مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ديون البلدان النامية تتصاعد. فهل تكون سويسرا في الموعد؟

المركز المالي في ساو باولو
وفقا للبنك الدولي، يواجه العالم حاليا موجة خامسة من المديونية. والبرازيل هي واحدة من البلدان التي تعاني من هذه الظاهرة حيث يمثل الدين العام 87% من إجمالي الناتج المحلي. Fred Pinheiro / Alamy Stock Photo

تدق الأمم المتحدة ناقوس الخطر محذّرة من المستوى الحرج الذي بلغته ديون البلدان النامية. في الأثناء، خصّصت سويسرا 39 مليون فرنك وتنشط في عدد من الهيئات الدولية للمساعدة في توفير السيولة وإعادة جدولة الديون.

هذه المديونية هي نتيجة غير مباشرة لجائحة كوفيد-19. فقد تضاعفت هذه الديون بشكل سريع، مما عرّض ما يقرب من 50% من سكان العالم للخطر.

في مواجهة هذه الأزمة، التي يُمكن أن تُعرّض التنمية الاقتصادية لهذه البلدان إلى نكسة، أعلنت سويسرا في سبتمبر 2022 أنها تزيد من مساهمتها السنوية بمقدار 39 مليون فرنك للمساعدة في إدارة ديون البلدان النامية.رابط خارجي وهذا المبلغ في ازدياد مستمر منذ عام 2017، وينضاف إلى 3000 مليون فرنك، تمثل حجم المساعدات التنموية السويسرية السنوية. وفي عام 2021، وصل هذا المبلغ إلى 3252 مليون فرنك.

في حوار مع SWI swissinfo.ch، أكّد لورنس جاكوب، مسؤول الاتصال بقسم التعاون الاقتصادي والتنموي بأمانة الدولة للشؤون الاقتصادية أن إحدى أولويات السياسة الخارجية لسويسرا للفترة 2021- 2024 هو “تعزيز النمو الاقتصادي المستدام في البلدان النامية من خلال الحكم الرشيد وبناء مؤسسات عامة قوية”.

محتويات خارجية

ويأتي هذا القرار متزامنا مع نداء أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في شهر أكتوبر 2022. ففي تقرير بعنوان “تجنب فعل القليل، وبعد فوات الأوان”رابط خارجي، حذّر البرنامج من العواقب الكارثية للديون المفرطة والمزمنة للبلدان الأشد فقرا.

التقرير أشار إلى أن “العديد من البلدان تُعاني من تراكم الديون ما يمنعها من تمويل استثمارات جديدة معززة للنمو وزيادة الانفاق التنموي الذي تشتد الحاجة إليه”.

ورغم أن مشكلة ديون البلدان النامية- وكيفية تخفيف وطأتها – ليست بالجديدة، فإن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمنظمات غير الحكومية يحذرون من تفاقم هذه الظاهرة بسبب جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، التي أثقلت كاهل المالية العامة. وفي الوقت الحالي، يصل حجم الدين إلى 205% من إجمالي الناتج المحلّي للدول النامية مقابل 174% في عام 2022.

في شهر أبريل 2021، أصدر البنك الدولي تقريرا خاصا حول الوضع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حذّر فيه من أن الدين العام في هذه المنطقة سيتعاظم في السنوات المقبلة، وقد مثّل في أبريل 2021 ما معدله 54 % من إجمالي الناتج المحلي مقابل 46% في 2019.

البنك الدولي أرجع هذه ” الزيادة الكبيرة في المديونية” إلى اضطرار بلدان المنطقة  إلى “الاقتراض بشكل كبير” لتمويل “تكاليف الرعاية الأساسية وإجراءات الحماية الاجتماعية”، خلال جائحة كوفيد-19 وما تلاها.

التقرير نفسه توقّع بلوغ حجم ديون الدول المستوردة للنفط في المنطقة بحلول نهاية العام الذي صدر فيه هذا التقرير نسبا عالية تناهز 90% أو يزيد.

وشهدت المنطقة التي تضم حوالي 20 دولة، انكماشا في اقتصادها بنسبة 3,8 بالمئة العام الماضي. وقدّر البنك الدولي حينها التراجع التراكمي للنشاط في المنطقة بنحو 227 مليار دولار في بداية السنة الماضية. لكنه توقّع أيضا تعافيا جزئيا لاحقا”، إذا توفّرت على حد زعم التقرير، الشفافية والحوكمة الرشيدة.

لكنّ هذه المؤسسة المالية الدولية حذرت من أنه “في عالم ما بعد الجائحة”، من المتوقع أن “تكون معظم البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مجبرة على دفع فواتير خدمة ديون عالية سوف تتطلب موارد كان يمكن استخدامها للاستجابة لمتتطلبات التنمية الاقتصادية”.

ويتوقع البنك الدولي أن يكون من الضروري النظر في كيفية “التخفيف من تكاليف المديونية المفرطة على الأمد المتوسط”، داعيا البلدان إلى الشفافية في إنفاقها واقتراضها لتغطية احتياجات النفقات العامة.

من جهته، حذّر رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس في 8 أكتوبر 2022 من خطورة الموقف، وأعلن أن العالم بزعمه “يُواجه أزمة ديون خامسة”.  

محتويات خارجية

وفي مقابلة مع SWI swissinfo.ch، أوضح دومينيك غروس، الخبير السويسري في التمويل الدولي والسياسة الضريبية، والإطار السامي بـ “تحالف الجنوب”، وهي منظمة حكومية يوجد مقرها بجنيف أنه “لم  يعد بإمكان 54 دولة دفع الفائدة على ديونها أو لم يعد بإمكانها سدادها بنفسها”.

محتويات خارجية

“غير فعالة وغير كافية”

لأن سويسرا من أقل البلدان مديونية في العالم، فإنها تجعل خبراتها في خدمة الآخرين. وما يساعدها على القيام بذلك، هو كونها عضو في جميع الهيئات الدولية التي تعمل على إعادة هيكلة وتخفيف ديون الدول النامية. ففضلا عن عضويتها في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، هي عضو أيضا في نادي باريس الذي يتمثل دوره في إيجاد حلول لصعوبات الدفع، كما أنها عضو في العديد من هيئات مجموعة العشرين.

محتويات خارجية

من هذا الموقع، تدعم سويسرا بالفعل المبادرة الهادفة إلى التعليق المؤقت لخدمة الديون بالنسبة لـثمانية وأربعين بلدا في شهر فبراير 2022. لكن هذه المبادرة تعرضت لانتقادات خاصة من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي أشار على وجه الخصوص إلى عدم تكيفها مع احتياجات البلدان الأكثر ضعفا.

“لم تمثل هذه المبادرة نجاحا لأن البلدان التي من المفترض أن تستفيد منها كانت تخشى تخفيض تصنيفها إذا انضمت إليها، ثم هي تغطي الديون الثنائية فقط. فضلا عن كونها – مثل مبادرة “الإطار المشترك” (Cadre Commun)، التي أطلقها البنك الدولي- الدول الوحيدة المؤهلة للاستفادة منها هي البلدان الأعضاء في منظمة “مؤسسة التنمية الدولية ” (اختصارا IDA)”، مثلما أوضح لارس جونسون، كبير الاقتصاديين وخبير السياسات الاستراتيجية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. 

ومنذ أغسطس 2021، وبالشراكة مع صندوق النقد الدولي، أقدمت سويسرا أيضا على تنفيذ آلية حقوق السحب الخاصة (اختصارا DTS)، وهي أداة نقدية دولية لتعزيز الاحتياطات المالية للبلدان الأعضاء. ومن أجل تخفيف العبء المالي لكوفيد-19، وافق صندوق النقد الدولي على منح عام لهذه الحقوق بما يعادل 650 مليار دولار. لكن حقوق السحب الخاصة تم توزيعها قبل كل شيء على الدول الأعضاء بما يتناسب مع حصة كل واحدة منها في صندوق النقد الدولي، ولم يذهب منها إلى البلدان النامية سوى 275 مليار دولار.

الولايات التي تضطلع بها سويسرا في الهيئات المالية الدولية المختلفة تسمح لها بالعمل مباشرة على إعادة هيكلة وتخفيف عب الديون. وإن كانت لا تتفاوض قط بصفة ثنائية. فهي تعمل من خلال أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية ومن خلال وكالة التنمية والتعاون التابعة لوزارة الخارجية.

بشكل ملموس،تدعم سويسرا الحكومات الشريكة في التخطيط (للسداد والاستثمارات)، والموافقة على الميزانيات، وتنفيذها وأخيرا مراجعتها وفقا للمعايير الدولية”، كما أوضح لورنس جاكوب خلال مقابلة مع SWI swissinfo.ch.

تقدم سويسرا، على سبيل المثال، خرائط طريق لإدارة الميزانيات، وكيفية الحد من الفساد أو كيفية تحديد مستوى الضرائب. وهي تزود البلدان المتوسطة الدخل بخدمات استشارية فنية مصمّمة خصيصاً لها. كما أنها تساعد هذه البلدان على تطوير أطر سليمة لإدارة الديون والتقليل من مخاطر تعرّضها للصدمات المالية. وتشمل البلدان المستفيدة من هذه البرامج على سبيل المثال ألبانيا ومصر وكولومبيا وغانا وصربيا وتونس.

وفي سبتمبر 2020، رعت سويسرا بشكل خاص مبادرة البنك الدولي للسماح لمصر بإصدار سندات سيادية خضراء، يعتبرها البنك الدولي “حلًا ماليًا” مستدامًا.

ومشكلة هذا البرنامج أنه “لم يستهدف البلدان الأكثر احتياجا لاحتياطات إضافية (أي البلدان الأقل ثراءً )، وكان بهذا المعنى غير مُجدٍ إلى أبعد الحدود”، يأسف لارس جونسون. علاوة على ذلك، كان تنفيذه بطيئا للغاية.

كما تعهد صندوق النقد الدولي بمنح 117 مليار دولار إضافية في شكل تمويل إضافي لأكثر الاقتصاديات هشاشة.

بالإمكان أحسن مما كان 

لكن هذ التضامن السويسري غير مقنع ,دون المطلوب. ويشير العديد من الخبراء والمنظمات غير الحكومية إلى نوع من النفاق في الخطاب السويسري. لا سيما في دعواتها لمكافحة الفساد، بينما تشهد المصارف والشركات السويسرية فضائح متكررة في هذه البلدان التي تواجه وضعا حرجا بسبب المديونية. ويمكن الإشارة هنا إلى فضائح كريدي سويس في حالة موزمبيقرابط خارجي، أو قضية مصرف يو بي إس في بابوا غينيا الجديدة،رابط خارجي أو حتى الصلات المثيرة لشركة غلينكور، العملاق التجاري الدولي الذي يوجد مقره في جنيف، مع تشادرابط خارجي.

كما أنهم يلومون الحكومة السويسرية على الدعم المالي المتواضع جدا الذي تقدمه إلى هذه البلدان التي ترزح تحت وطأة الديون.

“بالنظر إلى الدور المهم لسويسرا كبلد إقامة لدائنين خاصين مهمين، لا يكفي في حالتها المشاركة بمساهمات متواضعة في برامج تخفيف أعباء الديون لصندوق النقد الدولي أو البنك الدولي”، يوضح دومنيك غروس من “تحالف الجنوب”.

وينتظر مثله، مثل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، المزيد من المشاركة من المؤسسات المالية الخاصة، ومن البنوك الخاصة، بالتحديد. فهي تتمتع بالفوائد على الاعتمادات التي تخصصها للبلدان النامية دون أي التزام بالمشاركة في مساعدات التنمية.

ومن أجل دمج الرأسمال الخاص بشكل أفضل، فإن الحل الذي تمت مناقشته لسنوات عديدة هو الالتقاء حول مائدة مستديرة بمشاركة البنوك السويسرية ومنظمات المجتمع المدني ووكالات مساعدات التنمية الحكومية.

ووفقا لدومنيك غروس، فإن هذا من شأنه “أن يجعل من الممكن التفاوض على حلول محددة تسمح لسويسرا بالمشاركة بفعالية في التخفيف من ديون هذه البلدان”.

وكان “تحالف الجنوب”، ومنظمات غير حكومية سويسرية أخرى، بما في ذلك المؤسسة السويسرية للتعاون الإنمائي (Swissaid)، وحركة الصوم (Action de Carême)، ومنظمة الإغاثة التابعة للكنائس البروتستانتية (Pain pour le prochai )، وهيلفيتاس (Helvetas)، أو كذلك منظمة “أرض البشر” السويسرية (Terre des Hommes Suisse)،… قد انتقدت بالفعل الحكومة الفدرالية لعدم استجابتها لندائهم.

ويقدّر “تحالف الجنوب” كذلك أنه بمقدور سويسرا تحويل جميع حقوق السحب الخاصة بها – البالغة 11 مليار دولار في عام 2021 – رابط خارجيإلى البلدان المثقلة بالديون بحيث تكون لديها سيولة إضافية للصمود خلال الأزمة.

يقول دومنيك غروس: “وضع سويسرا المالي جيّد لدرجة أنها لا تحتاج إلى هذه الأصول”. لكن هذا الإجراء، بحسب قوله، سيتطلب تعديلا في قانون المساعدة المالية من خلال البرلمان الفدرالي، وهو أمر غير مطروح الآن.

الحل العالمي

تعتقد أنجيلا لوسيجي، ممثلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي غانا خلال مقابلة مع SWI swissinfo.ch أن الحل “يكمن في حصول استجابة شاملة للمساعدة في إطلاق تمويل دولي للتنمية، وبالتحديد تمويل تنمية رأس المال الخاص طويل الأجل في البلدان النامية”.

وهي تقترح أيضا إدخال إصلاح شامل لنظام التصنيف ودعم إعادة توجيه اقتصاديات البلدان النامية نحو الصادرات، مما يسمح لها بتوفير العملات الأجنبية لسداد ديونها.

اما بالنسبة للورنس جاكوب، مسؤول الاتصال في قطاع التعاون الإنمائي الاقتصادي بأمانة الدولة للشؤون الاقتصادية، فإن سويسرا تشدد على ضرورة “إعادة هيكلة الديون في البلدان التي لم تعد قادرة على تسديدها”.

مبادرة تعليق سداد خدمة الدين

كان الهدف من مبادرة تعليق سداد الدين (اختصارا DSSI)، التي أطلقها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في عام 2020، هو توفير الموارد المالية لمساعدة البلدان المؤهلة للاستفادة منها في مكافحة جائحة كوفيد-19. وللمشاركة في المبادرة، كان على البلد المستفيد الالتزام باستخدام هذه الموارد لتغطية النفقات الاجتماعية أو الصحية أو الاقتصادية استجابة للأزمة.

مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (اختصارا HIPC)

تم إطلاق هذه المبادرة في عام 1996 من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وقد تم تصميمها بحيث لا تثقل أعباء الديون كاهل أفقر دول العالم.

الإطار المشترك

ينظر الإطار المشترك في معالجة الديون، على أساس كل حالة على حدة، اعتمادًا على طلبات البلدان المدينة المؤهلة. واستجابة لطلب معالجة الديون الذي تتقدم به دولة ما، تجتمع لجنة الدائنين. وتحظى المفاوضات بدعم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولا سيما من خلال تحليل القدرة على تحمل الديون.

تحليل القدرة على تحمل الديون

يعمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مع البلدان منخفضة الدخل لتحليل قدرتها على تحمل ديونها بانتظام. وتستخدم المؤسستان هذا الإطار لتوجيه قرارات الاقتراض في البلدان منخفضة الدخل لتحقيق التوازن بين احتياجاتها التمويلية وقدرتها على السداد، الآن وفي المستقبل.

تحرير: فيرجيني مانجان 

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية