البنك إلى أنه نجح في عكس الإتجاه في شهر يناير الماضي، بطريقة اتضحت أكثر في الخارج مقارنة مع سويسرا.
مع ذلك، لا تزال التوقعات القصيرة المدى تتحلى بالحذر، بحيث قال رئيس المصرف، مارسيل روهنر، في مؤتمر صحفي عبر الهاتف يوم الثلاثاء: “إن يو بي إس سيُصبح مُربحا من جديد في عام 2009″، مضيفا بأن المشرفين على المصرف بدؤوا في رؤية نهاية النفق.
وحتى قسم بنك الأعمال يشهد عودة مُحتشمة إلى الوضع الطبيعي. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى تقليص المؤسسة من جديد لحجم تعرضها للأخطار في قطاع القروض في الولايات المتحدة، لا سيما بفضل نقل الأصول غير السائلة إلى البنك الوطني السويسري.
إلغاء 2000 موطن عمل إضافي
وعلى مستوى التشغيل، سيـُقـْدم يو بي إس على إلغاء المزيد من مواطن العمل وسيستغني عن 2000 وظيفة إضافية في قطاع مصرف الأعمال، بحيث سيُقلـّص هذا القسم إلى 15000 شخص، مقابل 22000 في نهاية 2007. وفي ظرف 16 شهرا، أثـّر الانكماش على مجموع 9000 موطن عمل.
وسيتراوح عدد مواطن العمل التي سيتم إلغاؤها في سويسرا، ما بين 600 و800، بحلول نهاية عام 2009. وسيشمل هذا الإجراء كافة قطاعات البنك، حسب تصريحات مارسيل روهنر في مؤتمره الصحفي يوم الثلاثاء.
ويعمل حاليا في سويسرا 26406 شخصا لحساب المصرف، أي بانخفاض 5% في ظرف عام. أما العدد الإجمالي لموظفي يو بي إس فقد تراجع من 77787 شخصا في نهاية ديسمبر 2008 مقابل 83560 قبل عام من ذلك التاريخ (-7%).
في الأثناء، يواصل “يو بي إس” عمليات إعادة تنظيم المؤسسة بحيث أنشأ قسمين جـديـدين بهدف التكيـّف مع “المحيط الجديد للسوق ومع تطور القطاع”. ويريد البنك أن يراهن على نشاطه في سويسرا وعلى إدارة الثروات الدولية في سويسرا، وعلى الأنشطة الدولية التي تُمارس على تراب الكنفدرالية.
وسيتكلف القسم الأول (Wealth Management & Swiss Bank) بنشاطات إدارة الأموال غير الأمريكية وببنك التجزئة (للأفراد والشركات) في سويسرا. بينما سيـُقَدم القسم الثاني (Wealth Management Americas) خدمات في مجال إدارة الثـروات في بلدان إقامة الحرفاء الأمريكيين والكنديين والجنوب أمريكيين.
وصرح رئيس “يو بي إس”، مارسيل روهنر في بيان أن “إقامة هذين القسمين الجديدين ستساعدنا على استعادة سمعة وصورة مؤسستنا”، مضيفا أن “نشاطات إدارة الثروة ستصبح ممثلة بشكل أوسع في إدارة المجموعة، وستشهد نشاطاتنا في سويسرا، المربحة جدا والمتوقعة، اهتماما أكبر”.
مسألة العلاوات المثيرة للجدل
وفيما يتعلق بالعلاوات التي قرر “يو بي إس” منحها هذا العام، والتي أثارت جدلا واسعا في البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية، نظرا للأزمة التي يمر بها البنك، أكد المصرف أنه سيدفع لموظفيه مكافآت متغيرة بقيمة إجمالية تبلغ 2,2 مليار فرنك لعام 2008. وسيتصرف البنك بحرية في عملية توزيع 1,2 مليار فرنك بينما سيُمنح المبلغ المتبقي بموجب ما تقتضيه العقود الوظيفية.
وفي بيان نشرته يوم الثلاثاء 10 فبراير الجاري، سمحت السلطة الفدرالية لمراقبة الأسواق المالية (FINMA) لمصرف “يو بي إس” بمنح علاوات بقيمة 1,8 مليار فرنك. وأوضحت هذه السلطة بأن المصرف كان قد تعهد بمنح مكافآت بقيمة مليار فرنك قبل الأزمة العصيبة التي بدأ في مواجهتها العام الماضي، وبالتالي فعليه احترام التزاماته.
أصول سامة.. أقـل!
ويظل “الخبر السار”، إن صح التعبير، في الحصيلة السوداوية التي قدمها “يو بي إس” يوم الثلاثاء في زيورخ، تراجع حجم الأصول السامة إلى مستوى أقل مما كان متوقعا. وقد أعلن البنك الوطني السويسري يوم الثلاثاء أيضا أنه لن يتسلم سوى 39,1 مليار دولار من تلك الأصول.
وقد اتفق البنك الوطني السويسري و”يو بي إس” على عدم نقل فئات معينة من الأصول. ويتعلق الأمر بأدوات مدعومة لفائدة أصناف محددة من القروض (كالديون الطلابية في الولايات المتحدة والأوراق المالية المضمونة من قبل بعض مؤسسات الإقراض..).
ويذكر أن البنك الوطني السويسري والحكومة الفدرالية كانا قد وضعا خطة إنقاد لأكبر مصرف في البلاد بعد تأثره الشديد بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة، وقررا إنشاء صندوق لإعادة الاستقرار للبنك لتخليصه من أصوله السامة بمبلغ أقصاه 60 مليار دولار.
سويس انفو مع الوكالات
انتقد الحزب الاشتراكي السويسري سياسة العلاوات لدى “يو بي إس”، واستراتيجية المؤسسة، لا سيما عزمها على مواصلة نشاطاتها في الخارج. وأعرب الحزب عن اعتقاده أن يو بي إس لم يستخلص العبر من “الكارثة” التي حلت به. وطالب الاشتراكيون من جديد تدخل الحكومة الفدرالية، مؤكدين في بيان للحزب، أنه لا يمكنهم أن يقبلوا بأن يدير يو بي إس، بفضل مساعدات الدولة، أموال دافعي الضرائب كما يحلو له. كما طالب الحزب بتعليق دفع العلاوات، وباتبعاد المصرف عن القطاعات المشكوك فيها.
في المقابل، يرى رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، كريستوف داربولي، بأن هنالك “بعض المؤشرات الإيجابية” بعد نشر نتائج يو بي إس يوم الثلاثاء، ولئن كان يقر بأن الوضع لا يزال صعبا. وأعرب داربولي عن اعتقاده بأن خفض المرتبات يمثل “مجهودا كبيرا”.
لكن الديمقراطيين المسيحيين يجدون أيضا صعوبة في تقبـّل دفع المصرف لعلاوات لا تدخل في إطار العقود الموقعة مع الموظفين ويفهمون رد فعل الرأي العام. لكن داربولي نوه إلى أن الإدارة العالية للمصرف تخلت عن هذه المكافآت في عام 2008، وأن الجزء المتغير من الأجر الذي تم الاتفاق عليه يجب أن يُدفع.
ويعتقد الحزب الديمقراطي المسيحي أن تراجع قيمة الأصول السامة لليو بي إس، التي سيديرها البنك الوطني السويسري هو أيضا “خبر سار بالنسبة للكنفدرالية ولدافعي الضرائب”. كما يرى بصيصا من الأمل أيضا في إعادة تنظيم مختلف قطاعات المصرف، وفي توقف نزيف رؤوس الأموال.
وفي الأوساط الاقتصادية، يسود قلق حاد على إثر الإعلان عن الخسارة السنوية التاريخة لاكبر مصرف سويسري، بحيث أعربت الجمعية السويسرية لموظفي المصارف عن أسفها للتقليص الجديد لمواطن العمل، وانتقدت أمينتها المركزية، دونيس شيرفي، ما وصفته بافتقار يو بي إس للشفافية. كما أعربت عن خشيتها من تدهور جودة الخدمات في سياق يحاول فيه الموظفون استعادة سمعة البنك.
عقب الجدل الذي اثير حول أجور موظفي اليو بي إس، إضطر المصرف إلى إماطة اللثام عن بعض الأرقام:
يحصل مدير المصرف سنويا على مبلغ يتراوح ما بين 180.000 و300.000 فرنك سويسري تنضاف إليها المكافآت وبعض العلاوات الأخرى.
الأجور السنوية بالنسبة لبقية الموظفين تصل إلى 140.000 فرنك (30% منها عبارة عن مكافآت).
كل موظفي المصرف يعدون من فئة الـ 10% من السويسريين الذين يحصلون على أزيد من 10.000 فرنك سويسري في الشهر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.