رحيل نيكولا حايك رئيس “سووتش” ومنقذ صناعة الساعات السويسرية
رحل نيكولا حايك يوم 28 يونيو 2010 عن سن يناهز 82 عاما إثر إصابته بسكتة قلبية مفاجئة في مكتبه. وكان الرجل الذي يُـعتبر منقذ صناعة الساعات السويسرية في الثمانينيات، رمزا للمقاول الجريء والطموح وصاحب الأفكار المتجددة.
في عام 2003، سلَّـم نيكولا حايك الإدارة العامة لمجموعة سووتش، الشركة الأولى على المستوى العالمي في صناعة الساعات، إلى ابنه نيك، لكن الرجل صاحب السيجار، ظل مع ذلك مداوما على الحضور والعمل، باعتباره رئيس مجلس الإدارة.
هذا المهاجر اللبناني، الذي أصبح مليارديرا، كان فاعلا لا يُـمكن تجاوزه بأي حال على الساحة الإعلامية والاقتصادية السويسرية على حد السواء. وفي الواقع، لم يظهِـر الرجل أبدا أي رغبة في مغادرة فعلية لممارسة الأعمال، وكان جليا أنه من المستبعد أن تتَّـخذ القرارات دون موافقته.
مقاول وفنّـان
الرئيس السابق لمجموعة سووتش، كان يحب أن يعرِّف بنفسه على اعتبار أنه مقاول – فنان، وكان يعتبر أن العرف أو ربّ العمل، يجب أن يكون محتفظا بخيال وإبداع الطفولة. ومع أنه قُـلِّـد جوقة الشرف الفرنسية ومُـنِـح لقب المواطن الفخري لمدينة بيل / بيين، إلا أن نيكولا حايك كان يُـبدي نفس القدر من المُـتعة في الإجتماع مع كبار هذا العالم أو الإنبهار أمام عمل ساعاتي ماهر.
ولِـد في بيروت عام 1928 لأب يعمل طبيب أسنان ويمارس التدريس في الجامعة اللبنانية وهاجر إلى فرنسا في عام 1940 ثم إلى سويسرا سنة 1949. في الخمسينات، سيَّـر الرجل، الذي سيحصُـل لاحقا على الجنسية السويسرية، عددا من الشركات. وفي عام 1985، أمسك بزمام الشركة السويسرية للإلكترونيات الدقيقة والساعات، سلف مجموعة سووتش، التي تضم في صفوفها اليوم العديد من العلامات التجارية المشهورة، مثل سووتش وأوميغا وتيسّـو ولونجاينس وبريغي.
ارتباط متين بمدينة بيل/بيين
بالنسبة لكثيرين، سيظل اسم مدينة بيل / بيين مُـقترنا باسم رئيس مجموعة سووتش، حيث أدى استقرار مختلِـف العلامات التجارية التابعة للمجموعة في المدينة الثنائية اللغة (الفرنسية والألمانية) إلى إيجاد آلاف مواطن العمل، كما سمح هذا التواجد للمدينة الواقعة في كانتون برن بتقديم نفسها كعاصمة عالمية لصناعة الساعات.
إجمالا، ساهم الرئيس السابق والمفوِّض في مجلس إدارة مجموعة سووتش، بقدر كبير في صعود المنطقة، التي تُـعرف باسم “القوس الجوراسي” (نسبة إلى مرتفعات الجورا غرب سويسرا) واستقرارها الإقتصادي. وخلال الأزمة الاقتصادية الحالية، لم يتوان هذا الربّـان الصناعي، المعروف بشخصيته القوية، عن حثِّ المقاولين على اختراق العقبات وبذل أقصى الجُـهد من أجل تجاوُزها.
ردود فعل غاضبة
في الكثير من الأحيان، لم يكن الرجل ذو السيجار يتردد في امتداح المقاول والعامل والمبتكر، لكنه لم يكن يُـبدي نفس القدر من التسامح، عندما يتعلّـق الأمر بتوجيه الإستنكار واللوم إلى الأوساط المالية. وكان يُـدين بشدّة أولئك “المصرفيين الحمقى وسيِّـئي النية”، الذين استخدموا المال للمراهنة ولتمتيع أنفسهم بعلاوات مبالغ فيها.
وفي سويسرا، يتذكّـر الجميع أن نيكولا حايك لم يستنكف خلال التسعينات من توجيه الإنتقاد الشديد للسياسات التي كان ينتهجها آنذاك المصرف الوطني السويسري، باعتبارها معادية للصناعات التصديرية. وفي الفترة الأخيرة، انخرط إلى جانب الزعيم الشعبوي كريستوف بلوخر والاشتراكي كريستيان لوفرا، في الحملة الداعية إلى تقليص أحجام أكبر مصرفين في سويسرا (يو بي إي وكريدي سويس).
صاحب حـدْس
في سياق آخر، اشتهر الرجل، الذي كان تجسيدا حيا لمجموعة سووتش، بحملِـه لعدّة ساعات في نفس الوقت، كما كان صاحب رؤية ثاقبة في مجالات أخرى غير صناعة الساعات. فقد سعى هذا الرجل، الذي كان يعمل في الكثير من الأحيان طِـبقا لما يُـدركه بحدْسه، من أجل تطوير سيارة تحترم البيئة، تشتغل ببطاريات تعمَـل بالوقود الهيدروجيني.
وقبل ذلك بكثير، كان يحلُـم بتصنيع سيارة نظيفة. وفي التسعينات، أطلق فكرة “سووتش موبيل”، لكن مشروع السيارة البيئية العزيز على حايك، لن ير النور في نهاية المطاف، واقتصر الأمر على سيارة “سمارت” الصغيرة، التي صنِّـعت من طرف شركة “دايملر كرايزلر”، دون أن تحقِّـق النجاح المأمول.
المعرض الوطني لعام 2002
في كل أزمة، كان نيكولا حايك من بين أول الخبراء الذين يُـستمَـع لرأيهم من طرف وسائل الإعلام وكبار المسؤولين أيضا. وعندما تعلّـق الأمر بمشروع تنظيم المعرض الوطني في عام 2001، الذي تحوّل لاحقا إلى “إكسبو 02″، كان هو الشخص الذي تجاوز الإحباط الذي رافق الفكرة الأولى وأعـدّ في موفى التسعينات، التقرير الذي مهَّـد لإنجازه ونجاحه.
طيلة حياته، حاول نيكولا حايك دائما أن يمنح الأولوية إلى الإنسان على حساب المال. وفي حديث أدلى به قبل عام إلى مجلة “ليكسبريس الفرنسية”، قال المهاجر اللبناني: “لا يوجد أي مستحيل، باستثناء تجنُّـب الموت… والضرائب”.
إشادة رئاسية
منذ الإعلان عن وفاته، تعدّدت الإشادات الصادرة عن أهم الشخصيات الصناعية والاقتصادية والسياسية في سويسرا، وكانت دوريس لويتهارد، رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الاقتصاد، من أول المتدخِّـلين مساء الاثنين فور الإعلان عن وفاته، وقالت: “بفضل التزامه وتدخُّـلاته الشجاعة، أعطى نيكولا حايك على مدى عشرات السنين، دفعات كبيرة ومهمّـة لمُـجمل المقاولين والإقتصاد السويسريين. إننا نَـدين له بالكثير”.
قالت مجموعة “سووتش” في بيان أصدرته مساء أفثنين 28 يونيو 2010 إن رئيس مجلس إدارتها نيكولا حايك أحد أبرز وأنشط رجال الأعمال في سويسرا قد توفي في مكان عمله.
وينسب إلى حايك الذي أتم 82 من عمره في فبراير الماضي، فضل إنقاذ صناعة الساعات السويسرية عندما استكمل إعادة تنظيم شركتي الساعات المتداعيتين “سواج” و”اس.اس.آي.اتش” ودمجهما في مجموعة “سواتش” الجديدة عام 1985.
وفي مايو الماضي قال حايك إن “سواتش” أكبر صانع ساعات في العالم بصدد عام قياسي، حيث من المتوقع أن تتجاوز المبيعات في 2010 ستة مليارات فرنك سويسري.
وقالت المجموعة “كان حايك صاحب رؤية غير عادية مكنته من تحقيق وضمان استدامة مشروع قوي لصناعة ساعات ذات قيمة مضافة سويسرية عالية. وهو معروف عن جدارة كرجل أعمال رائد في هذا البلد”.
بوفاة نيكولا حايك، تفقِـد سويسرا إحدى الشخصيات المؤثِّـرة في ساحتها الصناعية. فقد كان رئيس مجموعة سووتش، يُـشكِّـل سفيرا استثنائيا يُـقدم أنموذجا معيَّـنا للمقاول المتشبِّـث بالنشاط الإقتصادي، في تعارُض مع الإهتمام بالفائدة المالية البحتة.
على مدى 30 عاما سُـلِّـطت خلالها الأضواء عليه، تمكّـن نيكولا حايك، الذي تجاوزت شهرته الحدود السويسرية، من نحتِ صورة المجدِّد. فقد كان هذا الصناعي ذو الأصول الأمريكية اللبنانية والمُـفتخِـر بجنسيته السويسرية، يُـجيد الدفاع، كأفضل ما يكون، عن قطاع نشاطه الصناعي بطريقة تتّـسم أحيانا بالأبوية.
بعد رحيل نيكولا حايك، سيتذكّـر الجميع لحظات غضبه واستهجانه للسياسة التي انتهجها المصرف الوطني السويسري، في ظل رئاسة ماركوس لوسّـر إلى منتصف التسعينات. فقد كان لا يتواني عن توجيه اللوم الشديد إلى مؤسسة الإصدار المركزية، لتمسكها بسياسة الفرنك القوي، غير الملائمة للصناعات التصديرية.
إضافة إلى ذلك، كان المقاول ينتقِـد دوريا مبالغات البورصة ويُـعرب عن غضبه تُـجاه الأسواق المالية، التي لم تكن على بينة، حسب رأيه، بالقيمة الحقيقية للمجموعات الصناعية. وفي سياق آخر، عرف كيف يستخدم وتَـره الوطني، من خلال انخراطه لفائدة المعرض الوطني لعام 2002 أو الاحتفال بالعيد الوطني يوم 1 أغسطس فوق هضبة “غروتلي”.
الحماسة والإندفاع اللذان صاحبا التزاماته ومشاريعه، انعكسا إيجابا على نشاطه في قطاع صناعة الساعات. في هذا السياق، استخدم نيكولا حايك مفهوم “التأثّـر” أو “الإحساس”، من أجل افتكاك موقع قدم لساعات مجموعة سووتش في عالم الفخامة. ويبدو أنه نجح في توريث هذه الحماسة إلى ابنه نيك، الذي يُـؤمِّـل الجميع أن يكون – من خلال خطابه وتصرفاته- الخلف المؤهَّـل لمواصلة المسيرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.